دروس في الرسائل - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٨

ثمّ قال ما حاصله : «ومنها : إنّ الشبهة في نفس الحكم يسأل عنها الإمام عليه‌السلام بخلاف الشبهة في طريق الحكم ، لعدم وجوب السؤال عنه ، بل علمهم بجميع أفراده غير معلوم أو معلوم العدم لأنّه من علم الغيب ، فلا يعلمه إلّا الله وإن كانوا يعلمون منه ما يحتاجون إليه وإذا شاءوا أن يعلموا شيئا علموه» انتهى.

أقول : ما ذكره من الفرق لا مدخل له ، فإنّ طريق الحكم لا يجب الفحص عنه وإزالة الشبهة فيه ، لا من الإمام عليه‌السلام ولا من غيره من الطرق المتمكّن منها ، والرجوع إلى الإمام عليه‌السلام إنّما يجب فيما تعلّق التكليف فيه بالواقع على وجه لا يعذر الجاهل المتمكّن من العلم ،

____________________________________

المشترك بين الوجوب والندب ، فنحكم بوجوب الاحتياط في موارد الشكّ في المكلّف به واستحبابه في موارد الشكّ في أصل التكليف مطلقا.

(ثمّ قال ما حاصله : «ومنها : إنّ الشبهة في نفس الحكم يسأل عنها الإمام عليه‌السلام بخلاف الشبهة في طريق الحكم لعدم وجوب السؤال عنه ... إلى آخره).

وحاصل تقريب هذا الوجه على التفصيل كما في شرح الاعتمادي أنّ الشبهة الحكميّة يسأل عنها الإمام عليه‌السلام عند التمكّن ، كزمان حضوره عليه‌السلام ، فيجب الاحتياط عند عدم تمكّن المكلّف لرفع الشبهة بالسؤال عنه ، كزمان غيبته عليه‌السلام ، وهذا بخلاف الشبهة الموضوعيّة حيث لا يجب السؤال عن الإمام عليه‌السلام عند التمكّن ، فلا يجب فيها الاحتياط عند التعذر ، وهو المطلوب.

(بل علمهم) الحضوري (بجميع أفراده) أي : الموضوع (غير معلوم أو معلوم العدم لأنّه من علم الغيب ، فلا يعلمه إلّا الله وإن كانوا يعلمون منه) أي : الغيب (ما يحتاجون إليه وإذا شاءوا أن يعلموا شيئا علموه).

(أقول : ما ذكره من الفرق لا مدخل له).

وحاصل إيراد المصنّف قدس‌سره على الاستدلال المذكور هو أنّ ما ذكره الحرّ العاملي قدس‌سره من الفرق من جهة أنّ وجوب السؤال من الإمام عليه‌السلام في الشبهة الحكميّة عند التمكّن يلازم وجوب الاحتياط عند التعذّر ، لا مدخل له في المقام أصلا ، لعدم الملازمة بين وجوب السؤال عند التمكّن وبين وجوب الاحتياط عند التعذّر.

وما ذكره من الفرق إنّما يتمّ في صورة الملازمة ، وأمّا على فرض عدم الملازمة ، كما هو

٢١

وأمّا مسألة مقدار معلومات الإمام عليه‌السلام من حيث العموم والخصوص وكيفيّة علمه بها من حيث توقّفه على مشيّتهم أو على التفاتهم إلى نفس الشيء أو عدم توقّف على ذلك ، فلا يكاد يظهر من الأخبار المختلفة في ذلك ما تطمئن به النفس ، فالأولى ووكول علم ذلك إليهم صلوات الله عليهم أجمعين.

ثم قال : «ومنها : إنّ اجتناب الشبهة في نفس الحكم أمر ممكن مقدور ، لأنّ انواعه محصورة بخلاف الشبهة في طريق الحكم فاجتنابها غير ممكن ، لما أشرنا إليه من عدم وجود الحلال البيّن ولزوم تكليف ما لا يطاق ، والاجتناب عمّا يزيد على قدر الضرورة حرج عظيم

____________________________________

كذلك ، لا يجب الاحتياط في الشبهة الحكميّة عند عدم تمكّن المكلّف من السؤال ، بل يجب الرجوع إلى البراءة بأدلّة البراءة بعد الفحص واليأس عن الدليل الدال على الحرمة ، هذا في الشبهة الحكميّة ، وأمّا في الشبهة الموضوعيّة ، فلا يجب السؤال من الإمام عليه‌السلام حتى عند التمكّن ، ولا من غيره ؛ لأنّ الجاهل بالموضوع معذور مطلقا كما سيأتي.

فالحاصل هو الرجوع إلى البراءة في الشبهة الموضوعيّة مطلقا ، وفي الشبهة الحكميّة عند عدم تمكّن إزالة الشبهة بالسؤال عن الإمام عليه‌السلام ، أو بالفحص عن الأدلّة ، وبذلك لا يتمّ التفصيل المذكور.

(وأما مسألة مقدار معلومات الإمام عليه‌السلام من حيث العموم والخصوص وكيفيّة علمه بها من حيث توقّفه على مشيّتهم).

بمعنى : إنّ الأئمة عليهم‌السلام إن شاءوا أن يعلموا شيئا علموه ، فيكون علمهم إراديا.

(أو عدم توقف على ذلك).

أي : على المشيّة والالتفات ، فيكون علمهم حضوريا.

(فلا يكاد يظهر من الأخبار المختلفة في ذلك ما تطمئن به النفس ، فالأولى ووكول علم ذلك إليهم عليهم‌السلام) لأنّهم أعلم بكيفيّة علمهم ، هذا ما ينبغي ذكره في المقام.

وأمّا بسط الكلام في علم الإمام عليه‌السلام فهو خارج عن المقام.

(ثمّ قال : «ومنها : إنّ اجتناب الشبهة في نفس الحكم أمر ممكن مقدور لأنّ أنواعه محصورة بخلاف الشبهة في طريق الحكم فاجتنابها غير ممكن ... إلى آخره).

وحاصل تقريب هذا الوجه الذي استدل به الحرّ العاملي قدس‌سره على التفصيل هو أن

٢٢

وعسر شديد ؛ لاستلزامه الاقتصار في اليوم والليلة على لقمة واحدة وترك جميع الانتفاعات» انتهى.

أقول : لا ريب أنّ أكثر الشبهات الموضوعيّة لا يخلو عن أمارات الحلّ والحرمة كيد المسلم والسوق وأصالة الطهارة وقول المدّعي بلا معارض والاصول العدميّة المجمع عليها عند المجتهدين والأخباريّين على ما صرّح به المحدّث الاسترآبادي ، كما سيجيء نقل كلامه في الاستصحاب ، وبالجملة ، فلا يلزم حرج من الاجتناب في الموارد الخالية عن هذه الأمارات لقلّتها.

