دروس في الرسائل - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٨

تعالى للحكم والمصالح لا ينافي ذلك.

لكن الإنصاف أنّ الاستصحاب لا يفيد الظنّ خصوصا في المقام ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى في محلّه ولا أمارة غيره تفيد الظنّ ، فالاعتراض على مثل هؤلاء إنّما هو منع حصول الظنّ ومنع اعتباره على تقدير الحصول ، ولا دخل لإكمال الدين وعدمه ، ولا للحسن والقبح العقليّين في هذا المنع.

وكيف كان فيظهر من المعارج القول بالاحتياط ـ في المقام ـ عن جماعة ، حيث قال : «الاحتياط غير لازم ، وصار آخرون إلى لزومه وفصل آخرون» ، انتهى ، وحكى عن المعالم نسبته إلى جماعة.

فالظاهر أنّ المسألة خلافيّة ، لكن لم يعرف القائل به بعينه ، وإن كان يظهر من الشيخ والسيّدين ، رحمهم‌الله ، التمسّك به أحيانا ، لكن يعلم مذهبهم من أكثر المسائل ، والأقوى فيه جريان أصالة البراءة للأدلّة الأربعة المتقدّمة مضافا إلى الإجماع المركّب.

____________________________________

(وما ذكره من تبعيّة خطاب الله تعالى للحكم والمصالح لا ينافي ذلك).

أي : الظنّ ، فإنّ الظنّ الحاصل من الاستصحاب أو غيره كاشف عن أنّ المصلحة الكامنة في الفعل مقتضية للإباحة ، لأنّها كانت بقدرها ، إلّا إنّ الإنصاف هو توجّه الاعتراض على مثل هؤلاء إنّما هو من جهة منع حصول الظنّ من الاستصحاب أوّلا ، ومنع اعتبار هذا الظنّ على تقدير حصوله ثانيا ، لعدم الدليل على اعتباره.

والحاصل من الجميع هو أنّ المسألة خلافيّة ، ولكن الأقوى فيها :

(جريان أصالة البراءة للأدلّة الأربعة المتقدّمة مضافا إلى الإجماع المركّب).

إذ كلّ من قال بالاحتياط في الشبهة الوجوبيّة قال به في التحريميّة ، وكلّ من قال بالبراءة في الشبهة التحريميّة قال بها في الوجوبيّة ، ولم يقل أحد بالبراءة في الشبهة التحريميّة والاحتياط في الشبهة الوجوبيّة ، فالقول بالتفصيل بينهما خرق للإجماع المركّب ، كما في شرح الاستاذ الأعظم الاعتمادي دامت إفاداته.

إلّا إنّ المستفاد من المحقّق الآشتياني هو تحقّق الإجماع المركّب من جانب واحد ، أي : كلّ من قال بالبراءة في الشبهة الحكميّة التحريميّة قال بها في المقام لا من جانبين ، أي : كلّ من قال بالبراءة في الشبهة الوجوبيّة لم يقل بها في الشبهة التحريميّة ، بل قال بعضهم فيها بوجوب الاحتياط ، والحقّ ما أفاده المحقّق الآشتياني قدس‌سره.

٤١

تنبيهات

وينبغي التنبيه على امور :

الأوّل : إنّ محلّ الكلام في هذه المسألة هو احتمال الوجوب النفسي المستقل ، وأمّا إذا احتمل كون شيء واجبا لكونه جزء أو شرطا لواجب آخر فهو داخل في الشكّ في المكلّف به ، وإن كان المختار جريان أصل البراءة فيه أيضا ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى ، لكنّه خارج عن هذه المسألة الاتّفاقيّة.

الثاني : إنّه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل حتى فيما احتمل كراهته.

____________________________________

(وينبغي التنبيه على امور :

الأوّل : إنّ محلّ الكلام في هذه المسألة هو احتمال الوجوب النفسي المستقل ... إلى آخره).

وحاصل الأمر الأوّل هو أنّ محلّ الكلام في الشبهة الوجوبيّة الناشئة عن عدم النصّ المعتبر هو احتمال الوجوب النفسي ، كوجوب الدعاء عند رؤية الهلال.

وأما الوجوب الغيري كاحتمال جزئيّة الاستعاذة للصلاة ، أو احتمال شرطيّة الوضوء مع غسل الجنابة لها مثلا ، فهو خارج عن المقام ، وهو الشكّ في أصل التكليف ، بل داخل في الشكّ في المكلّف به ، حيث يكون مردّدا بين الأقل والأكثر الارتباطيّين ، ومختار المصنّف قدس‌سره وإن كان جريان أصل البراءة فيه ـ أيضا ـ لرجوعه إلى الشكّ في أصل التكليف بالنسبة إلى الزائد ، لأنّ وجوب الأقل متيقّن ووجوب الزائد مشكوك فيجري فيه أصل البراءة ، إلّا إنّه خارج عن المقام ، وهو الشكّ في أصل الوجوب من الأوّل.

(الثاني : إنّه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل حتى فيما احتمل كراهته ... إلى آخره).

وقبل تحرير محلّ الكلام نذكر السبب الذي دعا المصنّف قدس‌سره لبيان رجحان الاحتياط في المقام مع أنّه تقدّم بيان رجحانه في المطلب الأوّل ، حينما قال في الأمر الثالث من الامور المذكورة تحت عنوان التنبيه على امور : (لا إشكال في رجحان الاحتياط عقلا ونقلا). دفعا للّغويّة من كلام المصنّف.

والسبب هو أنّ الغرض من بيان رجحان الاحتياط فيما سبق ، هو الرجحان على نحو الكلّي في جميع الموارد ، والغرض منه في المقام هو تحقّق موضوعه في العبادات فيما إذا دار الأمر فيها بين الوجوب وغير الاستحباب ، فيكون ذكره في المقام تمهيدا للبحث عن

٤٢

____________________________________

جريان الاحتياط وعدمه في الفعل المحتمل كونه عبادة ، وبذلك يخرج كلام المصنّف قدس‌سره من التكرار واللغو ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وأما تحرير محلّ الكلام فيتضح بعد ذكر مقدّمة وهي :

إنّ الوجوب المشتبه بغير الحرمة يمكن أن يكون تعبديّا ، ويمكن أن يكون توصّليّا ، والثاني خارج عن محلّ الكلام ، لإمكان الاحتياط فيه من دون إشكال. والأوّل يتصوّر على أقسام وهي سبعة ، كما تقدّم في الجدول ، ونكرّره ثانيا تسهيلا لفهم المحصّلين :

ثمّ إنّ الصورة الاولى وهي اشتباه الوجوب مع الاستحباب خارجة عن محلّ الكلام ؛ وذلك لجريان الاحتياط فيها ، ولا إشكال فيه لثبوت أصل الرجحان الكاشف عن الأمر فيها ، والشكّ إنّما هو في تحقّقه في ضمن فصل الوجوب أو الاستحباب ، ولهذا لم يذكرها المصنّف قدس‌سره.

