دروس في الرسائل - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٨

والسرّ في تعيينه للسقوط هو أنّه إنّما لوحظ اعتباره في الفعل المستجمع للشرائط ، وليس اشتراطه في مرتبة سائر الشرائط ، بل متأخر عنه ، فإذا قيّد اعتباره بحال التمكّن سقط حال العجز ، يعني العجز عن إتيان الفعل الجامع للشرائط مجزوما به.

الثاني : إنّ النيّة في كلّ من الصلوات المتعدّدة على الوجه المتقدّم في مسألة الظهر والجمعة. وحاصله : إنّه ينوي في كلّ منهما فعلهما احتياطا لإحراز الواجب الواقعي المردّد

____________________________________

قصد الوجه حينئذ.

ثمّ بيّن المصنّف قدس‌سره وجه تعيين قصد الوجه بالسقوط بقوله : (والسرّ في تعيينه للسقوط هو أنّه إنّما لوحظ اعتباره في الفعل المستجمع للشرائط ، وليس اشتراطه في مرتبة سائر الشرائط ، بل متأخر عنه).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره كما في شرح الاستاذ الاعتمادي دامت إفاداته ، هو أنّ شرائط العبادة على قسمين : منها طوليّة ومنها عرضيّة.

والشرائط العرضيّة : هي التي لاحظ الشارع الصلاة جامعة لها ثمّ أمر بها ، ويقال لها شرائط المأمور به ، كالقبلة والستر ، والطهارة وأمثالها.

والشرائط الطوليّة : هي التي لوحظت بعد تعلّق الأمر بالصلاة الجامعة للشرائط ، فتكون من آثار الأمر كقصد التعيين والوجه والقربة ، فإنّ العقلاء يحكمون بإتيان الصلاة الواجدة للشرائط بقصد الأمر والوجوب والقربة ؛ ولهذا قال المصنّف قدس‌سره : (ليس اشتراطه في مرتبة سائر الشرائط ، بل متأخر عنه) بل لا يمكن اعتباره في مرتبة سائر الشرائط ، لكونه مستلزما للدور الباطل.

(فإذا قيّد اعتباره بحال التمكّن سقط حال العجز) ؛ لأن الدليل على اعتباره هو بناء العقلاء ، ومن المعلوم أنّ بنائهم باعتبار الجزم بالنيّة ، وقصد الوجه مختصّ بحال التمكّن ، ولم يثبت بناؤهم على الأزيد منه ، فالحاصل أنّ المتعيّن للسقوط هو قصد الوجه بعد عدم تمكّن المكلّف منه عند اشتباه الشرط.

(الثاني : إنّ النيّة في كلّ من الصلوات المتعدّدة على الوجه المتقدّم) في المسألة الاولى ، حيث ذكر الطريقين لكيفيّة النيّة في العبادة بعد سقوط قصد التعيين ، فيجب على المكلّف فيما علم بالواجب إجمالا ـ وكان مردّدا بين أمرين ـ الإتيان بكلا الأمرين وينوي بفعل كلّ

٣٨١

بينها وبين صاحبها تقرّبا إلى الله ، على أن يكون التقرّب علّة للإحراز الذي جعل غاية للفعل.

ويترتّب على هذا أنّه لا بدّ من أن يكون حين فعل أحدهما عازما على فعل الآخر ، إذ النيّة المذكورة لا تتحقّق بدون ذلك ، فإنّ من قصد الاقتصار على أحد الفعلين ليس قاصدا لامتثال الواجب الواقعي على كلّ تقدير ، نعم ، هو قاصد لامتثاله على تقدير مصادفة هذا المحتمل له لا مطلقا ، وهذا غير كاف في العبادات المعلوم وقوع التعبّد بها.

____________________________________

واحد منهما إحراز الواجب الواقعي المردّد بينهما تقرّبا إلى الله تعالى ، ولا يكفي الإتيان بأحدهما بقصد احتمال امتثال الأمر.

نعم ، يجوز الإتيان بما يحتمل أن يكون واجبا في الواقع بقصد احتمال الأمر في الشبهة البدويّة ، كما يظهر من المصنّف قدس‌سره في هذا التنبيه الفرق في كيفيّة النيّة بين العبادة في الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي وبينها في الشبهة البدويّة ، حيث يجوز إتيان ما يحتمل أن يكون واجبا واقعا ، بنيّة احتمال الأمر في الشبهة البدويّة ، بينما لا يجوز العمل بهذا الاحتمال في الشبهة المقرونة ، بل لا بدّ من إحراز الواجب الواقعي بإتيان كلا المحتملين ثمّ التقرّب به إلى الله تعالى.

(على أن يكون التقرّب علّة) ، أي : علّة غائيّة للفعل الواجب واقعا ، لا علّة للإحراز ، كما هو ظاهر كلامه ، ولازم هذا القصد ـ أي : قصد إحراز الواقع بإتيان كلا المحتملين وجوبا ـ هو أن يكون المكلّف عازما حال إتيان أحد المحتملين على إتيان المحتمل الآخر ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(ويترتّب على هذا) ، أي : قصد إتيان كلا المحتملين لأجل إحراز الواقع (أنّه لا بدّ من أن يكون حين فعل أحدهما عازما على فعل الآخر ، إذ النيّة المذكورة لا تتحقّق بدون ذلك) ، أي : نيّة إحراز الواجب الواقعي لا تتحقّق بدون العزم على إتيان المحتمل الآخر حين الاشتغال بأحدهما ، فإنّ من لم يكن عازما على إتيان الآخر حين إتيان الأوّل ، لم يكن عازما على إحراز الواجب الواقعي والجزم بالتقرّب به إلى الله تعالى ؛ وذلك لأنّ الاحتياط لا يحصل بإتيان أحدهما باحتمال الأمر والتقرّب ما لم يكن عازما على إتيان الآخر بعد ذلك ؛ لأنّ الاحتياط عبارة عن إحراز الواقع ، فيصلح أن يكون غاية لفعل كلا المحتملين ، كما أنّ القربة

٣٨٢

نعم ، لو احتمل كون الشيء عبادة كغسل الجنابة ـ إن احتمل الجنابة ـ اكتفى فيه بقصد الامتثال على تقدير تحقّق الأمر به ، لكن ليس هنا تقدير آخر يراد منه التعبّد على ذلك التقدير.

فغاية ما يمكن قصده هنا هو التعبّد على طريق الاحتمال ، فهذا غاية ما يمكن قصده هنا ، بخلاف ما نحن فيه ممّا علم فيه ثبوت التعبّد بأحد الأمرين ، فإنّه لا بدّ فيه من الجزم بالتعبّد.

الثالث : إنّ الظاهر أنّ وجوب كلّ من المحتملات عقلي لا شرعيّ ؛ لأن الحاكم بوجوبه ليس إلّا العقل ، من باب وجوب دفع العقاب المحتمل على تقدير ترك أحد المحتملين ، حتى أنّه لو قلنا بدلالة أخبار الاحتياط أو الخبر المتقدّم في الفائتة على وجوب ذلك كان وجوبه من باب الإرشاد ، وقد تقدّم الكلام من ذلك من فروع الاحتياط في الشكّ في التكليف.

