إنّ المتّقين وطلّاب الحقّ يتّعظون به ، ويرون فيه سمات الحقّ ، وإنّه عون لهم في الوصول إلى طريق الله سبحانه.
وبناء على هذا فكما يجدر بالإنسان ـ بل يجب عليه ـ أن يفتح عينه للاستفادة من إشعاع النور ، فإنّ عليه كذلك أن يفتح عين قلبه للاستفادة من نور القرآن العظيم.
ويضيف في الآية اللاحقة : (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ).
إنّ هؤلاء الكفرة الذين يتحدّون القرآن الكريم اليوم ويكذّبونه ، فإنّهم غدا حيث (يوم الظهور) و (يوم البروز) وهو وفي نفس الوقت (يوم الحسرة) يدركون مدى عظمة النعمة التي فرّطوا بها بسبب لجاجتهم وعنادهم ، وما جلبوه لأنفسهم من أليم العذاب ، ذلك اليوم الذي يشاهدون فيه ما عليه المؤمنون من نعيم ونعمة ، وعندئذ تكون المقارنة بين هؤلاء وبين من غضب الله عليهم ، فعند ذلك سيعضّون أصابع الندم ، يقول تعالى : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) (١).
ولكي لا يتصور أحد أنّ التكذيب والتشكيك كان بلحاظ غموض وإبهام مفاهيم القرآن الكريم ، فيضيف في الآية اللاحقة : (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ).
التعبير بـ (حقّ اليقين) في إعتقاد بعض المفسّرين هو في قبيل (إضافة شيء إلى نفسه) لأنّ (الحقّ) هو (اليقين) نفسه و (اليقين) هو (عين الحقّ) وذاته ، وذلك كما يقال : (المسجد الجامع) أو (يوم الخميس) ، ويقال له باصطلاح النحاة (إضافة بيانية) إلّا أنّ الأفضل أن يقال في مثل هذه الإضافة : إضافة (الموصوف إلى الصفة).
يعني أنّ القرآن الكريم هو (يقين خالص) أو بتعبير آخر أنّ لليقين مراحل
__________________
(١) الفرقان ، الآية ٢٧.