الأحوال ، والخشية من محكمة عدله ودقّة حسابه الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها في صحيفة أعمالنا .. ولذا فإنّ التوجّه إلى هذين الأساسين (المبدأ والمعاد) كان على رأس البرامج التربوية للأنبياء والأولياء ، وذلك لتأثيرها العميق في تطهير الفرد والمجتمع.
والنقطة الجديرة بالملاحظة أنّ القرآن الكريم يعلن هنا ـ بصراحة ـ أنّ الغفلة عن الله تسبّب الغفلة عن الذات ، ودليل ذلك واضح أيضا ، لأنّ نسيان الله يؤدّي من جهة إلى انغماس الإنسان في اللذات المادية والشهوات الحيوانية ، وينسى خالقه ، وبالتالي يغفل عن ادّخار ما ينبغي له في يوم القيامة.
ومن جهة اخرى فانّ نسيان الله ونسيان صفاته المقدّسة وأنّه سبحانه هو الوجود المطلق والعالم اللامتناهي ، والغنى اللامحدود .. وكلّ ما سواه مرتبط به ، ومحتاج لذاته المقدّسة .. كلّ ذلك يسبّب أن يتصوّر نفسه مستقلا ومستغنيا عن المبدأ (١).
وأساسا فإنّ النسيان ـ بحدّ ذاته ـ من أكبر مظاهر تعاسة الإنسان وشقائه ، لأنّ قيمة الإنسان في قابلياته ولياقاته الذاتية وطبيعة خلقه التي تميّزه عن الكثير من المخلوقات ، وإذا نسيها فهذا يعني نسيان إنسانيته ، وفي مثل هذه الحالة يسقط الإنسان في وحل الحيوانية ، ويصبح همّه الأكل والشرب والنوم والشهوات.
وهذه كلّها عامل أساس للفسق والفجور ، بل إنّ نسيان الذات هو من أسوأ مصاديق الفسق والخروج عن طاعة الله ، ولهذا يقول سبحانه : (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
وممّا يجدر بيانه أنّ الآية لم تقل «لا تنسوا الله» ، بل وردت بعبارة (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ) أي كالأشخاص الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، وهي
__________________
(١) الميزان ، ج ١٩ ، ص ٢٥٣.