وأما بقيّة الصور فداخلة في محلّ الكلام وكما يجري فيها ما يأتي من الأخبار الدالّة على التسامح في أدلّة السنن. ويظهر حكم جميع الصور الستة من حكم واحدة منها جوازا ومنعا.

فيقول المصنّف قدس‌سره :

(إنّه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل ... إلى آخره).

أي : بفعل ما يحتمل كونه واجبا(حتى فيما احتمل كراهته).

٤٣

والظاهر ترتّب الثواب عليه إذا اتي به لداعي احتمال المحبوبيّة لأنّه انقياد وإطاعة حكميّة.

والحكم بالثواب هنا أولى من الحكم بالعقاب على تارك الاحتياط اللّازم ، بناء على أنّه في حكم المعصية وإن لم يفعل محرّما واقعيّا.

____________________________________

أي : كراهة الفعل ، وهو يشمل دوران حكم الفعل بين كونه واجبا أو مكروها فقط ، فيكون الاحتمال ثنائيّا ، أو يشمل ـ أيضا ـ دوران حكم الفعل بين كونه واجبا أو مكروها أو مباحا حتى يكون الاحتمال ثلاثيّا ، أو مع إضافة كونه مستحبّا حتى يكون الاحتمال رباعيّا.

فقوله قدس‌سره : حتى فيما احتمل كراهته ، صادق على الصور الثلاث وهي : اشتباه الوجوب مع الكراهة أوّلا ، واشتباهه مع الكراهة والإباحة ثانيا ، واشتباهه معهما والاستحباب ثالثا.

وبالجملة ، إنّ الاحتياط حسن حتى فيما احتمل كراهة الفعل ، لأنّ جلب المنفعة الملزمة بإتيان محتمل الوجوب على تقدير كون الفعل واجبا في الواقع أولى من دفع المفسدة غير الملزمة بالترك على تقدير كونه مكروها في الواقع.

(والظاهر ترتّب الثواب عليه إذا اتي به لداعي احتمال المحبوبيّة لأنّه انقياد وإطاعة حكميّة).

أي : والظاهر هو ترتّب الثواب على إتيان فعل محتمل الوجوب احتياطا إذا أتى المكلّف بفعل محتمل الوجوب بداعي كونه محبوبا ومطلوبا للمولى ، لأنّه إطاعة حكميّة يحكم العقل بحسنها كالإطاعة الحقيقيّة.

والاولى عبارة عن امتثال الأمر المحتمل ، والثانية عبارة عن امتثال الأمر المعلوم ، فيثاب العبد بالإطاعة الحكميّة كما يثاب بالإطاعة الحقيقيّة ، غاية الأمر : الثواب على الاولى تفضّل من المولى ، وعلى الثانية جزاء منه تعالى للعبد في مقابل عمله ، ومن هنا يظهر الفرق بين الانقياد والتجرّي ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(والحكم بالثواب هنا أولى من الحكم بالعقاب على تارك الاحتياط اللّازم ، بناء على أنّه في حكم المعصية) عقابا وإن لم يرتكب محرّما في الواقع ، كما إذا ترك الاحتياط الواجب ، كما لو علم إجمالا بوجوب الظهر أو الجمعة فأتى بأحدهما مع أنّ الاحتياط يقتضي الإتيان بهما معا ، وكان الواجب في الواقع ما أتى به ، فكان متجرّيا ، والتجرّي يكون في حكم

٤٤

وفي جريان ذلك في العبادات عند دوران الأمر بين الوجوب وغير الاستحباب وجهان ، أقواهما العدم ، لأن العبادة لا بدّ فيها من نيّة التقرّب المتوقّفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا ، كما في كلّ من الصلوات الأربع عند اشتباه القبلة.

وما ذكرنا من ترتّب الثواب على هذا الفعل لا يوجب تعلّق الأمر به ، بل هو لأجل كونه

____________________________________

المعصية ، بمعنى : أن المتجرّي يعاقب عليه كما يعاقب عليها.

والمستفاد من كلام المصنّف قدس‌سره هو أنّ الحكم بترتّب الثواب على الاحتياط أولى من الحكم بالعقاب على التجرّي ، وذلك ؛ إمّا لما قلنا من : أنّ الثواب على الانقياد يمكن أن يكون من باب التفضّل ، لأنّ التفضّل يناسب رحمة الله تعالى التي سبقت غضبه ، أو لما في شرح الاستاذ الاعتمادي من أنّ الاحتياط مستلزم للموافقة القطعيّة ، وتركه ليس مستلزما للمخالفة القطعيّة.

(وفي جريان ذلك في العبادات عند دوران الأمر بين الوجوب وغير الاستحباب وجهان ، أقواهما العدم ... إلى آخره).

أي : في جريان الاحتياط في العبادات ، فخرج بقيد العبادات التوصّليّات ، حيث لا إشكال في جريانه فيها ، وخرج بقوله : عند دوران الأمر بين الوجوب وغير الاستحباب ، دوران الأمر بين الوجوب والاستحباب حيث يجري فيه الاحتياط ، وذلك للعلم بالأمر فيه كما تقدّم.

وبذلك يقتصر محلّ النزاع في العبادات عند دوران الأمر بين الوجوب وغير الاستحباب من الكراهة أو الإباحة.

والأقوى عند المصنّف قدس‌سره عدم جريان الاحتياط في العبادات (لأنّ العبادة لا بدّ فيها من نيّة التقرّب المتوقّفة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا ... إلى آخره).

فعباديّة الفعل لا تتحقّق إلّا بإتيان الفعل الواجب بجميع ما يعتبر فيه ، ومنه نيّة التقرّب المتوقّفة على العلم بالأمر ، والمفروض انتفاء العلم بالأمر ، فكيف يتمكّن المكلّف من قصد امتثال الأمر المعتبر في العبادات احتياطا؟!

ثمّ يشير المصنّف قدس‌سره إلى وجوه ذكرها القائلون بإمكان الاحتياط في العبادات :

منها : ما أشار إليه بقوله : (وما ذكرنا من ترتّب الثواب على هذا الفعل لا يوجب تعلّق

٤٥

انقيادا للشارع ، والعبد معه في حكم المطيع ، بل لا يسمّى ذلك ثوابا.

ودعوى : «إنّ العقل إذا استقلّ بحسن هذا الإتيان ثبت بحكم الملازمة الأمر به شرعا». مدفوعة ، بما تقدّم في المطلب الأوّل ، من أنّ الأمر الشرعي بهذا النحو من الانقياد

____________________________________

الأمر به ... إلى آخره).

