الأقوال التي لا يخفى تنطّع أصحابها وسماجتها.
والعجب من ابن حجر ـ وهو على ما عنده من المعرفة ـ كيف يذكرها ولا يعقّب عليها بنقد ، وكأنّه قد ارتضاها ، وهي كما ترى.
والآن وقد انتهينا من النظر في أحاديث البخاريّ الخمسة ، وهي أوصال متقطّعة لحديث واحد رواه المسور بن مخرمة ، نعود فنسأل المسور ورواة حديثه ، وحتّى أصحاب الصحاح ، ومن أخرجه عنه ، ثلاثة أسئلة تفرض نفسها :
الأوّل : ما بال علي يخطب ابنة أبي جهل؟ وهو الذي يعلم بعداوة أبي جهل للإسلام ونبيّه ، حتّى قتل ببدر كافراً ، وعلي نفسه قد قتل من بني هشام بن المغيرة في يوم بدر ويوم أُحد عشرة ، ثمانية منهم ببدر ، وتاسعهم كان حليفاً لهم ، وعاشرهم قتله يوم أُحد.
فما باله يخطب من أناس وترهم بآبائهم وإخوانهم ، وهو يعلم بوغر صدورهم لما لهم عنده من ترات لم يطفئ الإسلام إوار الحقد من صدورهم ، وهم كبقية قريش إنّما كانوا يبغضون علياً لأنّه قتل منهم سبعين رجلاً ، كأنّ وجوههم سيوف الذهب على حدّ قول عثمان بن عفّان (١)؟
ثمّ ما باله يخطبها من رجل سبق له أن أراد قتله يوم فتح مكّة ، فاستجار بأخته أُمّ هاني ، وهو الحارث بن هشام ، كما في حديث سويد بن غفلة وسيأتي ، فأجارته أُمّ هاني ، فدخل عليه علي وقد شهر سيفه يريد قتله ، فمنعته أُمّ هاني من ذلك ، كما منعته من قتل جميع من استجار بها ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله في ذلك : « قد أجرنا من أجارت أُمّ هاني » (٢).
ثمّ ما الذي أغراه بها؟ علوّ النسب أو كمال الحسب؟ مع أنّها لم تكن بتلك الحسناء ، بل وصفوها بأنّها العوراء ، ولو شاء الزواج ، لِمَ لم يتزوّج بنت عمّه
__________________
١ ـ معرفة الصحابة ١ / ٣٠١ ط مكتبة الدار بالمدينة المنورة سنة ١٤٠٨ هـ.
٢ ـ سبل الهدى والرشاد ٩ / ١٢٦.