دروس في الرسائل - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٧

١

٢

ترجمة المؤلّف

ولد المؤلّف عام ١٣٥٤ ه‍ ، ولمّا بلغ سنّ التكليف درس مقدّمات العلوم الحوزوية.

سافر إلى مشهد المقدّسة سنة ١٣٧٩ ه‍ لمواصلة الدراسة الحوزوية فيها ، فدرس العلوم العربية والمنطق وشيئا من الأصول ، ومكث فيها مدّة أربع سنوات.

ثمّ سافر إلى العراق سنة ١٣٨٣ ه‍ ودرس في جامعة النجف الدينية ـ التي أسّسها السيّد محمد كلانتر(حفظه الله) ـ مراحل السطوح مدّة خمس سنوات ، ثمّ حضر أبحاث آية الله العظمى السيّد الخوئي قدس‌سره فقها وأصولا ، كما حضر عند آية الله السيّد البجنوردي قدس‌سره في الأصول ، وحضر بحث آية الله العظمى السيّد الإمام الخميني قدس‌سره في (المكاسب).

وفي سنة ١٣٩٥ ه‍ أجبرته السلطات الحاكمة في العراق على الخروج منه ، فتوجّه إلى سورية ، ودعي للتدريس في جوار العقيلة زينب عليها‌السلام ، وبعد الإصرار الشديد عليه استحسن البقاء مع مجموعة من زملائه الأفاضل ، وما زال هناك حتّى هذه الفترة.

وهو (حفظه الله) من الأعلام الذين يشار إليهم بالبنان ، وممّن عرف بالمواظبة على التدريس بجدّ ونشاط فائق ؛ إذ لم تسجّل إدارة الحوزة الزينبية أيّ غياب عليه في خلال أكثر من أربعة عشر عاما ، وما زال (حفظه الله) مواظبا على التدريس.

وله مؤلفات في موضوعات مختلفة منها (أجود الشروح في الكفاية) ، و (الخلافة والتغطية الإعلامية) وهذا الكتاب (دروس في الرسائل).

ويتمتّع المؤلّف بصفات أخلاقية عالية ، جعلته قدوة لمن غرف من بحر عطائه ونهل من معينه ، أمدّ الله في عمره ، ودام عطاؤه.

٣

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

أمّا بعد فلمّا بدأت بتدريس «الرسائل» باللغة العربية في الحوزة العلمية في سورية ـ دمشق ـ أردت تنظيم وترتيب أبحاثي فجمعتها فى كتاب بعنوان «دروس في الرسائل» ، وقد تجنبت فيه عن الاختصار المخلّ والتطويل المملّ ، وأسأل الله أن يجعله نافعا للمحصّلين وذخرا لي في يوم الدين ، وأستعين به كي يوفّقني في خدمة الدّين فإنّه خير مسئول وخير معين.

المحمّدي البامياني

دمشق ـ جوار عقيلة بني هاشم السيّدة زينب عليها‌السلام

٤

مقدمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

فاعلم أنّ المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي ؛ فإمّا أن يحصل له الشّكّ فيه ، أو القطع ، أو الظنّ ، فإن حصل له الشك.

____________________________________

(فاعلم أنّ المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي).

لا بد أن نبح ث عن امور :

الأمر الأول : ما هو المراد من الألفاظ المفردة المذكورة في كلام المصنّف رحمه‌الله؟ وهي : المكلّف ، ثم الالتفات ، ثم الحكم.

فنبدأ من المكلّف ونقول : إنّ المراد منه هو المكلّف الواقعي ، يعني من وضع عليه قلم التكليف ، وهو من جمع الشرائط العامة كالبلوغ ، والعقل ، والقدرة ، فيكون الالتفات قيدا احترازيا ، يخرج به الغافل.

نعم ، لو كان المراد منه المكلّف الفعلي أعني : البالغ العاقل القادر الملتفت كان قيد الالتفات حينئذ لغوا ، إلّا أن يقال : إن الالتفات يكون سببا لتحقق العناوين المذكورة أعني : القطع والظن والشك ، فإنها لا تتحقق إلّا به ، إذ لا يعقل القطع بحكم أو الظن به أو احتماله للغافل ، فلا يكون لغوا ، إذ فائدته تحقّق هذه العناوين. ومن هنا ظهر ما هو المراد من الالتفات إذ المراد منه : توجّه المكلّف إلى الحكم الشرعي في مقابل غفلته عنه.

وبقي الكلام فيما هو المراد من الحكم ، والظاهر أن المراد منه هو الحكم الفعلي فقط ، إذ لا يجب امتثال ما لم يبلغ مرتبة الفعليّة من الحكم الاقتضائي والإنشائي مع القطع فضلا عن الظن أو الشك فما يترتّب عليه الأثر من وجوب الامتثال عند العلم به والرجوع إلى الاصول عند الشك هو الحكم الفعلي.

