ورابعاً : نعود إلى قول المسور : فسمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ، وأنا يومئذ محتلم.
وهذا من أكاذيبه التي أربكت شرّاح الصحيح أيضاً ، فقالوا ما قالوا ، وإلى القارئ بعض ما قالوا :
قال ابن سيّد الناس : هذا غلط ، والصواب ما وقع عند الإسماعيلي بلفظ كالمحتلم!!
قال : والمسور لم يحتلم في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لأنّه ولد بعد ابن الزبير ، فيكون عمره عند وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله ثمان سنين ....
ثمّ قال ابن حجر : قلت كذا جزم به وفيه نظر ، فإنّ الصحيح أنّ ابن الزبير ولد في السنة الأُولى ، فيكون عمره عند الوفاة النبوية تسع سنين ، فيجوز أن يكون احتلم في أوّل سني الإمكان! أو يحتمل قوله : « محتلم » على المبالغة ، والمراد التشبيه ، فتلتئم الروايتان ، وإلاّ فابن ثمان سنين لا يقال له محتلم ، ولا كالمحتلم ، إلاّ أن يريد بالتشبيه أنّه كان كالمحتلم في الحذق والفهم والحفظ ، والله أعلم (١).
فانظر بربّك إلى هذا التحمّل الفاسد في توجيه كلام المسور المعاند ، فهل تجد له في كلام أبناء آدم من شاهد؟
هذا ما يتعلّق بأوّل حديث رواه البخاريّ ، أمّا حديثه الثاني فليس فيه ما يستدعي المناقشة والوقوف عنده ، وإنّما هو جزء من الحديث الأوّل.
وأمّا الحديث الثالث ، وفيه قال المسور : إنّ عليّاً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالت : « يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل » (٢).
__________________
١ ـ المصدر السابق ٩ / ٢٦٩.
٢ ـ صحيح البخاريّ ٤ / ٢١٢.