والسؤال الآن الذي يفرض نفسه : هل إنّ القصّة مفتعلة أساساً ، أم لها نصيب من الصحّة ولو كان ضعيفاً؟ إذ ليس من المقبول عقلاً أن يكون المسور على ما هو عليه من البغض والشنآن يختلق قصّة موهومة من عالم الخيال ، فيذيعها لتكون حقيقة ثابتة ، وهي ليس لها أساس لا يعقل ذلك ، إذ لا يوجد دخّان من دون نار ، ولابدّ من منشأ انتزاع.
إذاً ما هو الواقع في ذلك؟
هذا ما يجب أن نبحث عنه بصبر وأناة في مختلف المصادر الحديثية والتاريخية والنسبية ، وقد بحثت فيما وصلت إليه يدي فلم أجد سوى حديث يرويه سويد بن غفلة ، أخرجه الحاكم في المستدرك ، وفيه ما يمكن أن يجعل أساساً لتلك القصّة ، وإليك الحديث بنصّه :
قال الحاكم : « أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، أخبرني أبي عن الشعبي عن سويد بن غفلة ، قال : خطب علي ابنة أبي جهل إلى عمّها الحارث بن هشام ، فاستشار النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقال : « أعن حسبها تسألني »؟
قال علي : « قد أعلم ما حسبها ، ولكن أتأمرني بها »؟ فقال : « لا ، فاطمة مضغة منّي ، ولا أحسب إلاّ وأنّها تحزن أو تجزع » ، فقال علي : « لا آتي شيئاً تكرهه » هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة » (١).
أقول : هذا الحديث لا يخلو أوّلاً سنده من مناقشة في رجاله ، ويكفي وجود الشعبي الذي كان مائلاً لبني أُمية ، ومرّ بيان حاله فيما سبق ، ولا حاجة إلى إعادته.
قال معمر : « وبلغني أنّ الشعبي كان يلعب بالشطرنج ، ويلبس ملحفة حمراء ، ويرمي بالجلاهق ... » (٢).
__________________
١ ـ المستدرك ٣ / ١٥٨.
٢ ـ المصنّف للصنعانيّ ١٠ / ٤٦٧.