٥

فالمرجع فيه هي القواعد الشرعيّة الثابتة للشاك في مقام العمل ، وتسمّى بالاصول العمليّة. وهي منحصرة في أربعة ، لأنّ الشك إمّا أن يلاحظ فيه الحالة السابقة أم لا ، وعلى الثاني

____________________________________

ثم المراد من القطع والظن واضح لا يحتاج إلى البيان.

نعم ، المراد من الشك لا بد أن يكون بمعنى تساوي الطرفين حتى يكون مباينا للقطع والظن كما يقتضيه قانون التقسيم ؛ إذ التقسيم يقتضي تباين الأقسام ، فالتقسيم الثاني كما في كلام المصنّف رحمه‌الله ؛ مبنيّ على كون الشك بالمعنى المذكور ، لا بمعنى عدم العلم في مقابل العلم ، فالصحيح أن يجعل التقسيم على هذا المعنى الثاني ثنائيا.

ونستكشف من جعله التقسيم ثلاثيا أن الشك يكون بالمعنى الأول ، إلّا أن يقال : إن مقصوده من التقسيم هو تبويب كتابه باعتبار حالات المكلّف ، ولهذا جعل هذا الكتاب ثلاثة مقاصد : المقصد الأول : في القطع ، والثاني : في الظن ، والثالث : في الشك.

(فالمرجع فيه هي القواعد الشرعية ... إلى آخره).

يمكن أن يقال : إن القواعد المذكورة بعضها شرعية كالاستصحاب على قول ، وبعضها عقلية كالتخيير ، وبعضها شرعية وعقلية كالبراءة والاحتياط ، فتسمية الجميع بالقواعد الشرعية لا معنى لها أصلا ، فإنه يقال : والأمر وإن كان كذلك الّا أنّ الشارع قد أمضى حكم العقل فترجع القواعد إلى الشارع جعلا أو امضاء.

(وتسمّى بالاصول العمليّة).

أي : القواعد العملية في مقابل الأدلة الاجتهادية ، فيكون الأصل هنا بمعنى القاعدة ولمّا كان كل واحد من الاستصحاب والبراءة والتخيير قاعدة كلية كان الصحيح أن تجمع بالقواعد العملية : يعني تسمّى هذه القواعد بالعملية لأنها ثابتة للشاك في مقام العمل فيرجع إليها حينما لم يكن له دليل على الحكم.

الأمر الثاني : بيان حصر الاصول العملية في الأربعة ، كما أشار اليه بقوله : (وهي منحصرة في أربعة).

وظاهر كلامه ـ ابتداء ـ وإن كان حصر نفس الاصول في الأربعة ، اذ الضمير في قوله : (هي) يرجع إلى الاصول نفسها ، الّا ان كلامه في مقام بيان تعليل الحصر نصّ في حصر مجاريها على الاربعة ، ثم هذا الحصر حصر عقلي ، لأنّه يدور بين النفي والإثبات كما هو

٦

فإمّا أن يمكن الاحتياط أم لا ، وعلى الأوّل ، فإمّا أن يكون الشكّ في التكليف أو في المكلّف به ، فالأوّل : مجرى الاستصحاب ، والثاني : مجرى التخيير ، والثالث : مجرى أصالة البراءة ، والرابع : مجرى قاعدة الاحتياط.

[فالأوّل مجرى الاستصحاب ، والثاني مجرى أصالة البراءة ، والثالث مجرى قاعدة الاحتياط والرابع مجرى قاعدة التخيير. خ ل].

[وبعبارة أخرى : الشكّ إمّا أنّ يلاحظ فيه الحالة السابقة أو لا ، فالأوّل مجرى الاستصحاب ، والثاني إمّا أن يكون الشكّ فيه في التكليف أو لا ، فالأوّل مجرى أصالة البراءة ، والثاني إمّا أن يمكن الاحتياط فيه أو لا ، فالأوّل مجرى قاعدة الاحتياط ، والثاني مجرى قاعدة التخيير. نسخة].

____________________________________

واضح في المتن.

نعم ، حصر نفس الاصول في الأربعة استقرائي بمعنى أنّ الاصول التي تجري في جميع أبواب الفقه منحصرة فيها ، والّا فالاصول كثيرة.

(لأنّ الشك إمّا أن يلاحظ فيه الحالة السابقة أم لا).

ومن تقييده الحالة السابقة بكونها ملحوظة يظهر أنّ مطلق الحالة السابقة لا يكفي في الاستصحاب ، بل لا بد فيه من الحالة السابقة الملحوظة ، وهي تتحقّق في مورد الشك في الرافع كما يأتي في الاستصحاب.

الأمر الثالث : بيان الفرق بين عبارتي المصنف قدس‌سره في مجاري الاصول.