قال : «ومنها : إنّ اجتناب الحرام واجب عقلا ونقلا ولا يتمّ إلّا باجتناب ما يحتمل التحريم ممّا اشتبه حكمه الشرعي ومن الأفراد الغير الظاهرة بالفرديّة وما لا يتمّ الواجب إلّا

____________________________________

اجتناب الشبهة في نفس الحكم أمر ممكن مقدور ؛ لأنّ أنواعه قليلة محصورة ، بخلاف الشبهة في طريق الحكم ، فإنّ اجتنابها غير ممكن ، لكثرة الأنواع التي ورد النص بإباحتها ، فالاجتناب عنها يسبب الحرج العظيم ، والعسر الشديد ، والتكليف بما لا يطاق.

فالحاصل هو التفصيل بوجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة ، لكونه مقدورا ، وعدمه في الشبهة الموضوعيّة لكون الاحتياط فيها مستلزما لما ذكر من المحاذير التي لا يجوز الالتزام بها عقلا وشرعا.

(أقول : لا ريب أنّ أكثر الشبهات الموضوعيّة لا يخلو عن أمارات الحلّ والحرمة كيد المسلم والسوق ... إلى آخره).

وحاصل إيراد المصنّف قدس‌سره على الاستدلال المذكور هو أن الشبهات الموضوعيّة وإن كانت كثيرة إلّا إنّه لا يجب الاجتناب عن جميع مواردها حتى يقال : إنّ الاجتناب عنها غير ممكن ، بل يجب الاجتناب عنها في الموارد التي تكون خالية عن أمارات الحلّ والحرمة وهي قليلة محصورة ، فيكون الاجتناب عنها أمرا ممكنا مقدورا ، كالاجتناب عن الشبهة في نفس الحكم.

(قال : «ومنها : إنّ اجتناب الحرام واجب عقلا ونقلا ، ولا يتمّ إلّا باجتناب ما يحتمل التحريم ... إلى آخره).

وأصل هذا الوجه مبنيّ على وجوب مقدّمة الواجب ، فيقال : إنّ الاجتناب عن الحرام

٢٣

به وكان مقدورا فهو واجب إلى غير ذلك من الوجوه ، وإن أمكن المناقشة في بعضها ، فمجموعها دليل كاف شاف في هذا المقام ، والله أعلم بحقائق الامور والأحكام» انتهى.

أقول : الدليل المذكور أولى بالدلالة على وجوب الاجتناب من الشبهة في طريق الحكم ، بل لو تمّ لم يتمّ إلّا فيه ، لأنّ وجوب الاجتناب عن الحرام لم يثبت إلّا بدليل حرمة ذلك الشيء ، أو أمر وجوب إطاعة الأوامر والنواهي ممّا ورد في الشرع وحكم به العقل ، فهي كلّها تابعة لتحقّق الموضوع ، أعني : الأمر والنهي ، والمفروض الشكّ في تحقّق النهي ، وحينئذ فإذا فرض عدم الدليل على الحرمة فأين وجوب ذي المقدّمة حتى يثبت وجوبها؟

نعم ، يمكن أن يقال في الشبهة في طريق الحكم بعد ما قام الدليل على حرمة الخمر : يثبت وجوب الاجتناب عن جميع أفرادها الواقعيّة ، ولا يحصل العلم بموافقة هذا الأمر العام إلّا بالاجتناب عن كلّ ما احتمل حرمته.

لكنّك عرفت الجواب عنه سابقا ، وأنّ التكليف بذي المقدّمة غير محرز إلّا بالعلم التفصيلي أو الإجمالي ، فالاجتناب عمّا يحتمل الحرمة احتمالا مجرّدا عن العلم الإجمالي لا يجب لا نفسا ولا مقدّمة ، والله العالم.

____________________________________

الواقعي واجب عقلا وشرعا ولا يتمّ إلّا بالاجتناب عن كلّ ما يحتمل تحريمه ممّا اشتبه حكمه الشرعي ، سواء كان الاشتباه فيه من جهة عدم النصّ ، أو تعارض النصّين أو إجماله ، كما أشار إلى الأخير بقوله : (ومن الأفراد الغير الظاهرة) أي : من الأفراد المحتملة فرديّتها لموضوع الحرمة ، كبعض الأصوات المحتمل كونه فردا للغناء المحرّم.

فالحاصل هو وجوب الاجتناب عن كلّ ما يحتمل تحريمه من باب ما لا يتمّ الواجب إلّا به على القول بوجوب ما لا يتمّ الواجب إلّا به.

هذا تمام الكلام في الوجوه التي استدل بها الحرّ العاملي قدس‌سره على ما تقدّم من التفصيل ، ثمّ قال : إنّ المناقشة في بعض هذه الوجوه وإن كان ممكنا إلّا إنّ مجموعها كاف في مثل ذلك التفصيل.

(أقول : الدليل المذكور أولى بالدلالة على وجوب الاجتناب من الشبهة في طريق الحكم ... إلى آخره).

وملخّص إيراد المصنّف قدس‌سره على هذا الدليل هو أنّ الدليل المذكور لا يدلّ على

٢٤

الثالث : إنّه لا شكّ في حكم العقل والنقل برجحان الاحتياط مطلقا حتى فيما كان هناك أمارة على الحلّ مغنية عن أصالة الإباحة ، إلّا إنّه لا ريب في أنّ وجوب الاحتياط في الجميع موجب لاختلال النظام ، كما ذكره المحدّث المتقدّم.

بل يلزم أزيد ممّا ذكره فلا يجوز الأمر به من الحكيم لمنافاته للغرض والتبعيض بحسب

____________________________________

التفصيل ، بل يجري في الشبهة الموضوعيّة أيضا ، بل لا يتمّ إلّا في الشبهة الموضوعيّة ؛ لأنّ وجوب المقدّمة فرع لوجوب ذيها ، وهو ثابت في الشبهة الموضوعيّة دون الشبهة الحكميّة ، وذلك لأنّ ورود النهي في الشبهة الموضوعيّة ؛ كالنهي عن الخمر معلوم ، ولا يتمّ وجوب الاجتناب عن الخمر إلّا بالاجتناب عن كلّ محتمل الخمريّة ، وهذا بخلاف الشبهة الحكميّة حيث يكون النهي فيها مشكوكا بالفرض ، فلم يثبت وجوب الاجتناب عمّا لا يعلم ورود النهي فيه حتى يجب ما لا يتمّ الاجتناب إلّا به من باب المقدّمة.

فالمتحصّل من الجميع هو عدم تماميّة ما استدل به الحرّ العاملي قدس‌سره على التفصيل المذكور.

(الثالث : إنّه لا شكّ في حكم العقل والنقل برجحان الاحتياط مطلقا حتى فيما كان هناك أمارة على الحلّ مغنية عن أصالة الإباحة ... إلى آخره).

وحاصل ما أفاده المصنّف قدس‌سره في الأمر الثالث هو رجحان الاحتياط وحسنه في جميع موارد الشبهات الحكميّة والموضوعيّة معا ، ومقتضى حسن الاحتياط في جميع الموارد هو العمل بالاحتياط في جميع الموارد ، بحيث لا يبقى مجال للرجوع إلى البراءة وأصالة الإباحة ، إذ الرجوع إليها يكون على خلاف الاحتياط ، فالأولى ما ذكره الأخباريّون من القول بالاحتياط.

