يا لله من قوم لا يستحيون من الكذب ، أهكذا تبلغ الوقحة بهم أن يرووا ذلك ، هم يترجمون عبد الرحمن بن عتّاب ويذكرون ولادته في آخر حياة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فيكون عمره يوم قتل ٢٦ سنة ، فهل يعقل أن يقول علي ذلك في إنسان حاربه مع أعدائه؟ ولم يكن له في تاريخ قريش على اختلاف بيوتاتهم ، وأيّام صولاتهم مقام مشهود ، ولا مقال محمود ، ثمّ يصفه بأنّه يعسوب قريش ، واليعسوب هو سيّد النحل وأميره ...؟!
فبماذا استحقّ منه هذا التقريض؟ ولماذا منه كلّ هذا التفجّع والتوجّع المزعوم؟!
ولعلّ قحة قائلهم تبلغ به فيزعم أنّ مبعث ذلك هو حنين نفسه إلى أُمّه ، وليعلم القارئ أنّ جويرية هذه هي التي سبق لها أن قالت يوم فتح مكّة ، وقد سمعت الأذان على ظهر الكعبة : « قد لعمري رفع لك ذكرك ، أمّا الصلاة فسنصلّي ، والله لا نحبّ من قتل الأحبّة أبداً » ، فعلي عليهالسلام هو أبرز من قتل الأحبّة.
والآن بعد أن بيّنا زيف المسور في روايته ، نعود فنذكّر القارئ مرّة أُخرى بما مرّ منّا سابقاً في أوّل ذكر الرواة ، فنقول : حدث بتلك المثابة من الأهمّية يغضب فاطمة عليهاالسلام ، ويغضب أبوها لغضبها ، فيخرج إلى المسجد ويخطب الناس في ذلك إلى آخر ما مرّ في حديث المسور ، ثمّ لا يرويه من الصحابة الحضور ـ من مهاجرين وأنصار ـ إلاّ المسور ، مع توفّر الدواعي إلى نقله ، خصوصاً عند شانئي علي عليهالسلام إنّ ذلك لعجيب!!
ولو كان الحدث بحذافيره كما يرويه المسور في حديثه لرواه المخالف قبل المؤالف ، وهذا ليس كفضائله التي أخفاها أولياؤه خوفاً وأعداؤه حسداً ، ومع ذلك شاع من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين.
إذاً ليس من المعقول تصديق المسور في جميع زعمه لتلك القصّة بكامل تفاصيلها ، كما رواها وحده دون بقية الناس الذين خطبهم النبيّ صلىاللهعليهوآله ، اللهم لا يقبل ذلك منه.