وثانياً : هو حديث منقطع الإسناد ، لأنّ سويد بن غفلة ، وإن كان معدوداً من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ، إلاّ أنّه لم يسمع من النبيّ صلىاللهعليهوآله حديثه ، ولذلك عقّب الذهبيّ على تصحيح الحاكم ، فقال : مرسل قوي ... إلى أن قال : « فالعجب من الحاكم كيف صحّحه »؟!
أقول : إذا كان في ذلك ما يبعث على العجب ، فماذا يقول الذهبيّ في موافقة شرّاح البخاريّ ـ كابن حجر في « فتح الباري » ، والقسطلاني في « إرشاد الساري » ، والعيني في « عمدة القاري » ـ للحاكم في تصحيحه؟
وأعجب العجب أنّ الذهبيّ نفسه روى هذا الحديث في سير أعلام النبلاء ، ولم يعقّب عليه بشيء! (١).
وثالثاً : فيه من التهافت الظاهر ما ينبغي الالتفات إليه ، وذلك في قول سويد : خطب علي ابنة أبي جهل إلى عمّها الحارث بن هشام ، وقوله : فاستشار علي النبيّ صلىاللهعليهوآله ... ، فأيّ معنى لاستشارة النبيّ صلىاللهعليهوآله بعد الخطبة؟ ولو كان العكس لصحّ ذلك منه.
ومع ذلك كلّه فبقية الحديث من قوله : فاستشار النبيّ صلىاللهعليهوآله ... إلى آخره ، هي أساس ما نسج حوله الرواة ، كالمسور وأضرابه ، وهي في نفس الوقت تنفي وقوع الخطبة من علي ، كما تنفي خطبة النبيّ صلىاللهعليهوآله في الناس على المنبر معلناً غضبه ... ، فيكون الحديث بكلّ بساطة خاطرة خطرت لعلي ، فاستشار النبيّ صلىاللهعليهوآله مستأذناً ، وقال : « أتأمرني بذلك » ، فقال : « لا ... » ، فقال علي : « لا آتي شيئاً تكرهه ».
وبهذا المعنى ردّ ابن عباس على عمر في محاورة جرت بينهما في حديث الخلافة ، أشار فيها إلى هذا المعنى ، والمحاورة طويلة جاء فيها : « قال عمر لابن عباس : إنّ صاحبكم هذا ـ يعني علي بن أبي طالب ـ إن ولي زهد ، ولكنّي
__________________
١ ـ سير أعلام النبلاء ٢ / ١٢٥.