إلّا إنّ الاحتياط في جميع الموارد موجب لاختلال النظام ، بل موجب للتكليف بما لا يطاق ، كما أشار إليه بقوله :

(بل يلزم أزيد ممّا ذكره فلا يجوز الأمر به من الحكيم لمنافاته للغرض) وهو حفظ النظام.

وحينئذ فلا بدّ من الجمع بين حسن الاحتياط وحفظ النظام ، والجمع لا يمكن إلّا بالتبعيض في الاحتياط.

ثمّ إنّ التبعيض فيه يمكن أن يكون بحسب الموارد ، أو بحسب الاحتمالات أو بحسب

٢٥

الموارد ، واستحباب الاحتياط حتى يلزم الاختلال ـ أيضا ـ مشكل ، لأنّ تحديده في غاية التعسّر ، فيحتمل التبعيض بحسب الاحتمالات ، فيحتاط في المظنونات.

وأمّا المشكوكات فضلا عن انضمام الموهومات إليها ، فالاحتياط فيها حرج مخلّ بالنظام ويدلّ على هذا العقل بعد ملاحظة حسن الاحتياط مطلقا واستلزام كلّيّته الاختلال ،

____________________________________

المحتملات.

والتبعيض بحسب الموارد يمكن أن يكون طوليا وهو الاحتياط إلى حدّ لزوم اختلال النظام وعدمه بعد الحدّ المذكور. ويمكن عرضا ، بأن يحتاط في موارد لا يوجد فيها إلّا أصالة الإباحة ، وعدم الاحتياط في موارد وجود الأمارات الاخرى على الحلّ ، كاليد والسوق مثلا ، فالتبعيض يمكن بأحد الوجوه الأربعة التي ذكرها المصنّف قدس‌سره وقد أشار إلى الوجه الأوّل من التبعيض بحسب الموارد بقوله :

(والتبعيض بحسب الموارد ، واستحباب الاحتياط حتى يلزم الاختلال ـ أيضا ـ مشكل ، لأنّ تحديده في غاية التعسّر).

إذ لا يعلم الاختلال ، إلّا بعد الوقوع فيه ، لأنّ تعيين موارد عدم لزوم اختلال النظام قبل الوقوع فيه يكون في غاية العسر.

ثمّ أشار إلى الوجه الثاني وهو التبعيض بحسب الاحتمالات بقوله :

(فيحتمل التبعيض بحسب الاحتمالات ، فيحتاط في المظنونات ... إلى آخره).

وحاصل التبعيض هو التبعيض بحسب الاحتمالات قوّة وضعفا ، فيحتاط في الأوّل ، كما إذا كان احتمال الحرمة مظنونا بالظنّ غير المعتبر ، ولا يحتاط في الثاني ، كما إذا كان احتمال الحرمة من المشكوكات أو الموهومات.

ولا يخفى أنّ العقل يحكم على هذا التبعيض بعد ملاحظة امور :

منها : حسن الاحتياط مطلقا.

ومنها : استلزام كلّيّته ـ أي : الاحتياط ـ اختلال النظام.

ومنها : إنّ الاحتياط في المشكوكات والموهومات وإن كان موجبا لعدم اختلال النظام ، إلّا إنّه ترجيح للمرجوح على الراجح ، وهو قبيح عقلا ، فيتعيّن الاحتياط في المظنونات فقط ، لئلّا يلزم المحذور.

٢٦

ويحتمل التبعيض بحسب المحتملات ، فالحرام المحتمل إذا كان من الامور المهمّة في نظر الشارع ، كالدماء والفروج ، بل مطلق حقوق الناس بالنسبة إلى حقوق الله تعالى يحتاط فيه وإلّا فلا.

ويدلّ على هذا جميع ما ورد من التأكيد في أمر النكاح ، وأنّه شديد ، وأنّه يكون منه الولد.

منها : ما تقدّم من قوله عليه‌السلام : (لا تجامعوا على النكاح بالشبهة) (١) قال عليه‌السلام : (فإذا بلغك امرأة أرضعتك ـ إلى أن قال ـ : إن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة) (٢).

وقد تعارض هذه بما دلّ على عدم وجوب السؤال والتوبيخ عليه ، وعدم قبول قول من يدّعي حرمة المعقودة مطلقا أو بشرط عدم كونه ثقة ، وغير ذلك.

وفيه : إنّ مساقها التسهيل وعدم وجوب الاحتياط فلا ينافي الاستحباب ، ويحتمل

____________________________________

ثم أشار المصنّف قدس‌سره إلى الوجه الثالث وهو التبعيض بحسب المحتملات بقوله :

(ويحتمل التبعيض بحسب المحتملات ، فالحرام المحتمل إذا كان من الامور المهمّة في نظر الشارع ، كالدماء والفروج ، بل مطلق حقوق الناس بالنسبة إلى حقوق الله تعالى يحتاط فيه وإلّا فلا).

فإنّ حقوق الناس أهمّ عند الشارع من حقوق الله لمكان الرحمة والمغفرة الإلهيّة الشاملة للمطيعين والعاصين معا ؛ ولذلك يحتاط في المال المحتمل كونه للغير ولا يحتاط في المائع المحتمل كونه خمرا ، ويدلّ على التبعيض قوله :

(لا تجامعوا على النكاح بالشبهة).

لأنّه من الفروج ، فيحتاط فيه ، إلّا إنّه معارض (بما دلّ على عدم وجوب السؤال والتوبيخ عليه ، وعدم قبول قول من يدّعي حرمة المعقودة مطلقا ، أو بشرط عدم كونه ثقة).

ثمّ يرد توهّم التعارض بقوله :

(وفيه : إنّ مساقها التسهيل وعدم وجوب الاحتياط ، فلا ينافي الاستحباب).

ويردّ على توهّم التعارض ، بأنّ مساق الرواية المانعة عن الاحتياط هو تسهيل الأمر

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٧٤ / ١٩٠٤. الوسائل ٢٠ : ٢٥٩ ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٥٧ ، ح ٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٧٤ / ١٩٠٤. الوسائل ٢٠ : ٢٥٩ ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٥٧ ، ح ٢.

٢٧

التبعيض بين مورد الأمارة على الإباحة ومورد لا يوجد إلّا أصالة الإباحة. فيحمل ما ورد من الاجتناب عن الشبهات والوقوف عند الشبهات على الثاني دون الأوّل ، لعدم صدق الشبهة بعد الأمارة الشرعيّة على الإباحة ، فإنّ الأمارات في الموضوعات بمنزلة الأدلّة في الأحكام مزيلة للشبهة ، خصوصا إذا كان المراد من الشبهة ما يتحيّر في حكمه ، ولا بيان من الشارع لا عموما ولا خصوصا بالنسبة إليه ، دون مطلق ما فيه الاحتمال. وهذا بخلاف أصالة الإباحة ، فإنّها حكم في مورد الشبهة لا مزيلة لها ، هذا ولكن أدلّة الاحتياط لا تنحصر في ما ذكر فيه لفظ الشبهة ، بل العقل مستقلّ بحسن الاحتياط مطلقا. فالأولى الحكم برجحان الاحتياط في كلّ موضع لا يلزم منه الحرام ، وما ذكر من أن تحديد الاستحباب بصورة لزوم الاختلال عسر ، فهو إنّما يقدح في وجوب الاحتياط لا في حسنه.

