الّذي كان [نحو : أعصيت ربّك (١)] فإنّ العصيان واقع (٢) لكنّه منكر ، وما يقال : إنّه (٣) للتّقرير ، فمعناه التّحقيق والتّثبيت [أو لا ينبغي أن يكون] أي أن يحدث ويتحقّق مضمون ما دخلت عليه الهمزة ، وذلك في المستقبل [نحو : أتعصي ربّك (٤)] يعني لا ينبغي أن يتحقّق العصيان [أو للتّكذيب (٥)] في الماضيّ (٦) [أي لم يكن نحو : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ)(١) (٧)] أي لم يفعل ذلك [أو] في المستقبل أي [لا يكون
________________________________________
(١) أي نحو قولك لمن صدر منه عصيان : أعصيت ربّك ، أي لم عصيت ربّك ، أي ما كان ينبغي لك أن تعصيه ، فكان التّوبيخ على أمر واقع في الماضيّ.
فالحاصل : إنّ التّوبيخ ، أي التّعيير والتّقريع إمّا على أمر قد وقع في الماضيّ ، أو على أمر خيف وقوعه في المستقبل بأن كان المخاطب بصدد أن يوقعه ، ففي القسم الأوّل يفسّر التّوبيخ بقوله : «أي ما كان ينبغي أن يكون» وفي القسم الثّاني يفسّر بقوله : «أي لا ينبغي أن يكون».
(٢) أي فلا يكون الإنكار فيه للتّكذيب لوقوع المنكر وهو العصيان.
(٣) أي الإنكار في أعصيت ربّك ، للتّقرير ، فمعناه التّحقيق والتّثبيت ، أي تحقيق ما يعرفه المخاطب من الحكم في هذه الجملة لما سبق من أنّ التّقرير يقال بهذا المعنى.
(٤) أي نحو قولك لمن همّ بالعصيان ولم يقع منه : أتعصي ربّك ، أي إنّ هذا العصيان الّذي أنت بصدد عمله لا ينبغي أن يصدر منك في الاستقبال ، وهذا التّوبيخ لا يقتضي وقوع الموبّخ عليه بالفعل ، كما هو ظاهر ، وإنّما يقتضي كون المخاطب بصدد الفعل.
(٥) عطف على قوله : «للتّوبيخ» ، ويسمّى الإنكار التّكذيبي بالإنكار الإبطاليّ أيضا.
(٦) أي إنّ المخاطب إذا ادّعى وقوع شيء فيما مضى ، أتى المتكلّم بالاستفهام الإنكاريّ تكذيبا له في مدّعاه.
(٧) أي خصّكم بالبنين ، أي لم يصفكم ربّكم بالبنين ، وهذا خطاب لمن اعتقد أنّ الملائكة بنات الله ، وأنّ المولى خصّنا بالذّكور ، وخصّ نفسه بالبنات ، أي لم يكن الله خصّكم بالأفضل الّذي هو الأولاد الذّكور ، واتّخذ لنفسه أولادا دونهم ، وهم البنات ، بل أنتم كاذبون في هذه الدّعوى ، لتعاليه سبحانه عن الولد مطلقا ، فليس المراد توبيخهم ، بل تكذيبهم فيما قالوا ، لأنّ التّوبيخ بصيغة الماضي على فعل حصل من المخاطب.
__________________
(١) سورة الإسراء : ٤٠.