فأتى النبي فقال : يا رسول الله ، بلغني أنّك تريد قتل أبي ، فإن كنت فاعلا فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، وأخشى أن تأمر غيري بقتله فلا تدعني نفسي نظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار. فقال النبي : بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا ، فكان بعد ذلك إذا أحدث حدثا عاتبه قومه وعنّفوه) (١).
* * *
التّفسير
علامات اخرى للمنافقين :
تأتي هذه الآيات لتكمّل توضيح علامات المنافقين التي بدأتها الآيات التي سبقتها ، يقول تعالى : (إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ).
لقد وصل بهم الكبر والغرور مبلغا حرمهم من استثمار الفرص والاستغفار والتوبة والعودة إلى طريق الحقّ والصواب. وكان «عبد الله بن أبي» هو النموذج البارز لهذا التكبّر والطغيان ، وقد تجسّد ذلك في جوابه على من طلب منه الذهاب إلى رسول الله للاستغفار ، عند ما قال «لقد أمرتموني أن أؤمن فآمنت ، وقلتم : أعط الزكاة فأعطيت ، لم يبق بعد إلّا أن تأمروني بأن أسجد لمحمّد».
إنّ حبّ المنافقين لأنفسهم وعبادتهم لذواتهم ، جعلتهم أبعد ما يكونون عن الإسلام الذي يعني التسليم والرضا والاستسلام الكامل للحقّ.
«لووا» من مادّة (لي) وهي في الأصل بمعنى برم الحبل ، وتأتي أيضا بمعنى إمالة الرأس وهزّه إعراضا واستكبارا.
__________________
(١) الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٢ ، ص ٨١ ـ ٨٢.