دروس في الرسائل - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٨

وجوب الاحتياط لو لا العسر ، لكن لمّا تعسّر الاحتياط في أغلب الموارد على أغلب الناس حكم بعدم وجوب الاحتياط كلّية.

وفيه : إنّ دليل الاحتياط في كلّ فرد من الشبهة ليس إلّا دليل حرمة ذلك الموضوع. نعم ، لو لزم الحرج من جريان حكم العنوان المحرّم الواقعي في خصوص مشتبهاته الغير المحصورة على أغلب المكلّفين في أغلب الأوقات ـ كأن يدّعى : إنّ الحكم بوجوب الاحتياط عن النجس الواقعي مع اشتباهه في امور غير محصورة يوجب الحرج الغالبي ـ أمكن التزام ارتفاع وجوب الاحتياط في خصوص النجاسة المشتبهة.

لكن لا يتوهّم من ذلك اطّراد الحكم بارتفاع التحريم في الخمر المشتبه بين مائعات غير محصورة ، والمرأة المحرّمة المشتبهة في ناحية مخصوصة ، إلى غير ذلك من المحرّمات ، ولعلّ كثيرا ممّن تمسّك في هذا المقام بلزوم المشقّة أراد المورد الخاصّ كما ذكروا ذلك في الطهارة والنجاسة.

____________________________________

وفيه : إنّ دليل الاحتياط في كلّ فرد من الشبهة ليس إلّا دليل حرمة ذلك الموضوع).

لما تقدّم في جواب التوهّم من أنّ عنوان الشبهة غير المحصورة ليس موضوعا للحكم ، إذ لم يقل الشارع فيها : احتط في الشبهة غير المحصورة ، حتى يلاحظ فيه العسر الغالبي المستلزم لرفع التكليف عن جميع المكلّفين.

بل ليس الموضوع إلّا الخمر المشتبه بين امور غير محصورة ، أو النجس كذلك ، فلو لزم الحرج من وجوب الاجتناب في المورد المشتبه بين غير محصور يرتفع وجوب الاحتياط عن جميع المكلّفين إذا كان الحرج غالبيّا ، وعمّن عليه العسر إذا لم يكن كذلك.

و (لكن لا يتوهّم من ذلك اطّراد الحكم بارتفاع التحريم في الخمر المشتبه بين مائعات غير محصورة ، والمرأة المحرّمة المشتبهة في ناحية مخصوصة ، إلى غير ذلك من المحرّمات).

أي : لا يتوهّم من ارتفاع الاحتياط في النجس المشتبه بين غير محصور للعسر الغالبي اطّراد الحكم بارتفاع الاحتياط المستلزم لارتفاع التحريم في كلّ مشتبه بين امور غير محصورة ، كالخمر المشتبه كذلك ، والمرأة المشتبهة في ناحية مخصوصة من جهة كون الجميع شبهة غير محصورة ، لأنّ ارتفاع الحكم الموجب للعسر الغالبي في مورد لكونه

٢٨١

هذا كلّه ، مع أنّ لزوم الحرج في الاجتناب عن الشبهة الغير المحصورة التي يقتضي الدليل المتقدّم وجوب الاحتياط فيها ممنوع.

ووجهه : إنّ كثيرا من الشبهات الغير المحصورة لا يكون جميع المحتملات مورد ابتلاء المكلّف ، ولا يجب الاحتياط في هذه الشبهة وإن كانت محصورة كما أوضحناه سابقا ، وبعد إخراج هذا عن محلّ الكلام فالإنصاف منع غلبة التعسّر في الاجتناب.

الثالث : الأخبار الدالّة على حلّية كلّ ما لم يعلم حرمته ، فإنّها بظاهرها وإن عمّت الشبهة المحصورة إلّا أنّ مقتضى الجمع بينها وبين ما دلّت على وجوب الاجتناب بقول مطلق هو حمل أخبار الرخصة على غير المحصورة وحمل أخبار المنع على المحصور.

____________________________________

شبهة غير محصورة ، لا يوجب ارتفاع الحكم عن كلّ شبهة غير محصورة ما لم يكن الاحتياط موجبا للعسر الغالبي فيها ، فكلّ مشتبه بين امور غير محصورة يلاحظ فيه العسر مع قطع النظر عن العسر الغالبي في المشتبه الآخر بين امور غير محصورة ، فكلّ مورد يكون المشتبه موجبا للعسر يرتفع الحكم عنه فقط ولا يتعدّى عنه إلى مورد آخر أصلا.

(هذا كلّه ، مع أنّ لزوم الحرج في الاجتناب عن الشبهة الغير المحصورة التي يقتضي الدليل المتقدّم وجوب الاحتياط فيها ممنوع).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي دام ظلّه : إنّ قول الشارع : اجتنب عن الخمر ، لا يقتضي وجوب الاحتياط ، إلّا في قليل من الشبهات غير المحصورة ، وهي ما لم يكن بعض أطرافها خارجا عن محلّ الابتلاء ، ومن المعلوم أنّ الاحتياط في هذا القليل لا يوجب العسر الغالبي حتى يرتفع رأسا.

(الثالث : الأخبار الدالّة على حلّية كلّ ما لم يعلم حرمته).

وتقريب الاستدلال بهذا الوجه يتّضح بعد ذكر مقدّمة وهي : إنّ الأخبار الواردة في باب الشبهات على قسمين :

أحدهما : ما دلّ على الحلّية وعدم وجوب الاحتياط فيها.

وثانيهما : ما دلّ على وجوب التوقّف والاحتياط ، وعمومهما يشمل الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ، سواء كانت محصورة أو غير محصورة ، ومن الواضح أنّ مقتضى الجمع بينهما بعد تعارضهما هو حمل أخبار الحلّ والرخصة على الشبهات غير المحصورة مع

٢٨٢

وفيه : أوّلا : إنّ المستند في وجوب الاجتناب في المحصور هو اقتضاء دليل نفس الحرام المشتبه لذلك بضميمة حكم العقل ، وقد تقدّم بما لا مزيد عليها أنّ أخبار حلّ الشبهة لا تشمل صورة العلم الإجمالي بالحرام.

وثانيا : لو سلّمنا شمولها لصورة العلم الإجمالي حتى يشمل الصورة الغير المحصورة ، لكنّها تشمل المحصورة أيضا ، وأخبار وجوب الاجتناب مختصّة بغير الشبهة الابتدائيّة إجماعا ، فهي على عمومها للشبهة الغير المحصورة ـ أيضا ـ أخصّ مطلقا من أخبار الرخصة.

____________________________________

الشبهات البدويّة ، وحمل أخبار المنع على الشبهات المحصورة ، إذ المتيقّن من أخبار وجوب الاحتياط والتوقّف هو الشبهة المحصورة ، فتأمّل تعرف.

(وفيه : أوّلا : إنّ المستند في وجوب الاجتناب في المحصور هو اقتضاء دليل نفس الحرام المشتبه لذلك بضميمة حكم العقل).