____________________________________

تصلح أن تكون غاية للإحراز ، فيقصد المكلّف أنّ إتيان كلا المحتملين احتياطا ، من أجل إحراز الواقع قربة إلى الله تعالى.

وكيف كان ، فإنّ إتيان الفعل في المقام باحتمال الأمر ، غير كاف في تحقّق القربة ، بل لا بدّ من الاحتياط والإتيان بكلا المحتملين ، حتى يتحقّق القرب بالواجب الواقعي المأتي به في ضمن المحتملين ، والحاصل أنّه لا يكفي في نيّة العبادة في الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي إتيانها بقصد احتمال الأمر.

ثمّ أشار قدس‌سره إلى كفاية قصد احتمال الأمر في العبادة في الشبهة البدوية بقوله : (نعم ، لو احتمل كون الشيء عبادة كغسل الجنابة ـ إن احتمل الجنابة ـ اكتفى فيه بقصد الامتثال) ، أي : امتثال الأمر المحتمل على تقدير الأمر ، بأن يكون جنبا في الواقع.

(الثالث : إنّ الظاهر أنّ وجوب كلّ من المحتملات عقلي لا شرعي ... إلى آخره) وهنا احتمالات بالنسبة إلى وجوب كلّ من المحتملات على القول بوجوب الاحتياط :

الاحتمال الأوّل : أن يكون وجوب كلّ واحد من المحتملات عقليّا ، كما اختاره المصنّف قدس‌سره.

والاحتمال الثاني : أن يكون وجوب كلّ منهما شرعيّا.

ثمّ إنّ الوجوب الشرعي على قسمين :

الأوّل : أن يكون وجوب كلّ واحد منهما غيريّا.

٣٨٣

وأمّا إثبات وجوب التكرار شرعا في ما نحن فيه بالاستصحاب وحرمة نقض اليقين بغير اليقين شرعا فقد تقدّم في المسألة الاولى عدم دلالة الاستصحاب على ذلك ، إلّا بناء على أنّ المستصحب تترتّب عليه الامور الاتفاقيّة المقارنة معه ، وقد تقدّم إجمالا ضعفه وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيلا.

____________________________________

والثاني : أن يكون وجوب كلّ منهما نفسيّا.

ثمّ يظهر الفرق بين الاحتمالات الثلاث في ترتّب الثواب على الموافقة والعقاب على المخالفة ، فلا يترتّب على الاحتمال الأوّل إلّا ثوابا واحدا على موافقة ما هو الواجب واقعا ، وعقابا واحدا على مخالفة ما هو الواجب في الواقع ؛ وذلك لأنّ المفروض هو كون الواجب واحدا.

وكذلك الاحتمال الثاني ، وهو أن يكون وجوب كلّ واحد منهما وجوبا شرعيّا مقدّميا لا نفسيّا ، فيترتّب على الموافقة ثوابا واحدا وعلى المخالفة عقابا واحدا ـ أيضا ـ وذلك لعدم ترتّب العقاب والثواب على الوجوب الغيري.

وأمّا على الاحتمال الثالث ، وهو كون وجوب كلّ واحد منهما وجوبا شرعيّا نفسيّا ، فيترتّب على موافقة كلّ من المحتملات الثواب وعلى مخالفة كلّ واحد منهما العقاب ، فيكون الثواب متعدّدا بمقدار المحتملات وكذلك العقاب ، إلّا أنّ هذا الاحتمال بعيد جدا ؛ وذلك لعدم الدليل عليه ، إذ أنّ أخبار الاحتياط إرشاديّة إلى حكم العقل لا غير.

وكيف كان ، فإنّ وجوب كلّ من المحتملات عقلي ، يحكم به من باب وجوب دفع العقاب المحتمل على ترك أحد المحتملين بعد وجود المقتضي ، وهو العلم الإجمالي الموجب لتنجّز التكليف وعدم المانع ، كما عرفت سابقا.

قوله : (وأمّا إثبات وجوب التكرار شرعا في ما نحن فيه بالاستصحاب وحرمة نقض اليقين بغير اليقين شرعا فقد تقدّم في المسألة الاولى عدم دلالة الاستصحاب على ذلك ... إلى آخره) دفع لما يتوهّم من أنّ مقتضى استصحاب عدم الإتيان بالمأمور به هو التكرار ، فيكون جميع ما يكرّر واجبا شرعا لا عقلا.

وحاصل الدفع ، هو أنّ الاستصحاب في المقام يكون من الاصول المثبتة ؛ لأنّ كون الواجب هو المحتمل الثاني لازم عقلي لعدم إتيان المأمور به ، وسيأتي في بحث

٣٨٤

وعلى ما ذكرنا ، فلو ترك المصلّي المتحيّر في القبلة أو الناسي لفائتة جميع المحتملات لم يستحقّ إلّا عقابا واحدا ، وكذا لو ترك أحد المحتملات واتفق مصادفته للواجب الواقعي ، ولو لم يصادف لم يستحقّ عقابا من جهة مخالفة الأمر به ، نعم قد يقال باستحقاقه العقاب من جهة التجرّي ، وتمام الكلام فيه قد تقدّم.

الرابع : لو انكشف مطابقة ما أتى به للواقع قبل فعل الباقي أجزأ عنها ؛ لأنه صلّى الصلاة الواقعيّة قاصدا للتقرّب بها إلى الله تعالى وإن لم يعلم حين الفعل أنّ المقرّب هو هذا الفعل ، إذ لا فرق بين أن يكون الجزم بالعمل ناشئا عن تكرار الفعل أو ناشئا عن انكشاف الحال.

الخامس : لو فرض محتملات الواجب غير محصورة لم يسقط الامتثال في الواجب المردّد باعتبار شرطه ، كالصلاة إلى القبلة المجهولة وشبهها قطعا ، إذ غاية الأمر سقوط الشرط ، فلا وجه لترك المشروط رأسا.

____________________________________

الاستصحاب عدم حجيّة الأصل المثبت.

(وعلى ما ذكرنا) من كون وجوب كلّ واحد من المحتملات عقليا(فلو ترك المصلّي المتحيّر في القبلة أو الناسي لفائتة جميع المحتملات لم يستحق إلّا عقابا واحدا) ؛ لأنّ الواجب شرعا في الواقع ليس إلّا واحدا منها ، وكذلك لو أتى بالجميع لم يستحق إلّا ثوابا واحدا ، كما عرفت ، وأمّا لو أتى ببعض المحتملات وصادف ما أتى به الواجب الواقعي يستحق الثواب بالموافقة ، ولا يستحق العقاب من جهة مخالفة البعض ؛ وذلك لعدم مخالفته للواقع. نعم ، يستحق العقاب من جهة التجرّي ، على القول بحرمته وإنّه يوجب استحقاق العقاب ، والمصنّف قدس‌سره ممّن لا يقول به كما تقدّم في بحث التجرّي فراجع.

(الرابع : لو انكشف مطابقة ما أتى به للواقع قبل فعل الباقي أجزأ عنها) إذا كان حين الإتيان بالمحتمل الأوّل عازما على إتيان الباقي بعده ، لأن إتيان الواقع على هذا الوجه يكون جامعا لجميع ما يعتبر فيه ، فيكون مجزيا بحكم العقل ، والمطلب واضح مبيّن في المتن فتأمّله.

