فمنهم من يطيع أهله فيقيم ، فحذّرهم الله أبناءهم ونساءهم ، ونهاهم عن طاعتهم ، ومنهم من يمضي ويذرهم ويقول : أما والله لئن لم تهاجروا معي ثمّ جمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبدا. فلمّا جمع الله بينه وبينهم أمر الله أن يتوق بحسن وصله فقال : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).
التّفسير
أولادكم وأموالكم وسيلة لامتحانكم :
حذّر القرآن الكريم من مغبّة الوقوع في الحبّ المفرط للأولاد والأموال ، الذي قد يجرّ إلى عدم الطاعة لله ورسوله حيث قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ).
إنّ هناك مظاهر عديدة لهذه العداوة ، فأحيانا يتعلّقون بثيابكم ليحرموكم خير الهجرة ، واخرى ينتظرون موتكم ليسيطروا على أموالكم وثروتكم ، وما إلى ذلك.
وليس كلّ الأولاد ، ولا كلّ الزوجات كذلك ، لهذا جاءت «من» التبعيضيّة.
وتظهر هذه العداوة أحيانا بمظهر الصداقة وتقديم الخدمة ، وحينا آخر تظهر بسوء النيّة وخبث المقصد.
وعلى كلّ حال فإنّ الإنسان يصبح على مفترق طريقين ، فطريق الله وطريق الأهل والأزواج ، ولا ينبغي أن يتردّد الإنسان في اتّخاذ طريق الله وإيثاره على غيره ، ففيه النجاة والصلاح في الدنيا والآخرة. وهذا ما أكّدت عليه الآية ٢٣ من سورة التوبة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
ومن أجل أن لا يؤدّي ذلك إلى الخشونة في معاملة الأهل ، نجد القرآن
__________________
(١) تفسير علي بن إبراهيم طبقا لنقل نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٤٢ ، ونقل هذا المعنى باختصار أشدّ في (الدرّ المنثور) وتفاسير اخرى لم تكن شاملة كالرواية أعلاه.