دروس في الرسائل - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٨

فإن قلت : إذا كان متعلّق الخطاب مجملا فقد تنجّز التكليف بمراد الشارع من اللفظ ، فيجب القطع بالإتيان بمراده واستحقّ العقاب على تركه مع وصف كونه مجملا ، وعدم القناعة باحتمال تحصيل المراد واحتمال الخروج عن استحقاق العقاب.

قلت : التكليف ليس متعلّقا بمفهوم المراد من اللفظ ومدلوله حتى يكون من قبيل

____________________________________

(حتى تخرج المسألة بذلك) ، أي : بأحد الأمرين المذكورين (عن مورد البراءة ويجب الاحتياط فيها ... إلى آخره).

وهذا المناط في المقام مفقود بعد انحلال العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بالأقلّ ، وشكّ بدويّ في الأكثر ، وبذلك لا يبقى علم إجماليّ حتى يكون مانعا عن أدلّة البراءة ، ولا يجري الأصل في الأقلّ حتى يتعارض معه في جانب الأكثر ، بل يجري الأصل في جانب الأكثر من غير معارض أصلا.

(فإن قلت : إذا كان متعلّق الخطاب مجملا فقد تنجّز التكليف بمراد الشارع من اللفظ ، فيجب القطع بالإتيان بمراده ... إلى آخره).

وحاصل الإشكال كما في شرح الاستاذ الاعتمادي دامت إفاداته وتعليقة المرحوم غلام رضا قدس‌سره ، نوضحه بعد ذكر مقدّمة وهي :

إنّ المأمور به إذا كان معنونا بعنوان ومفهوم مبيّن وكان مصداقه ومحصّله مردّدا بين أمرين أو أكثر وجب فيه الاحتياط بإتيان ما هو المحصّل لذلك العنوان.

ومن هنا نقول : إنّ ما نحن فيه يكون من هذا القبيل أيضا ، حيث إنّ متعلّق التكليف في قول الشارع : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) مثلا يدعونا لأن نتساءل : ما هو مراد المولى من لفظ الصّلاة؟

ومن المعلوم أنّ عنوان المراد وإن كان بحسب المفهوم معلوما ومبيّنا إلّا أنّ محصّله يكون مردّدا بين الأقلّ والأكثر ، فيجب فيه الاحتياط بإتيان الأكثر لنحصل على اليقين بالبراءة ؛ وذلك لأنّ القطع بالمراد لا يحصل إلّا بإتيان الأكثر ، ومن هنا ظهر عدم الفرق بين هذه المسألة والمسألة المتقدّمة من حيث النتيجة والحكم بوجوب الاحتياط.

__________________

(١) البقرة : ١١٠.

٤٦١

التكليف بالمفهوم المبيّن المشتبه مصداقه بين أمرين ، حتى يجب الاحتياط فيه ولو كان المصداق مردّدا بين الأقلّ والأكثر نظرا إلى وجوب القطع بحصول المفهوم المعيّن المطلوب من العبد ، كما سيجيء في المسألة الرابعة ، وإنّما هو متعلّق بمصداق المراد والمدلول ؛ لأنّه الموضوع له اللفظ والمستعمل فيه واتصافه بمفهوم المراد والمدلول بعد الوضع والاستعمال ، فنفس متعلّق التكليف مردّد بين الأقلّ والأكثر لا مصداقه.

ونظير هذا التوهّم توهّم : أنّه إذا كان اللفظ في العبادات موضوعا للصحيح ، والصحيح

____________________________________

(قلت : التكليف ليس متعلّقا بمفهوم المراد من اللفظ ومدلوله حتى يكون من قبيل التكليف بالمفهوم المبيّن المشتبه مصداقه بين أمرين ، حتى يجب الاحتياط فيه).