____________________________________

على العباد ، ونفي وجوب الاحتياط لا حرمته ، وهذا لا ينافي استحباب الاحتياط.

ثم أشار المصنّف قدس‌سره إلى الوجه الرابع وهو التبعيض في الاحتياط بحسب الموارد ـ أيضا ـ بقوله :

(ويحتمل التبعيض بين مورد الأمارة على الإباحة ومورد لا يوجد إلّا أصالة الإباحة).

فيحتاط في موارد أصالة الإباحة ، ولا يحتاط في موارد وجود الأمارة على الإباحة ؛ وذلك لعدم شمول ما دلّ على وجوب الاحتياط لموارد الأمارة الشرعيّة على الإباحة ، إذ لا تصدق الشبهة بعد قيام الأمارة الشرعيّة على الإباحة وما دلّ على وجوب الاحتياط عند الشبهات لا يشمل موارد الأمارات ، لعدم صدق الشبهة عليها بخلاف موارد أصالة الإباحة ، فإنّ أصالة الإباحة حكم في مورد الشبهة ، فيشمل ما دل على وجوب الاحتياط عند الشبهات موارد أصالة الإباحة ، ولذلك يحتاط فيها.

(فالأولى الحكم برجحان الاحتياط في كلّ موضع لا يلزم منه الحرج) أو (الحرام) ، نسخة.

أي : الأولى من هذه الوجوه الأربعة هو الوجه الأوّل ، وهو التبعيض بحسب المورد بأن يحكم برجحان الاحتياط في كل موضع لا يلزم منه الحرج ، ولا يرد عليه ما تقدّم من أنّ تحديد الاستحباب بصورة لزوم اختلال النظام والعسر ؛ لأنّ دليل الحرج ينفي التكليف الإلزامي ، ولا ينفي الحكم الندبي ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(فهو إنّما يقدح في وجوب الاحتياط لا في حسنه).

٢٨

الرابع : إباحة ما يحتمل الحرمة غير مختصّة بالعاجز عن الاستعلام ، بل تشمل القادر على تحصيل العلم بالواقع ، لعموم أدلّته من العقل والنقل.

وقوله عليه‌السلام في ذيل رواية مسعدة بن صدقة : (والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غيره أو تقوم به البيّنة) (١) ، فإنّ ظاهره حصول الاستبانة وقيام البيّنة لا بالتحصيل.

وقوله : (هو لك حلال حتى يجيئك شاهدان) (٢).

لكن هذا وأشباهه ، مثل قوله عليه‌السلام في اللحم المشترى من السوق : (كل ولا تسأل) (٣) ، وقوله عليه‌السلام : (ليس عليكم المسألة ، إنّ الخوارج ضيقوا على أنفسهم) (٤) ، وقوله عليه‌السلام في حكاية

____________________________________

(الرابع : إباحة ما يحتمل الحرمة غير مختصّة بالعاجز عن الاستعلام ، بل تشمل القادر على تحصيل العلم بالواقع ... إلى آخره).

وحاصله بيان الفرق بين الشبهات الموضوعيّة وبين الشبهات الحكميّة ، حيث لا يكون الحكم بالبراءة والإباحة في الشبهات الموضوعيّة مشروطا بالفحص واليأس عن الدليل المعتبر على الحرمة ، بل تجري أصالة الإباحة في الشبهات الموضوعيّة من دون فحص حتى لمن كان متمكّنا من تحصيل العلم بالواقع ؛ وذلك لعموم أدلّته عقلا ونقلا ، فإنّ العقل يحكم بقبح عقاب الجاهل بالموضوع مطلقا ، كما أنّ المستفاد من النقل ، كقوله عليه‌السلام :

(في ذيل رواية مسعدة بن صدقة : (والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غيره ، أو تقوم به البيّنة)).

هو أنّ الأشياء كلّها على الإباحة حتى تظهر حرمتها ، أو تقوم البيّنة بحرمتها من الخارج ، فإنّ الظاهر من هذا الذيل هو إباحة الأشياء حتى تحصل الاستبانة بنفسها لا بالفحص ، وحتى تقوم البيّنة كذلك.

وما دلّ على عدم وجوب الفحص مثل قوله عليه‌السلام في اللحم المشترى من السوق : (كل ولا تسأل) ، وقوله عليه‌السلام في الجلد المشترى : (ليس عليكم المسألة ، إنّ الخوارج ضيّقوا على

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣١٤ / ٤٠. الوسائل ١٧ : ٨٩ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤ ، ح ٤.

(٢) الكافي ٦ : ٣٣٩ / ٢. الوسائل ٢٥ : ١١٨ ، أبواب الأطعمة المباحة ، ب ٦١ ، ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣٧ / ٢. الوسائل ٢٤ : ٧٠ ، أبواب الذبائح ، ب ٢٩ ، ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٧. الوسائل ٤ : ٤٥٦ ، أبواب لباس المصلّى ، ب ٥٥ ، ح ١.

٢٩

المنقطعة التي تبيّن لها زوج : (لم سألت) واردة في موارد وجود الأمارة الشرعيّة على الحليّة ، فلا يشمل ما نحن فيه ، إلّا إنّ المسألة غير خلافيّة مع كفاية الإطلاقات.

____________________________________

أنفسهم) باحتياطهم المفرط الناشئ عن جهلهم ، حيث اجتنبوا عن بعض ما رزقهم الله تعالى. وهذا بخلاف الشبهات الحكميّة حيث لا يجوز الرجوع إلى البراءة فيها إلّا بعد الفحص واليأس عن الدليل المعتبر على الحرمة ، لأنّ طريق الامتثال فيها منحصر بالفحص عن الدليل الشرعي ، وهذا بخلاف الشبهة الموضوعيّة حيث لا يرجع فيها إلى الشارع.

(مع كفاية الإطلاقات).

أي : اطلاقات أخبار الحلّ كقوله عليه‌السلام : (كلّ شيء لك حلال) وأمثاله ، ولا ينافي هذا القول من المصنّف قدس‌سره ما تقدّم من قوله : لعموم أدلّته من العقل والنقل ، ثمّ مثّل لعموم النقل بأخبار الحلّ ، لأنّ المراد بالعموم هو الشمول لا ما هو الظاهر منه من المعنى المصطلح عند الاصوليّين. هذا تمام الكلام في الشبهة التحريميّة.

***

٣٠

المطلب الثاني

في دوران حكم الفعل بين الوجوب وغير

الحرمة من الأحكام وفيه ـ أيضا – مسائل

المسألة الاولى

فيما اشتبه حكمه الشرعي الكلي من جهة عدم النص المعتبر

كما إذا ورد خبر ضعيف أو فتوى جماعة بوجوب فعل ، كالدعاء عند رؤية الهلال ، وكالاستهلال في رمضان وغير ذلك ، والمعروف من الأخباريّين هنا موافقة المجتهدين في العمل بأصالة البراءة وعدم وجوب الاحتياط.