وخلاصة الفرق : إن مجرى التخيير في التعبير الأول أعمّ منه في التعبير الثاني ، لأنّ مجراه في الأول ما لا يمكن الاحتياط فيه ، سواء كان الشك في التكليف أو المكلّف به ، وهذا بخلاف التعبير الثاني حيث جعل مجرى التخيير فيه الشك في المكلّف به فقط ، فيكون التعبير الأول أعمّ موردا من الثاني ، حيث يجري التخيير في الموردين بحسب التعبير الأول وفي المورد الواحد حسب التعبير الثاني.

وذكر بعض الشراح أنّ المصنف قدس‌سره عبّر بالعبارة الاولى في الدورة الاولى من تدريسه ، وبالثاني في الدورة الثانية منه ، وكيف كان لا يخلو ما ذكره من إشكال عدم الاطّراد ، أو عدم الانعكاس ، ولكن ليس في هذا المختصر مجال للنقض والإبرام.

٧

وما ذكرنا هو المختار في مجاري الاصول الأربعة ، وقد وقع الخلاف فيها ، وتمام الكلام في كلّ واحد موكول إلى محلّه.

فالكلام يقع في مقاصد ثلاثة : الأوّل : في القطع ، والثاني : في الظّن ، والثالث : في الاصول العمليّة المذكورة التي هي المرجع عند الشّك.

____________________________________

(وما ذكرنا هو المختار).

أي : ما ذكرنا من الرجوع إلى البراءة فيما إذا كان الشك في التكليف التحريمي هو المختار لا ما ذهب اليه الاخباريون حيث قالوا بوجوب الاحتياط فيه ، وكذلك المختار في الشك في المكلّف به هو الحكم بوجوب الاحتياط إن أمكن ، والحكم بالتخيير إن لم يمكن ، دون ما ذهب إليه المحقّق القمّي رحمه‌الله حيث قال بالبراءة في الشبهة المحصورة التي هي من موارد الشك في المكلّف به. هذا تمام الكلام في البحث عن الامور.

ثم ما ذكره المصنف قدس‌سره أخيرا يكون بمنزلة الفهرست الإجمالي للكتاب حيث قال : (فالكلام يقع في مقاصد ثلاثة : الأول : في القطع ، والثاني : في الظن ، والثالث : في الاصول العملية المذكورة).

* * *

٨

المقصد الأول

في القطع

٩
١٠

بحث القطع

مقدمة :

وقبل البحث عن القطع نطرح سؤالين لا يخلو طرحهما عن مناسبة وفائدة :

السؤال الأول : لما ذا قدم المصنف قدس‌سره بحث القطع على بحث الظن والشك؟ ثم لما ذا قدّم بحث الظن على الشك؟

السؤال الثاني : لما ذا اختار في المقصد الأول عنوان القطع ، ولم ينتخب عنوان اليقين والعلم مع أنّ هذه العناوين مشتركة في أنّها اعتقاد جازم؟

أما الجواب عن السؤال الأول فنقول : إنّه قدّم بحث القطع لأحد أمرين :

الأول : لشرافة القطع على الظن والشك.

أمّا شرافته على الظن فلأنّ حجّيته ذاتية بخلاف الظن ، إذ هو حجّة بجعل من الشارع.

وأمّا شرافته على الشك فلا يحتاج إلى البيان ، إذ الشك ليس بحجّة ، بل لا يعقل أن يكون حجّة ، ومن هنا يظهر وجه تقديم الظن على الشك.

والثاني : لاختصار بحث القطع دونهما.

وأمّا الجواب عن السؤال الثاني ، فنقول : إنّ المصنف قدس‌سره أراد أن يبحث عن التجرّي ، والبحث عنه يناسب عنوان القطع دون اليقين والعلم ، وذلك لأنّ التجرّي ـ كما سيجيء ـ هو مخالفة القطع غير المطابق للواقع ، فيكون مقابلا للمعصية ، وهي مخالفة القطع المطابق للواقع.

١١

مقدمة

فنقول : لا إشكال في وجوب متابعة القطع والعمل عليه ما دام موجودا ، لأنّه بنفسه طريق إلى الواقع ، وليست طريقيّته قابلة لجعل الشارع إثباتا أو نفيا.

____________________________________

ثم القطع هو : الاعتقاد الجازم سواء كان مطابقا للواقع أم لم يكن ، فيأتي فيه بحث التجرّي ، ويصح أن يبحث عنه تحت عنوان القطع ، كما يصحّ أن يبحث عن المعصية ، وهذا بخلاف العلم واليقين لأنّ اليقين : هو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع ، وكذا العلم ، إذ المطابقة للواقع قيد فيهما ، وبهذا لم يبق مجال لبحث التجرّي تحت عنوان اليقين والعلم ، ولهذا اختار عنوان القطع.

(لا إشكال في وجوب متابعة القطع ، والعمل عليه ما دام موجودا لأنّه بنفسه طريق إلى الواقع ، وليست طريقيّته قابلة لجعل الشارع إثباتا أو نفيا).