وحاصل الجواب : إنّ متعلّق التكليف في قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) ليس مفهوم المراد منها المبيّن المشتبه مصداقه بين الأقلّ والأكثر حتى يجب الاحتياط ، بل متعلّق التكليف هو مصداق هذا العنوان وهو عبارة عن الفعل الخارجي المشتمل على الحركات والسكنات الذي يحصل به القرب إلى المولى ؛ لأنّ ألفاظ العبادات موضوعة للمعاني الواقعيّة لا للمعاني المرادة ، فحينئذ يكون متعلّق التكليف بنفسه مردّدا بين الأقلّ والأكثر لا محصّله حتى يجب فيه الاحتياط ، وفي المقام بعد انحلال العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بالأقلّ وشكّ بدويّ في الأكثر يعلم أنّ الأقلّ هو المراد دون غيره.

وبالجملة ، إنّ الصّلاة ليست إلّا مصداقا لعنوان المراد ، فهي بنفسها مردّدة بين الأقلّ والأكثر لا محصّلها حتى يرجع الشكّ إلى الشكّ في محصّل المراد الذي يجب فيه الاحتياط(واتّصافه بمفهوم المراد والمدلول بعد الوضع والاستعمال).

قد عرفت أنّ المجمل في المقام هو نفس المأمور به لا مصداقه ، بل المأمور به المردّد بين الأقلّ والأكثر هو المصداق ، واتّصافه ـ أي : المصداق ـ بمفهوم المراد والمدلول هو بعد الوضع والاستعمال ، لأنّ اللفظ إذا وضع لمعنى يتّصف ذلك المعنى بمفهوم الموضوع له ، وإذا استعمل اللفظ فيه يتّصف بمفهوم المستعمل فيه وبمفهوم المراد كما في شرح الاستاذ الاعتمادي بتصرّف ، فالاتّصاف بالمفهوم إذن لا ينافي المصداقيّة.

(ونظير هذا التوهّم توهّم : أنّه إذا كان اللفظ في العبادات موضوعا للصحيح ،

٤٦٢

مردّد مصداقه بين الأقلّ والأكثر ، فيجب فيه الاحتياط ، ويندفع بأنّه خلط بين الوضع للمفهوم والمصداق ، فافهم.

وأمّا ما ذكره بعض متأخّري المتأخّرين من : «الثمرة بين القول بوضع ألفاظ العبادات للصحيح وبين وضعها للأعمّ» فغرضه بيان الثمرة على مختاره من وجوب الاحتياط في

____________________________________

والصحيح مردّد مصداقه بين الأقلّ والأكثر ، فيجب فيه الاحتياط).

أي : نظير التوهّم المذكور ـ وهو أنّ المأمور به هو عنوان المراد المبيّن ومصداقه مردّد بين الأقلّ والأكثر ، فيجب فيه الرجوع إلى الاحتياط ـ توهّم : أنّ المأمور به على القول بكون لفظ العبادة موضوعا للصحيح هو مفهوم الصحيح المبيّن ، إلّا أنّ مصداقه مردّد بين الأقلّ والأكثر ، فيجب فيه الرجوع إلى الاحتياط.

(ويندفع بأنّه خلط بين الوضع للمفهوم والمصداق) ، بأنّ المتوهم تخيّل أنّ ألفاظ العبادات موضوعة لمفهوم الصحيح ، أعني : تامّ الأجزاء والشرائط ، وكان مصداقه مردّدا بين الأقلّ والأكثر ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ؛ لأنّ ألفاظ العبادات موضوعة لمصداق الصحيح المردّد بين الأقلّ والأكثر ، فيجب الرجوع فيه إلى البراءة بعد انحلال العلم الإجمالي ، كما عرفت غير مرّة.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى أنّ اشتباه المتوهّم في المقام من قبيل اشتباه العارض بالمعروض ، حيث تخيّل وضع اللفظ للمفهوم العارض ، مع أنّه وضع للمصداق المعروض ، إذ لو كان لفظ العبادات موضوعا لمفهوم الصحيح لكان لجميع العبادات حقيقة واحدة وهو مفهوم الصحيح ، مع أنّ الأمر ليس كذلك بالضرورة والوجدان.