ولا بدّ أوّلا من تقريب هذا الوجه على إمكان الاحتياط في العبادات ، ثمّ تقريب جواب المصنّف قدس‌سره عنه ، وهذا الوجه يتصيّد من كلام المصنّف قدس‌سره المتقدّم حيث قال : (والظاهر ترتّب الثواب عليه ... إلى آخره) فيقال : إنّ ترتّب الثواب على إتيان محتمل الوجوب احتياطا كاشف عن تعلّق أمر استحبابي من الشارع بالاحتياط ، لأنّ الثواب معلول للأمر فيكشف به إنّا عن وجود الأمر ، ثمّ يأتي المكلّف بمحتمل العبادة بقصد امتثال هذا الأمر.

والجواب عنه أوّلا : لا نسلّم كشف الأمر بالثواب ، لأنّ ترتّب الثواب على فعل لا يكشف عن تعلّق أمر به ، بل يمكن أن يكون الثواب تفضّلا من الشارع لا من جهة امتثال الأمر ، لأنّ الثواب من جهة امتثال الأمر عبارة عن الجزاء في مقابل إطاعة العبد للمولى ، التي هي عبارة عن إطاعة الأمر المعلوم ، ولذلك لا تتحقّق الإطاعة إلّا بعد وجود الأمر من المولى ، وفي حالة عدم معلوميّة الأمر يكون ترتّب الثواب على الفعل المحتمل الأمريّة من باب التفضّل وحكم العقل بحسن الانقياد ، وهذا لا يكشف عن وجود الأمر.

ثانيا : لو سلّمنا ذلك ، فنقول : إنّ ترتّب الثواب وإن كان كاشفا بالإنّ عن تعلّق أمر بالاحتياط ، إلّا إنّ هذا الكشف لا يتمّ في الاحتياط في العبادات للزوم الدور ، إذ أنّ الاحتياط في العبادات يتوقّف على وجود الأمر ، وتعلّق الأمر به يقتضي تقدّمه على الأمر وهو دور.

نعم ، هذا الكشف يمكن بالنسبة إلى الاحتياط في التوصّليّات ، لأنّه لا يتوقّف على وجود أمر ، كما لا يخفى ، وترتّب الثواب عليه يكشف عن استحبابه.

(بل لا يسمّى ذلك ثوابا).

لأنّ الثواب على ما تقدّم ما يكون في مقابل إطاعة الأمر المحقّق المعلوم.

ومنها : ما أشار إليه بقوله : (ودعوى : «إن العقل إذا استقلّ بحسن هذا الإتيان ثبت بحكم الملازمة الأمر به شرعا» مدفوعة).

٤٦

كأمره بالانقياد الحقيقي والإطاعة الواقعيّة في معلوم التكليف إرشادي محض ، لا يترتّب على موافقته ومخالفته أزيد ممّا يترتّب على نفس وجود المأمور به أو عدمه ، كما هو شأن الأوامر الإرشاديّة ، فلا إطاعة لهذا الأمر الإرشادي ، ولا ينفع في جعل الشيء عبادة. كما أنّ إطاعة الأوامر المتحقّقة لم تصر عبادة بسبب الأمر الوارد بها في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ)(١).

____________________________________

وتقريب هذه الدعوى : إنّ حكم العقل بحسن إتيان محتمل الوجوب احتياطا اتّفاقي لا إشكال فيه ، كما نفى عنه الإشكال بقوله : (إنّه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل ... إلى آخره).

ونكشف أمر الشارع بالاحتياط بقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، ثمّ يأتي المكلّف بمحتمل العبادة بقصد امتثال هذا الأمر ، فيتم الاحتياط في العبادات.

وهذه الدعوى مدفوعة :

أوّلا : لما تقدّم في الأمر الأوّل من أنّ الاحتياط في العبادات يتوقّف على الأمر ، وحكم العقل بالحسن لا يكون إلّا بعد تحقّق الاحتياط وهو منتف بانتفاء الأمر ، فكيف يحكم العقل بالحسن؟! وبذلك يختصّ حكم العقل بحسن الاحتياط في التوصّليّات فقط لإمكان جريان الاحتياط فيها دون التعبديّات.

وثانيا : بما تقدّم في الشبهة التحريميّة ، من أنّ الأمر الشرعي بهذا النحو من الانقياد ، كأمره بالانقياد الحقيقي إرشادي محض ، فيكون خارجا عن المقام أصلا.

وما ذكر من الملازمة على تقدير تسليمها إنّما هي بين حكم العقل في جانب علل الأحكام وتبعيّتها للمصالح والمفاسد وبين حكم الشرع ، وذلك كحكم العقل بحسن الإحسان وقبح الظلم حيث يكون ملازما لحكم الشرع بالأمر بالإحسان والنهي عن الظلم.

وأمّا حكم العقل في جانب معلولات الأحكام ، فلا يكون ملازما له ، كما ذكر في محلّه ، وذلك كحكم العقل بلزوم الإطاعة في موارد العلم بالتكاليف الشرعيّة ، وحكمه بحسن الاحتياط في موارد الشكّ فيها ، حيث يكون حكم العقل بالإطاعة ـ حقيقيّة كانت كموارد

__________________

(١) الأنفال : ١.

٤٧

ويحتمل الجريان بناء على أن هذا المقدار من الحسن العقلي يكفي في العبادة ومنع توقّفها على ورود أمر بها.

____________________________________

العلم بالتكاليف ، أو حكميّة كموارد الشكّ فيها ـ معلولا للحكم الشرعي ، وإلّا لا معنى للإطاعة أصلا.

فإن ورد أمر من الشارع بالاحتياط في موارد الشكّ في التكليف ، وبالإطاعة في موارد العلم به كقوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) كان إرشاديا ، فلا يترتّب على موافقته ولا على مخالفته إلّا ما يترتّب على وجود المأمور به وعدمه ، كما هو شأن الأوامر الإرشاديّة.

وبالجملة ، الأمر بالاحتياط على فرض الأمر به إرشادي ، لا ينفع في جعل الشيء عبادة ، فعباديّة الدعاء لا تحصل بالأمر بالاحتياط ، كما أنّ عباديّة الصلاة لا تحصل من الأمر بالإطاعة في قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بل تتحقّق عباديّتها بالأمر المولوي المتعلّق بنفس الصلاة في قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) وفي قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (صلّوا كما رأيتموني اصلّي) (٢).

ومنها : ما أشار إليه بقوله : (ويحتمل الجريان بناء على أنّ هذا المقدار من الحسن العقلي يكفي في العبادة ومنع توقّفها على ورود أمر بها).

وملخّص هذا الوجه لجريان الاحتياط في العبادات هو كفاية مطلق الحسن العقلي في كون الشيء عبادة ، ولا يحتاج إلى الأمر المتعلّق بها ولو احتمالا ، حتى يتوقّف الاحتياط فيها على قصد امتثال ذلك الأمر ، بل يكفي في الاحتياط في العبادة إتيان محتمل الوجوب بداعي كونه محبوبا للمولى ، وإن لم يكن مأمورا به في الواقع ، ولكنه مردود بما ذكرنا في الجواب عن الوجه الأوّل والثاني ، من أنّ حكم العقل بحسن الاحتياط يتوقّف على تحقّقه.