يقع الكلام في بحث القطع من جهتين :

الجهة الاولى : يقال على القطع بأنّه طريق.

والجهة الثانية : يقال : إنّه حجّة ، فهنا قضيتان هما :

١ ـ القطع طريق.

٢ ـ القطع حجّة.

فيبحث في كلتا الجهتين عن محمول القضيتين بأنّه ذاتي للقطع أم لا؟

ويقع الكلام في الجهة الاولى في أنّ طريقيّته ذاتية أو جعلية؟

قال المصنّف قدس‌سره : إن طريقيّته ذاتية لا تنالها يد الجعل والتشريع إثباتا ولا نفيا ، إذ لا معنى لجعل ما هو حاصل بذاته ، بل الجعل مستلزم لتحصيل ما هو حاصل بالتكوين بالتشريع وهو محال.

وبعبارة اخرى : إنّ طريقيّة القطع ذاتية له ؛ إمّا بذاتي باب البرهان ، أو الايساغوجي ، إذ لو كانت ماهية القطع نفس الانكشاف كانت طريقيّته ذاتية بذاتي باب الايساغوجي ، فالقاطع حينئذ يرى الواقع ، وينكشف له انكشافا تامّا ، فيكون القطع بحسب ماهيته طريقا ، فلا

١٢

____________________________________

معنى لتوهّم جعل الطريقية لأنّ ثبوت الشيء لنفسه ضروري ، كما لا معنى لتوهّم نفي الطريقيّة عنه لأنّ سلب الشيء عن نفسه محال ، فإذا لم تكن الطريقيّة مجعولة لم تكن حجّيته مجعولة ، إذ الحجّية لازمة لها ، وثبوت لازم الشيء له ضروري.

وأمّا إذا لم تكن ماهية القطع نفس الانكشاف والطريقيّة بل كانت طريقيّته لازمة لماهيّته لكانت طريقيّته ذاتية بذاتي باب البرهان ، كالزوجية بالنسبة إلى الأربعة فلا تقبل الجعل ـ أيضا ـ إثباتا لأنّ لازم الماهية لا ينفك عنها ، فيكون ثبوته لها ضروريا ، ولا نفيا لأنّ سلبه عنها محال.

ومن هنا يظهر أنّ حجّيته كطريقيّته لا تقبل الجعل إثباتا أو نفيا لأنّها لازمة لها لا تنفك عنها ، فلا تقبل الجعل إثباتا لكون ثبوت اللّازم ضروريا ، ولا نفيا لكون سلب لازم الشيء عنه محالا. هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.

والكلام في الجهة الثانية يقع في حجّية القطع.

والمراد من حجّيته هو وجوب متابعته ، والعمل على طبقه فيكون وجوب العمل على طبقه من لوازم طريقيّته ، كما يظهر من التعليل حيث علّل وجوب المتابعة بقوله : لأنّه بنفسه طريق إلى الواقع ، فلا يكون قابلا للجعل إثباتا ونفيا ، كما تقدّم ، ثم المراد من وجوب متابعة القطع ليس وجوبا شرعيا بل يكون حكما عقليا.

وهناك وجوه أخر ذكرت لعدم قابلية حجّية القطع لجعل الشارع :

منها : إنّه لو كانت حجّيته بالتعبّد الشرعي لزم التسلسل ، إذ اعتبار كل شيء موقوف على العلم به من الشارع ، فالقطع لو لم يكن حجّة بنفسه فلا بدّ من أن يتوقف على قطع آخر وهكذا ، فيلزم التسلسل أو الدور.

ومنها : إنّه لو كان اعتباره بجعل من الشارع فلا بدّ ـ حينئذ ـ أن يكون قابلا لحكم الشارع نفيا وإثباتا فلو كان كذلك لزم التناقض.

بيان ذلك : إنّ من علم كون هذا المائع خمرا ، وكون الخمر محرّما شرعا ، يحصل له من هذه الصغرى الوجدانية وتلك الكبرى المقطوع بها العلم بكون هذا المائع محرما.

وبتعبير آخر : هذا المائع خمر ، وكل خمر حرام ، فهذا المائع حرام ، فيعلم نهي الشارع

١٣

ومن هنا يعلم أنّ إطلاق الحجّة عليه ليس كإطلاق الحجّة على الأمارات المعتبرة

____________________________________

عن ارتكاب هذا المائع ، فلو قال الشارع : لا تعمل بهذا القطع والعلم ، يرجع هذا القول منه إلى الإذن في ارتكاب الخمر بنظر القاطع ، وهو التناقض.

ومنها : عدم معقولية تكليف القاطع بخلاف قطعه لعدم احتماله خلاف ما قطع به ، فتكليفه به تكليف بما لا يطاق.

(ومن هنا يعلم أنّ إطلاق الحجّة عليه ليس كإطلاق الحجّة على الأمارات المعتبرة شرعا).