قوله : (وأمّا ما ذكره بعض متأخّري المتأخّرين من : «الثمرة بين القول بوضع ألفاظ العبادات للصحيح وبين وضعها للأعمّ»).

دفع لمن قد يتوهّم من أنّ وجوب الاحتياط ثمرة هنا للقول بوضع ألفاظ العبادات للصحيح المستلزم للإجمال ، بينما يقع الرجوع إلى الإطلاق والبراءة ثمرة للقول بوضعها للأعمّ ، كما عن الوحيد البهبهاني قدس‌سره وغيره ، حيث جعل وجوب الاحتياط ثمرة للقول بالصحيح والرجوع إلى البراءة ثمرة للقول بالأعمّ ، فهذه الثمرة تكون أقوى شاهد على وجوب الاحتياط عند إجمال متعلّق الخطاب ، كما هو المفروض على القول بكون ألفاظ

٤٦٣

الشكّ في الجزئيّة ، لا أنّ كلّ من قال بوضع الألفاظ للصحيحة فهو قائل بوجوب الاحتياط وعدم جواز إجراء أصل البراءة في أجزاء العبادات.

كيف! والمشهور مع قولهم بالوضع للصحيحة قد ملئوا طواميرهم من إجراء الأصل عند الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة ، بحيث لا يتوهّم من كلامهم أنّ مرادهم بالأصل غير أصالة البراءة؟

والتحقيق : إنّ ما ذكروه ثمرة للقولين من وجوب الاحتياط على القول بوضع الألفاظ للصحيح ، وعدمه على القول بوضعها للأعمّ محلّ نظر.

أمّا الأوّل : فلما عرفت من أنّ غاية ما يلزم من القول بالوضع للصحيح كون هذه

____________________________________

العبادات موضوعة للصحيح ، فما ذكر من عدم وجوب الاحتياط والرجوع إلى البراءة غير تامّ.

وحاصل الدفع : إنّ ما ذكره الوحيد البهبهاني قدس‌سره من الثمرة مبني على مذهبه فقط ، كما أشار إليه بقوله :

(فغرضه بيان الثمرة على مختاره من وجوب الاحتياط في الشكّ في الجزئيّة) ، بمعنى أنّ البهبهاني صحيحي في باب وضع ألفاظ العبادات واحتياطي في مسألة الشكّ في الجزئيّة لإجمال النصّ ، فقال بوجوب إحراز الصحيح في مقام امتثال الأمر المتعلّق بالصلاة ، ومن الواضح أنّه لا يحرز العنوان إلّا بإتيان الأكثر ، فلا يكون ما ذكره من الثمرة شاهدا على وجوب الاحتياط عند إجمال متعلّق الخطاب.

كيف يكون شاهدا عليه (والمشهور مع قولهم بالوضع للصحيحة قد ملئوا طواميرهم من إجراء الأصل عند الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة).

حتى حكي عن المحقّق القمّي قدس‌سره ما حاصله من : أنّه لا خلاف في إجراء أصل البراءة في الأجزاء على ما يظهر من كلمات الأوائل والأواخر.

(والتحقيق : إنّ ما ذكروه ثمرة للقولين من وجوب الاحتياط على القول بوضع الألفاظ للصحيح ، وعدمه على القول بوضعها للأعمّ محلّ نظر).

يقول المصنّف قدس‌سره بما حاصله من : أنّ التحقيق في ما ذكروه ثمرة للقولين من وجوب الاحتياط على الصحيحي وعدم وجوبه على الأعمّي محلّ إشكال.

٤٦٤

الألفاظ مجملة ، وقد عرفت أنّ المختار والمشهور في المجمل المردّد بين الأقلّ والأكثر عدم وجوب الاحتياط.