وحاصل الإشكال الأوّل على الاستدلال المذكور ، هو أنّ المستند في وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة ليس ما ذكر في الاستدلال من الجمع بين الأخبار ، بل هو نفس أدلّة الاجتناب عن المحرّمات الواقعيّة ، مثل : اجتنب عن الخمر ، والنجس ، وغيرهما ، بضميمة حكم العقل بوجوب الاجتناب عن جميع أطراف الشبهة من باب المقدّمة العلميّة ، وأخبار الحلّ لا تشمل مورد العلم الإجمالي بالحرام ، وذلك لاستلزامه جواز المخالفة القطعيّة الممنوع شرعا وعقلا ، فحينئذ لا حاجة إلى ما ذكر من الجمع بين الأخبار ، لأنّ الجمع فرع لشمول أخبار الحلّ لمورد العلم الإجمالي والتعارض بينها وبين أخبار الاحتياط ، وقد بيّنا عدم شمولها له ، فتكون مختصّة بالشبهات البدويّة.

وبذلك تبقى أخبار الاحتياط بلا معارض أصلا ، ومقتضاها وجوب الاحتياط في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ، من دون فرق بين كونها محصورة ، أو غير محصورة.

(وثانيا : لو سلّمنا شمولها لصورة العلم الإجمالي حتى يشمل الصورة الغير المحصورة ، لكنّها تشمل المحصورة أيضا ، وأخبار وجوب الاجتناب مختصّة بغير الشبهة الابتدائيّة إجماعا).

وحاصل هذا الإشكال الثاني على الاستدلال المذكور ، هو أنّه لو سلّمنا شمول أخبار الحلّ موارد العلم الإجمالي مطلقا ـ كما تشمل الشبهة الابتدائيّة ـ لكانت النسبة بينها وبين

٢٨٣

والحاصل : إنّ أخبار الحلّ نصّ في الشبهة الابتدائيّة وأخبار الاجتناب نصّ في الشبهة المحصورة ، وكلا الطرفين ظاهران في الشبهة الغير المحصورة ، فإخراجها عن أحدهما وإدخالها في الآخر ليس جمعا ، بل ترجيحا بلا مرجّح ، إلّا أن يقال : إنّ أكثر أفراد الشبهة الابتدائيّة ترجع بالآخرة إلى الشبهة الغير المحصورة ، لأنّا نعلم إجمالا بوجود النجس والحرام في الوقائع المجهولة بغير المحصورة ، فلو اخرجت هذه الشبهة عن أخبار الحلّ لم يبق تحتها من

____________________________________

أخبار الاحتياط هي العموم والخصوص ، بعد خروج الشبهات البدويّة عن أخبار الاحتياط بالإجماع ، بمعنى : عدم وجوب الاحتياط فيها إجماعا ، وحينئذ تبقى تحت أخبار الاحتياط طائفتان من الشبهات الثلاث ، وهما : الشبهة غير المحصورة ، والمحصورة ، وأخبار الحلّ تشمل جميع الطوائف الثلاث وهي :

١ ـ الشبهات البدويّة.

٢ ـ والشبهات غير المحصورة.

٣ ـ والشبهات المحصورة.

ومقتضى تخصيص العامّ بالخاصّ هو إخراج الشبهة غير المحصورة ، والمحصورة ، من أخبار الحلّ بالتخصيص واختصاصهما بالشبهات البدويّة ، ولازم هذا التخصيص هو وجوب الاحتياط في الشبهات غير المحصورة ، كالمحصورة.

ولمّا لم يرتض المصنّف قدس‌سره بهذا الجواب فأجاب ، بوجه آخر ، وقد أشار إليه بقوله :

(والحاصل إنّ أخبار الحلّ نصّ في الشبهة الابتدائيّة وأخبار الاجتناب نصّ في الشبهة المحصورة ، وكلا الطرفين ظاهران في الشبهة الغير المحصورة ، فإخراجها عن أحدهما وإدخالها في الآخر ليس جمعا ، بل ترجيحا بلا مرجّح).

فما ذكر في الاستدلال من الجمع بينهما غير صحيح ، لأنّه مستلزم للترجيح من غير مرجّح ، وهو باطل.

(إلّا أن يقال : إنّ أكثر أفراد الشبهة الابتدائيّة ترجع بالآخرة إلى الشبهة الغير المحصورة ... إلى آخره).

وملخّص ما يقال تأييدا للمستدلّ على عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة هو أنّ أخبار الحلّ تدلّ على الحلّية في الشبهة غير المحصورة ، كالشبهة

٢٨٤

الأفراد إلّا النادر ، وهو لا يناسب مساق هذه الأخبار. فتدبّر.

الرابع : بعض الأخبار الدالّة على أنّ مجرّد العلم بوجود الحرام بين المشتبهات لا يوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراما.

مثل ما في محاسن البرقي عن أبي الجارود قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن ، فقلت : أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة ، فقال : (أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم جميع ما في الأرض! فما علمت فيه ميتة فلا تأكله ، وما لم تعلم فاشتر وبع وكل ، والله إنّي

____________________________________

البدويّة ، وذلك لرجوع أكثر أفراد الشبهة البدويّة إلى الشبهة غير المحصورة ، لأنّا نعلم إجمالا بوجود الحرام والنجس في الوقائع المجهولة غير المحصورة ، فإذا شككنا في نجاسة الثوب أو البدن لرجع هذا الشكّ إلى الشبهة غير المحصورة ؛ نظرا إلى العلم الإجمالي بوجود النجس في العالم.

وحينئذ فحمل أخبار الحلّ على الشبهة البدويّة المحضة حمل على الفرد النادر ، وهو لا يناسب مساق تلك الأخبار ، فلا بدّ ـ حينئذ ـ من القول بدخول الشبهات غير المحصورة كالشبهات البدويّة في هذه الأخبار لئلّا يلزم حملها على الفرد النادر.

(فتدبّر) لعلّه إشارة إلى ردّ ما ذكر من باب التأييد.

وحاصل الردّ هو عدم رجوع الشبهة البدويّة إلى الشبهة غير المحصورة ، وذلك إنّا كثيرا ما نشكّ في نجاسة الثوب أو حرمة شيء من دون علم إجمالي أصلا ، فمجرد العلم إجمالا بوجود نجس أو حرام في الدنيا لا يوجب أن يصير ذلك المشكوك من أطراف العلم الإجمالي ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، فحينئذ لا يلزم من حمل أخبار الحلّ على الشبهة البدويّة حملها على النادر حتى يقال : إنّه لا يناسب مساق تلك الأخبار ، فتنبّه.

(الرابع : بعض الأخبار الدالّة على أنّ مجرّد العلم بوجود الحرام بين المشتبهات لا يوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراما).

