ثمّ يستعرض القرآن الكريم تشبيها للمنافقين حيث يقول سبحانه : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) (١).
ما المقصود بـ «الإنسان» في هذه الآية؟
هل هو مطلق الإنسان الذي يقع تحت تأثير الشيطان ، وينخدع بأحابيله ووعوده الكاذبة ، ويسير به في طريق الكفر والضلال ، ثمّ إنّ الشيطان يتركه ويتبرّأ منهم؟.
أو أنّ المقصود به شخص خاصّ أو (إنسان معيّن) كأبي جهل وأتباعه ، حيث أنّ ما حصل لهم في غزوة بدر كان نتيجة تفاعلهم مع الوعود الكاذبة للشيطان ، وأخيرا ذاقوا وبال أمرهم وطعم المرارة المؤلمة للهزيمة والانكسار ، كما في قوله تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ، إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢).
أو أنّ المقصود منه هنا هو (برصيصا) عابد بني إسرائيل ، حيث انخدع بالشيطان وكفر بالله ، وفي اللحظات الحاسمة تبرّأ الشيطان منه وابتعد عنه ، كما سيأتي شرح ذلك إن شاء الله ...؟
التّفسير الأوّل هو الأكثر انسجاما مع مفهوم الآية الكريمة ، أمّا التّفسيران الثاني والثالث فنستطيع أن نقول عنهما : إنّهما بيان بعض مصاديق هذا المفهوم الواسع.
__________________
(١) بالرغم من أنّ التعبير بـ (كمثل) في هذه الآية وفي الآية السابقة متشابهان ، فإنّ بعض المفسّرين اعتبر الإثنين دليلا على مجموعة واحدة ، إلّا أنّ القرائن تبيّن بوضوح أنّ الأوّل يحكي وضع يهود بني النضير ، والثاني يحكي وضع المنافقين ، وعلى كلّ حال فإنّ هذه العبارة أيضا خبر لمبتدأ محذوف تقديره مثلهم كمثل الشيطان.
(٢) الأنفال ، الآية ٤٨.