يعني : ممّا ذكرنا من عدم كون حجّية القطع بجعل من الشارع يعلم أنّ إطلاق الحجّة على القطع ليس كإطلاق الحجّة على الأمارات ، إذ ما يطلق على الأمارات هو الحجّة بما هو عند الاصولي ولا يطلق على القطع الحجّة بما هو عند الاصولي ، ولا يطلق عليه ـ أيضا ـ الحجّة بما هو عند المنطقي.

فيأتي هذا السؤال : لما ذا لا يطلق عليه الحجّة بما هو عند الاصولي ، ولا بما هو عند المنطقي؟

والجواب يحتاج إلى بيان معنى الحجّة عند الاصولي والمنطقي ، والفرق بينهما ، فنقول : إنّ الحجّة عند المنطقي هي : الأوسط الذي يوجب العلم بثبوت الأكبر للأصغر في شكل من الأشكال ، فيكون الأوسط واسطة في الإثبات دائما ، ومع ذلك قد يكون واسطة في الثبوت أيضا ، فيسمّى بالبرهان اللّمي.

والحاصل أنّه لا بدّ للأوسط أن تكون له علاقة بالأكبر الذي هو محمول النتيجة ، ثم تلك العلاقة ؛ إمّا علاقة العليّة ، أي : يكون الأوسط علّة للأكبر ؛ أو المعلولية بأن يكون معلولا له ؛ أو هما معلولان لعلّة ثالثة ، وعلى الأخيرين يسمّى القياس بالبرهان الإنّي ، هذا هو معنى الحجّة عند المنطقي.

وأمّا الحجّة عند الاصولي فهي : الوسط الذي يوجب العلم بثبوت الحكم لمتعلّقه ، أو يقال : إنّه يوجب العلم بثبوت الأكبر للأصغر ، والمراد من الأكبر هو الحكم ، والمراد بالأصغر هو المتعلّق.

ومن هنا يظهر الفرق بين الحجّة عند الاصولي ، والحجّة عند المنطقي من حيث الأكبر

١٤

شرعا ، لأنّ الحجّة عبارة عن الوسط الذي به يحتجّ على ثبوت الأكبر للأصغر ، ويصير واسطة للقطع بثبوته له ، كالتغيّر لإثبات حدوث العالم ، فقولنا : «الظنّ حجّة ، أو البيّنة

____________________________________

والأصغر ، لأن الأكبر في الاصول هو حكم من الأحكام وفي المنطق ليس كذلك ، والأصغر في الاصول هو متعلّق الحكم ، وفي المنطق ليس كذلك ، هذا مضافا إلى اشتراط العلاقة بين الأوسط والأكبر في حجّة المنطقي دون الاصولي ، والجامع بينهما هو : أنّ الحجّة وهي الأوسط يكون سببا للقطع بثبوت الأكبر للأصغر سواء كان الأكبر حكما والأصغر متعلّقا كما هو عند الاصولي ، أم لا كما هو عند المنطقي.

ومن هنا يتّضح عدم إطلاق الحجّة بما هو عند الاصولي والمنطقي على القطع ، لأنّ الحجّة عندهما هي ما يكون سببا للقطع بالحكم على متعلّقه أو بالأكبر للأصغر فكيف يطلق على نفس القطع؟

وقد أشار إليه ـ كما سيأتي ـ بقوله : (والحاصل أنّ كون القطع حجّة غير معقول لأنّ الحجّة ما يوجب القطع بالمطلوب ، فلا يطلق على نفس القطع).

هذا مضافا إلى أنّ الحجّة عند المنطقي يعتبر فيها وجود العلاقة بين الأوسط والأكبر كما تقدّم ، وهذه العلاقة منتفية في القطع الطريقي المحض الذي يكون محلّا للبحث ، فإذا قطعنا بوجوب صلاة الجمعة مثلا لما كانت العلاقة بين الوجوب والقطع ثابتة لأنّ القطع ليس علّة للوجوب ، ولا معلولا له ، ولا كونهما معلولين لعلّة ثالثة ، فلا يطلق عليه الحجّة بما هو عند المنطقي ، إذ الحجّة عنده مشروطة بوجود العلاقة ، وهذه العلاقة منتفية في القطع.