وحينئذ لو قلنا بأنّ تحقّق الاحتياط موقوف على حكم العقل بالحسن لزم الدور ـ كما لا يخفى ـ فالأولى أن يقال : إنّ حكم العقل بحسن الاحتياط مختصّ بالاحتياط في التوصّليّات فقط.

__________________

(١) الروم : ٣١.

(٢) غوالي اللآلئ ١ : ١٩٨ / ٨. البحار ٨٢ : ٢٧٩. صحيح البخاري ١ : ٢٢٦ / ٦٠٥.

٤٨

بل يكفي الإتيان به لاحتمال كونه مطلوبا ، أو كون تركه مبغوضا ، ولذا استقرّت سيرة العلماء والصلحاء فتوى وعملا على إعادة العبادات لمجرّد الخروج عن مخالفة النصوص الغير المعتبرة والفتاوى النادرة.

واستدلّ في الذكرى في خاتمة قضاء الفوائت على شرعيّة قضاء الصلاة لمجرّد احتمال خلل فيها موهوم بقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(١) ، و (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)(٢) ، وقوله : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ)(٣).

____________________________________

ومنها : ما أشار إليه بقوله : (بل يكفي الإتيان به لاحتمال كونه مطلوبا ، أو كون تركه مبغوضا).

وحاصل هذا الوجه في تصحيح الاحتياط في العبادات هو أنّه يكفي في كون الشيء عبادة إتيانه بقصد امتثال الأمر المحتمل ، ولا يتوقّف على الأمر المعلوم تفصيلا أو إجمالا حتى ينتفي في مورد الشكّ ، غاية الأمر هو الفرق بين مورد العلم بالأمر وبين مورد الشكّ فيه ، فيعتبر قصد امتثال الأمر المعلوم في الأوّل ويكفي قصد امتثال الأمر المحتمل في الثاني ، وحينئذ لا يبقى فرق بين العبادات والتوصّليّات في جريان الاحتياط.

ويدلّ على هذا الوجه ما استقرّ به من (سيرة العلماء والصلحاء فتوى وعملا على إعادة العبادات لمجرّد الخروج عن مخالفة النصوص الغير المعتبرة والفتاوى النادرة).

فإنّهم كانوا يعيدون الصلاة الواقعة بلا استعاذة ، لاحتمال الأمر بها معها حينما يجدون رواية ضعيفة على وجوب الاستعاذة أو فتوى نادرة على وجوبها فيها.

ويدلّ على هذا الوجه ـ أيضا ـ ما استدلّ به (في الذكرى في خاتمة قضاء الفوائت على شرعيّة قضاء الصلاة لمجرد احتمال خلل فيها موهوم بقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، و (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) ، وقوله : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ)).

وحاصل تقريب ما استدلّ به في الذكرى في المقام هو استحباب الإتيان بمحتمل

__________________

(١) التغابن : ١٦.

(٢) آل عمران : ١٠٢.

(٣) المؤمنون : ٦٠.

٤٩

والتحقيق أنّه إن قلنا بكفاية احتمال المطلوبيّة في صحة العبادة في ما لا يعلم المطلوبيّة ولو إجمالا فهو ، وإلّا فما أورده رحمه‌الله في الذكرى كأوامر الاحتياط لا يجدي في صحتها.

____________________________________

الوجوب احتياطا ، فإنّ مقتضى التقوى والخوف من الله تعالى هو الإتيان بمحتمل الوجوب ، وهو المطلوب ، كما تدلّ عليه هذه الآيات ، فإذا أتى المكلّف بمحتمل الوجوب خوفا من الله تعالى ، فقد اتّقى الله حقّ تقاته.

ولعلّ ما ذكرناه أولى ممّا ذكره الاستاذ الاعتمادي حيث جعل آيات الاتّقاء وجها خامسا لتصحيح الاحتياط في العبادات ؛ وذلك لأنّ المستفاد من ظاهر كلام المصنّف قدس‌سره هو أن نظره كان إلى استدلال الشهيد لا إلى ما استدلّ به ، فأراد أن يجعل استدلاله دليلا على تصحيح الاحتياط في العبادات كسيرة العلماء والصلحاء ، فتدبّر حتى تعرف أنّ الظاهر هو عطف قوله : واستدلّ في الذكرى ، على قوله : استقرّت سيرة العلماء ... إلى آخره.

(والتحقيق أنّه إن قلنا بكفاية احتمال المطلوبيّة في صحّة العبادة في ما لا يعلم المطلوبيّة ولو إجمالا فهو ... إلى آخره).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره هو أنّه إن قلنا بكفاية احتمال المطلوبيّة في صحّة العبادة ، لكان الاحتياط فيها صحيحا ، وكان الاستدلال بما ذكر من سيرة العلماء واستدلال الشهيد في الذكرى في محلّه ، وإلّا فلا يصحّ الاستدلال بالسيرة ، وما في الذكرى.

أما عدم صحّة الاستدلال بالسيرة فواضح ، ولم يتعرّضه المصنّف قدس‌سره ، فإنّ السيرة جرت على استحباب الفعل من حيث هو هو ، ومحلّ الكلام هو استحبابه بعنوان الاحتياط.

وأما عدم صحّة الاستدلال بما في الذكرى ، فقد أشار إليه بقوله :

(فما أورده رحمه‌الله في الذكرى كأوامر الاحتياط لا يجدي في صحّتها).

أوّلا : لما تقدّم من أن أوامر الاحتياط كأوامر الإطاعة إرشادية وهي خارجة عن المقام.

وثانيا : على فرض كونها مولويّة ، لم تكن مجدية في صحّة العبادة ؛ وذلك لأنّ إثبات صحّة الاحتياط في العبادات بأوامر الاحتياط والاتّقاء مستلزم للدور الباطل ، وذلك لأنّ موضوع هذه الأوامر هو الاحتياط والتقوى لا يتحقّق إلّا بها ؛ لأنّ الاحتياط كالتقوى هو الإتيان بمحتمل العبادة مع جميع ما يعتبر فيه ، ومنه قصد القربة المتوقّف على وجود الأمر ، فالاحتياط موقوف على الأمر من باب توقّف المقيّد على القيد ، والأمر ـ أيضا ـ

٥٠

لأنّ موضوع التقوى والاحتياط الذي تتوقّف عليه هذه الأوامر لا يتحقّق إلّا بعد إتيان محتمل العبادة على وجه يجتمع فيه جميع ما يعتبر في العبادة حتى نيّة التقرّب ، وإلّا لم يكن احتياطا ، فلا يجوز أن تكون تلك الأوامر منشأ للقربة المنويّة فيها ، اللهم إلّا أن يقال : ـ بعد النقض بورود هذا الإيراد في الأوامر الواقعيّة بالعبادات مثل قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(١) حيث أنّ قصد القربة ممّا يعتبر في موضوع العبادة شطرا أو شرطا ، والمفروض ثبوت مشروعيّتها بهذا الأمر الوارد فيها ـ إنّ المراد من الاحتياط والاتّقاء في هذه الأوامر هو مجرّد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نيّة القربة ، فمعنى الاحتياط بالصلاة

____________________________________

موقوف على الاحتياط ، لتوقّف كلّ حكم على موضوعه ، وهذا هو الدور الواضح ، وقد أشار إليه بقوله :

(فلا يجوز أن تكون تلك الأوامر منشأ للقربة المنويّة فيها ، اللهم إلّا أن يقال ـ بعد النقض بورود هذا الإيراد في الأوامر الواقعيّة بالعبادات مثل قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ... إلى آخره).