قال المحدّث الحر العاملي في باب القضاء من الوسائل : «إنّه لا خلاف في نفي الوجوب

____________________________________

(المطلب الثاني : في دوران حكم الفعل بين الوجوب وغير الحرمة من الأحكام).

بعد ما فرغ المصنّف قدس‌سره من المطلب الأول وهو الشبهة التحريميّة بدأ في المطلب الثاني وهو الشبهة الوجوبيّة ، وتقدّم منه قدس‌سره أنّه جعل الشبهة التحريميّة مسائل أربع باعتبار منشأ الاشتباه فيها ، فتأتي نفس تلك المسائل في الشبهة الوجوبيّة ـ أيضا ـ حيث يقول قدس‌سره مشيرا إليها :

(وفيه ـ أيضا ـ مسائل :

المسألة الاولى : فيما اشتبه حكمه الشرعي الكلّي من جهة عدم النصّ المعتبر).

المعروف توافق الأخباريّين مع المجتهدين في العمل بأصالة البراءة في الشبهة الوجوبيّة الناشئة عن فقدان النصّ المعتبر.

ويذكر المصنّف قدس‌سره كلام من يظهر توافقه مع المجتهدين في هذه المسألة ، وممّن يظهر توافقه مع المجتهدين في القول بالبراءة ونفي الوجوب هو المحدّث الحرّ العاملي قدس‌سره حيث قال في باب القضاء من الوسائل :

(«إنّه لا خلاف في نفي الوجوب عند الشكّ في الوجوب ، إلّا إذا علمنا اشتغال الذمّة

٣١

عند الشكّ في الوجوب ، إلّا إذا علمنا اشتغال الذمّة بعبادة معيّنة وحصل الشكّ بين الفردين ، كالقصر والإتمام ، والظهر والجمعة ، وجزاء واحد للصيد أو اثنين ، ونحو ذلك ، فإنّه يجب الجمع بين العبادتين ، لتحريم تركهما معا للنصّ وتحريم الجزم بوجوب أحدهما بعينه عملا بأحاديث الاحتياط» ، انتهى موضع الحاجة.

وقال المحدّث البحراني في مقدّمات كتابه ، بعد تقسيم أصل البراءة إلى قسمين : «أحدهما : إنّها عبارة عن نفي وجوب فعل وجودي ، بمعنى : إنّ الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل على الوجوب ، وهذا القسم لا خلاف في صحّة الاستدلال به ، إذ لم يقل أحد : إنّ الأصل

____________________________________

بعبادة معيّنة ... إلى آخره).

والمستفاد من هذا الكلام هو نفي الخلاف في نفي الوجوب عند الشكّ فيه ، كما إذا شكّ المكلّف في أصل وجوب فعل ، كالدعاء عند رؤية الهلال مثلا ، فيحكم بعدم وجوبه ، إلّا فيما إذا علم أصل التكليف بالوجوب وشكّ في المكلّف به.

(كالقصر والإتمام ، والظهر والجمعة ، وجزاء واحد للصيد أو اثنين ونحو ذلك).

كدوران أمر الصلاة بين كونها مركّبة من عشرة أجزاء ، بأن تكون الاستعاذة جزء منها ، وبين كونها مركّبة من تسعة أجزاء ، بأن لا تكون الاستعاذة واجبا فيها ، فكان الحكم في الجميع هو الاشتغال ووجوب الاحتياط.

ومقتضى الاحتياط هو الجمع بين العبادتين فيما إذا كان المكلّف به مردّدا بين المتباينين ، كالمثال الأوّل والثاني ، والإتيان بالأكثر فيما إذا كان المكلّف به مردّدا بين الأقل والأكثر الاستقلاليّين ، كالمثال الثالث ، أو الارتباطيّين ، كالمثال الرابع.

(وتحريم الجزم بوجوب أحدهما بعينه عملا بأحاديث الاحتياط).

أي : لا يجوز الجزم بوجوب أحدهما معيّنا مخيّرا في التعيين بمقتضى أصل البراءة ، بل يجب الحكم بوجوب كليهما في الظاهر بمقتضى أحاديث الاحتياط. انتهى مورد الحاجة من كلام المحدّث الحرّ العاملي قدس‌سره.

(وقال المحدّث البحراني في مقدّمات كتابه ، بعد تقسيم أصل البراءة إلى قسمين : «أحدهما : إنّها عبارة عن نفي وجوب فعل وجودي ، بمعنى : إنّ الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل على الوجوب ، وهذا القسم لا خلاف في صحّة الاستدلال به ، إذ لم يقل أحد : إنّ

٣٢

الوجوب».

وقال في محكيّ كتابه المسمّى بالدرر النجفيّة : «إن كان الحكم المشكوك دليله هو الوجوب ، فلا خلاف ولا إشكال في انتفائه حتى يظهر دليل لاستلزام التكليف بدون دليل الحرج والتكليف بما لا يطاق» ، انتهى.

لكنّه رحمه‌الله في مسألة وجوب الاحتياط قال بعد القطع برجحان الاحتياط :

«إنّ منه ما يكون واجبا ، ومنه ما يكون مستحبا ، فالأوّل كما إذا تردّد المكلّف في الحكم ؛ إمّا لتعارض الأدلّة أو لتشابهها وعدم وضوح دلالتها ، أو لعدم الدليل بالكلّيّة بناء على نفي البراءة الأصليّة ، أو لكون ذلك الفرد مشكوكا في اندراجه تحت بعض الكليّات المعلومة الحكم أو نحو ذلك.

____________________________________

الأصل الوجوب»).

المستفاد من هذا الكلام هو نفي الخلاف في صحّة الاستدلال بأصل البراءة ، وعدم الوجوب في هذه المسألة ، إلى أن قال :

وأمّا الاستدلال بالقسم الثاني ، أي : أصالة البراءة من الحرمة في الشبهة التحريميّة ، فمحلّ خلاف ، والمصنّف قدس‌سره لم يذكر القسم الثاني لكونه خارجا عمّا نحن فيه.

وبالجملة ، إنّ ظاهر كلام المحدّث البحراني قدس‌سره في مقدّمات كتابه الحدائق وفي محكي الدرر النجفيّة ، وإن كان عدم الخلاف في نفي الوجوب عند الشكّ فيه ، إلّا إنّه يظهر منه في مسألة وجوب الاحتياط وجوبه في المقام أيضا ، حيث (قال بعد القطع برجحان الاحتياط : «إنّ منه ما يكون واجبا ، ومنه ما يكون مستحبا ، فالأوّل كما إذا تردّد المكلّف في الحكم).

أي : مورد وجوب الاحتياط هو ما إذا كان المكلّف شاكّا ومتردّدا في الحكم الوجوبي أو التحريمي ، سواء كان منشأ الشكّ والاشتباه تعارض الأدلّة ، أو إجمالها ، أو عدم الدليل بالكلّيّة ، بناء على نفي البراءة الأصليّة.