والحقّ أنّ الحجّة عند المنطقي عبارة عن مجموع المقدّمتين أي : الصغرى والكبرى اللتين تحصل منهما النتيجة كما في الحاشية ، فلا تطلق على القطع لأنّه أمر يحصل من المقدّمتين ، فيحصل من جميع ما ذكرنا جواب السؤال المتقدم : لما ذا لا يطلق عليه الحجّة بما هو عند المنطقي وبما هو عند الاصولي؟

وقد اتّضح أنّ الحجّة بما هو عند الاصولي لا تطلق على القطع. نعم ، الحجّة بهذا المعنى تطلق على الأمارات المعتبرة شرعا ، لأنّ الحجّة عند الاصولي كما يقول المصنف قدس‌سره :

(عبارة عن الوسط الذي به يحتجّ على ثبوت الأكبر للأصغر) أي : ثبوت الحكم

١٥

حجّة ، أو فتوى المفتي حجّة» ، يراد به كون هذه الامور أوساطا لإثبات أحكام متعلّقاتها ، فيقال : هذا مظنون الخمريّة ، وكل مظنون الخمريّة يجب الاجتناب عنه ، وكذلك قولنا : هذا الفعل ممّا أفتى المفتي بتحريمه ، أو قامت البيّنة على كونه محرّما ، وكلّ ما كان كذلك فهو حرام.

____________________________________

لمتعلّقه ، كما هو المستفاد من كلامه قدس‌سره حيث قال : (فقولنا : الظن حجّة ، أو البيّنة حجّة ، أو فتوى المفتي حجّة ، يراد به كون هذه الامور أوساطا لإثبات أحكام متعلّقاتها) فتكون الأحكام هي الأكبر ، والمتعلّقات هي الأصغر كالخمر مثلا.

وعبارة المصنّف قدس‌سره حيث قال : (لإثبات أحكام متعلّقاتها) لا تخلو من مسامحة ، لأنّها ظاهرة فيما إذا تعلّق الظن بالموضوع ، كالخمر في المثال الأول فيقال : هذا مظنون الخمرية ، وكل مظنون الخمرية يجب الاجتناب عنه ، فهذا يجب الاجتناب عنه.

والفعل في المثال الثاني ، هذا الفعل ما أفتى المفتي بتحريمه ، وكل ما افتى المفتي بتحريمه يجب الاجتناب عنه ، فهذا الفعل يجب الاجتناب عنه ، فلا تشمل المثال الثالث وهو قوله :

(أو قامت البيّنة على كونه محرّما ، وكلّ ما كان كذلك فهو حرام).

إذ الظن في هذا المثال تعلّق بنفس الحكم ، فلا يصدق عليه أنّه وسط لإثبات حكم متعلّقه لأنّ المتعلّق هو نفس الحكم ، فكان على المصنف قدس‌سره أن يقول : يراد به كون هذه الامور أوساطا لإثبات الأحكام ، سواء كانت أوساطا لإثبات أحكام متعلّقاتها كالمثال الأول والثاني ، أو لإثبات الأحكام على الموضوعات كالمثال الثالث حيث تعلق الظن بنفس الحكم ، وكيف كان ، فتكون هذه الامور أوساطا لإثبات أحكام ظاهرية من سنخ الأحكام الواقعية الثابتة لمتعلّقات هذه الامور في الواقع.

ففي قولنا : هذا مظنون الخمرية ، وكل مظنون الخمرية يجب الاجتناب عنه. يكون الظن وسطا يوجب العلم بوجوب الاجتناب عن مظنون الخمرية ، فيكون وجوب الاجتناب حكما ظاهريا ، والظن قد اخذ في موضوع هذا الحكم الظاهري دون الحكم الواقعي ، فلا يرد عليه أنّ موضوع الحكم الواقعي هو الخمر فقط ، فكيف اخذ الظن في موضوع الحكم في قولك : هذا مظنون الخمرية ... الى آخره؟ بل لا يعقل أن يؤخذ الظن في موضوع الحكم الواقعي مع فرض كونه مجرّدا عن أي قيد ، إذ ثبوت الحكم الواقعي للموضوع المقيد

١٦

وهذا بخلاف القطع لأنّه إذا قطع بوجوب شيء فيقال : هذا واجب ، وكلّ واجب يحرم

____________________________________

مستلزم للخلف.

ومن هنا يعلم الفرق بين الظن بالموضوع ، كالظن بالخمرية ، وبين القطع به حيث يقع الظن وسطا دونه ، وذلك لتصور الحكم الظاهري في مورد الظن ، فيصح أن يجعل وسطا لإثبات الحكم الظاهري ، وهذا بخلاف القطع حيث لا يقع وسطا لإثبات الحكم مطلقا لا الواقعي ولا الظاهري.

أمّا عدم وقوعه وسطا للحكم الواقعي فظاهر لأنّ المفروض أنّ القطع طريقي محض من دون أن يكون قيدا للموضوع ، ومعنى كونه وسطا للحكم الواقعي أنّه قد أخذ في الموضوع ، وهذا مخالف للمفروض.

وأمّا عدم وقوعه وسطا لإثبات الحكم الظاهري فهو لعدم تصوّر الحكم الظاهري في مورد القطع ، لأنّ موضوعه هو الشك المنتفي ، فينتفي الحكم الظاهري ، لأنّ الحكم ينتفي بانتفاء موضوعه.