وتقريب الاستدلال كما في شرح الاستاذ الاعتمادي دام ظلّه : إنّ سؤال السائل عن حكم الجبن عن الإمام الباقر عليه‌السلام ظاهر في حصول العلم الإجمالي له بوجود الجبن النجس المصنوع في مكان مخصوص ـ حيث يجعل فيه الميتة ـ بين جبنات السوق ، فيسأل من الإمام عليه‌السلام أنّه : هل يجب عليّ اجتناب كلّ جبن يحتمل كونه من هذا المكان أم لا؟ ثمّ إنّ

٢٨٥

لاعترض السّوق فاشتري اللحم والسّمن والجبن ، والله ما أظنّ كلّهم يسمّون ، هذه البربر وهذه السودان) (١) ، الخبر ، فإنّ قوله : (أمن أجل مكان واحد) الخبر ، ظاهر في أنّ مجرّد العلم بوجود الحرام لا يوجب الاجتناب عن محتملاته ، وكذا قوله عليه‌السلام : (والله ما أظنّ كلّهم يسمّون) ، فإنّ الظاهر منه إرادة العلم بعدم تسمية جماعة حين الذبح ، كالبربر والسودان.

إلّا أن يدّعى أنّ المراد أنّ جعل الميتة في الجبنّ في مكان واحد لا يوجب الاجتناب عن

____________________________________

جواب الإمام عليه‌السلام بقوله :

(أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة ، حرّم جميع ما في الارض ... إلى آخره).

ظاهر في جواز ارتكاب أطراف الشبهة غير المحصورة ، فيدلّ على عدم كون العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة مانعا عن الحكم بالحلّية. إلى أن قال عليه‌السلام : (والله إنّي لاعترض السوق فاشتري اللحم والسمن والجبن ... إلى آخره).

وهذا الكلام من الإمام عليه‌السلام يؤيّد ، بل يدلّ على جواز ارتكاب أطراف العلم الإجمالي بوجود الحرام أو النجس ، لأنّه عليه‌السلام يقول : إنّي أدخل السوق ، فاشتري اللحم مع العلم إجمالا بوجود الميتة ، لأجل انتفاء التسمية من بعض أهل البادية والسودان ، فكلامه عليه‌السلام (والله ما أظنّ كلّهم يسمّون) ظاهر عند أهل العرف في العلم بانتفاء التسمية من بعض هؤلاء ، والعلم الإجمالي بنجاسة بعض ما يباع في السوق.

وبالجملة ، إنّ الاستدلال على عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة غير المحصورة يكون بموردين من كلام الإمام عليه‌السلام في هذه الرواية :

أحدهما : قوله عليه‌السلام : (أمن مكان واحد ... إلى آخره).

وثانيهما : قوله عليه‌السلام : (والله إنّي لاعترض السوق) إلى قوله عليه‌السلام : (والله ما أظنّ كلّهم يسمّون ... إلى آخره).

فلا بدّ من الجواب عن الاستدلال بكلا الموردين :

أمّا الجواب عن الاستدلال بالمورد الأوّل ، فقد أشار إليه بقوله :

(إلّا أن يدّعى أنّ المراد أنّ جعل الميتة في الجبن في مكان واحد لا يوجب الاجتناب عن

__________________

(١) المحاسن ٢ : ٢٩٦ / ١٩٧٦. الوسائل ٢٥ : ١١٩ ، أبواب الأطعمة المباحة ، ب ٦١ ، ح ٥ ، بتفاوت فيهما.

٢٨٦

جبن غيره من الأماكن ، ولا كلام في ذلك ، لا أنّه لا يوجب الاجتناب عن كلّ جبن يحتمل أن يكون من ذلك المكان ، فلا دخل له بالمدّعى ، وأمّا قوله : (ما أظنّ كلّهم يسمّون) فالمراد منه عدم وجوب الظنّ ، أو القطع بالحلّية ، بل يكفي أخذها من سوق المسلمين ، بناء على أنّ السوق أمارة شرعيّة لحلّ الجبن المأخوذ منه. ولو من يد مجهول الإسلام ، إلّا أن يقال : إنّ سوق المسلمين غير معتبر مع العلم الإجمالي بوجود الحرام ، فلا مسوّغ للارتكاب إلّا كون

____________________________________

جبن غيره من الأماكن).

لأنّ المعلوم والمتيقّن هو وجوب الاجتناب عن جبن ذلك المكان المخصوص الذي يجعل فيه الميتة في الجبن ، لا الاجتناب عن جبن غيره من الأماكن ، لأنّ جعل الميتة في جبن غيره من سائر الأماكن مشكوك بالشكّ البدوي ، فيحكم بحلّية الأجبان في غير ذلك المكان المخصوص ، فحينئذ لا دخل لقول الإمام بالمدّعى أصلا ، لأنّ المدّعى هو جواز ارتكاب أطراف الشبهة غير المحصورة ، وقول الإمام عليه‌السلام يدلّ على الجواز والحلّية في الشبهة البدويّة.

وأمّا الجواب عن الاستدلال بالمورد الثاني ، فلأنّ عدم وجوب الاجتناب عمّا في سوق المسلمين وجواز الاشتراء منه ليس من جهة عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة غير المحصورة حتى يكون دليلا على جواز ارتكاب أطراف الشبهة غير المحصورة ، بل يكون عدم وجوب الاجتناب وجواز الارتكاب من جهة أمارة الحلّ وهي سوق المسلمين ، فالحكم بحلّية ما يشترى من السوق يكون لأجل كون السوق أمارة معتبرة على الحلّية ، فيحكم بحلّية ما يؤخذ من السوق (ولو من يد مجهول الإسلام) ، لأنّ إسلام أهل السوق كلّهم أو جلّهم أمارة على إسلام مجهول الحال ، فيجوز الاشتراء منه ، كما يجوز من معلوم الحال.

(إلّا أن يقال : إنّ سوق المسلمين غير معتبر مع العلم الإجمالي بوجود الحرام).

بمعنى أنّ العلم الإجمالي ، كما يكون مانعا عن الرجوع إلى الاصول العمليّة والعمل بها ، كذلك يمنع عن الرجوع إلى الأمارات والعمل بها ، فتسقط عن الاعتبار.

(فلا مسوّغ للارتكاب إلا كون الشبهة غير محصورة).

إلّا أن يقال : إن قياس سقوط الأمارات عن الاعتبار بالاصول العمليّة في مورد العلم

٢٨٧

الشبهة غير محصورة ، فتأمّل.

الخامس : أصالة البراءة ، بناء على أنّ المانع من إجرائها ليس إلّا العلم الإجمالي بوجود الحرام ، لكنّه إنّما يوجب الاجتناب عن محتملاته من باب المقدّمة العلميّة التي لا تجب إلّا لأجل وجوب دفع الضرر ، وهو العقاب المحتمل في فعل كلّ واحد من المحتملات الغير المحصورة ، [وهذا لا يجري في المحتملات الغير المحصورة] ، ضرورة أنّ كثرة الاحتمال توجب عدم الاعتناء بالضرر المعلوم وجوده بين المحتملات ، ألا ترى الفرق الواضح بين العلم بوجود السمّ في أحد إناءين وواحد من ألفي إناء ، وكذلك بين قذف أحد الشخصين لا بعينه وبين قذف واحد من أهل بلد ، فإنّ الشخصين كلاهما يتأثّران بالأوّل ولا يتأثّر أحد من أهل البلد بالثاني ، وكذا الحال لو أخبر شخص بموت الشخص المردّد بين ولده وشخص واحد ، وبموت المردّد بين ولده وبين كلّ واحد من أهل بلده ، فإنّه لا يضطرب خاطره في الثاني أصلا.