وقد أجاب المصنّف قدس‌سره عن لزوم الدور بالنقض تارة وبالحلّ اخرى.

أمّا النقض فهو أنّ إيراد الدور لا يختصّ بأوامر الاحتياط ، بل يأتي ويجري في الأوامر الواقعيّة بالعبادات أيضا ، ك (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) مثلا ، حيث يكون قصد القربة معتبرا فيها شطرا أو شرطا ، والمفروض أنّ ثبوت مشروعيّتها وكونها عبادة هو بنفس الأمر المتعلّق بها ، فيلزم ما ذكر من الدور ، وذلك ؛ لأنّ كون الصلاة عبادة موقوف على الأمر بها لاعتبار قصد القربة فيها ، والأمر بها موقوف على كونها عبادة لتوقّف الحكم على الموضوع ، وحينئذ لا بدّ من الجواب الحلّي في كلا الموردين.

وقد أجاب بالحلّ عن الاحتياط ، ومنه يعلم الجواب عن العبادات الواقعيّة ، فأشار إليه بقوله :

(إنّ المراد من الاحتياط والاتّقاء في هذه الأوامر هو مجرّد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نيّة القربة).

__________________

(١) البقرة : ١١٠.

٥١

الإتيان بجميع ما يعتبر فيها عدا قصد القربة ، فأوامر الاحتياط تتعلّق بهذا الفعل ، وحينئذ فيقصد المكلّف فيه التقرّب بإطاعة هذا الأمر.

ومن هنا يتّجه الفتوى باستحباب هذا الفعل ، وإن لم يعلم المقلّد كون هذا الفعل ممّا شكّ في كونها عبادة ، ولم يأت به بداعي احتمال المطلوبيّة.

ولو اريد بالاحتياط في هذه الأوامر معناه الحقيقي ، وهو إتيان الفعل لداعي احتمال المطلوبيّة لم يجز للمجتهد أن يفتي باستحبابه إلّا مع التقييد بإتيانه بداعي الاحتمال حتى يصدق عليه عنوان الاحتياط مع استقرار سيرة أهل الفتوى على خلافه ، فيعلم أنّ المقصود

____________________________________

فلا يتوقّف تحقّق الاحتياط والاتّقاء على الأمر حتى يلزم الدور.

فإنّ معنى الاحتياط ـ حينئذ ـ هو إتيان محتمل العبادة بجميع ما يعتبر فيه عدا نيّة القربة ، ثمّ يقصد المكلّف في مقام الإتيان بمحتمل العبادة إطاعة هذا الأمر المتعلّق بالاحتياط ، كما يقصد في مقام امتثال الأمر بالعبادة الواقعيّة إطاعة الأمر المتعلّق بها ، ثمّ إنّ لزوم قصد امتثال الأمر في الموردين ، إمّا بأمر ثان أو بحكم العقل ، وعلى التقديرين لا يلزم الدور.

وبالجملة ، إنّ الموضوع في أوامر الاحتياط هو الاحتياط المتحقّق بمجرد إتيان محتمل العبادة ، فلا يتوقّف تحقّقه على الأمر حتى يلزم الدور. فتأمّل جيدا.

(ومن هنا يتّجه الفتوى باستحباب هذا الفعل ، وإن لم يعلم المقلّد كون هذا الفعل ممّا شكّ في كونها عبادة ، ولم يأت به بداعي احتمال المطلوبيّة).

يبيّن المصنّف قدس‌سره الفرق بين الاحتياط بمعنى : إتيان محتمل العبادة من دون قصد امتثال الأمر المحتمل ، وبين ما إذا كان الاحتياط بمعنى : إتيان محتمل العبادة بداعي المطلوبيّة وامتثال الأمر ، فيقول : (ومن هنا).

أي : من أنّ الاحتياط يتحقّق بإتيان محتمل العبادة شرعا من دون قصد امتثال الأمر تتّجه الفتوى باستحباب هذا الفعل المحتمل كونه عبادة وإن لم يعلم المقلّد كون هذا الفعل ممّا شكّ في كونه عبادة ، فلم يأت به بداعي احتمال الأمر والمطلوبيّة ، وذلك لعدم توقّف الاحتياط ـ حينئذ ـ على الإتيان بداعي احتمال المطلوبيّة.

٥٢

إتيان الفعل بجميع ما يعتبر فيه عدا نيّة الداعي.

ثمّ إنّ منشأ احتمال الوجوب إذا كان خبرا ضعيفا فلا حاجة إلى أخبار الاحتياط وكلفة إثبات أنّ الأمر فيها للاستحباب الشرعي دون الإرشاد العقلي ، لورود بعض الأخبار باستحباب فعل كلّ ما يحتمل فيه الثواب.

____________________________________

وهذا بخلاف ما إذا كان الاحتياط بالمعنى الحقيقي ، وهو إتيان محتمل العبادة بداعي احتمال المطلوبيّة ، فحينئذ لم يجز للمجتهد أن يفتي باستحباب هذا الفعل إلّا مع التقييد بإتيانه بداعي الاحتمال المذكور حتى يصدق عليه عنوان الاحتياط.

ثمّ يقول المصنّف قدس‌سره : إنّ المعنى الثاني للاحتياط مخالف لسيرة أهل الفتوى ، إذ فتواهم باستحباب الفعل لم يكن مقيّدا بإتيانه بداعي الأمر المحتمل ، ومن هنا نكشف أنّ المراد بالاحتياط لم يكن معناه الحقيقي ، بل المراد به هو إتيان محتمل العبادة بجميع ما يعتبر فيه عدا نيّة الداعي المذكور.

ومنها : ما أشار إليه بقوله :

(ثمّ إنّ منشأ احتمال الوجوب إذا كان خبرا ضعيفا فلا حاجة إلى أخبار الاحتياط ... إلى آخره).

وحاصل هذا الوجه هو تصحيح الاحتياط في العبادات بأخبار من بلغ ، من دون حاجة إلى القول بكفاية الحسن الذاتي في نيّة القربة ، أو كفاية إتيان محتمل العبادة بنيّة احتمال الأمر أو أوامر الاحتياط ، وإثبات كونها مولويّة لا إرشاديّة ، فإنّ الأخبار الواردة في هذا الباب المعروفة بأخبار(من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله) كافية في استحباب فعل احتمل وجوبه نظرا إلى ما هو المشهور بين الفقهاء من التسامح في أدلّة السنن ، فيثبت استحباب محتمل الوجوب بهذه الأخبار فيؤتى بمحتمل الوجوب بقصد امتثال هذا الأمر ، فيصحّ الاحتياط في العبادات بهذه الأخبار.

