الأولى ، والمسند في الجملة الثّانية [نحو : يشعر زيد ويكتب] للمناسبة الظّاهرة بين الشّعر والكتابة (١) وتقارنهما (٢) في خيال أصحابهما [ويعطي] زيد [ويمنع] لتضادّ الإعطاء والمنع (٣) ، هذا (٤) عند اتّحاد المسند إليهما ، وأمّا عند تغايرهما فلا بدّ من تناسبهما (٥) أيضا ، وكما أشار إليه بقوله : [وزيد شاعر وعمرو كاتب ، وزيد طويل وعمرو
________________________________________
في إحداهما ، والمسند في الأخرى ، ولا باعتبار عكس ذلك ، وبالجملة لا باعتبار أحدهما فقطّ ، بل باعتبار كليهما ، وفي هذا الكلام ردّ وتخطئة على ما يفهم من ظاهر كلام السّكّاكي هنا حيث قال : «الجامع بين الجملتين إمّا عقليّ ، وهو أن يكون بين الجملتين اتّحاد في تصوّر ما مثل الاتّحاد في المخبر عنه ، أو في المخبر به ، أو في قيد من قيودهما» فإنّه يفهم منه كفاية الجامع في متصوّر واحد فردّه المصنّف بما في المتن.
(١) وجه المناسبة بين الشّعر والكتابة أنّ كلّا منهما تأليف كلام ، غاية الأمر الشّعر تأليف كلام موزون والكتابة تأليف كلام منثور ، فبينهما تماثل من حيث المسندين ، واتّحاد من حيث المسند إليهما. والحاصل : إنّ بين «يشعر زيد ويكتب» جامع باعتبار المسند إليهما ، والمسندين جميعا.
(٢) أي تقارن الشّعر والكتابة في خيال أصحابهما ، وهم الأدباء الّذين يميّزون الجيّد من كلّ من النّظم والنّثر عن رديئهما ، وهذا جامع آخر غير الأوّل ، فإنّ التّقارن في الخيال جامع خياليّ ، فيصحّ أن يكون بين الشّيئين جامعان ، أحدهما خياليّ ، والآخر عقليّ.
(٣) فالجامع بينهما وهميّ لما سيأتي من أنّ التّضادّ أمر بسببه يحتال الوهم في اجتماع الأمرين المتضادّين في المفكّرة ، والظّاهر أنّ المراد بالتّضادّ هو المعنى اللّغويّ ، أي مطلق التّنافي ، فلا يرد عليه أنّ التّقابل بين العطاء والمنع هو تقابل العدم والملكة ، هذا إن قلنا : بأنّ المنع هو عدم العطاء عمّن من شأنه العطاء ، وأمّا إن قلنا : إنّه كفّ النّفس عن العطاء ، فالتّقابل بينهما تقابل التّضادّ بحسب اصطلاحهم ، لكونهما حينئذ أمرين وجوديّين ، وكيف كان فالتّناسب حاصل لأجل التّضادّ.
(٤) أي ما ذكرنا من المثالين عند اتّحاد المسند إليهما في الجملتين ، لأنّ الاتّحاد مناسبة ، بل أتمّ مناسبة ، لأنّه جامع عقليّ.
(٥) أي من تناسب المسند إليهما كتناسب المسندين ، أي لا بدّ من جامع آخر ، وهو