____________________________________

الإجمالي قياس مع الفارق ، فيكون باطلا ، والفرق أنّ سقوط الاصول في مورد العلم الإجمالي يكون من جهة التعارض المنتفي في مورد الأمارات ، لأنّ تصرّف كلّ واحد من أهل السوق لا يعارض تصرّف الآخر منهم.

والحاصل إنّ الاستدلال برواية الجبن لا يتمّ لكونها ضعيفة سندا وغير تامّة دلالة ، وذلك لأنّها غير متعرّضة للمحصور وغيره من الشبهة ، بل ظاهرها أنّ العلم بوجود فرد محرّم دار أمره بين ما يكون في محلّ الابتلاء ، وما يكون خارجا عنه ، لا يوجب الاجتناب عمّا هو محلّ الابتلاء ، وإلّا لزم حرمة ما في الأرضين لوجود حرام واحد ، فهي أجنبيّة عن الشبهة غير المحصورة.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى ما ذكرنا أو إلى سقوط السوق عن الاعتبار في غالب الموارد ، لأنّ الغالب وجود العلم الإجمالي بالحرام والنجس في السوق ، فإذا كان العلم الإجمالي موجبا لسقوط السوق عن الاعتبار في غالب الموارد لا يبقى اعتبار السوق ، إلّا في موارد نادرة ، ولم يقل به أحد.

(الخامس : أصالة البراءة ، بناء على أنّ المانع من إجرائها ليس إلّا العلم الإجمالي بوجود الحرام ، لكنّه إنّما يوجب الاجتناب عن محتملاته من باب المقدّمة العلميّة التي لا تجب إلّا

٢٨٨

وإن شئت قلت : إنّ ارتكاب المحتمل في الشبهة الغير المحصورة لا يكون عند العقلاء ، إلّا كارتكاب الشبهة غير المقرونة بالعلم الإجمالي ، وكأنّ ما ذكره الإمام عليه‌السلام في الرواية المتقدّمة من قوله : (أمن أجل مكان واحد) (١) الخبر ، بناء على أنّ الاستدلال به إشارة إلى هذا المعنى ، حيث جعل كون حرمة الجبن في مكان واحد ، منشأ لحرمة جميع محتملاته الغير المحصورة من المنكرات المعلومة عند العقلاء التي لا ينبغي للمخاطب أن يقبلها ، كما يشهد بذلك كلمة

____________________________________

لأجل وجوب دفع الضرر ... إلى آخره).

وتقريب هذا الوجه على أصالة البراءة في الشبهة غير المحصورة بأحد وجهين على ما يظهر من كلام المصنّف قدس‌سره :

أحدهما : إنّ المانع من أصالة البراءة في مورد العلم الإجمالي بوجود الحرام ، هو حكم العقل بوجوب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي من باب وجوب المقدّمة العلميّة دفعا للعقاب المحتمل في كلّ طرف من أطراف العلم الإجمالي.

ومن المعلوم أنّ وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة دفعا للعقاب المحتمل إنّما يتمّ في الشبهة المحصورة ، لأنّ احتمال العقاب في كلّ من الطرفين احتمال عقلائي يحكم العقل والعقلاء بوجوب دفعه من باب المقدّمة العلميّة ، ولكنّه لا يتمّ في الشبهة غير المحصورة ؛ وذلك لأنّ احتمال العقاب في كلّ من أطراف الشبهة غير المحصورة يكون في غاية الضعف لكثرة المحتملات ، فلا يجب دفعه ـ حينئذ ـ من باب المقدّمة العلميّة ، ولذلك تجري فيه أصالة البراءة على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي دام ظله.

وثانيهما : إنّ كثرة الاحتمالات في أطراف العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة توجب تنزيل العلم الإجمالي منزلة العدم ، فتكون الشبهة غير المحصورة ـ حينئذ ـ كالشبهة البدويّة تجري فيها أصالة البراءة ، كما تجري في الشبهة البدويّة ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(وإن شئت قلت : إنّ ارتكاب المحتمل في الشبهة الغير المحصورة لا يكون عند العقلاء ، إلّا كارتكاب الشبهة غير المقرونة بالعلم الإجمالي).

__________________

(١) المحاسن ٢ : ٢٩٦ / ١٩٧٦. الوسائل ٢٥ : ١١٩ ، أبواب الأطعمة المباحة ، ب ١٦ ، ح ٥.

٢٨٩

الاستفهام الإنكاري ، لكن عرفت أنّ فيه احتمالا آخر يتمّ معه الاستفهام الإنكاري أيضا.

وحاصل هذا الوجه أنّ العقل إذا لم يستقلّ بوجوب دفع العقاب المحتمل عند كثرة المحتملات ، فليس ما يوجب على المكلّف الاجتناب من كلّ محتمل ، فيكون عقابه ـ حينئذ ـ عقابا من دون برهان ، فعلم من ذلك أنّ الآمر اكتفى في المحرّم المعلوم إجمالا بين المحتملات بعدم العلم التفصيلي بإتيانه ، ولم يعتبر العلم بعدم إتيانه ، فتأمّل.

____________________________________

والفرق بين الوجهين هو أنّ عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة يكون لأجل المانع في الوجه الأوّل ، ولأجل عدم المقتضي في الوجه الثاني ، ولعلّ ما ذكر في الرواية المتقدّمة في الوجه الرابع ، حيث قال الإمام عليه‌السلام : (أمن مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم جميع ما في الأرض) إشارة إلى هذا المعنى ، أي : عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة غير المحصورة.

حيث جعل الإمام عليه‌السلام الاجتناب عن أطراف الشبهة غير المحصورة من المنكرات المعلومة عند العقلاء ، كما يشهد بكونه من المنكرات الاستفهام الإنكاري في قول الإمام عليه‌السلام ، إلّا أنّ فيه احتمالا آخر يتمّ معه الاستفهام الإنكاري أيضا ، وهو أن يكون مورد السؤال حكم الشبهة البدويّة حيث جعل حرمة جبن هذا المكان منشأ لحرمة جبن مكان آخر مشكوك النجاسة أمرا منكرا ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(وحاصل هذا الوجه أنّ العقل إذا لم يستقلّ بوجوب دفع العقاب المحتمل عند كثرة المحتملات) لما تقدّم من كون احتمال العقاب في كلّ طرف من الأطراف في غاية الضعف ، (فليس ما يوجب على المكلّف الاجتناب من كلّ محتمل ، فيكون عقابه ـ حينئذ ـ عقابا من دون برهان) ، بل تجري أصالة البراءة.

(فعلم من ذلك أنّ الآمر اكتفى في المحرّم المعلوم إجمالا بين المحتملات بعدم العلم التفصيلي بإتيانه ، ولم يعتبر العلم بعدم إتيانه).