فالحاصل أنّ الظن يصح أن يكون وسطا لإثبات الحكم الظاهري فيقال : هذا مظنون الخمرية ، وكل مظنون الخمرية يجب الاجتناب عنه ، فهذا يجب الاجتناب عنه ، ولا يصح أن يقال : هذا معلوم الخمرية ، وكل معلوم الخمرية يجب الاجتناب عنه ، فهذا يجب الاجتناب عنه ، وذلك لكذب الكبرى ، لأنّ الحكم بوجوب الاجتناب يكون ثابتا في الواقع للخمر نفسه ، لا للخمر المعلوم ، فلا يصح أن يجعل القطع وسطا.

فتحصّل ممّا ذكرنا أمران :

الأمر الأول : عدم إطلاق الحجّة بما هو عند الاصولي أو المنطقي على القطع. نعم ، يطلق عليه الحجّة بالمعنى اللغوي ، وهو صحّة الاحتجاج به ، اذ أن العقل يحكم بصحة احتجاج المولى على العبد إذا خالف القطع ، كما يحكم بصحّة احتجاج العبد على المولى إذا عمل به ، فحكم العقل بوجوب متابعة القطع يصحّح الاحتجاج.

الأمر الثاني : هو الفرق بين الحجّة بما هو عند المنطقي ، وما هو عند الاصولي ، حيث يكون الثاني أعمّ من الأول لاعتبار وجود العلاقة بين الأوسط والأكبر عند المنطقي فقط ، كما تقدم ، وبالجملة لا يصحّ أن يجعل القطع وسطا.

١٧

ضدّه أو تجب مقدّمته.

وكذلك العلم بالموضوعات ، فإذا قطع بخمريّة شيء ، فيقال : هذا خمر ، وكلّ خمر يجب الاجتناب عنه ، ولا يقال : إنّ هذا معلوم الخمريّة ، وكل معلوم الخمريّة حكمه كذا ، لأنّ أحكام الخمر إنّما تثبت للخمر ، لا لما علم أنّه خمر.

____________________________________

وحينئذ إذا قطع المكلف بوجوب شيء(فيقال : هذا واجب ، وكلّ واجب يحرم ضدّه أو تجب مقدمته ... إلى آخره).

ففي هذا المثال لو جعل القطع وسطا لم يكن الشكل الأول منتجا لعدم كونه واجدا للشرائط من جهة كذب الكبرى ، كما تقدم في مثال الخمر ، ويكون الشكل جامعا للشرائط لو لم يجعل القطع وسطا كالمثال المذكور في المتن ، أعني : هذا واجب ، وكل واجب يحرم ضدّه أو تجب مقدمته ، فهذا يحرم ضدّه أو تجب مقدمته ، فيكون الشكل الأول جامعا للشرائط لأنّ الصغرى وجدانية والكبرى صادقة بالأدلّة التي ذكرت في مسألة الضد أو مقدمة الواجب ، فتكون النتيجة مسلّمة.

وهكذا لا يصحّ أن يجعل القطع وسطا فيما إذا تعلّق بالموضوع كالقطع بالخمرية ، بل يقال : هذا خمر ، وكل خمر يجب الاجتناب عنه ، فهذا يجب الاجتناب عنه ، فيكون الشكل الأول جامعا لشرائط الإنتاج ، حيث تكون الصغرى وجدانية ، والكبرى صادقة بالأدلة الشرعية التي دلّت على حرمة الخمر.

ولا يصح أن يجعل القطع وسطا في المثالين المذكورين بأن يقال : هذا معلوم الوجوب أو الخمرية ، وكل معلوم الوجوب يجب الإتيان به ، وكل معلوم الخمرية يجب الاجتناب عنه ، حتى تكون النتيجة هو الإتيان بما هو معلوم الوجوب ، والاجتناب عمّا هو معلوم الخمرية.

وأمّا عدم صحّة جعل القطع وسطا في المثال الأول ، فلأنّ الوجوب الذي تعلّق به القطع لا يخلو في الواقع عن أحد حالين :

١ ـ إمّا ثابت لنفس الموضوع من دون تقييده بالعلم.

٢ ـ أو ثابت للموضوع المقيّد بكونه معلوما ، وعلى كلا الحالين لا يصحّ أن يجعل وسطا.

١٨

والحاصل أنّ كون القطع حجّة غير معقول لأنّ الحجّة ما يوجب القطع بالمطلوب ، فلا يطلق على نفس القطع.

هذا كلّه بالنسبة إلى حكم متعلّق القطع ، وهو الأمر المقطوع به.

____________________________________

أمّا على الأول فلأنّ الوسط ـ كما عرفت ـ يكون سببا للقطع بثبوت الأكبر. أي : الحكم للأصغر وهو الموضوع ، وهذا القطع حاصل بالفرض ، لأنّا نعلم الوجوب ، فلو جعلناه وسطا لزم أن يكون القطع سببا لنفسه ، فيلزم اتّحاد السبب والمسبّب ، وهو محال وباطل ، وقد أشار إليه بقوله : (والحاصل أنّ كون القطع حجّة غير معقول لأنّ الحجّة ما يوجب القطع ، فلا يطلق على نفس القطع).

