الأُولى : من عقائدنا الحقّة أنّ الله تعالى ليس بجسم ـ خلافاً للمجسّمة الكرامية في القديم ، والوهّابية من الحنابلة في الجديد ـ وإنّما لم يكن جسماً ، لأنّه لو كان للزم التركيب ، ولازم التركيب الاحتياج ، والاحتياج علامة الإمكان ، والله سبحانه واجب الوجود لذاته ، وليس بممكن.
فالقول بالجسمية يلزمه نواهي فاسدة : منها : احتياج الله وافتقاره ، وهو الغني في الذات ، كما يلزمه الإمكان ، وهو واجب الوجود لذاته ، وهذا ما يقول به العقل السليم ، كما عليه الأدلّة النقليّة : من الآيات والروايات الشريفة.
والثانية : لا تعارض في الواقع بين الحجّة الباطنية وهو العقل ، والحجّة الظاهرية وهو النبيّ ، فكلاهما من الواحد الأحد ، فلا يكون بينهما اختلاف ، بل أحدهما يُعاضد الآخر ، فكلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع ، ولمّا كان الشرع وهو الوحي أوسع دائرة ، فإنّه كلّما حكم به الشرع حكم به العقل إن أدركه ، وإلاّ فإنّه يسكت ولا يخالفه ، فإنّ العقل لا يدرك فلسفة صلاة الصبح لماذا تكون ركعتين؟ فحينئذ لا يخالفه ، بل يسلّم أمره إلى الوحي ويذعن به ، باعتبار أنّه الصادق الأمين.
والثالثة : إذا شاهدنا تعارضاً بين العقل والسمع ـ أي النقل من آية قرآنية أو حديث نبوي ـ في الظاهر ، أي الاختلاف كان ظاهرياً وليس في الواقع ، فحينئذ إمّا أن نقول بطرحهما ، وهذا لا يصحّ كما هو واضح ، أو نقول بحكم أحدهما فيلزم ترجيح بلا مرجّح ، كما لا يمكن الأخذ بهما أو بظاهرهما معاً ، لاختلافهما وتعارضهما ، ولا يمكن الجمع بين المتناقضين ، فلا يبقى لنا إلاّ أن نأخذ بحكم العقل وهو الحجّة الباطنية ، ونؤوّل النقل ، أي نقول بتأويل الظاهر ، وبهذا أخذنا بالعقل والنقل ، وبالحجّتين سويةً.
وحينئذٍ ، لمّا ثبت أنّ الله ليس بجسم مطلقاً ، وأنّه الوجود المجرد المحض ، لا يحيطه الإنسان بعقله وتصوّره ، فما ينسب إليه من الجوارح في القرآن الكريم ،