إذ على القول بالبراءة الأصليّة وموافقة الشرع لها لم يبق لعدم الدليل بالكلّيّة مجال ؛ لأنّ البراءة الأصليّة ـ حينئذ ـ دليل على الجواز.

ثمّ أشار إلى ما إذا كان منشأ الاشتباه الامور الخارجيّة ، والشبهة الموضوعيّة بقوله :

(أو لكون ذلك الفرد مشكوكا في اندراجه تحت بعض الكلّيات ... إلى آخره).

٣٣

والثاني : كما إذا حصل الشكّ باحتمال وجود النقيض لما قام عليه الدليل الشرعي احتمالا مستندا إلى بعض الأسباب المجوّزة كما إذا كان مقتضى الدليل الشرعي إباحة شيء وحلّيّته.

لكن يحتمل قريبا بسبب بعض تلك الأسباب أنّه ممّا حرّمه الشارع ، ومنه جوائز الجائر ونكاح امرأة بلغك أنّها ارتضعت معك الرضاع المحرّم ولم يثبت شرعا ، ومنه ـ أيضا ـ الدليل المرجوح في نظر الفقيه.

أمّا إذا لم يحصل ما يوجب الشكّ والريب فإنّه يعلم على ما ظهر له من الأدلّة وإن احتمل النقيض في الواقع ولا يستحب له الاحتياط ، بل ربّما كان مرجوحا لاستفاضة الأخبار بالنهي عن السؤال عند الشراء من سوق المسلمين».

ثمّ ذكر الأمثلة للأقسام الثلاثة لوجوب الاحتياط ، أعني : اشتباه الدليل وتردّده بين الوجوب والاستحباب ، وتعارض الدليلين ، وعدم النصّ ، قال : «ومن هذا القسم ما لم يرد

____________________________________

كالخمر غير المسكر المشكوك دخوله في الخمر المحرّم.

(أو نحو ذلك).

أي : كالشكّ في المكلّف به على ما في شرح الاعتمادي.

فالحاصل هو وجوب الاحتياط في هذه الموارد ، من غير فرق بين كون الحكم المشتبه وجوبيّا حتى تكون الشبهة شبهة وجوبيّة ، أو تحريميّا لتكون الشبهة تحريميّة.

(والثاني : كما إذا حصل الشكّ باحتمال وجود النقيض لما قام عليه الدليل الشرعي).

مثل اليد مثلا ، ويحتمل وجود النقيض كالحرمة مثلا.

(احتمالا مستندا إلى بعض الأسباب المجوّزة).

أي : المحتملة عقلا ، كاحتمال الغصبيّة مثلا ، كجوائز الجائر ، فإنّ مقتضى اليد هو ملكيّة الجائر ، فتحلّ لمن أخذها ، إلّا إنّه يحتمل كونها ممّا اخذ غصبا أو رشوة ، فيحرم لمن يأخذه ، وكذلك (نكاح امرأة بلغك أنّها ارتضعت معك الرضاع المحرّم ، ولم يثبت شرعا).

فيجوز نكاحها نظرا إلى أصالة عدم المانع من النكاح ، لأنّ المانع وهو المحرميّة بسبب الرضاع وإن كان محتملا إلّا إنّه لم يثبت شرعا لعدم شهادة العدلين به.

(ثم ذكر الأمثلة للأقسام الثلاثة لوجوب الاحتياط ... إلى آخره).

وهي ما إذا كان منشأ الاشتباه تعارض الأدلّة أو إجمالها أو فقدانها ، ولم يذكر مثالا لما

٣٤

فيه نصّ من الأحكام التي لا تعمّ به البلوى عند من لم يعتمد على البراءة الأصليّة ، فإنّ الحكم فيه ما ذكرنا ، كما سلف» انتهى.

وممّن يظهر منه وجوب الاحتياط هنا المحدّث الاسترآبادي ، حيث حكي عنه في الفوائد المدنيّة أنّه قال :

«إنّ التمسّك بالبراءة الأصليّة إنّما يجوز قبل اكمال الدين ، وأمّا بعد تواتر الأخبار بأنّ كل واقعة محتاج إليها فيها خطاب قطعي من قبل الله تعالى فلا يجوز قطعا.

وكيف يجوز وقد تواتر عنهم عليهم‌السلام وجوب التوقّف في ما لم يعلم حكمها معلّلين بأنّه بعد أن كملت الشريعة لا تخلو واقعة عن حكم قطعي وارد من الله تعالى. ومن حكم بغير ما أنزل الله تعالى فاولئك هم الكافرون.

____________________________________

إذا كان الاشتباه من جهة الامور الخارجيّة ، وهو القسم الرابع ، وقد تقدّم مثاله في الشرح ، ثمّ يظهر منه التفصيل بين الأحكام التي لا تعمّ بها البلوى عند من لم يعتمد على البراءة الأصليّة كاستصحاب البراءة الأصليّة ، فإنّ الحكم فيها هو ما ذكرنا من الاحتياط ، وبين الأحكام التي تعمّ بها البلوى ، فالحكم فيها هو استصحاب البراءة الأصليّة وعدم الاحتياط ، إذ لو وجب شيء أو حرم لوصل إلينا عادة مع فرض عموم البلوى فيكون الحكم الذي لم يكن ممّا تعمّ به البلوى من القسم الأوّل الذي يكون الاحتياط فيه واجبا.

وبالجملة ، إنّه يظهر من كلام المحدّث البحراني قدس‌سره وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة ، وممّن يظهر منه وجوب الاحتياط في المقام هو المحدث الاسترآبادي (حيث حكي عنه في الفوائد المدنيّة أنّه قال : «إنّ التمسّك بالبراءة الأصليّة إنّما يجوز قبل إكمال الدين ، وأمّا بعد تواتر الأخبار بأنّ كلّ واقعة محتاج إليها فيها خطاب قطعي من قبل الله تعالى فلا يجوز قطعا ... إلى آخره).

وحاصل ما أفاده المحدّث الاسترآبادي قدس‌سره في كلام طويل من استنتاجه وجوب الاحتياط في محتمل الوجوب والحرمة من مقدّمة مشتملة على ما هو محلّ النزاع بين الأشاعرة والعدليّة من الحسن والقبح الذاتيّين عقلا ، حيث أنكرهما الأشاعرة وأثبتهما العدليّة ، وما هو محلّ النزاع بين الأخباريّين والمجتهدين من الملازمة بين حكم العقل بالقبح والحسن ، وبين حكم الشرع بالحرمة والوجوب ، حيث أنكرها الأخباريّون وأثبتها

٣٥

ثمّ أقول : هذا المقام ممّا زلّت فيه أقدام أقوام من فحول العلماء ، فحريّ بنا أن نحقّق المقام ونوضّحه بتوفيق الملك العلّام ودلالة أهل الذكر عليهم‌السلام. فنقول : التمسّك بالبراءة الأصليّة إنّما يتمّ عند الأشاعرة المنكرين للحسن والقبح الذاتيّين ، وكذلك عند من يقول بهما ولا يقول بالحرمة والوجوب الذاتيّين ، كما هو المستفاد من كلامهم عليهم‌السلام ، وهو الحقّ عندي.

