يديه من المهاجرين والأنصار ـ أهل بدر ـ فشقّ ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الكراهة في وجوههم ، فقال المنافقون : ألستم تزعمون أنّ صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟ والله ما رأيناه قد عدل على هؤلاء! إنّ قوما أخذوا مجالسهم وأحبّوا القرب من نبيّهم ، فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه .. فبلغنا أنّ رسول الله قال : «رحم الله رجلا يفسح لأخيه» فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعا ، فيفسح القوم لإخوانهم ونزلت هذه الآية (١).
التفسير
احترام أهل السابقة والإيمان :
تعقيبا على الموضوع الذي جاء في الرّوايات السابقة حول ترك (النجوى) في المجالس ، يتحدّث القرآن عن أدب آخر من آداب المجالس حيث يقول سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا) (٢) (يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ).
«تفسّحوا» من مادّة (فسح) على وزن قفل بمعنى المكان الواسع ، وبناء على هذا ، فإنّ التفسّح بمعنى التوسّع ، وهذه واحدة من آداب المجالس ، فحين يدخل شخص إلى المجلس فإنّ المرجو من الحاضرين أن يجلسوا بصورة يفسحوا بها مجالا له ، كي لا يبقى في حيرة وخجل ، وهذا الأدب أحد عوامل تقوية أواصر المحبّة والودّ على عكس النجوى التي أشير إليها في الآيات السابقة ، والتي هي أحد عوامل التفرقة والشحناء ، وإثارة الحساسيات والعداوة.
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ٢٨ ، ص ٢٥. ومجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٥٢ ، ونقل مفسّرون آخرون نفس النصّ باختلاف قليل كالفخر الرازي والقرطبي والسيوطي في الدرّ المنثور وفي ظلال القرآن أيضا في نهاية الآية مورد البحث.
(٢) إنّ اختلاف التعبيرين ـ تفسّحوا وافسحوا ـ عن الآخر وهو أنّ أحدهما من تفعّل ، والآخر من الثلاثي المجرّد ، ويمكن أن يكون الفرق أنّ الأوّل له صفة التكلّف ، والآخر خال من هذه الصفة ، يعني كما لو قال قائل : افسحوا للشخص الذي يقدم توّا ، فإنّ الجالسين بدون أن يشعروا بالتكلّف يتفسّحون ، (يرجى ملاحظة ذلك).