غاية الأمر مورد هذه الأخبار مختصّ بما إذا كان منشأ احتمال الوجوب خبرا ضعيفا لا فتوى الفقيه ، لأنّ المفتي ليس مخبرا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يصدق عليه البلوغ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وهذه الأخبار وإن كانت كثيرة إلّا إنّا نكتفي بما ذكره المصنّف قدس‌سره حذرا من التطويل :

منها : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

٥٣

كصحيحة هشام بن سالم المحكيّة عن المحاسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (من بلغه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله) (١).

وعن البحار ، بعد ذكرها : «إنّ هذا الخبر من المشهورات رواه العامّة والخاصّة بأسانيد».

والظاهر أنّ المراد من (شيء من الثواب) بقرينة ضمير (فعمله) وإضافة الأجر إليه هو الفعل المشتمل على الثواب.

وفي عدّة الداعي عن الكليني رحمه‌الله أنّه روى بطرقه عن الأئمّة عليهم‌السلام : (أنّه من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وإن لم يكن الأمر كما بلغه) (٢).

وأرسل نحوه السيّد رحمه‌الله في الإقبال عن الصادق عليه‌السلام إلّا إنّ فيه : (كان له ذلك) (٣).

____________________________________

(كصحيحة هشام بن سالم المحكيّة عن المحاسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الثواب ، فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله)).

ثمّ قوله : (والظاهر أنّ المراد من شيء من الثواب ... إلى آخره).

دفع لما يتوهّم من أنّ بلوغ الثواب لا يفيد في إثبات أصل الاستحباب في المقام ، بل الظاهر من بلوغ الثواب هو بلوغ قدر معيّن من الثواب فيما إذا كان أصل الاستحباب أو الوجوب ثابتا بدليل معتبر ، كإحياء ليلة القدر مثلا ، ثمّ بلغ بطريق غير معتبر مقدار معيّن من الثواب ، كما إذا بلغ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فرضا أنّ إحياء ليلة القدر كفّارة للذنوب ، وإن كانت بعدد النجوم عددا ، وثقل الجبال ثقلا! فهذه الأخبار خارجة عن محلّ الكلام ، لأنّ محلّ الكلام إثبات أصل الاستحباب بها ، وهذه الأخبار ناظرة إلى مقدار الثواب مع ثبوت الاستحباب مع قطع النظر عنها.

وبالجملة ، إنّ هذه الأخبار ناظرة إلى بيان مقدار الثواب لا إلى أصل الاستحباب.

وحاصل الدفع هو أنّ المراد من (شيء من الثواب) بقرينة رجوع ضمير(فعمله) إليه ، وإضافة الأجر إليه هو الفعل المشتمل على الثواب لا نفس الثواب ، لأنّ الثواب لم يعمل ، ولا أجر له ، فلا بدّ من أن يكون المراد منه فعلا مشتملا على الثواب حتى يكون معنى

__________________

(١) المحاسن ١ : ٩٣ / ٥٣. الوسائل ١ : ٨١ ، أبواب مقدمة العبادات ، ب ١٨ ، ح ٣.

(٢)؟ ، الوسائل ١ : ٨٢ ، أبواب مقدمة العبادات ، ب ١٨ ، ح ٨.

(٣) إقبال الأعمال ٣ : ١٧٠. الوسائل ١ : ٨٢ ، أبواب مقدمة العبادات ، ب ١٨ ، ح ٩.

٥٤

والأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة ، إلّا إنّ ما ذكرناه أوضح دلالة على ما نحن فيه.

____________________________________

الحديث حينئذ : من بلغه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل له ثواب ، فعمل الفعل كان له أجر ذلك الفعل. ومن المعلوم أنّ الثواب يترتّب على الفعل إذا كان مستحبا ، فيكون مفاد هذه الأخبار استحباب هذا الفعل ، وهو المطلوب.

(والأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة ، إلّا إنّ ما ذكرناه أوضح دلالة على ما نحن فيه).

لأنّها تدلّ بالمطابقة على ثبوت الثواب ، ومن المعلوم أنّ ترتّب الثواب كاشف عن وجود أمر ، فتدلّ هذه الأخبار بالالتزام على وجود أمر مولوي استحبابي بإتيان الفعل الذي بلغ له الثواب ، فيصحّ ـ حينئذ ـ إتيان محتمل العبادة بداعي امتثال هذا الأمر. هذا تمام الكلام في تصحيح الاحتياط في العبادات بأخبار من بلغ.

وقبل بيان ما يرد على الاستدلال بهذه الأخبار على تصحيح الاحتياط في العبادات نذكر ما يمكن أن يكون المراد بها من الاحتمالات :

منها : أن يكون المراد بهذه الأخبار إلغاء ما يشترط في حجيّة أخبار الآحاد ، فيما إذا كان مدلولها حكما مستحبّا ، فلا يشترط في اعتبارها وحجّيتها عدالة الراوي ، أو وثاقته ، كما يشترط في حجيّتها ذلك فيما لو كان مدلولها حكما إلزاميّا كالوجوب ، فيثبت استحباب شيء بخبر ضعيف ، ولا يثبت وجوب شيء إلّا بخبر صحيح ، ولهذا سمّيت هذه الأخبار بما دلّ على التسامح في أدلّة السنن ، كما سميت بأخبار من بلغ ، فهذا الاحتمال لا يكون مربوطا بما نحن فيه ، بل هذه الاخبار ناظرة إلى اعتبار أخبار الآحاد في السنن ـ وإن كانت ضعيفة.

ومنها : أن يكون المراد بها تحديد الثواب بعد ما ثبت استحباب شيء بدليل معتبر ، وهذا الاحتمال ـ أيضا ـ خارج عمّا نحن فيه ، وتقدّم الكلام فيه بعنوان التوهّم ، فراجع.

ومنها : أن يكون المراد بها إثبات أصل استحباب فعل احتمل وجوبه بخبر ضعيف ، وهذا الاحتمال هو الذي يرتبط بالمقام ، حيث يثبت استحباب محتمل الوجوب بهذه الأخبار ، فيأتي بمحتمل الوجوب امتثالا لهذا الأمر.

ثمّ إنّ المصنّف أورد على هذه الأخبار بوجوه :

منها : ما أشار إليه بقوله :

٥٥

وإن كان يورد عليه ـ أيضا ـ تارة : بأنّ ثبوت الأجر لا يدلّ على الاستحباب الشرعي.

واخرى : بما تقدّم في أوامر الاحتياط من أنّ قصد القربة مأخوذ في الفعل المأمور به بهذه الأخبار ، فلا يجوز أن تكون هي المصحّحة لفعله ، فيختص موردها بصورة تحقّق الاستحباب وكون البالغ هو الثواب الخاصّ ، فهو المتسامح فيه دون أصل شرعيّة الفعل.

