نفوس كثير منهم الاستدلال على صدقه والاستئناس لذلك بسكوت كبرائهم وتقريرهم لها على مرعاها وشربها ، ولأنّ في اعتدائهم عليها إيذانا منهم بتحفزهم للإضرار بصالح عليهالسلام وبمن آمن به بعد ذلك وليروا صالحا عليهالسلام أنّهم مستخفّون بوعيده إذ قال لهم : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [الأعراف : ٧٣].
والضّمير في قوله : (فَعَقَرُوا) عائد إلى (الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) [الأعراف : ٧٥] ، وقد أسند العقر إليهم وإن كان فاعله واحدا منهم لأنّه كان عن تمالؤ ورضى من جميع الكبراء ، كما دلّ عليه قوله تعالى في سورة القمر [٢٩] : (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ) ، وهذا كقول النّابغة في شأن بني حنّ :
وهم قتلوا الطائي بالجوّ عنوة
وإنّما قتله واحد منهم
وذكر في الأثر : أنّ الذي تولّى عقر النّاقة رجل من سادتهم اسمه (قدار) ـ بضم القاف ودال مهملة مخففة وراء في آخره ـ ابن سالف. وفي حديث البخاري أنّ النبيصلىاللهعليهوسلم ذكر في خطبته الذي عقر الناقة فقال : انبعث لها رجل عزيز عارم (١) منيع في رهطه مثل أبي زمعة (٢).
والعقر : حقيقته الجرح البليغ ، قال امرؤ القيس :
تقول وقد مال الغبيط بنا معا |
|
عقرت بعيري يا إمرأ القيس فانزل |
أي جرحته باحتكاك الغبيط في ظهره من ميله إلى جهة ، ويطلق العقر على قطع عضو الحيوان ، ومنه قولهم ، عقر حمار وحش ، أي ضربه بالرّمح فقطع منه عضوا ، وكانوا يعقرون البعير المراد نحره بقطع عضو منه حتّى لا يستطيع الهروب عند النّحر ، فلذلك أطلق العقر عن النّحر على وجه الكناية قال امرؤ القيس :
ويوم عقرت للعذارى مطيّتي
وما في هذه الآية كذلك.
__________________
(١) العارم ـ بعين مهملة ـ الجبّار.
(٢) أبو زمعة هو الأسود بن المطّلب القرشي مات كافرا.