وأمّا على الثاني ، أي : على فرض ثبوت الوجوب للموضوع المقيّد بالعلم ، فعدم صحة جعل القطع وسطا يكون من جهة أنّه طريق إلى الحكم ، فيجب أن يكون الحكم وهو الوجوب ثابتا قبل تعلّق القطع به ، فلو توقف الحكم على القطع من باب توقف كل حكم على موضوعه ـ والمفروض أن القطع قد اخذ في الموضوع ـ يلزم الدور الباطل ، فلا يصحّ أن يجعل القطع وسطا. هذا تمام الكلام في المثال الأول.

وأمّا عدم صحة جعل القطع وسطا في المثال الثاني فلكذب الكبرى في الشكل الأول لو جعل وسطا ، وذلك بأن يقال : هذا معلوم الخمرية ، وكل معلوم الخمرية يجب الاجتناب عنه ، فهذا يجب الاجتناب عنه ، لأنّ الحكم بوجوب الاجتناب مترتّب على الخمر نفسه في الأدلة حيث قال الشارع : الخمر حرام ، كما في قوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ)(١) أي : يجب الاجتناب عن الخمر لا عن الخمر المعلوم ، فهذا الشكل لم يكن جامعا لشرائط الانتاج ، لكذب الكبرى فيه وإن كانت الصغرى وجدانية.

وقد أشار إلى هذا الاشكال بقوله : (لأنّ أحكام الخمر إنّما تثبت للخمر لا لما علم أنّه خمر) هذا أولا.

وثانيا : إنّ جعل القطع وسطا مستلزم لتقدّم الشيء على نفسه ، فإنّ المفروض هو حرمة

__________________

(١) المائدة : ٩٠.

١٩

وأما بالنسبة إلى حكم آخر فيجوز أن يكون القطع مأخوذا في موضوعه ، فيقال : إنّ الشيء المعلوم بوصف كونه معلوما حكمه كذا ، وحينئذ فالعلم يكون وسطا لثبوت ذلك الحكم لمتعلّقه وإن لم يطلق عليه الحجّة ، إذا المراد بالحجّة في باب الأدلّة ما كان وسطا لثبوت أحكام متعلّقه شرعا ، لا لحكم آخر ، كما إذا رتّب الشارع الحرمة على الخمر المعلوم كونها

____________________________________

الخمر في الواقع قبل تعلّق القطع به ، كما هو مقتضى كون القطع طريقا إلى الواقع ، فلو جعل القطع وسطا واخذ قيدا للموضوع لكان الحكم مترتّبا عليه ، ومتأخّرا عنه لتأخّره عن الموضوع ، فيلزم ما قلناه : من تقدم الحكم على نفسه ، وهو محال وباطل.

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ القطع الطريقي المحض لا يصح أن يجعل وسطا سواء كان متعلّقا بالحكم أو بالموضوع.

(وأمّا بالنسبة إلى حكم آخر فيجوز أن يكون القطع مأخوذا في موضوعه).

ومن هنا يبدأ المصنف قدس‌سره في بيان حكم القطع الموضوعي حيث يقع وسطا بالنسبة إلى حكم آخر فيطلق عليه الحجّة ، ويتألف منه القياس في باب الأقيسة ويكون أشبه بالحجّة في الاصطلاح المنطقي ، حيث يكون القطع المأخوذ في موضوع الحكم الآخر بجعله وسطا لإثباته بمنزلة العلّة لذلك الحكم.

لأنّ نسبة الموضوعات إلى الأحكام هي بمنزلة العلل إلى معلولاتها وإن لم تكن العلل الحقيقية ، الّا أنّه لمكان عدم تخلّف الحكم عن الموضوع كان الموضوع بمنزلة العلّة.

فالحاصل هو صحة جعل القطع الموضوعي وسطا لحكم آخر.

والكلام يتّضح في بيان مراد المصنف قدس‌سره من (حكم آخر) وذلك يتمّ بعد تقديم مقدّمة ، وهي :

إن الحكم ينقسم باعتبار موضوعه إلى قسمين :

أحدهما : ما تقدم من أنّ الموضوع هو ذات الشيء من دون أن يكون العلم أو الجهل قيدا له ، فقد عرفت أنّ القطع لا يصح أن يقع وسطا بالنسبة إلى هذا الحكم لأنّ المفروض هو ثبوته لذات الموضوع ، لا الموضوع مع قيد العلم ، فيكون جعل القطع وسطا مستلزما للخلف باعتبار أخذ القطع قيدا للموضوع ، وهو خلاف المفروض.

وثانيهما : أن يكون الموضوع مقيّدا بالعلم فيكون الحكم ثابتا للموضوع المقيد ، فيصح

٢٠