(الخامس : لو فرض محتملات الواجب غير محصورة لم يسقط الامتثال في الواجب المردّد باعتبار شرطه ، كالصلاة إلى القبلة المجهولة وشبهها) ، وقد عرفت سابقا أنّ اشتباه الواجب بين الامور المحصورة على قسمين :

٣٨٥

وأمّا في غيره ممّا كان نفس الواجب مردّدا ، فالظاهر ـ أيضا ـ عدم سقوطه ولو قلنا بجواز ارتكاب الكلّ في الشبهة الغير المحصورة ؛ لأن فعل الحرام لا يعلم هناك به إلّا بعد

____________________________________

تارة : يكون الاشتباه باعتبار شرطه.

واخرى : باعتبار نفسه.

وكذا يكون اشتباهه بين الامور غير المحصورة على قسمين :

الأوّل : باعتبار الشرط.

والثاني : باعتبار الذات.

فلا بدّ من البحث في كلا القسمين : أمّا الأوّل : وهو اشتباه الواجب بين امور غير محصورة باعتبار شرطه ، كاشتباه القبلة بين الجهات غير المحصورة عقلا ، حين يكون الاكتفاء بالأربع من جهة النصّ ، واشتباه الثوب الطاهر بين الأثواب غير المحصورة مثلا ، ففيه احتمالات :

منها : سقوط الشرط المجهول عن الشرطيّة والاكتفاء بإتيان الواجب مرّة واحدة ؛ وذلك لأنّ مقتضى الشرطيّة وإن كان سقوط المشروط عند سقوط الشرط لا ثبوت المشروط بلا شرط ، إلّا أنّ قاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور) ، و (ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه) حاكمة عليه بناء على جريانها في المركّبات العقليّة.

ومنها : عدم سقوط الشرط عن الشرطيّة والقول بكفاية إتيان المشروط باحتمال وجود الشرط ، بأن يأتي بالصلاة مرّة واحدة إلى إحدى الجهات المحتملة للقبلة عند اشتباه القبلة ، وفي الثوب الواحد المحتمل للطهارة عند اشتباه الثوب.

ومنها : عدم سقوط الشرط والقول بوجوب تكرار الواجب بقدر الإمكان ، رعاية للشرط ، فعلى جميع التقادير المذكورة لا وجه لترك المشروط رأسا عند اشتباه شرطه بين الامور غير المحصورة. هذا تمام الكلام في القسم الأوّل ، حيث يكون الحقّ فيه عدم سقوط الواجب رأسا.

وأمّا القسم الثاني : كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : (وأمّا في غيره ممّا كان نفس الواجب مردّدا ... إلى آخره) فالحقّ فيه ـ أيضا ـ عدم سقوط الواجب ، ولو قلنا بسقوط الحرام (بجواز ارتكاب الكلّ في الشبهة الغير المحصورة) فلا بدّ من إثبات الفرق بين الشبهة غير

٣٨٦

الارتكاب ، بخلاف ترك الكلّ هنا ، فإنّه يعلم به مخالفة الواجب الواقعي حين المخالفة.

____________________________________

المحصورة الوجوبيّة وبين الشبهة غير المحصورة التحريميّة ، حيث لا تجوز المخالفة القطعيّة في الاولى لعدم سقوط الواجب فيها ، بينما تجوز المخالفة القطعيّة في الثانية.

وقد أشار قدس‌سره إلى الفرق بينهما بقوله : (لأنّ فعل الحرام لا يعلم هناك به إلّا بعد الارتكاب ، بخلاف ترك الكلّ هنا ، فإنّه يعلم به مخالفة الواجب الواقعي حين المخالفة).

وحاصل الفرق بينهما : إنّ المانع عن تنجّز التكليف بالعلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة التحريميّة في نظر العقلاء هو عدم العلم التفصيلي بالمخالفة والمعصية بارتكاب الحرام حين الارتكاب ، إذ أنّ العلم بالمخالفة يحصل بعد ارتكاب الكلّ ، وهذا المانع غير موجود في الشبهة غير المحصورة الوجوبيّة ؛ لأنّ المكلّف يعلم تفصيلا بالمخالفة والمعصية بترك الواجب إن ترك جميع المحتملات ، ولهذا يتنجّز التكليف في الشبهة الوجوبيّة دون التحريميّة.

وبعبارة اخرى : إنّ المخالفة القطعيّة في جانب الحرام لا تتحقّق إلّا بالفعل وارتكاب جميع الأطراف ، ومن المعلوم أنّ ارتكاب جميع الأطراف يكون تدريجيا ، ولذا لا يعلم المكلّف بارتكاب الحرام تفصيلا إلّا بعد ارتكاب الجميع ، وهذا بخلاف الشبهة الوجوبيّة حيث تحصل المخالفة القطعيّة بترك الجميع ، وترك الجميع يتحقّق في آن واحد ، فيعلم المكلّف تفصيلا بترك الواجب زمان ترك الجميع ، وكيف كان فإنّ الواجب لا يسقط بتردّده بين الامور غير المحصورة وحينئذ يقع الكلام في مقامين :

أحدهما : وجوب الموافقة القطعيّة.

وثانيهما : حرمة المخالفة القطعيّة أو مطلق المخالفة على ما في تعليقة غلام رضا قدس‌سره.

أمّا الأوّل : فهو وإن لم يكن بخصوصه بمحلّ التعرّض في كلام المصنّف قدس‌سره لكن الظاهر كالصريح منه عدم الوجوب ، مع أنّ مقتضى القاعدة هو وجوب الاحتياط ، وقاعدة نفي الحرج لا تجري في الحرج الشخصي ، والحرج في المقام شخصي. نعم يمكن الاستدلال بعدم وجوب الموافقة من باب إلحاق الشبهة الوجوبيّة بالتحريميّة ، فيقال : إنّ الموافقة القطعيّة إذا لم تكن في الشبهة غير المحصورة التحريميّة واجبة مع غاية السهولة ، إذ

٣٨٧

وهل يجوز الاقتصار على واحد ، إذ به يندفع محذور المخالفة ، أم يجب الإتيان بما تيسّر من المحتملات؟ وجهان : من أنّ التكليف بإتيان الواقع ساقط ، فلا مقتضي لإيجاب مقدّماته العلميّة ، وإنّما وجب الإتيان بواحد فرارا من المخالفة القطعيّة ، ومن أنّ اللازم بعد الالتزام بحرمة مخالفة الواقع ، مراعاته مهما أمكن ، وعليه بناء العقلاء في أوامرهم العرفيّة ، والاكتفاء بالواحد التخييري عن الواقع ، إنّما يكون مع نصّ الشارع عليه ، وأمّا مع عدمه وفرض حكم العقل بوجوب مراعاة الواقع ، فيجب مراعاته حتى يقطع بعدم العقاب ، إمّا لحصول الواجب وإمّا لسقوطه بعدم تيسّر الفعل ، وهذا لا يحصل إلّا بعد الإتيان بما تيسّر ، وهذا هو الأقوى.

وهذا الحكم مطّرد في كلّ مورد وجد المانع من الإتيان ببعض غير معيّن من المحتملات ،

____________________________________

الموافقة القطعيّة في المحرّمات ـ تتحقّق بمجرّد الترك ـ لم تكن واجبة في الشبهة غير المحصورة الوجوبيّة بطريق أولى ؛ لأنّ فعل جميع المحتملات في كمال الصعوبة والعسر ، ومع ذلك أنّ الأولويّة المذكورة مردودة ؛ وذلك لأنّ الأولويّة القطعيّة مفقودة جزما ، والأولويّة الظنّية لم يدلّ الدليل على اعتبارها.