وأمّا الثاني : فوجه النظر موقوف على توضيح ما ذكروه من وجه ترتّب تلك الثمرة ، أعني : عدم لزوم الاحتياط على القول بوضع اللفظ للأعمّ ، وهو أنّه إذا قلنا بأنّ المعنى الموضوع له اللفظ هو الصحيح ، كان كلّ جزء من أجزاء العبادة مقوّما لصدق حقيقة معنى لفظ الصلاة ، فالشكّ في جزئيّة شيء شكّ في صدق الصلاة ، فلا إطلاق للفظ الصلاة على هذا القول بالنسبة إلى واجدة الأجزاء وفاقدة بعضها ؛ لأنّ الفاقدة ليست بصلاة ، فالشكّ في كون المأتي به فاقدا أو واجدا شكّ في كونها صلاة أو ليست بها.

وأمّا إذا قلنا بأنّ الموضوع له هو القدر المشترك بين الواجدة لجميع الأجزاء والفاقدة لبعضها ـ نظير السرير الموضوع للأعمّ من جامع أجزائه ومن فاقد بعضها الغير المقوّم لحقيقته ، بحيث لا يخلّ فقده لصدق اسم السرير على الباقي ـ كان لفظ الصلاة من الألفاظ المطلقة الصادقة على الصحيحة والفاسدة.

____________________________________

(أمّا الأوّل) وهو وجوب الاحتياط على القول بالوضع للصحيح ، فلأجل ما عرفت (من أنّ غاية ما يلزم من القول بالوضع للصحيح كون هذه الألفاظ مجملة) ، إلّا أنّ الإجمال لا يكون مستلزما لوجوب الاحتياط ، إذ(عرفت أنّ المختار والمشهور في المجمل المردّد بين الأقلّ والأكثر عدم وجوب الاحتياط) ؛ لأنّ مناط وجوب الاحتياط منتف في المقام ؛ لأنّه ؛ إمّا لانتفاء القدر المتيقّن ، كدوران الواجب بين المتباينين ، حيث لا ينحلّ العلم الإجمالي المقتضي لوجوب الاحتياط ، وإمّا لتعلّق الأمر بالمفهوم المبيّن المردّد مصداقه بين الأقلّ والأكثر ، وكلا الأمرين منتف في المقام ، كما عرفت ، فتأمّل.

(وأمّا الثاني) ، أي : عدم وجوب الاحتياط على القول بالوضع للأعمّ (فوجه النظر موقوف على توضيح ما ذكروه من وجه ترتّب تلك الثمرة ، أعني : عدم لزوم الاحتياط على القول بوضع اللفظ للأعمّ).

وحاصل كلامه قدس‌سره هو أنّ الملازمة المتصوّرة بين وضع ألفاظ العبادات للأعمّ وبين عدم وجوب الاحتياط تنحصر في احتمالين :

أحدهما : هو الملازمة بين الوضع للأعمّ وبين جريان أصل البراءة فيما هو المشكوك

٤٦٥

فإذا اريد بقوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) فرد مشتمل على جزء زائد على مسمّى الصلاة ، كالصلاة مع السورة ، كان ذلك تقييدا للمطلق.

وهكذا إذا اريد المشتملة على جزء آخر ـ كالقيام ـ كان ذلك تقييدا آخر للمطلق ، فإرادة الصلاة الجامعة لجميع الأجزاء تحتاج إلى تقييدات بعدد الأجزاء الزائدة على ما يتوقف عليها صدق مسمّى الصلاة ، أمّا القدر الذي يتوقف عليه صدق الصلاة ، فهي من مقوّمات معنى المطلق ، لا من القيود المقسّمة له.

____________________________________

من الأجزاء والشرائط.

وثانيهما : هو الملازمة بين الوضع للأعمّ وبين التمسّك بإطلاق لفظ العبادة لنفي جزئيّة الشيء المشكوك كونه جزء.

وما يظهر من كلام المصنّف قدس‌سره هو الاحتمال الثاني ، وعلى هذا الاحتمال لا إطلاق لألفاظ العبادات على القول بأنّ المعنى الموضوع له هو الصحيح ، إذ على هذا القول يكون كلّ جزء من أجزاء العبادة مقوّما لصدق معنى اللفظ عليها ، فالشكّ في جزئيّة الشيء للصلاة يرجع إلى الشكّ في صدقها على فاقد الجزء المشكوك ، وحينئذ لا إطلاق للفظ الصلاة حتى يكون شاملا لواجدة جميع الأجزاء أو فاقدة بعضها ، لكي يرجع إليه.

