وعلى كلّ حال فإنّ العذاب الذي يخشاه الشيطان ـ في الظاهر ـ هو عذاب الدنيا ، وبناء على هذا فإنّ خوفه جدّي وليس هزلا أو مزاحا ، ذلك لأنّ الكثير من الأشخاص يخشون العقوبات الدنيوية المحدودة ، إلّا أنّهم لا يأبهون للعقوبات البعيدة المدى ولا يعيرون لها اهتماما.
نعم ، هكذا حال المنافقين حيث يدفعون بحلفائهم من خلال الوعود الكاذبة والمكر والحيلة إلى اتون المعارك والمشاكل ثمّ يتركونهم لوحدهم ، ويتخلّون عنهم ، لأنّ الوفاء لا يجتمع والنفاق.
وتتحدّث الآية اللاحقة عن مصير هاتين الجماعتين (الشيطان وأتباعه ، والمنافقين وحلفائهم من أهل الكفر) وعاقبتهما البائسة ، حيث النار خالدين فيها ، فيقول سبحانه عنهم : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (١).
وهذا أصل كلّي فإنّ عاقبة تعاون الكفر والنفاق ، والشيطان وحزبه ، هو الهزيمة والخذلان ، وعدم الموفّقية ، وعذاب الدنيا والآخرة ، في الوقت الذي تكون ثمره تعاون المؤمنين وأصدقائهم تعاون وثيق وبنّاء ، وعاقبته الخير ونهايته الإنتصار والتمتع بالرحمة الإلهية الواسعة في عالم الدنيا والآخرة.
وتوجّه الآية اللاحقة حديثها للمؤمنين بعنوان استنتاج من حالة الشؤم والبؤس التي اعترت المنافقين وبني النضير والشياطين ، حيث يقول تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) (٢).
ثمّ يضيف تعالى مرّة اخرى للتأكيد بقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
__________________
(١) «عاقبتهما» خبر «كان» ومنصوب ، و (إنّهما في النار) جاءت بمكان اسم كان و «خالدين» حال لضمير «هما».
(٢) «ما» في (ما قدّمت لغد) هل أنّها موصولة أو استفهامية؟ هناك احتمالان ، والآية الشريفة لها القدرة على تقبّل الاحتمالين ، بالرغم من أنّ الاستفهامية أنسب.