وكيف كان ، فما هو المتيقّن في المقام هو عدم جواز المخالفة القطعيّة ، وإنّما الكلام في جواز الاقتصار على الامتثال الاحتمالي ولو بإتيان واحد من المحتملات ، كما أشار إليه بقوله : (وهل يجوز الاقتصار على واحد ، إذ به يندفع محذور المخالفة ، أم يجب الإتيان بما تيسّر من المحتملات؟ وجهان ... إلى آخره).

الأوّل : هو الاكتفاء بالاتيان بواحد ، فرارا من المخالفة القطعيّة بعد سقوط التكليف بإتيان الواقع.

والثاني : هو الالتزام بالتبعيض في الاحتياط ، بأن يأتي ما تيسّر من المحتملات رعاية للواقع بقدر الإمكان بعد الالتزام بحرمة مخالفته ، ثمّ بقول المصنّف قدس‌سره بترجيح الوجه الثاني على الوجه الأوّل ؛ لأنّ الوجه الأوّل وهو الاكتفاء بالواحد التخييري عن الواقع إنّما يتمّ مع ورود نصّ من الشارع عليه ، والمفروض عدم ورود النصّ ، فيجب ـ حينئذ ـ مراعاة الواقع ؛ إمّا بإتيان الواجب أو تحصيل العلم بسقوطه بعدم تيسّر الفعل.

(وهذا الحكم مطّرد في كلّ مورد وجد المانع من الإتيان ببعض غير معيّن من

٣٨٨

ولو طرأ المانع من بعض معيّن منها ، ففي الوجوب كما هو المشهور إشكال من عدم العلم بوجود الواجب بين الباقي ، والأصل البراءة.

السادس : هل يشترط في تحصيل العلم الإجمالي ـ بالبراءة بالجمع بين المشتبهين ـ عدم التمكّن من الامتثال التفصيلي بإزالة الشبهة أو اختياره ما يعلم به البراءة تفصيلا ، أم يجوز

____________________________________

المحتملات) ، أي : الحكم بالتبعيض في الاحتياط والإتيان بما تيسّر يجري في مورد وجود المانع عن الإتيان بالبعض غير المعيّن ، فيجب على المكلّف الإتيان بما تمكّن منه.

(ولو طرأ المانع من بعض معيّن منها ، ففي الوجوب كما هو المشهور إشكال) ، إذ يجب الإتيان بالباقي ، كما هو المشهور نظرا لوجود العلم الإجمالي المنجّز للتكليف ، وبناء العقلاء على مراعاة الواجب المعلوم إجمالا ، أو يرجع إلى أصالة البراءة نظرا إلى الشكّ بوجود الواجب في الباقي.

إلّا أنّ ما ذكره المصنّف قدس‌سره لا يخلو من مناقشة ؛ لأنّ المراد من طروّ المانع لو كان بعد العلم الإجمالي بالواجب فلا وجه للبراءة أصلا ، ولو كان المراد تأخّر العلم الإجمالي عن المانع ، فلا وجه لوجوب الباقي أصلا ، كما لا يخفى ، فالحقّ هو الفرق بين سبق المانع أو اقترانه بالعلم الإجمالي ، وبين تأخّره عن العلم الإجمالي ، فيقال بعدم وجوب الإتيان بالباقي بناء على الأوّل ، ووجوب الإتيان به حسب الإمكان بناء على الثاني.

(السادس) : وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في هذا الأمر ـ السادس ـ هو أنّ امتثال التكليف على قسمين :

الأوّل : هو الامتثال التفصيلي علميّا كان أو ظنّيّا بالظنّ المعتبر.

والثاني : هو الامتثال الإجمالي بأن يجمع بين المشتبهين ، ويأتي بهما حتى يحصل العلم بالبراءة اليقينيّة ، وهو الطريق المسمّى بالاحتياط. ثمّ إنّ القسم الأوّل ليس مشروطا بأيّ شرط ، بل يكون كافيا ومبرئ للذمة بالاتفاق ، وإنّما الكلام في الثاني وهو الامتثال الإجمالي ، فهل هو مشروط بعدم تمكّن المكلّف عن الامتثال التفصيلي أم لا؟.

وعلى الأوّل يكون الامتثال الإجمالي في طول الامتثال التفصيلي ، بمعنى أنّه لا يكفي الامتثال الإجمالي حال تمكّن المكلّف عن الامتثال التفصيلي ، بل يجب عليه ـ حينئذ ـ الامتثال التفصيلي ولو بإزالة الشبهة بالعلم أو الظنّ المعتبر ، كما قال المصنّف قدس‌سره : (أو

٣٨٩

الاكتفاء به وإن تمكّن من ذلك ، فلا يجوز ـ إن قدر على تحصيل العلم بالقبلة أو تعيين الواجب الواقعي من القصر والإتمام ، أو الظهر والجمعة ـ الامتثال بالجمع بين المشتبهات؟ وجهان ، بل قولان ، ظاهر الأكثر الأوّل ، لوجوب اقتران الفعل المأمور به عندهم بوجه الأمر ، وسيأتي الكلام في ذلك عند التعرّض بشروط البراءة والاحتياط إن شاء الله تعالى.

ويتفرّع على ذلك أنّه لو قدر على العلم التفصيلي من بعض الجهات وعجز عنه من جهة اخرى ، فالواجب مراعاة العلم التفصيلي من تلك الجهة ، فلا يجوز ـ إن قدر على الثوب الطاهر المتيقّن وعجز عن تعيين القبلة ـ تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين إلى أربع

____________________________________

اختياره ما يعلم به البراءة تفصيلا) كالصلاة في ثوب طاهر آخر غير الثوبين المشتبهين (فلا يجوز إن قدر على تحصيل العلم بالقبلة أو تعيين الواجب الواقعي من القصر والإتمام ، أو الظهر والجمعة) ، أي : فلا يجوز الامتثال الإجمالي (بالجمع بين المشتبهات).

وعلى الثاني يكون الامتثال الإجمالي في عرض الامتثال التفصيلي ، فيكون المكلّف مخيّرا بينهما ، وقد أشار إلى كلا الاحتمالين بقوله : (وجهان ، بل قولان ، ظاهر الأكثر الأوّل) ، أي : اشتراط عدم تمكّن المكلّف من الامتثال التفصيلي في كفاية الامتثال الإجمالي ؛ وذلك لتوهّم اعتبار قصد الوجه في امتثال الأمر ، وواضح أنّ قصد الوجه لا يحصل إلّا بالامتثال التفصيلي ، فنظرا إلى هذا التوهّم يكون الامتثال التفصيلي مع تمكّن المكلّف ـ عنه مبرئ للذمّة قطعا ، والامتثال الإجمالي يشكّ في كفايته ـ مع التمكّن ـ عن الامتثال التفصيلي ، فحينئذ يحكم العقل بلزوم تعيين الامتثال التفصيلي لكونه محصّلا للغرض قطعا.