____________________________________

(وإن كان يورد عليه ـ أيضا ـ تارة : بأن ثبوت الأجر لا يدلّ على الاستحباب الشرعي).

وذلك لعدم الملازمة بين الثواب وبين الاستحباب الشرعي ، إذ من المحتمل أن يكون الثواب في مقابل الإتيان بمحتمل الوجوب احتياطا لكونه إطاعة حكميّة ، فيكون الثواب عليها تفضّلا لا استحقاقا ، وقد تقدّم أنّ الأمر بالإطاعة حقيقيّة كانت أو حكميّة إرشادي خارج عن المقام.

ومنها : ما أشار إليه بقوله :

(واخرى : بما تقدّم في أوامر الاحتياط من أنّ قصد القربة مأخوذ في الفعل المأمور به بهذه الأخبار ، فلا يجوز أن تكون هي المصحّحة لفعله ، فيختصّ موردها بصورة تحقّق الاستحباب).

وملخّص هذا الإشكال هو عدم إمكان إثبات أصل استحباب ما دلّ على وجوبه خبر ضعيف بهذه الأخبار ، لكونه مستلزما للدور ، فإنّ المأمور به بهذه الأخبار هو الفعل المستحب المأخوذ فيه قصد القربة ، ومن باب أنّ الموضوع يجب أن يكون ثابتا قبل الحكم لتوقّف الحكم عليه ، فلو توقّف ثبوت الموضوع على الحكم لزم الدور ، ففي المقام لو كان استحباب محتمل الوجوب ثابتا بهذه الأخبار لزم الدور ، لأنّ شمولها له موقوف على تحقّق استحبابه ، وتحقّق استحبابه لو كان موقوفا على شمولها ودلالتها عليه لزم الدور المذكور ، فيختصّ موردها بصورة تحقّق الاستحباب مع قطع النظر عن هذه الأخبار ، فلا تشمل محتمل العبادة ، فهذه الأخبار ناظرة إلى كون البالغ هو الثواب الخاص بعد ثبوت أصل الاستحباب بدليل معتبر كما هو أحد الاحتمالات فيها ، فإنّ المتسامح فيه هو الثواب الخاص دون أصل شرعيّة الفعل ، بل لا بدّ في إثبات شرعيّة الفعل من دليل معتبر.

ومنها : ما أشار إليه بقوله :

٥٦

وثالثة : بظهورها فيما بلغ فيه الثواب المحض لا العقاب محضا أو مع الثواب.

لكن يردّ هذا منع الظهور مع إطلاق الخبر ، ويردّ ما قبله ما تقدّم في أوامر الاحتياط.

____________________________________

(وثالثة : بظهورها فيما بلغ فيه الثواب المحض لا العقاب محضا أو مع الثواب).

وتقريب هذا الإيراد يحتاج إلى مقدمة وهي :

إنّ محلّ الكلام في المقام هو الاحتياط في العبادة الشامل لكلّ واحد من محتمل الوجوب والاستحباب ، لأنّ محتمل العبادة يمكن أن يكون واجبا تعبديّا أو مستحبّا.

والفرق بينهما من حيث الثواب والعقاب : إنّ المستحب ما يكون على فعله ثواب فقط ولا يكون على تركه عقاب ، والواجب ما يكون على فعله ثواب وعلى تركه عقاب ، كما أنّ الفرق بين الحرام والمكروه يكون بعكس ذلك ، ثمّ إنّ ما ذكره المصنّف قدس‌سره من الثواب المحض إشارة إلى المستحب ، ومن العقاب محضا إشارة إلى الحرام ، ومن قوله : أو مع الثواب ، إشارة إلى الواجب.

فإذا عرفت هذه المقدّمة يتّضح لك ما ذكره المصنّف قدس‌سره من ظهور هذه الأخبار في ما بلغ فيه الثواب المحض ـ أي المستحب ـ فلا تشمل الواجب ، كما لا تشمل الحرام والمكروه ، فحينئذ يلزم أن يكون الدليل أخصّ من المدّعى ، لأنّ المدّعى هو محتمل العبادة الشامل لمحتمل الوجوب والاستحباب ، والأخبار ظاهرة في محتمل الاستحباب فقط ، فلو دلّت لدلّت على استحباب ما دلّ خبر ضعيف على استحبابه ، ولهذا سمّيت بما دلّ على التسامح في أدلّة السنن.

هذا تمام الكلام فيما أورده المصنّف قدس‌سره من الوجوه الثلاثة التي يردّ بها الاستدلال بهذه الأخبار على تصحيح الاحتياط في العبادة ، ثمّ يردّ المصنّف قدس‌سره الوجه الثالث والثاني من هذه الوجوه المذكورة ، ويؤيّد الوجه الأوّل ، وأشار إلى ردّ الوجه الثالث بقوله :

(لكن يردّ هذا منع الظهور مع إطلاق الخبر).

أي : منع ظهور بلوغ الثواب واختصاصه بالثواب المحض ، بل إطلاق الخبر يشمل جميع أقسام بلوغ الثواب ، وبذلك لا يكون الدليل أخصّ من المدّعى ، لشموله محتمل الوجوب أيضا.

وقد أشار إلى ردّ الوجه الثاني بقوله :

(ويردّ ما قبله ما تقدّم في أوامر الاحتياط).

٥٧

وأمّا الإيراد الأوّل ، فالإنصاف أنّه لا يخلو عن وجه ، لأنّ الظاهر من هذه الأخبار كون العمل متفرّعا على البلوغ وكونه الداعي على العمل.

____________________________________

حيث قلنا : إنّ متعلّق هذه الأوامر هو الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نيّة القربة ، ونقول في المقام : إنّ المأمور به بهذه الأخبار هو فعل محتمل العبادة بجميع ما يعتبر فيها عدا نيّة القربة.

نعم ، بعد دلالة هذه الأخبار على بلوغ الثواب المستلزم للأمر يصير محتمل الوجوب مستحبّا فيأتي به المكلّف امتثالا لهذا الأمر من دون أن يكون قصد امتثال الأمر قيدا لمتعلّقه.

وأشار إلى الإيراد الأوّل بقوله :

(وأمّا الإيراد الأوّل ، فالإنصاف أنّه لا يخلو عن وجه).

وحاصل الإيراد هو عدم الملازمة بين الثواب والاستحباب الشرعي ، إذ ظاهر هذه الأخبار هو ترتّب الثواب على الاحتياط تفضّلا لأجل كون العمل بداعي ذلك الثواب الموعود إطاعة حكميّة يحكم العقل بمدحها وحسنها ، كما يحكم بحسن الإطاعة الحقيقيّة ، فتكون هذه الأخبار مؤكّدة لحكم العقل ، ويكون الأمر المستفاد منها إرشاديا لا مولويا ، حتى يدلّ على الاستحباب الشرعي ، فإنّ حكم الشرع بترتّب الثواب لا يدلّ على الاستحباب إلّا فيما إذا لم يكن ترتّب الثواب من مستقلّات العقل ، كما في الموارد الموعود فيها الثواب التي لا مسرح لحكم العقل فيها أصلا ، كتسريح اللحية ، وتقليم الأظافر ، ونحوهما.