ثمّ على هذين المذهبين إنّما يتمّ قبل إكمال الدين لا بعده إلّا على مذهب من جوّز من العامّة خلوّ الواقعة عن حكم.

____________________________________

المجتهدون ، إنّ ـ خبر لقولنا : وحاصل ما أفاده ـ التمسّك بالبراءة الأصليّة إنّما يجوز قبل إكمال الدين بعد الالتزام بأحد أمرين على نحو منع الخلوّ ، أي :

إمّا القول بإنكار الحسن والقبح العقليّين ، كما عليه الأشاعرة.

وإمّا إنكار الملازمة بين حكم العقل والشرع كما هو الحقّ عند الأخباريّين ، إذ أكثر الوقائع كانت قبل إكمال الدين خالية عن الحكم الشرعي ، فيمكن الظن فيها بانتفاء الحرمة أو الوجوب واقعا بمقتضى استصحاب البراءة الأصليّة ، لانتفائهما سابقا وعدم الدليل عليهما عقلا وشرعا ، لأنّ العقل لم يحكم بالحسن والقبح على عقيدة الأشاعرة ، أو يحكم بهما ، إلّا إنّ الشرع لا يحكم بالحرمة أو الوجوب على القول بعدم الملازمة بينهما ، فيحكم بانتفاء الحرمة في محتمل الحرمة بالبراءة الأصليّة ، وانتفاء الوجوب في محتمل الوجوب بها.

والحاصل أنّ التمسّك بالبراءة الأصليّة مبنيّ على أمر باطل بالضرورة والوجدان ، وهو عدم إكمال الدين ، وخلوّ بعض الوقائع عن الحكم الشرعي ، وقد تواترت الأخبار بأنّ ما من واقعة إلّا وقد تعلّق بها حكم شرعي ، كما هو المستفاد من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة الوداع ، حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

(ما من شيء يقرّبكم إلى الجنة إلّا وقد أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم إلى النار إلّا وقد نهيتكم عنه) (١).

فلا يصحّ التمسّك بالبراءة الأصليّة بعد إكمال الدين ، وعلى القول بالملازمة

__________________

(١) الكافي ٢ : ٧٤ / ٢. الوسائل ١٧ : ٤٤ ، أبواب مقدمات التجارة ، ب ١٢ ، ح ٢.

٣٦

لا يقال : بقي هنا أصل آخر ، وهو أن يكون الخطاب الوارد في الواقعة موافقا للبراءة الأصليّة.

لأنّا نقول : هذا الكلام ممّا لا يرضى به لبيب ، لأن خطابه تعالى تابع للمصالح والحكم ، ومقتضيات الحكم والمصالح مختلفة ـ إلى أن قال : ـ هذا الكلام ممّا لا يرتاب في قبحه ، نظير أن يقال : الأصل في الأجسام تساوي نسبة طبائعها إلى جهة السفل والعلوّ ، ومن المعلوم بطلان هذا المقال.

____________________________________

بين حكم العقل وحكم الشرع ، وذلك لاحتمال الحرمة والوجوب في كلّ واقعة ، واحتمال قبح محتمل الحرمة عقلا الملازم للحكم بالحرمة شرعا. فإذا لم يصحّ التمسّك بالبراءة الأصليّة ، كان مقتضى الأخبار هو وجوب التوقّف أو الاحتياط مطلقا.

(لا يقال : بقي هنا أصل آخر ، وهو أن يكون الخطاب الوارد في الواقعة موافقا للبراءة الأصليّة).

أي : يرد على ما تقدّم من أنّ التمسّك بالبراءة الأصليّة إنّما يصحّ قبل إكمال الدين لا بعده ، ويقال : إن التمسّك بها يصحّ حتى بعد إكمال الدين وذلك لاحتمال أن يكون الحكم الشرعي في واقعة موافقا لما قبل الشرع من عدم الحرمة ـ مثلا ـ الذي تقتضيه البراءة الأصليّة ، فلا يجب ـ حينئذ ـ أن يكون الخطاب الوارد في المشتبه هو الوجوب أو الحرمة ، بل الأصل موافقته لما قبل الشرع ، وبذلك لا تبقى منافاة بين إكمال الدين والبراءة الأصليّة.

(لأنّا نقول : هذا الكلام ممّا لا يرضى به لبيب ، لأنّ خطابه تعالى تابع للمصالح والحكم ، ومقتضيات الحكم والمصالح مختلفة ... إلى آخره).

وحاصل ما أجاب به عن الإيراد المذكور هو أنّ حكم الشارع على مذهب العدليّة تابع للمصالح والحكم ، ومن المعلوم أنّ مقتضيات المصالح مختلفة ، فحينئذ لا يمكن أن يكون الحكم الشرعي بعد الشرع وإكمال الدين موافقا لما قبل الشرع من الحكم غير الشرعي ، إذ الحكم بعد الشرع تابع للمصلحة ، فإذا كانت في الفعل تقتضي الوجوب ، وإذا كانت في الترك تقتضي الحرمة ، فالخطاب الوارد من الشارع في الفعل المشتبه حكما لا يخلو من الوجوب أو الحرمة ، فما ذكر في الإشكال من أصالة موافقة ما بعد الشرع لما قبله فاسد.

كما أنّ القول بأن الأصل في الأجسام تساوي نسبة طبائعها إلى جهة السفل والعلوّ

٣٧

ثمّ أقول : هذا الحديث المتواتر بين الفريقين المشتمل على حصر الامور في الثلاثة وحديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) (١) ، ونظائرهما ، أخرج كلّ واقعة لم يكن حكمها مبيّنا من البراءة الأصليّة وأوجب التوقّف فيها».

ثمّ قال ، بعد أن الاحتياط قد يكون في محتمل الوجوب وقد يكون في محتمل الحرمة : «إنّ عادة العامّة والمتأخّرين من الخاصّة جرت بالتمسّك بالبراءة الأصليّة ، ولمّا أبطلنا جواز التمسّك بها في المقامين ، لعلمنا بأن الله تعالى أكمل لنا ديننا وعلّمنا بأنّ كلّ واقعة يحتاج إليها ورد فيها خطاب قطعي من الله تعالى خال عن المعارض ، وبأنّ كلّ ما جاء به نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله مخزون عند العترة الطاهرة ، ولم يرخّصوا لنا في التمسّك بالبراءة الأصليّة ، بل أوجبوا التوقّف في كلّ ما لم يعلم حكمه ، وأوجبوا الاحتياط في بعض صوره ، فعلينا أن نبيّن ما يجب أن يفعل في المقامين ، وسنحقّقه فيما يأتي إن شاء الله تعالى».