(ويتفرّع على ذلك) ، أي : على عدم جواز الامتثال الإجمالي مع التمكّن من الامتثال التفصيلي (أنّه لو قدر على العلم التفصيلي من بعض الجهات) كتمكّن المكلّف من العلم التفصيلي بالثوب الطاهر عند اشتباهه بالثوب النجس (وعجز عنه) ، أي : عن العلم التفصيلي (من جهة اخرى) بأن لم يتمكّن من العلم التفصيلي بالقبلة عند اشتباهها ، (فالواجب مراعاة العلم التفصيلي من تلك الجهة) التي يتمكّن من العلم التفصيلي فيها بأن يصلّي في الثوب الطاهر إلى أربع جهات.

٣٩٠

جهات ؛ لتمكّنه من العلم التفصيلي بالمأمور به من حيث طهارة الثوب وإن لم يحصل مراعاة ذلك العلم التفصيلي على الإطلاق.

السابع : لو كان الواجب المشتبه أمرين مترتّبين شرعا ، كالظهر والعصر المردّدين بين

____________________________________

ولا يجوز تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين إلى أربع جهات بأن يصلّي في كلّ ثوب إلى أربع جهات ، بل يجب تحصيل العلم التفصيلي بالثوب الطاهر ثمّ الصلاة فيه إلى أربع جهات ، حتى يحصل العلم التفصيلي بالمأمور به من جهة طهارة الثوب.

(السابع : لو كان الواجب المشتبه أمرين مترتّبين شرعا ، كالظهر والعصر المردّدين بين القصر والإتمام ، أو بين الجهات الأربع ... إلى آخره) ، فهنا مسألتان :

إحداهما : تردّد الظهر والعصر بين القصر والإتمام.

وثانيهما : تردّدهما بين الجهات الأربع ، وتحرير محلّ النزاع فيهما يحتاج إلى بيان ما يمكن أن يتصوّر فيهما من الصور والاحتمالات ، فنقول : إنّ الصور الممكنة في كلّ واحدة منهما ثمانية ، فنذكر أوّلا صور تردّد الظهر والعصر بين القصر والإتمام فنقول :

الصورة الاولى : هي الإتيان بجميع محتملات الظهر قبل الإتيان بجميع محتملات العصر ، بأن يصلّي الظهر قصرا تارة وتماما اخرى ، ثمّ يصلّي العصر كذلك.

والثانية : الإتيان ببعض محتملات الظهر قبل بعض محتملات العصر ، بأن يصلّي الظهر قصرا ، ثمّ يصلي العصر كذلك ، وبعدها يصلّي الظهر تماما ثمّ العصر كذلك.

والثالثة : هي الإتيان بمحتمل واحد من الظهر قبل جميع محتملات العصر ، بأن يصلّي الظهر قصرا ، ثمّ يصلّي العصر قصرا وتماما ، ثمّ بالظهر تماما وبالعصر تماما وقصرا.

والرابعة : هي الإتيان ببعض محتملات الظهر قبل بعض محتملات العصر مع الاختلاف بينها ، بأن يصلّي الظهر قصرا ثمّ يصلّي العصر تماما ، ثمّ الظهر تماما وبعدها العصر قصرا.

والخامسة : هي الإتيان بجميع محتملات العصر قبل الإتيان بمحتملات الظهر.

والسادسة : هي الإتيان ببعض محتملات العصر قبل بعض محتملات الظهر كالصورة الثانية ، غير أنّ محتملات العصر هنا تتقدّم على محتملات الظهر.

والسابعة : هي الإتيان بمحتمل واحد من العصر قبل جميع محتملات الظهر.

والثامنة : هي الإتيان ببعض محتملات العصر قبل بعض محتملات الظهر مع الاختلاف ،

٣٩١

القصر والإتمام ، أو بين الجهات الأربع ، فهل يعتبر في صحّة الدخول في محتملات الواجب اللاحق الفراغ اليقينيّ من الأوّل بإتيان جميع محتملاته ، كما صرّح به في الموجز وشرحه والمسالك ، والروضة والمقاصد العليّة ، أم يكفي فيه فعل بعض محتملات الأوّل ، بحيث يقطع بحصول الترتيب بعد الإتيان بمجموع محتملات المشتبهين؟ أمّا عن نهاية الأحكام والمدارك

____________________________________

نظير الصورة الرابعة. هذا تمام الكلام في الصور الممكنة في مسألة تردّد الظهر والعصر المترتّبين بين القصر والإتمام.

ثمّ إنّ الاحتمالات الأخيرة ، وهي صور تقدّم العصر على الظهر جميعها باطلة وخارجة عن محلّ الكلام لانتفاء الترتيب اللازم فيها ، وكذلك الصورة الثالثة والرابعة بالإضافة إلى خروج الصورة الاولى ـ أيضا ـ عن محلّ النزاع ، لكونها صحيحة بلا إشكال ، فيبقى النزاع في الصورة الثانية فقط ، كما هو مبيّن في المتن. هذا تمام الكلام في تحرير محلّ النزاع في المسألة الاولى.

ونفس الكلام يجري في المسألة الثانية وهي تردّد الظهر والعصر بين الجهات الأربع ، فتأمّل جيدا كي تتمكّن من استخراج الصور والاحتمالات المتصورة فيها ثمّ تمييز ما هو داخل في محلّ النزاع ، وما هو خارج عنه صحة وفسادا ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ التقدّم والتأخّر ، والتوافق والاختلاف هنا ناشئ في الجهة ، بينما هناك كان ناشئا في القصر والإتمام ، فلا حاجة ـ حينئذ ـ إلى تكرار الصور والاحتمالات الواردة فيها ، وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى محلّ النزاع بقوله :

(فهل يعتبر في صحّة الدخول في محتملات الواجب اللاحق الفراغ اليقينيّ من الأوّل بإتيان جميع محتملاته) ، أي : محتملات الواجب ، كما تقدّم في الصورة الاولى ، (أم يكفي فيه فعل بعض محتملات الأوّل ، بحيث يقطع بحصول الترتيب بعد الإتيان بمجموع محتملات المشتبهين) كما تقدّم في الصورة الثانية.

وذهب جماعة إلى اعتبار حصول العلم بالفراغ عن الواجب الأوّل في صحة الدخول في محتملات الواجب اللاحق ، كما هو مبيّن في المتن ، وذهب بعض الفقهاء إلى كفاية حصول الترتيب بعد الإتيان بمجموع محتملات المشتبهين ، كما هو مقتضى الصورة الثانية ، وبذلك تقع الصورة الثانية محلّا للنزاع ، كما لا يخفى ، حيث يقول بعضهم بكفاية

٣٩٢

فيأتي بظهر وعصر قصرا ، ثمّ بهما تماما قولان متفرّعان على القول المقدّم في الأمر السادس ، من وجوب مراعاة العلم التفصيلي مع الإمكان.

مبنيّان على أنّه هل يجب مراعاة ذلك من جهة نفس الواجب؟ فلا يجب إلّا إذا أوجب إهماله تردّدا في أصل الواجب ، كتكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين على أربع جهات ، فإنّه

____________________________________

الصورة الثانية وبعضهم بعدم الكفاية ، بل لا بدّ من إتيان جميع محتملات الواجب الأوّل ، فهنا قولان (متفرّعان على القول المقدّم في الأمر السادس ، من وجوب مراعاة العلم التفصيليّ مع الإمكان).

