ويمكن الجمع بين الحديثين بتوحيد السبب في خطبة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، أمّا في الحديث الرابع الذي نحن بصدده ، فقد جاء أنّ السبب هو استئذان بني هشام ابن المغيرة في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فسمعه المسور يقول : « فلا آذن ، ثمّ لا آذن ، ثمّ لا آذن ... ».
أمّا الحديث الخامس ، فهو جزء من الحديث الرابع ، إلاّ أنّ البخاريّ أغرب في وضعه تحت عنوان ليس فيه أيّة دلالة على المعنون ، فقد أورده في كتاب الطلاق في باب الشقاق ، ثمّ لم يورد غيره في ذلك الباب.
وهذا ما أربك شرّاح الصحيح ، وإلى القارئ ما قاله وحكاه عنهم ابن حجر : قال : « ثمّ ذكر ـ أي البخاريّ ـ طرفاً من حديث المسور في خطبة علي بنت أبي جهل ، وقد تقدّمت الإشارة إليه في النكاح ، واعترضه ابن التين ، بأنّه ليس فيه دلالة على ما ترجم به ، ونقل ابن بطال قبله عن المهلب قال : إنّما حاول البخاريّ بإيراده أن يجعل قول النبيّ صلىاللهعليهوآله : « فلا آذن » خلعاً ، ولا يقوى ذلك ، لأنّه قال في الخبر : « إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي » ، فدلّ على الطلاق ، فإن أراد أن يستدلّ بالطلاق على الخلع فهو ضعيف ، وإنّما يؤخذ منه الحكم بقطع الذرائع.
وقال ابن المنير في الحاشية : يمكن أن يؤخذ من كونه صلىاللهعليهوآله أشار بقوله : « فلا آذن » إلى أنّ علياً يترك الخطبة ، فإذا ساغ جواز الإشارة بعدم النكاح التحق به جواز الإشارة بقطع النكاح.
وقال الكرماني : تؤخذ مطابقة الترجمة من كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك ، فكان الشقاق بينها وبين علي متوقّعاً ، فأراد صلىاللهعليهوآله دفع وقوعه بمنع علي من ذلك بطريق الإيماء والإشارة ، وهي مناسبة جيّدة » (١).
وإلى هنا ننهي ما نقلناه عن ابن حجر ، ولا نعقّب بقليل أو كثير على تلك
__________________
١ ـ فتح الباري ٩ / ٣٣٢.