وأمّا فيما إذا حكم العقل بترتّب الثواب ـ كما نحن فيه ـ كان حكم الشرع بترتّب الثواب مؤكّدا وإرشادا إلى حكم العقل ، فلا يدلّ على الاستحباب ، ولهذا يقول المصنّف قدس‌سره :

(لأنّ الظاهر من هذه الأخبار كون العمل متفرّعا على البلوغ ، وكونه الداعي على العمل).

أي : ظاهر الأخبار هو كون العمل والإتيان بمحتمل الوجوب متفرّعا على بلوغ الثواب ، وهو يكون داعيا على العمل ، ومن المعلوم أنّ إتيان العمل برجاء كونه مطلوبا للشارع انقياد وإطاعة حكميّة يحكم العقل بحسنه ، فيكون حكم الشرع بترتّب الثواب إرشادا إلى حكم

٥٨

ويؤيّده تقييد العمل في غير واحد من تلك الأخبار بطلب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والتماس الثواب الموعود ، ومن المعلوم أنّ العقل مستقلّ باستحقاق هذا العامل المدح والثواب ، وحينئذ فإن كان الثابت بهذه الأخبار أصل الثواب كانت مؤكّدة لحكم العقل بالاستحقاق.

وأمّا طلب الشارع لهذا الفعل ، فإن كان على وجه الإرشاد لأجل تحصيل هذا الثواب الموعود فهو لازم للاستحقاق المذكور وهو عين الأمر بالاحتياط.

وإن كان على وجه الطلب الشرعي المعبّر عنه بالاستحباب فهو غير لازم للحكم بتنجّز الثواب ، لأنّ هذا الحكم تصديق لحكم العقل بتنجّزه فيشبه قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ

____________________________________

العقل بالحسن وترتّب الثواب.

ثمّ أشار إلى تأييد هذا الإيراد بقوله :

(ويؤيّده تقييد العمل في غير واحد من تلك الأخبار بطلب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والتماس الثواب الموعود ... إلى آخره).

أي : يؤيّد الإيراد الأوّل تقييد العمل في بعض هذه الأخبار بطلب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والتماس الثواب الموعود ، ومن المعلوم أنّ العقل يحكم باستحقاق العامل ـ كذلك ـ المدح والثواب ، فالأخبار المذكورة مؤكّدة لحكم العقل إن كان الثابت بها أصل الثواب ، إذ حينئذ يكون حكم الشرع بترتّب الثواب عين حكم العقل به ، لأنّ العقل لا يحكم أزيد من ترتّب أصل الثواب ، ولذلك يكون حكم الشرع مؤكّدا لحكم العقل وإرشادا إليه.

(وأمّا طلب الشارع لهذا الفعل ، فإن كان على وجه الإرشاد لأجل تحصيل هذا الثواب الموعود ... إلى آخره).

كما هو الظاهر ، فهذا الطلب لازم للاستحقاق العقلي المتقدّم ، وعين الأمر بالاحتياط من حيث كونه إرشاديّا.

(وإن كان على وجه الطلب الشرعي المعبّر عنه بالاستحباب فهو غير لازم للحكم بتنجّز الثواب ... إلى آخره).

أي : حكم الشرع بتنجّز الثواب وترتّبه على الفعل احتياطا لا يكون مستلزما للأمر المولوي حتى يدلّ على الاستحباب ، بل يكون حكم الشرع بتنجّز الثواب تصديقا لحكم

٥٩

وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي ...)(١) ، إلّا إنّ هذا وعد على الإطاعة الحقيقيّة ، وما نحن فيه وعد على الإطاعة الحكميّة ، وهو الفعل الذي يعدّ معه العبد في حكم المطيع. فهو من باب وعد الثواب على نيّة الخير التي يعدّ معها العبد في حكم المطيع من حيث الانقياد.

وأمّا ما يتوهّم من : «أنّ استفادة الاستحباب الشرعي فيما نحن فيه نظير استفادة الاستحباب الشرعي من الأخبار الواردة في الموارد الكثيرة المقتصر فيها على ذكر الثواب للعمل ، مثل قوله عليه‌السلام : (من سرح لحيته فله كذا) (٢) ، مدفوع بأن الاستفادة هناك باعتبار أنّ ترتّب الثواب لا يكون إلّا مع الإطاعة حقيقة أو حكما.

____________________________________

العقل بتنجّزه ، فيكون مستلزما للأمر الإرشادي ، كما يكون (قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي)) مستلزما للأمر الإرشادي. غاية الأمر : إنّ وعد الثواب وهو دخول الجنّة المستلزم للأمر الإرشادي في الآية (وعد على الإطاعة الحقيقيّة) وما نحن فيه (وعد على الإطاعة الحكميّة) وعلى كلّ تقدير ، فلا مفرّ من أن يكون الطلب الشرعي إرشاديّا.

(وأمّا ما يتوهّم من : «أنّ استفادة الاستحباب الشرعي فيما نحن فيه نظير استفادة الاستحباب الشرعي من الأخبار الواردة في الموارد الكثيرة المقتصر فيها على ذكر الثواب للعمل ، مثل قوله عليه‌السلام : (من سرح لحيته فله كذا) ، مدفوع ... إلى آخره).

ولا بدّ أوّلا : من تقريب التوهّم ، وثانيا : من بيان دفعه.

وأمّا التقريب فملخّصه : إنّ استفادة الاستحباب في المقام يكون نظير استفادة الاستحباب الشرعي من الأخبار الواردة في الموارد الكثيرة الدالّة على ترتّب الثواب على العمل ، كقوله عليه‌السلام : (من سرّح لحيته فله كذا) ، حيث يكون ترتّب الثواب في هذه الأخبار مستلزما للأمر المولوي الدالّ على الاستحباب بالاتّفاق ، فكذلك ما نحن فيه حيث يكون ترتّب الثواب مستلزما للأمر المولوي ، فأخبار من بلغ ـ فيما نحن فيه ـ تدلّ على ترتّب الثواب على محتمل الوجوب بالمطابقة ، وعلى الاستحباب الشرعي بالالتزام ، كالأخبار الواردة الدالّة على ترتّب الثواب على تسريح اللحية ، وتقليم الأظفار ونحوهما ، حيث تدلّ

__________________

(١) النساء : ١٣.

(٢) الفقيه ١ : ٧٥ / ٣٢٢. الوسائل ٢ : ١٢٦ ، أبواب آداب الحمّام ب ٧٦ ، ح ١ ، وفيهما معنى الحديث.

٦٠