أي : لو قلنا في الأمر السادس بكفاية الامتثال الإجمالي مع التمكّن من الامتثال التفصيلي لجاز في المقام أن نقول بكفاية فعل بعض محتملات الواجب الأوّل قبل العمل ببعض محتملات الواجب اللاحق ، بحيث يحصل الترتيب من مجموع محتملات المشتبهين من دون إشكال وخلاف في المقام ، وإنّما الخلاف متفرّع على القول بعدم كفاية الامتثال الإجمالي مع التمكّن من الامتثال التفصيلي ، ومراعاة العلم التفصيلي مع الإمكان.

فيقال : هل يجب الإتيان بجميع محتملات الواجب الأوّل قبل الدخول في محتملات الواجب اللاحق ، حتى يحصل العلم بفراغ الذمة عن الواجب الأوّل قبل الإتيان بمحتملات الواجب الثاني أم لا؟.

والحاصل إنّ القولين المذكورين في الصورة الثانية متفرّعان على وجوب مراعاة العلم التفصيلي مع الإمكان في الأمر السادس ، وأمّا على القول بعدم مراعاة العلم التفصيلي فلا إشكال في كفاية فعل بعض محتملات الواجب الأوّل في الدخول في بعض محتملات الواجب اللاحق ، بأن يأتي بالظهر والعصر قصرا ، ثمّ يأتي بهما تماما ، وكذا يأتي بهما إلى جهة ، ثمّ يأتي بهما إلى سائر الجهات ، وبذلك لا يبقى للقول بعدم جواز الدخول في الثاني قبل الإتيان بتمام محتملات الأوّل مجال أصلا.

(مبنيّان على أنّه هل يجب مراعاة ذلك من جهة نفس الواجب ... إلى آخره) ، أي : القول بوجوب مراعاة العلم التفصيلي مهما أمكن وعدمه مبنيان على احتمالين ، يمكن أن يكون كلّ واحد منهما مناطا لمراعاة العلم التفصيلي ، وتقديم الامتثال التفصيلي على الامتثال الإجمالي :

٣٩٣

يوجب تردّدا في الواجب زائدا على التردّد الحاصل من جهة اشتباه القبلة ، فكما يجب رفع التردّد مع الإمكان كذلك يجب تقليله.

____________________________________

أحدهما : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (يجب مراعاة ذلك من جهة نفس الواجب).

وثانيهما : ما أشار إليه قدس‌سره : (أو أنّ الواجب مراعاة العلم التفصيلي من جهة نفس الخصوصيّة المشكوكة في العبادة ... إلى آخره).

ولا بدّ من التكلّم في كلّ واحد منهما.

فنقول : حاصل الكلام في الاحتمال الأوّل : هو أن يكون مناط تقديم الامتثال التفصيلي على الامتثال الإجمالي ، تقليل محتملات الواجب خارجا مهما أمكن ، بأن يكون الامتثال الإجمالي موجبا لزيادة الاحتمالات في الواجب ، والامتثال التفصيلي موجبا لتقليل الاحتمالات فيه ؛ وذلك كما في تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين إلى أربع جهات ، فإنّ الامتثال الإجمالي هنا يوجب زيادة الاحتمالات في الواجب على الاحتمالات الحاصلة من جهة اشتباه القبلة ؛ وذلك لأنّ اشتباه القبلة موجب لتردّد الواجب بين أربع صلوات إلى أربع جهات ، فإذا ترك المكلّف تحصيل العلم التفصيلي بالثوب الطاهر والامتثال التفصيلي مع تمكّنه منه وانضم اشتباه الثوب مع اشتباه القبلة لأوجب ذلك تردّد الواجب بين ثمان صلوات ، بأن يصلّي في كلّ واحد من الثوبين المشتبهين إلى أربع جهات ، فيجب ـ حينئذ ـ على المكلّف تقليل الاحتمالات بالامتثال التفصيلي ، بأن يصلّي في الثوب الطاهر إلى أربع جهات.

ومن هنا يظهر أنّه إذا لم يوجب إهمال الامتثال التفصيلي تردّدا زائدا في الواجب لا يجب مراعاة الامتثال التفصيلي ، كما في تردّد كلّ واحد من الظهر والعصر بين القصر والتمام ، حيث لا يوجب الاشتباه في الترتيب بينهما تردّدا زائدا على التردّد الحاصل من جهة القصر والتمام ؛ وذلك لأنّ محتملات صلاة الظهر والعصر من جهة القصر والتمام أربعة ، ثمّ محتملاتهما مع مراعاة العلم التفصيلي بالترتيب ، بأن يصلّي جميع محتملات الظهر قبل العصر أيضا أربعة ، ومع عدم مراعاة العلم التفصيلي به ، بأن يأتي ببعض محتملات الظهر قبل بعض محتملات العصر أيضا أربعة ، فيجوز حينئذ الامتثال الإجمالي بالإضافة إلى الترتيب ، ولا يجب مراعاة العلم التفصيلي لانتفاء المناط ، وهو تقليل

٣٩٤

أمّا إذا لم يوجب إهماله تردّدا زائدا في الواجب فلا يجب ، كما في ما نحن فيه ، فإنّ الإتيان بالعصر المقصورة بعد الظهر المقصورة لا يوجب تردّدا زائدا على التردّد الحاصل من جهة القصر والإتمام ؛ لأنّ العصر المقصورة إن كانت مطابقة للواقع كانت واجدة لشرطها ، وهو الترتّب على الظهر ، وإن كانت مخالفة للواقع لم ينفع وقوعها مترتّبة على الظهر الواقعيّة ؛ لأنّ الترتّب إنّما هو بين الواجبين واقعا.

ومن ذلك يظهر عدم جواز التمسّك بأصالة بقاء الاشتغال بالظهر وعدم فعل الواجب الواقعي ؛ وذلك لأنّ المترتّب على بقاء الاشتغال وعدم فعل الواجب ، عدم جواز الإتيان

____________________________________

محتملات الواجب ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(أمّا إذا لم يوجب إهماله تردّدا زائدا في الواجب فلا يجب ، كما في ما نحن فيه ، فإنّ الإتيان بالعصر المقصورة بعد الظهر المقصورة لا يوجب تردّدا زائدا على التردّد الحاصل من جهة القصر والإتمام) فلا يجب ـ حينئذ ـ مراعاة العلم التفصيلي ؛ لأنّ المناط في وجوب مراعاته ليس إلّا نفي تكرار العمل ، كما في صورة اشتباه الثوب عند اشتباه القبلة ، وترك المراعاة فيما نحن فيه ليس مستلزما للتكرار في العمل ، كما عرفت.

والحاصل إنه يكفي ـ حينئذ ـ في حصول الترتيب أن يأتي بالعصر قصرا بعد أن يأتي بالظهر قصرا أيضا ؛ وذلك (لأنّ العصر المقصورة إن كانت مطابقة للواقع) بأن كانت وظيفة المكلّف في الواقع هي القصر(كانت واجدة لشرطها) ، أي : كانت صلاة العصر قصرا واجدة للشرط ، وهو الترتّب على الظهر ؛ لأنّ المفروض هو الإتيان بالظهر قصرا.

