في الحقيقة بيان مصداق حسّي وواضح يمكن للإنسان أن يرى فيه عاقبة نسيان الله تعالى.
والظاهر أنّ المقصود في هذه الآية هم المنافقون والذين أشير لهم في الآيات السابقة ، أو أنّ الملاحظ فيها هم يهود بني النضير ، أو كلاهما.
وجاء نظير هذا المعنى في قوله تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١).
ومع وجود قدر من التفاوت بين الآيتين ، أنّه ذكر نسيان الله هناك كسبب لقطع رحمة الله عن الإنسان ، وفي هذه الآية محل البحث سبب لنسيان الذات. وبالتالي فإنّ الآيتين تنتهيان إلى نقطة واحدة. «فلاحظ»
وفي آخر آية ـ مورد البحث ـ يستعرض سبحانه مقارنة بين هاتين الجماعتين : الجماعة المؤمنة المتّقية السائرة باتّجاه المبدأ والمعاد ، والجماعة الغافلة عن ذكر الله ، التي ابتليت كنتيجة للغفلة عن الله بنسيان ذاتها.
حيث يقول سبحانه : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ).
ليس في الدنيا ، ولا في المعتقدات ، وليس في طريقة التفكير والمنهج ، وليس في طريقة الحياة الفردية والاجتماعية للإنسان وأهدافه ، ولا في المحصّلة الأخروية والجزاء الإلهي .. إذ أنّ خطّ كلّ مجموعة من هاتين المجموعتين في اتّجاه متعارض .. متعارض في كلّ شيء وكلّ مكان وكلّ هدف .. إحداهما تؤكّد على ذكر الله والقيامة وإحياء القيم الإنسانية الرفيعة ، والقيام بالأعمال الصالحة كذخيرة ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .. والاخرى غارقة في الشهوات واللذات المادية ، وأسيرة الأهواء ومبتلية بالنسيان (٢) .. وبهذا فإنّ الإنسان على مفترق
__________________
(١) التوبة ، الآية ٦٧.
(٢) حذف المتعلّق أي متعلّق «لا يستوي» دليل على العموم.