أي : علم من عدم حكم العقل بدفع العقاب المحتمل مع كون احتماله ضعيفا لكثرة المحتملات ، أنّ الشارع اكتفى بعدم جواز المخالفة القطعيّة ، ولم يوجب الموافقة القطعيّة.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى أنّ مقتضى هذا الدليل هو جواز المخالفة القطعيّة ، كما لا يخفى ، مع أنّ ارتكاب جميع الأطراف ينافي العلم إجمالا بكون أحد أطراف الشبهة

٢٩٠

السادس : [عدم الابتلاء] إنّ الغالب عدم ابتلاء المكلّف إلّا ببعض معيّن من محتملات الشبهة الغير المحصورة ويكون الباقي خارجا عن محلّ ابتلائه ، وقد تقدّم عدم وجوب الاجتناب في مثله مع حصر الشبهة فضلا عن غير المحصورة.

____________________________________

حراما في الواقع.

أو هو إشارة إلى عدم الفرق بين الشبهة المحصورة والشبهة غير المحصورة وذلك لحكم العقل بوجوب الاجتناب عنهما دفعا للعقاب المحتمل ، سواء كان احتمال العقاب قويّا كما في المحصورة ، أو ضعيفا كما في غير المحصورة.

(السادس : عدم الابتلاء).

أي : عدم ابتلاء المكلّف غالبا ببعض الأطراف في الشبهة غير المحصورة.

وقد تقدّم عدم وجوب الاجتناب فيما إذا كان بعض أطراف الشبهة خارجا عن محلّ الابتلاء في الشبهة المحصورة ، فضلا عن غير المحصورة.

وفيه : إنّ المناط في وجوب الاجتناب ـ حينئذ ـ هو الابتلاء وعدمه ، لا الحصر وعدمه.

٢٩١

ضابط المحصور ، والارتكاب ، والنسبة ، وبقيّة المسائل

هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به على حكم الشبهة الغير المحصورة ، وقد عرفت أنّ أكثرها لا يخلو من منع أو قصور ، لكنّ المجموع منها لعلّه يفيد القطع أو الظنّ بعدم وجوب الاحتياط في الجملة ، والمسألة فرعيّة يكتفى فيها بالظنّ.

إلّا أنّ الكلام يقع في موارد :

الأوّل : في أنّه هل يجوز ارتكاب جميع المشتبهات في غير المحصور بحيث يلزم العلم التفصيلي ، أم يجب إبقاء مقدار الحرام؟

ظاهر إطلاق القول بعدم وجوب الاجتناب هو الأوّل ، لكن يحتمل أن يكون مرادهم

____________________________________

(هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به على حكم الشبهة الغير المحصورة ، وقد عرفت أنّ أكثرها لا يخلو من منع) ، وقد تقدّم منع كلّ واحد من هذه الوجوه ، فلا حاجة إلى التكرار.

(إلّا أنّ الكلام يقع في موارد :

الأوّل : في أنّه هل يجوز ارتكاب جميع المشتبهات في غير المحصور بحيث يلزم العلم التفصيلي ، أم يجب إبقاء مقدار الحرام؟).

بمعنى : إنّه بعد عدم وجوب الموافقة القطعيّة في الشبهة غير المحصورة هل يجوز ارتكاب جميع الأطراف ، حتى يكون لازمه إلغاء العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة وكونه كالشكّ البدوي أم لا؟ بل تعلّق الحكم بجواز الارتكاب بما عدا مقدار الحرام المعلوم إجمالا حتى يكون لازمه رفع اليد عن تحصيل الموافقة القطعيّة بالاجتناب عن جميع الأطراف ، والاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة ، لا الإذن في المخالفة القطعيّة.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى الاحتمال الأوّل بقوله :

(ظاهر إطلاق القول بعدم وجوب الاجتناب هو الأوّل).

أي : جواز المخالفة القطعيّة ، لأنّ لازم عدم وجوب الاجتناب على نحو الإطلاق هو جواز ارتكاب جميع الأطراف.

ثمّ أشار إلى الاحتمال الثاني بقوله :

(لكن يحتمل أن يكون مرادهم فيه في مقابلة الشبهة المحصورة التي قالوا فيها

٢٩٢

عدم وجوب الاحتياط فيه في مقابلة الشبهة المحصورة التي قالوا فيها بوجوب الاجتناب ، وهذا غير بعيد عن سياق كلامهم ، فحينئذ لا يعمّ معقد إجماعهم بحكم ارتكاب الكلّ ، إلّا أنّ الأخبار لو عمّت المقام دلّت على الجواز.

وأمّا الوجه الخامس ، فالظاهر دلالته على جواز الارتكاب ، لكن مع عدم العزم على ذلك من أوّل الأمر ، وأمّا معه فالظاهر صدق المعصية عند مصادفة الحرام فيستحقّ

____________________________________

بوجوب الاجتناب).

بمعنى : إنّهم قالوا في الشبهة المحصورة بوجوب الاجتناب عن الكلّ ، فيكون قولهم في غير المحصور بعدم وجوب الاجتناب ظاهرا في عدم وجوب الاجتناب عن جميع الأطراف كالشبهة المحصورة ، فلازمه جواز ارتكاب ما عدا مقدار الحرام ، كما يقتضيه نفي الاجتناب عن الكلّ ، حيث يكون لازم قولنا : ليس كلّ حيوان إنسانا ، أي : ليس جميع الحيوان إنسانا ، بل بعضه إنسان ، وبعضه غير إنسان.

(وهذا غير بعيد عن سياق كلامهم ، فحينئذ لا يعمّ معقد إجماعهم بحكم ارتكاب الكلّ).

أي : الاحتمال الثاني غير بعيد عن سياق كلامهم ، غاية الأمر على هذا الاحتمال لا يشمل معقد إجماعهم بحكم ارتكاب الكلّ ، بل لا بدّ من حمل الإجماع على جواز ارتكاب ما عدا مقدار الحرام ، حتى يكون مطابقا لمرادهم على الفرض.

وأمّا مقتضى الوجه الثاني ، فهو عدم جواز ارتكاب الكلّ ، بل يقتضي الارتكاب بما يندفع به العسر والحرج.

وأمّا مقتضى الوجه الثالث وهي الأخبار الدالّة على حلّية كلّ ما لم تعلم حرمته ، فهو جواز ارتكاب الكلّ لو كانت شاملة لموارد العلم الإجمالي ، إلّا أنّه يجب تقييدها ـ حينئذ ـ بجواز ارتكاب ما عدا مقدار الحرام ، وذلك لعدم جواز المخالفة القطعيّة عقلا وشرعا.

وأمّا مقتضى الوجه الرابع ، فهو عدم جواز الارتكاب ، كما يظهر ذلك من قول الإمام عليه‌السلام : (أمن مكان واحد ... إلى آخره).

