فهاتان كرامتان للنبيّ صلىاللهعليهوآله خصّ بها هذين الإمامين علي والحسين عليهماالسلام فقط ، وهما ـ بناءً على صحّتها ، ولا مانع من قبولهما عقلاً ونقلاً ـ لا ينشران الحرمة كما تخيّلها من يعيّركم بذلك في إرضاع الكبير ، وذلك أنّ الفقهاء من جميع المذاهب ذكروا للرضاع المحرّم شروطاً كمّاً وكيفاً ، وهي غير متوفّرة في المقام.
ثمّ إنّ جميع فقهاء المذاهب ذكروا بعدم تأثير إرضاع الرجل ـ لو تمّ ـ في نشر الحرمة ، واليك بعض ما قالوه :
١ ـ واتفقوا على أنّ الرجل لو درّ له لبن ، فأرضع منه طفلاً لم يثبت به تحريم (٢).
٢ ـ ولو بأشر الرجل الإرضاع ، بأن نزل اللبن من ثدييه ، فأرضع صبيين لا تثبت الأخوّة بينهما ... (٣).
وللمطارفة والمفاكهة سل ممّن يعيّركم في مسألة الإرضاع ، ما رأيه في نشر الحرمة من رضاع البهيمة ، كما قال به البخاريّ صاحب الصحيح ، والذي هو أصحّ كتاب بعد كتاب الله عندهم ، وبسبب هذه الفتيا الشاذّة أخرجوه من بخارا ، واليك نصّ ما قاله السرخسي الحنفي في كتابه المبسوط ، قال : « ولو أُرضع الصبيان من بهيمة لم يكن ذلك رضاعاً ، وكان بمنزلة طعام أكلاه من إناء واحد.
ومحمّد بن إسماعيل صاحب الأخبار يقول : يثبت به حرمة الرضاع ، فإنّه دخل بخارا في زمن الشيخ الإمام أبي حفص وجعل يفتي ، فقال له الشيخ : لا تفعل فلست هناك ، فأبى أن يقبل نصحه ، حتّى استفتي عن هذه المسألة : إذا أرضع صبيان بلبن شاة ، فأفتى بثبوت الحرمة ، فاجتمعوا وأخرجوه من
__________________
١ ـ رحمة الأُمّة : كتاب الرضاع.
٢ ـ المبسوط ٣٠ / ٢٩٣.