وذكر هناك ما حاصله : وجوب الاحتياط عند تساوي احتمال الأمر الوارد بين الوجوب

____________________________________

فاسد لأنّ نسبة الأجسام مختلفة ، فالخفيف يميل إلى العلو والثقيل إلى السفل ، إلى أن قال ما حاصله : من أنّ ما دلّ على وجوب التوقّف كحديث التثليث (وحديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ونظائرهما ، أخرج كلّ واقعة لم يكن حكمها مبيّنا من البراءة الأصليّة وأوجب التوقّف فيها).

فلا يبقى مجال للتمسّك بالبراءة الأصليّة بعد ما دلّ على وجوب الاحتياط أو التوقّف في الفعل المشتبه حكمه الواقعي.

(ثمّ قال : بعد أن الاحتياط قد يكون في محتمل الوجوب ، وقد يكون في محتمل الحرمة ... إلى آخره).

وهذا الكلام منه صريح في وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة.

نعم ، يظهر منه اختصاص وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة في صورة إجمال النصّ ، حيث قال ما حاصله :

(وجوب الاحتياط عند تساوي احتمال الأمر الوارد بين الوجوب والاستحباب).

__________________

(١) غوالي اللآلئ ١ : ٣٩٤ / ٤٠. الوسائل ٢٧ : ١٦٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٤٣. سنن النسائي ٨ : ٧٣٢ / ٥٧٢٧.

٣٨

والاستحباب ولو كان ظاهرا في الندب بني على جواز الترك.

وكذا لو وردت رواية ضعيفة بوجوب شيء ، وتمسّك في ذلك بحديث ما حجب الله علمه (١) ، وحديث رفع التسعة (٢). قال : وخرج عن تحتهما كلّ فعل وجوديّ لم يقطع بجوازه لحديث التثليث (٣).

أقول : قد عرفت فيما تقدّم في نقل كلام المحقّق رحمه‌الله أنّ التمسّك بأصل البراءة منوط بدليل عقلي هو قبح التكليف بما لا طريق إلى العلم به ، وهذا لا دخل فيه لإكمال الدين وعدمه ، ولكون الحسن والقبح أو الوجوب والتحريم عقليّين أو شرعيّين في ذلك.

____________________________________

فظاهر هذا الكلام هو وجوب الاحتياط فيما إذا كان الاشتباه ناشئا عن إجمال النصّ ، كالأمر المردّد بين الوجوب والاستحباب ، فلو كان الأمر ظاهرا في الندب لما وجب الاحتياط ، بل جاز ترك الفعل لحجيّة الظواهر ، ثمّ قال :

(وكذا لو وردت رواية ضعيفة بوجوب شيء).

أي : وكذا لا يجب الاحتياط ، بل بني على جواز الترك فيما إذا كان الاشتباه ناشئا عن عدم نصّ معتبر على الوجوب ، بل وردت رواية ضعيفة بوجوب شيء.

(وتمسّك في ذلك).

أي : نفي الاحتياط بحديث الحجب والرفع ، ثمّ قال :

(وخرج عن تحتهما كلّ فعل وجودي لم يقطع بجوازه).

أي : خرج عن حديث الحجب والرفع كل فعل محتمل الحرمة (لحديث التثليث).

فيجب فيه الاحتياط بحديث التثليث.

والحاصل المستفاد من جميع ما أفاده المحدّث الاسترآبادي قدس‌سره في هذا المقام هو وجوب الاحتياط في الشبهة التحريميّة مطلقا ، وفي الوجوبيّة في الجملة.

(أقول : قد عرفت فيما تقدّم في نقل كلام المحقّق قدس‌سره أنّ التمسّك بأصل البراءة منوط بدليل عقلي هو قبح التكليف بما لا طريق إلى العلم به ، وهذا لا دخل فيه لإكمال الدين وعدمه ،

__________________

(١) الكافي ١ : ١٦٤ / ٣. التوحيد : ٤١٣ / ٩. الوسائل ٢٧ : ١٦٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٣٣.

(٢) المحاسن ٢ : ٦٩ / ١١٩٥. الوسائل ٢٣ : ٢٢٦ ، كتاب الأيمان ، ب ١٢ ، ح ١٢.

(٣) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. التهذيب ٦ : ٣٠٢ / ٨٤٥. الوسائل ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.

٣٩

والعمدة فيما ذكره هذا المحدّث من أوّله إلى آخره ، تخيّله أنّ مذهب المجتهدين التمسّك بالبراءة الأصليّة لنفي الحكم الواقعي ، ولم أجد أحدا يستدلّ بها على ذلك.

نعم ، قد عرفت سابقا أنّ ظاهر جماعة من الإماميّة جعل أصل البراءة من الأدلّة الظنيّة ، كما تقدّم في المطلب الأوّل استظهار ذلك من صاحبي المعالم والزبدة.

لكنّ ما ذكره من إكمال الدين لا ينفي حصول الظنّ بجواز دعوى أنّ المظنون بالاستصحاب أو غيره موافقة ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للبراءة. وما ذكره من تبعيّة خطاب الله

____________________________________

ولكون الحسن والقبح أو الوجوب والتحريم عقليّين أو شرعيّين في ذلك ... إلى آخره).

وقد أجاب المصنّف قدس‌سره عمّا أفاده المحدّث الاسترآبادي قدس‌سره في المقام بما حاصله :

من أنّ التمسّك بأصل البراءة ليس لنفي الحكم الواقعي ، بل لنفي تنجّز التكليف على المكلّف مع بقاء الحكم الواقعي على ما هو عليه من الوجوب أو الحرمة ، وذلك لأنّ العقل يحكم بقبح التكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به ، ومن المعلوم أنّ نفي تنجّز التكليف ظاهرا بحكم العقل على قبح العقاب بلا بيان لا ينافي إكمال الدين ، لأنّ مقتضى إكمال الدين هو ثبوت الحكم لكل واقعة في الواقع ، ومقتضى أصل البراءة هو نفي تنجّزه عن الجاهل في الظاهر ، فلا دخل لأصل البراءة بإكمال الدين وعدمه ، ولا بكون الحسن والقبح الذاتيّين وعدمهما ولا بالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع وعدمها ، كما أشار إلى الملازمة بقوله :

(أو الوجوب والتحريم عقليّين) وإلى عدمها بقوله : (أو شرعيّين) بل يصحّ التمسّك بأصل البراءة على جميع التقادير المذكورة.

فما تخيّله المحدّث الاسترآبادي من أنّ مذهب المجتهدين هو التمسّك بأصل البراءة لنفي الحكم الواقعي لا يرجع إلى محصّل صحيح ، إذ لم يوجد أحد يستدلّ بها على ذلك.

نعم ، يظهر من جماعة من الإماميّة ـ كصاحبي المعالم والزبدة ـ جعل أصل البراءة من الأدلّة الظنيّة ، فيكون استصحاب البراءة عندهم مفيدا للظنّ بعدم الحكم الواقعي ، ولا يرد عليهم اعتراض المحدّث الاسترآبادي ، لأنّ ما ذكره المحدّث من إكمال الدين لا ينفي حصول الظنّ من استصحاب البراءة بعدم الحكم الإلزامي لجواز أن يكون المظنون بالاستصحاب موافقا لما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٤٠