(وأمّا الوجه الخامس ، فالظاهر دلالته على جواز الارتكاب) خصوصا بناء على تنزيل العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة منزلة الشكّ البدوي ، كما عرفت.

إلّا أنّ جواز الارتكاب يجب تقييده بعدم العزم على ارتكاب الكلّ من الأوّل ، (وأمّا

٢٩٣

العقاب ، فالأقوى في المسألة عدم جواز الارتكاب إذا قصد ذلك من أوّل الأمر ، فإنّ قصده قصد المخالفة والمعصية ، فيستحقّ العقاب بمصادفة الحرام.

والتحقيق عدم جواز ارتكاب الكلّ ، لاستلزامه طرح الدليل الواقعي ، الدالّ على وجوب الاجتناب عن المحرّم الواقعي ، كالخمر في قوله : اجتنب عن الخمر ، لأنّ هذا التكليف لا يسقط من المكلّف مع علمه بوجود الخمر بين المشتبهات ، غاية ما ثبت في غير المحصور الاكتفاء في امتثاله بترك بعض المحتملات ، فيكون البعض المتروك بدلا ظاهريّا عن الحرام الواقعي ، وإلّا فإخراج الخمر الموجود يقينا بين المشتبهات عن عموم قوله : اجتنب عن كلّ خمر ، اعتراف بعدم حرمته واقعا وهو معلوم البطلان ، هذا إذا قصد الجميع من أوّل الأمر لأنفسها ، ولو قصد نفس الحرام من ارتكاب الجميع فارتكب الكلّ مقدّمة ، فالظاهر استحقاق العقاب للحرمة من أوّل الارتكاب بناء على حرمة التجرّي ، فصور ارتكاب الكلّ ثلاثة ، عرفت كلّها.

____________________________________

معه فالظاهر صدق المعصية عند مصادفة الحرام ... إلى آخره).

ثمّ يقول المصنّف قدس‌سره : (والتحقيق عدم جواز ارتكاب الكلّ ، لاستلزامه طرح الدليل الواقعي الدالّ على وجوب الاجتناب عن المحرّم الواقعي ، كالخمر في قوله : اجتنب عن الخمر).

لأنّ التكليف بوجوب الاجتناب عن الخمر الموجود بين المشتبهات لا يسقط عن المكلّف إلّا بالاجتناب عنه ، غاية الأمر ما ثبت في غير المحصور هو عدم وجوب الموافقة القطعيّة والاكتفاء في امتثال التكليف فيه بترك بعض المحتملات ، (فيكون البعض المتروك بدلا ظاهريّا عن الحرام الواقعي) ، وحينئذ لا يجوز ارتكاب الكلّ ، إذ لازم ارتكاب الكلّ هو الاعتراف بعدم حرمة الخمر الموجود بين المشتبهات وهو باطل جزما ، لأنّه مبني على اختصاص قول الشارع : اجتنب عن الخمر ، بالخمر المعلوم تفصيلا ، فلا يشمل الخمر المردّد ، وهذا المبنى غير صحيح ، وذلك لعدم الدليل على اعتبار العلم التفصيلي في موضوع الحرمة.

(فصور ارتكاب الكلّ ثلاثة) :

الاولى : ارتكاب الجميع من دون قصد له من الأوّل ، بل يرتكب بعض الأطراف تدريجا ،

٢٩٤

الثاني : اختلفت عبارات الأصحاب في بيان ضابط المحصور وغيره.

فعن الشهيد والمحقّق الثانيين والميسي وصاحب المدارك أنّ المرجع فيه إلى العرف ، فما كان غير محصور في العادة بمعنى أنّه يعسر عدّه ، لا ما امتنع عدّه ، لأنّ كلّ ما يوجد من الأعداد قابل للعدّ والحصر.

وفيه ـ مضافا إلى أنّه إنّما يتّجه إذا كان الاعتماد في عدم وجوب الاجتناب على الإجماع

____________________________________

فينجرّ الأمر إلى ارتكاب الكلّ.

والثانية : ارتكاب الكلّ مع العزم عليه من الأوّل ، وهذه الصورة باعتبار خصوصيّة القصد ترجع إلى صورتين :

إحداهما : أن يكون عازما لارتكاب الجميع نفسه من دون أن يجعله وسيلة لارتكاب الحرام ، كما أشار إليه بقوله : (إذا قصد الجميع من أوّل الأمر لأنفسها).

وثانيتهما : أن يكون عازما لارتكاب الحرام ، فيرتكب الكلّ مقدّمة له.

والفرق بين الصورتين الأخيرتين هو استحقاق العقاب بمصادفة الحرام في الصورة الاولى ، واستحقاق العقاب من أوّل الارتكاب ، بناء على حرمة التجرّي في الصورة الثانية لارتكابه الكلّ بقصد التوصل للحرام من أوّل الأمر ، وأمّا الصورة الاولى من الثلاثة ، فيتحقّق العصيان الموجب لاستحقاق العقاب بارتكاب الكلّ ، بأن لم يبق مقدار الحرام ، وإلّا فلا يستحقّ العقاب وإن صادف ما ارتكبه الحرام الواقعي.

(الثاني : اختلفت عبارات الأصحاب في بيان ضابط المحصور وغيره).

ووجه الاختلاف في المحصور وغير المحصور هو عدم ورود هذا العنوان في لسان الأدلّة الشرعيّة ، كما ورد مثل عنوان الصلاة والصوم وغيرهما فيه ، وليس فيه اصطلاح خاصّ للفقهاء مثل لفظ المسافة مثلا ، ولم يكن المراد من غير المحصور ما لا يمكن عدّه ، إذ كلّ ما يوجد من الأعداد يمكن عدّه ، ولهذا اختلف الأصحاب في ما هو المراد من غير المحصور ، واختلفوا تعبيرا في بيان ضابط غير المحصور.

(فعن الشهيد والمحقّق الثانيين والميسي وصاحب المدارك أنّ المرجع فيه إلى العرف ، فما كان غير محصور في العادة بمعنى أنّه يعسر عدّه).

فغير المحصور عندهم ما يعسر عدّه عرفا.

٢٩٥

المنقول على جواز الارتكاب في غير المحصور ، أو على تحصيل الإجماع من اتّفاق من عبّر بهذه العبارة الكاشف عن إناطة الحكم في كلام المعصوم بها ـ أنّ تعسّر العدّ غير متحقّق في ما مثّلوا به لغير المحصور ، كالألف مثلا ، فإنّ عدّ الألف لا يعدّ عسرا.

وربّما قيّد المحقّق الثاني عسر العدّ بزمان قصير ، قال في فوائد الشرائع ، كما عن حاشية الإرشاد ، بعد أن ذكر أنّ غير المحصور من الحقائق العرفيّة : «إنّ طريق ضبطه أن يقال : لا ريب أنّه إذا اخذ مرتبة عليا من مراتب العدد كألف مثلا ، قطع بأنّه ممّا لا يحصر ولا يعدّ عادة ، لعسر ذلك في الزمان القصير ، فيجعل طرفا ، ويوحد مرتبة اخرى دنيا جدّا ، كالثلاثة نقطع بأنّها محصورة ، لسهولة عدّها في الزمان اليسير.

