لا اعرف خطابا أرق ولا ابلغ من هذا الخطاب ، فأي خطيب مهما كان يتمتع برائع البيان فانه ليعجز عن الكلام في مثل هذا الموقف الرهيب الذي تخرس فيه الأسود ، وتحجم فيه الابطال ... وكان خليقا بهذا الخطاب أن يرجع إليهم حوازب احلامهم ، ويحدث انقلابا فكريا وعمليا في صفوفهم لقد دعاهم لأن يرجعوا إلى نفوسهم وعقولهم لو كانوا يملكونها ليمعنوا النظر في شأنه ، فهو حفيد نبيهم وابن وصيه ، والصق الناس وأمسهم رحما به ، وهو سيد شباب أهل الجنة ، وفي ذلك حصانة له من سفك دمه وانتهاك حرمته ، الا ان ذلك الجيش لم يع هذا المنطق الفياض فقد خلد إلى الجريمة ، واستولى على قلوبهم زيغ قائم من الضلال فانساهم ذكر اللّه.
وانبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن وهو ممن غرق في الأثم فقال له :
«هو يعبد اللّه على حرف ان كان يدري ما تقول؟»
وما كان مثل ذلك الضمير المتحجر الذي ران عليه الباطل أن يعي منطق الامام أو يفهم مقالته ، وتصدى لجوابه حبيب بن مظاهر فقال له :
«واللّه اني أراك تعبد اللّه على سبعين حرفا ، وأنا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول : قد طبع اللّه على قلبك» واستمر الامام في خطابه فقال :
«فان كنتم في شك من هذا القول ، أفتشكون أني ابن بنت نبيكم فو اللّه ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ، ويحكم اتطلبونني بقتيل منكم قتلته ، أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة»