نعم ، التقوى والخوف من الله يدعوان الإنسان للتفكير بيوم غده (القيامة) بالإضافة إلى السعي إلى تنقية وتخليص وتطهير أعماله.
إنّ تكرار الأمر بالتقوى هنا تأكيد محفّز للعمل الصالح ، كما أنّ الرادع عن ارتكاب الذنوب هو التقوى والخوف من الله تعالى.
واحتمل البعض أنّ الأمر الأوّل للتقوى هو بلحاظ أصل إنجاز الأعمال ، أمّا الثاني فإنّه يتعلّق بطبيعة الإخلاص فيها.
أو أنّ الأوّل ملاحظ فيه إنجاز أعمال الخير ، بقرينة جملة (ما قدّمت). والثاني ملاحظ فيه ما يتعلّق بتجنّب المعاصي والذنوب.
أو أنّ الأوّل إشارة إلى التوبة من الذنوب الماضية ، والثاني (تقوى) للمستقبل.
إلّا أنّه لا توجد قرينة في الآيات لهذه التفاسير ، لذا فإنّ التأكّد أنسب.
والتعبير بـ (غد) إشارة إلى يوم القيامة ، لأنّه بالنظر إلى قياس عمر الدنيا فإنّه يأتي مسرعا ، كما أنّ ذكره هنا بصيغة النكرة جاء لأهميّته.
والتعبير بـ (نفس) دلالة على مفرد ، ويمكن أن تعني كلّ نفس ، يعني كلّ إنسان يجب أن يفكّر بـ (غده) بدون أن يتوقّع من الآخرين إنجاز عمل له ، وما دام هو في هذه الدنيا فإنّه يستطيع أن يقدّم لآخرته بإرسال الأعمال الصالحة من الآن إليها.
وقيل أنّه إشارة إلى قلّة الأشخاص الذين يفكّرون بيوم القيامة ، كما نقول : (يوجد شخص واحد يفكّر بنجاة نفسه) إلّا أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب حسب الظاهر ، كما أنّ خطاب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وعمومية الأمر بالتقوى ، دليل على عمومية مفهوم الآية.
وأكّدت الآية اللاحقة بعد الأمر بالتقوى والتوجّه إلى يوم القيامة على ذكر الله سبحانه ، حيث يقول تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ).
وأساسا فإنّ جوهر التقوى شيئان : ذكر الله تعالى ، وذلك بالتوجّه والانشداد إليه من خلال المراقبة الدائمة منه واستشعار حضوره في كلّ مكان وفي كلّ