____________________________________

(وفيه ـ مضافا إلى أنّه إنّما يتّجه إذا كان الاعتماد في عدم وجوب الاجتناب على الإجماع المنقول على جواز الارتكاب في غير المحصور ... إلى آخره).

لأنّ نقل الإجماع بعنوان غير المحصور ، أو تحصيله من فتاوى الأصحاب بهذه العبارة ـ أي : غير المحصور ، بمعنى توافقهم في المقام بهذه العبارة مع اختلافهم في دقّة النظر وطريقة التعبير والبيان ـ يكشف عن صدور هذا العنوان عن الإمام عليه‌السلام ، فيعامل معه ـ حينئذ ـ معاملة اللفظ الواقع في الكتاب والسنّة.

(أنّ تعسّر العدّ غير متحقّق في ما مثّلوا به لغير المحصور ، كالألف مثلا).

فحينئذ ما ذكر من المثال لا ينطبق على الضابط المذكور ، وقد تنبّه له المحقّق الثاني ، حيث قيّد عسر العدّ بزمان قصير ، وقد أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(وربّما قيّد المحقّق الثاني عسر العدّ بزمان قصير).

إلّا أنّ التقييد المذكور لا يكفي في تصحيح الضابط المذكور ، وذلك :

أوّلا : لأنّ الزمان القصير غير منضبط لتردّده بين الساعة والدقيقة وغيرهما.

وثانيا : لنقضه بما ذكره الأصحاب من كون اشتباه حبّة واحدة مغصوبة بين ألف ألف حبّة مجتمعة في إناء شبهة محصورة مع وجود عسر العدّ في الحبّات المذكورة.

ولا يخفى أنّ مثال الألف لغير المحصور في كلامهم يجب أن يكون من باب التمثيل لا من باب التحديد ، إذ على الثاني يلزم أن لا يكون الزائد على الألف غير محصور ، مع أنّه غير محصور بطريق أولى ، على تقدير كون الألف غير محصور ، فيكون الألف مرتبة من

٢٩٦

وما بينهما من الوسائط كلّما جرى مجرى الطرف الأوّل الحق به ، وكذا ما جرى مجرى الطرف الثاني الحق به ، وما يفرض فيه الشكّ يعرض على القوانين والنظائر ، ويراجع فيه إلى الغالب ، فإن غلب على الظنّ إلحاقه بأحد الطرفين ، وإلّا عمل فيه بالاستصحاب إلى أن يعلم الناقل ، وبهذا ينضبط كلّ ما ليس بمحصور شرعا في أبواب الطهارة والنكاح وغيرهما».

____________________________________

مراتب غير المحصور ، بأن يكون عنوان غير المحصور بمنزلة عامّ له أفراد مندرجة تحته ، وكانت مختلفة من حيث المراتب ، بأن يكون اندراج البعض في العامّ قطعيّا ، مثل الألف وما فوقه ، ولهذا جعل المحقّق قدس‌سره عدد الألف مرتبة عليا وممّا لا يحصر قطعا ، وعدد الثلاثة مرتبة دنيا وممّا يحصر قطعا لسهولة عدّها.

(وما بينهما من الوسائط كلّما جرى مجرى الطرف الأوّل) في عسر العدّ في زمان قصير(الحق به) ، أي : بالطرف الأوّل في كونه غير المحصور ، مثل مراتب فوق ستمائة.

(وكذا ما جرى مجرى الطرف الثاني) في سهولة العدّ في زمان يسير(الحق به) ، أي : بالطرف الثاني في كونه محصورا ، مثل مراتب الخمسين وما فوقه إلى المائة.

(وما يفرض فيه الشكّ) في كونه من المحصور أو غيره (يعرض على القوانين) من الأدلّة الاجتهاديّة الموجبة للظنّ الخاصّ ، أو المطلق بكون المشكوك من أحد الطرفين.

(والنظائر ، ويراجع فيه إلى الغالب ... إلى آخره).

أي : يعرض على النظائر على فرض انتفاء الأدلّة على الإلحاق بأحد الطرفين ، بأن يلاحظ أنّ نظيره في سائر الموارد هل هو من المحصور أو غيره؟ فإن اختلف نظيره في سائر الموارد في عسر العدّ ويسره يراجع فيه إلى ما هو الغالب في نظائره ، فإن حصل الظنّ بإلحاقه بأحد الطرفين من الغلبة ، فيعمل به.

(وإلّا عمل فيه بالاستصحاب إلى أن يعلم الناقل).

أي : واستصحاب الحلّية على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، لأنّ المشتبهات قبل العلم الإجمالي كانت حلالا ثمّ علم إجمالا بوجود حرام فيها ، ثمّ يشكّ في كون الشبهة محصورة حتى يجب الاجتناب عن جميع الأطراف ، أو غير محصورة حتى لا يجب الاجتناب عنها ، بل يحكم بحلّيتها ظاهرا ، فيستصحب الحلّية (إلى أن يعلم الناقل) بأنّ

٢٩٧

أقول : وللنظر في ما ذكر قدس‌سره مجال.

أمّا أوّلا : فلأنّ جعل الألف من غير المحصور مناف لما علّلوا عدم وجوب الاجتناب به من لزوم العسر في الاجتناب ، فإنّا إذا فرضنا بيتا عشرون ذراعا في عشرين ذراعا ، وعلم بنجاسة جزء يسير منه يصحّ السجود عليه ، نسبته إلى البيت نسبة الواحد إلى الألف ، فأيّ عسر في الاجتناب عن هذا البيت والصلاة في بيت آخر ، وأيّ فرق بين هذا الفرض وبين أن يعلم بنجاسة ذراع منه أو ذراعين ممّا يوجب حصر الشبهة ، فإنّ سهولة الاجتناب وعسره لا يتفاوت بكون المعلوم إجمالا ، قليلا أو كثيرا ، وكذا لو فرضنا أوقيّة من الطعام يبلغ ألف حبّة ، بل أزيد يعلم بنجاسة أو غصبيّة حبّة منها ، فإنّ جعل هذا من غير المحصور ينافي تعليل الرخصة فيه بتعسّر الاجتناب.

____________________________________

الشبهة محصورة فيجب الاحتياط فيها ، ويحتمل أن يكون المراد بالاستصحاب استصحاب الاحتياط ، لأنّ مقتضى حكم العقل في مورد العلم الإجمالي بوجود الحرام هو وجوب الاحتياط دفعا للعقاب المحتمل كما عرفت غير مرّة ، وخرج منه ما هو غير المحصور ، لوجود مانع عن وجوب الاحتياط فيه ، فبعد العلم الإجمالي بوجود الحرام يكون مقتضى الاستصحاب هو الاحتياط إلى أن يعلم الناقل بأنّ الشبهة غير محصورة فلا يجب فيها الاحتياط ، وكيف كان فقد أورد على ما ذكره المحقّق الثاني بقوله :

(وللنظر في ما ذكر قدس‌سره مجال.