(وإن كانت مخالفة للواقع) ، أي : إن كانت صلاة العصر قصرا مخالفة للواقع ، بأن كانت وظيفة المكلّف في الواقع هي الإتمام ، فحينئذ(لم ينفع وقوعها مترتّبة على الظهر الواقعيّة) بأن كانت الظهر الواقعيّة هي التمام وأتى المكلّف بالعصر قصرا بعد الإتيان بالظهر تماما ، فصلاة العصر قصرا وإن كانت مترتّبة على الظهر الواقعيّة ، إلّا أنّها فاسدة بنفسها ، فلا ينفع في الصحة وقوعها بعد الظهر(لأنّ الترتّب إنّما هو بين الواجبين واقعا) والترتّب بهذا المعنى منتف في المقام.

قوله : (ومن ذلك يظهر عدم جواز التمسّك بأصالة بقاء الاشتغال بالظهر وعدم فعل الواجب الواقعيّ) دفع لما قد يتوهّم من أنّ الدخول في العصر قبل الإتيان بالظهر غير

٣٩٥

بالعصر الواقعيّ ـ وهو مسلّم ـ ولذا لا يجوز الإتيان ـ حينئذ ـ بجميع محتملات العصر.

وهذا المحتمل غير معلوم أنّه العصر الواقعي ، والمصحّح للإتيان به هو المصحّح لإتيان محتمل الظهر المشترك معه في الشكّ وجريان الأصلين فيه ، أو أنّ الواجب مراعاة العلم التفصيلي من جهة نفس الخصوصيّة المشكوكة في العبادة ، وإن لم يوجب إهماله تردّدا في

____________________________________

مشروع ؛ وذلك لأنّ مقتضى الاستصحابين بعد الإتيان بالظهر تماما فقط هو عدم إتيان الظهر الواقعيّة ، فحينئذ يجب الإتيان بها قصرا ، وحينئذ يجوز الدخول في العصر ويحصل الترتّب بين الظهر قصرا والعصر كذلك فيحكم بصحة العصر.

وحاصل الدفع أنّ الدخول في مطلق العصر لا يتوقف على إحراز الإتيان بالظهر الواقعيّة حتى نحتاج في إحرازها إلى الاستصحاب المذكور ، بل المتوقف على إحراز الظهر الواقعيّة هو الإتيان بالعصر الواقعي ، فجواز الدخول في العصر الواقعي موقوف على إتيان الظهر الواقعيّة ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : (لأنّ المترتّب على بقاء الاشتغال وعدم فعل الواجب ، عدم جواز الإتيان بالعصر الواقعيّ) ، فلا بدّ من إحراز ترتّب العصر الواقعي على الظهر كذلك ، (ولذا لا يجوز الإتيان حينئذ) ، أي : حين إتيان أحد محتملات الظهر(بجميع محتملات العصر) ؛ لكون الإتيان بالعصر كذلك مستلزما للتشريع المحرّم.

(وهذا المحتمل) الواحد(غير معلوم أنّه العصر الواقعي) بل هو عصر ظاهري رتّب على الظهر الظاهري على تقدير موافقتهما في القصر والإتمام ، (والمصحّح للإتيان به هو المصحّح لإتيان محتمل الظهر) وهو احتمال كونه هو الواجب واقعا(المشترك معه) ، أي : مع محتمل العصر(في الشكّ وجريان الأصلين فيه) ، أي : في محتمل الظهر ، فالاستصحابان المذكوران كما يجريان في الظهر كذلك يجريان في العصر ، هكذا جاء في شرح الاستاذ الاعتمادي بتصرّف منّا. هذا تمام الكلام في الاحتمال الأوّل لمناط تقديم الامتثال التفصيلي على الامتثال الإجمالي.

وأمّا الاحتمال الثاني ، فهو ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : (أو أنّ الواجب مراعاة العلم التفصيلي من جهة نفس الخصوصيّة المشكوكة في العبادة).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره : هو أنّ المناط في وجوب مراعاة العلم التفصيلي هو مطلوبيّة العلم التفصيلي بخصوصيّة العبادة مهما أمكن ، فيجب ـ حينئذ ـ مراعاة العلم

٣٩٦

الواجب ، فيجب على المكلّف العلم التفصيلي عند الإتيان بكون ما يأتي به هو نفس الواجب الواقعي ، فإذا تعذّر ذلك من بعض الجهات لم يعذر في إهماله من الجهة المتمكّنة.

فالواجب على العاجز عن تعيّن كون صلاة العصر قصرا أو تماما العلم التفصيلي ، بكون المأتي به مترتّبا على الظهر ، ولا يكفي العلم بترتّبه على تقدير صحّته ، هذا كلّه مع تنجّز الأمر بالظهر والعصر دفعة واحدة في الوقت المشترك.

أمّا إذا تحقّق الأمر بالظهر فقط في الوقت المختصّ ففعل بعض محتملاته ، فيمكن أن يقال بعدم الجواز نظرا إلى الشكّ في تحقّق الأمر بالعصر ، فكيف يقدّم على محتملاتها التي لا تجب إلّا مقدّمة لها ، بل الأصل عدم الأمر ، فلا يشرع الدخول في مقدّمات الفعل.

____________________________________

التفصيلي وإن لم يكن إهماله موجبا للتردّد الزائد في الواجب ، لأنّ المطلوب هو العلم التفصيلي بقدر الإمكان.

(فإذا تعذّر ذلك من بعض الجهات لم يعذر في إهماله من الجهة المتمكّنة) ، فيجب ـ حينئذ ـ الإتيان بجميع محتملات الظهر قبل الإتيان بمحتملات العصر حتى يحصل العلم التفصيلي بترتّب العصر على الظهر.

(ولا يكفي العلم بترتّبه على تقدير صحّته) ، بأن يأتي بالظهر قصرا ، ثمّ بالعصر كذلك ، فيحصل العلم بترتّب العصر على الظهر على تقدير صحّة الظهر ، بأن تكون وظيفة المكلّف في الواقع هو القصر مثلا ، فيحصل ـ حينئذ ـ العلم بالصحّة التقديريّة.

(هذا كلّه مع تنجّز الأمر بالظهر والعصر دفعة واحدة في الوقت المشترك) ، أي : ما ذكر من الإشكال في تقديم بعض محتملات الظهر على بعض محتملات العصر يكون على تقدير تنجّز التكليف فيهما بدخول الوقت المشترك بينهما.

(أمّا إذا تحقّق الأمر بالظهر فقط في الوقت المختصّ ففعل بعض محتملاته ، فيمكن أن يقال بعدم الجواز نظرا إلى الشكّ في تحقّق الأمر بالعصر) ، بل لعلّ المنع هنا أولى من المنع في الوقت المشترك ؛ وذلك لأصالة عدم دخول وقت العصر وأصالة عدم الأمر بها ، فلا يجوز تقديم بعض محتملات العصر على بعض محتملات الظهر ؛ وذلك لأنّ محتملات الظهر لا تجب إلّا من باب المقدّمة العلميّة ، ومن المعلوم أنّ المقدّمة إنّما تجب حين تنجّز التكليف بذيها وكونه واجبا ، ومقتضى الأصل المذكور هو عدم وجوب ذي المقدّمة ، فتأمّل جيدا.

