أَوْ
حَدِيداً) إذ ليس الغرض أن لا يطلب منهم كونهم قردة أو حجارة أو
حديدا لعدم قدرتهم على ذلك ، لكنّ (١) في التّسخير يحصل الفعل ، أعني صيرورتهم
قردة ، وفي الإهانة لا يحصل ، إذ المقصود (٢) قلّة المبالاة بهم ، [والتّسوية (٣)
نحو : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا
تَصْبِرُوا)
، ففي الإباحة
كأنّ المخاطب توهّم أنّ الفعل محظور عليه ، فأذن له في الفعل مع عدم الحرج في
التّرك ، وفي التّسوية كأنّه توهّم أنّ أحد الطّرفين من الفعل والتّرك أنفع له ،
وأرجح بالنّسبة إليه ، فدفع ذلك وسوّى بينهما. [والتّمنّي (٤) نحو :
________________________________________
(كُونُوا حِجارَةً
أَوْ حَدِيداً) وهذا المثال يصلح للتّسخير أيضا ، والمثال الّذي يكون
نصّا في الإهانة قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) ، والحاصل إنّ صدر الآية وذيلها يدلّ على أنّهم لمّا
استبعدوا بعثهم خلقا جديدا بعد أن يكونوا عظاما ورفاتا ، أجابهم الله سبحانه بأنّ
استبعادكم بإعادة عظامكم ورفاتكم خلقا جديدا ، لا محلّ له حتّى أنّكم لو كنتم من
الجمادات المتأصّلة في الموت كالحجارة والحديد ، أو ما هو أعظم منهما تأصّلا في
عدم الحياة لأنشائكم أجساما تتحرّك.
(١) أتى بهذا
الاستدراك دفعا لتوهّم كون التّسخير والإهانة أمرا واحدا ، حيث إنّه يعتبر في كل
واحد منهما عدم القدرة. وحاصل
الدّفع : إنّهما
يفترقان بعد اشتراكهما في عدم كون الفعل مقدورا للمأمور في أنّ الفعل يحصل في
الخارج عند وجود الأمر فورا في التّسخير ، ولا يتحقّق عند تحقّقه في الإهانة.
(٢) أي المقصود
من الإهانة قلّة المبالاة بالكفرة.
(٣) أي تستعمل
صيغة في التّسوية بين شيئين ، والمقام المناسب لها توهّم المخاطب كون أحد الشّيئين
أرجح عن الآخر ، كقوله تعالى : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا
تَصْبِرُوا) فإنّه ربّما يتوهّم أنّ الصبر نافع ، فدفع ذلك
بالتّسوية بين الصّبر وعدمه ، فليس المراد بالصّيغة الأمر بالصّبر ، بل المراد كما
دلّت عليه القرائن التّسوية بين الأمرين ، والعلاقة بين التّسوية والأمر التّضادّ
، لأنّ التّسوية بين الفعل والتّرك تضادّ إيجاب أحدهما.
(٤) وهو طلب
الأمر المحبوب الّذي لا طماعيّة في وقوعه ، والعلاقة بينه وبين الأمر الإطلاق
والتّقييد ، حيث إنّ الأمر هو طلب الفعل استعلاء ، قد أطلق على الطّلب المطلق
المتحقّق
__________________