أمّا أوّلا : فلأنّ جعل الألف من غير المحصور مناف لما علّلوا عدم وجوب الاجتناب به من لزوم العسر في الاجتناب).

وحاصل الإيراد الأوّل على الضابط المذكور في كلام المحقّق قدس‌سره هو أنّ ما علّلوا به عدم وجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة من لزوم العسر فيه لا ينطبق مع الضابط المذكور ، بل ينافيه ، وذلك أنّ الشبهة قد تكون غير محصورة بمقتضى الضابط المذكور ، ولم يكن في الاجتناب عنها عسر أصلا ، كما هو مبيّن في المتن مع الأمثلة التي لا تحتاج إلى الشرح والتوضيح.

إلّا أن يقال : إنّ الدليل على عدم وجوب الاجتناب في غير المحصور هو الإجماع فقط ، فما ذكروه من لزوم العسر يكون من باب بيان حكمة الحكم ، وليس علّة له حتى يدور

٢٩٨

وأمّا ثانيا : فلأنّ ظنّ الفقيه بكون العدد المعيّن جاريا مجرى المحصور في سهولة الحصر أو مجرى غيره لا دليل عليه.

وأمّا ثالثا : فلعدم استقامة الرجوع في موارد الشكّ إلى الاستصحاب حتى يعلم الناقل ، لأنّه إن اريد استصحاب الحلّ والجواز ، كما هو الظاهر من كلامه ، ففيه : إنّ الوجه المقتضي لوجوب الاجتناب في المحصور ـ وهو وجوب المقدّمة العلميّة بعد العلم بحرمة الأمر الواقعي المردّد بين المشتبهات ـ قائم بعينه في غير المحصور ، والمانع غير معلوم ، فلا وجه للرجوع إلى الاستصحاب ، إلّا أن يكون نظره إلى ما ذكرنا في الدليل الخامس من أدلّة عدم وجوب

____________________________________

الحكم مدارها وجودا وعدما ، كما هو قضيّة العلّية والمعلوليّة ، فتأمّل جيدا.

(وأمّا ثانيا : فلأنّ ظنّ الفقيه بكون العدد المعيّن جاريا مجرى المحصور في سهولة الحصر أو مجرى غيره لا دليل عليه).

حيث جعل المحقّق قدس‌سره عدد الألف ممّا يعلم كونه غير محصور ، وعدد الثلاثة بالعكس.

ثمّ قال بما حاصله : من أنّ كلّ عدد من الوسائط بينهما ظنّ الفقيه بأنّه كالألف يلحق به في الحكم ، وكلّ عدد ظنّ بأنّه كالثلاثة يلحق به. ثمّ قال : في موارد الشكّ يرجع إلى القوانين والنظائر ، وقد تقدّم المراد منهما.

وحاصل إيراد المصنّف قدس‌سره على كلام المحقّق ، هو أنّ ظنّ الفقيه ليس معتبرا ، إذ لا دليل على اعتبار هذا الظنّ ، كما تقدّم في بحث الظنّ حول الكلام في حجيّة قول اللغوي : إنّ مطلق الظنّ لا دليل على اعتباره في تعيين المعاني ، فحينئذ لا دليل على اعتبار ظنّ الفقيه في المقام لتعيين معنى المحصور عن غيره.

(وأمّا ثالثا : فلعدم استقامة الرجوع في موارد الشكّ إلى الاستصحاب ... إلى آخره).

وحاصل هذا الايراد : إنّ استصحاب الجواز والحلّ كما هو ظاهر كلام المحقّق قدس‌سره غير تامّ ، وذلك أنّ الحالة السابقة بالنسبة إلى الحلّية والجواز قد انتقضت بالعلم الإجمالي بوجود الحرام ، والوجه المقتضي لوجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة في المحصور بعينه موجود في غير المحصور ، غاية الأمر قد يقال : إنّ عدم الحصر مانع عن وجوب الاحتياط ، وحينئذ يجب إحراز المانع بعد وجود المقتضي ، والمفروض أنّ المانع غير معلوم في مورد الشكّ في الحصر وعدمه ، وحينئذ لا وجه للرجوع إلى الاستصحاب.

٢٩٩

الاجتناب ، من أنّ المقتضي لوجوب الاجتناب في الشبهة الغير المحصورة هو حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل غير موجود ، وحينئذ فمرجع الشكّ في كون الشبهة محصورة أو غيرها إلى الشكّ في وجود المقتضي للاجتناب ، ومعه يرجع إلى أصالة الجواز.

لكنّك عرفت التأمّل في ذلك الدليل ، فالأقوى وجوب الرجوع مع الشكّ إلى أصالة الاحتياط لوجود المقتضي وعدم المانع.

وكيف كان ، فما ذكروه من أصالة إحالة غير المحصور وتمييزه عن غيره إلى العرف لا يوجب إلّا زيادة التحيّر في موارد الشكّ.

____________________________________

(إلّا أن يكون نظره إلى ما ذكرنا في الدليل الخامس ... إلى آخره).

من عدم تحقّق المقتضي لوجوب الاجتناب ، لأنّ وجوب الاجتناب حكم من العقل من باب وجوب دفع الضرر المحتمل ، وهذا الحكم منه غير موجود في الشبهة غير المحصورة ، لما تقدّم في الدليل الخامس من كون احتمال الضرر في غاية الضعف.

(وحينئذ فمرجع الشكّ في كون الشبهة محصورة أو غيرها إلى الشكّ في وجود المقتضي للاجتناب ، ومعه يرجع إلى أصالة الجواز) بعد انتفاء المقتضي لوجوب الاجتناب بالأصل.

(لكنّك عرفت التأمّل في ذلك الدليل ... إلى آخره).

حيث أشار المصنّف قدس‌سره بالتأمّل في آخر الدليل الخامس إلى عدم الفرق في حكم العقل بوجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة بين كونها محصورة أو غيرها ، لأنّ حكمه بوجوب الاجتناب يكون دفعا للعقاب المحتمل من دون فرق بين كون احتمال العقاب قويّا أو ضعيفا ، فالمقتضي ـ حينئذ ـ موجود ، فتجري أصالة الاحتياط بعد وجود المقتضي ، وعدم العلم بوجود المانع ، فتأمّل.

(وكيف كان ، فما ذكروه من أصالة إحالة غير المحصور وتمييزه عن غيره إلى العرف لا يوجب إلّا زيادة التحيّر في موارد الشكّ).

وذلك لوقوع الشكّ كثيرا في مصاديق المفاهيم العرفيّة مع العلم بها إجمالا ، والشاهد على ذلك ما ترى من أنّ الماء من أوضح المفاهيم العرفيّة ، ومع ذلك قد يشكّ في صدقه على بعض المياه ، كماء السيل مثلا ، وقد يكون المقام من هذا القبيل أيضا ، إذ بالرجوع إلى العرف يعلم إجمالا أنّ غير المحصور هو ما يعسر عدّه عادة ، إلّا أنّ عسر العدّ يختلف

٣٠٠