٣٩٧

ويمكن أن يقال : إنّ أصالة عدم الأمر إنّما تقتضي عدم مشروعيّة الدخول في المأمور به ومحتملاته التي تحتمله على تقدير عدم الأمر واقعا ، كما إذا صلّى العصر إلى غير الجهة التي صلّى الظهر ، أمّا ما لا يحتمله إلّا على تقدير وجود الأمر فلا يقتضي الأصل المنع عنه ، كما لا يخفى.

____________________________________

(ويمكن أن يقال : إنّ أصالة عدم الأمر إنّما تقتضي عدم مشروعيّة الدخول في المأمور به ومحتملاته التي تحتمله على تقدير عدم الأمر واقعا ، كما إذا صلّى العصر إلى غير الجهة التي صلّى الظهر) ، فحينئذ لا تكون محتملات العصر مأمورا بها ، إمّا من جهة عدم حصول الترتّب ببطلان الظهر على تقدير كون جهة القبلة هي التي صلّى إليها صلاة العصر ، أو من جهة عدم الأمر على تقدير كون جهة القبلة هي التي صلّى إليها صلاة الظهر ؛ وذلك لأنّ الصلاة إلى غير القبلة ليس مأمورا بها ، فيكون عدم جواز الدخول في العصر ـ حينئذ ـ من جهة العلم بعدم الأمر لا من جهة أصالة عدم الأمر ، وبذلك لا حاجة ـ حينئذ ـ إلى أصالة عدم الأمر.

(أمّا ما لا يتحمله إلّا على تقدير وجود الأمر فلا يقتضي الأصل المنع عنه) ، بأن يأتي بالعصر إلى الجهة التي صلّى إليها صلاة الظهر ، أو يأتي بها قصرا بعد الإتيان بالظهر قصرا وتماما بعد الإتيان بها تماما ، فأصالة عدم الأمر بالعصر لا تمنع من الحكم بصحة العصر بعد إتمام جميع المحتملات في الواجبين ؛ وذلك لأنّ المكلّف يعلم بامتثال الأمرين وحصول الترتّب.

٣٩٨

القسم الثاني

دوران الواجب بين الأقل والأكثر

فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقلّ والأكثر ، ومرجعه إلى الشكّ في جزئيّة شيء للمأمور به وعدمها ، وهو على قسمين ؛ لأنّ الجزء المشكوك إمّا جزء خارجي ، أو جزء ذهني

____________________________________

(القسم الثاني : فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقلّ والأكثر).

اعلم أنّ الأقلّ والأكثر على قسمين :

أحدهما : ما يكون استقلاليّا ، والآخر : ما يكون ارتباطيّا ، وقبل الدخول في تفاصيلهما لا بدّ من تحرير محلّ النزاع فيهما ، وتحرير محلّ النزاع هنا يتوقف على بيان مقدّمة وهي :

إنّ ما تعلّق به أمر الشارع ؛ تارة : يكون ممّا له الأفراد ، واخرى : يكون ممّا له الأجزاء المرتبطة ، ثمّ إنّ الواجب إن كان من القسم الأوّل يكون الترديد فيه من باب الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين ، وإن كان من القسم الثاني يكون الترديد فيه من باب الأقلّ والأكثر الارتباطيّين ، إذا عرفت هذا سيتضح لك أنّ محلّ النزاع هو القسم الثاني دون الأوّل ؛ وذلك لأنّ الشكّ فيه يكون من باب الشكّ في المكلّف به.

وأمّا القسم الأوّل وهو دوران الواجب بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين فإنّ الشكّ فيه يرجع إلى الشكّ في أصل التكليف ، فيرجع إلى البراءة ، وبذلك يدخل في بحث البراءة ويخرج عن المقام.

(ومرجعه إلى الشكّ في جزئيّة شيء للمأمور به وعدمها) ، أي : مرجع دوران الواجب بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين إلى الشكّ في جزئيّة شيء وعدم جزئيّته.

ثمّ الجزء على قسمين : إمّا خارجي أو ذهني ، والأوّل يكون من مقولة الكمّ ، حيث يكون سببا لزيادة المركّب في الخارج ، كالاستعاذة مثلا في أوّل الصلاة ، بينما الثاني يكون من مقولة الكيف ، إذ لا يكون سببا لزيادة الواجب في الخارج وإنّما هو يؤثر في الواجب من جهة الكيف ، كتقيّد الواجب بشيء له دخل في مصلحة الواجب المركّب ، ثمّ إنّ التقيّد الذي لا موطن له إلّا في الذهن على قسمين :

أحدهما : هو تقيّد الواجب بقيد وجودي ، كتقيّد الصلاة بالطهارة مثلا ، ويسمّى هذا

٣٩٩

وهو القيد ، وهو على قسمين ؛ لأنّ القيد إمّا منتزع من أمر خارجي مغاير للمأمور به في الوجود الخارجي ، فيرجع اعتبار ذلك القيد إلى إيجاب ذلك الأمر الخارجي ، كالوضوء الذي يصير منشأ للطهارة المقيّد بها الصلاة ، وإمّا خصوصيّة متّحدة في الوجود مع المأمور به ، كما إذا دار الأمر بين وجوب مطلق الرقبة أو رقبة خاصّة ، ومن ذلك دوران الأمر بين إحدى الخصال وبين واحدة معيّنة منها.

والكلام في كلّ من القسمين في أربع مسائل :

____________________________________

التقيّد شرطا.

وثانيهما : هو تقيّد الواجب بقيد عدمي ، كتقيّد الصلاة بعدم غصبيّة المكان ، ويسمى هذا القيد مانعا ، والقيد في القسم الأوّل على قسمين أيضا ؛ لأنّه (إمّا منتزع من أمر خارجي مغاير للمأمور به في الوجود الخارجي) كانتزاع الطهارة من الوضوء مثلا ، حيث يكون وجوده غير وجود المأمور به ، وكذلك الغسل بالنسبة إلى الصلاة.

(فيرجع اعتبار ذلك القيد إلى إيجاب ذلك الأمر الخارجي ، كالوضوء الذي يصير منشأ للطهارة المقيّد بها الصلاة) ، والشرط هو تقيّد الصلاة بالطهارة ، لا نفس الوضوء والغسل ، وإطلاق الشرط على الوضوء والغسل اللّذين هما من الأفعال الخارجيّة من باب المجاز والمسامحة في التعبير ، وإلّا يلزم تقدّم الشرط على المشروط.

والقسم الثاني ما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (وإمّا خصوصيّة متّحدة في الوجود مع المأمور به) ، كالإيمان بالنسبة إلى الرقبة ، فيسمّى الجامع بين فاقد الخصوصيّة وواجدها مطلقا كمطلق الرقبة ، وواجد الخصوصيّة مقيّدا ، كالرقبة المؤمنة مثلا.

وكيف كان (والكلام في كلّ من القسمين) ، أي : الجزء الخارجي والذهني يقع (في أربع مسائل) باعتبار منشأ الاشتباه ؛ لأنّ منشأ الاشتباه ؛ تارة : يكون عدم النصّ المعتبر ، واخرى : إجمال النصّ ، وثالثة : تعارض النصّين ، ورابعة : الامور الخارجيّة ، أي : الشكّ في جزئيّة شيء يكون من جهة الشبهة في الموضوع الخارجي.

٤٠٠