نعم ، إذا قلنا بأنّ المعنى الموضوع له هو الأعمّ ـ أي : القدر المشترك بين الواجدة لجميع الأجزاء وبين الفاقدة لبعضها ـ لكان للفظ الصلاة حينئذ إطلاق.

(فإذا اريد بقوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) فرد مشتمل على جزء زائد على مسمّى الصلاة ، كالصلاة مع السورة ، كان ذلك تقييدا للمطلق) ، فيجوز التمسّك بالإطلاق على نفي جزئيّة ما شكّ في كونه جزء ، إذا لم يكن ما شكّ في جزئيّته ممّا له دخل في حقيقة الصلاة ؛ لأنّ حكم هذا القسم من الأجزاء ـ على القول بالأعمّ ـ حكم الأجزاء على القول بالصحيح ، حيث لا يصدق اسم الصلاة على الفاقدة.

وكيف كان ، فالحاصل هو أن يكون ما شكّ في جزئيّته من غير الأركان يرجع أخيرا إلى الشكّ في تقييد إطلاق الصلاة وعدمه ، فيتمسّك بالإطلاق لنفي جزئيّته ، ويحكم بأنّ

__________________

(١) البقرة : ١١٠.

٤٦٦

وحينئذ فإذا شكّ في جزئيّة شيء للصلاة ، فإن شكّ في كونه جزء مقوّما لنفس المطلق ، فالشكّ فيه راجع إلى الشكّ في صدق اسم الصلاة ، ولا يجوز فيه إجراء البراءة ، لوجوب القطع بتحقّق مفهوم الصلاة ـ كما أشرنا إليه فيما سبق ـ ولا إجراء أصالة إطلاق اللفظ وعدم تقييده ؛ لأنّه فرع صدق المطلق على الخالي من ذلك المشكوك ، فحكم هذا المشكوك عند القائل بالأعمّ حكم جميع الأجزاء عند القائل بالصحيح ، وأمّا إن علم أنّه ليس من مقوّمات حقيقة الصلاة ، بل هو على تقدير اعتباره وكونه جزء في الواقع ليس إلّا من الأجزاء التي يقيّد معنى اللفظ بها ، لكون اللفظ موضوعا للأعمّ من واجده وفاقده. وحينئذ فالشكّ في اعتباره وجزئيّته راجع إلى الشكّ في تقييد إطلاق الصلاة في (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) بهذا الشيء ، بأن يراد منه مثلا : أقيموا الصلاة المشتملة على جلسة الاستراحة.

ومن المعلوم : إنّ الشكّ في التقييد يرجع فيه إلى أصالة الإطلاق وعدم التقييد ، فيحكم بأنّ مطلوب الأمر غير مقيّد بوجود هذا المشكوك ، وبأنّ الامتثال يحصل بدونه ، وأنّ هذا المشكوك غير معتبر في الامتثال ، وهذا معنى نفي جزئيّته بمقتضى الإطلاق.

نعم ، هنا توهّم نظير ما ذكرناه سابقا ، من الخلط بين المفهوم والمصداق ، وهو توهّم : «أنّه إذا قام الإجماع بل الضرورة على أنّ الشارع لا يأمر بالفاسدة ؛ لأنّ الفاسد ما خالف المأمور به ، فكيف يكون مأمورا به؟ فقد ثبت تقييد الصلاة دفعة واحدة بكونها صحيحة جامعة لجميع الأجزاء ، فكلّما شكّ في جزئية شيء كان راجعا إلى الشكّ في تحقّق العنوان المقيّد للمأمور به ، فيجب الاحتياط ليقطع بتحقق ذلك العنوان على تقييده ؛ لأنّه كما يجب القطع بحصول نفس العنوان وهو الصلاة ، فلا بدّ من إتيان كلّ ما يحتمل دخوله في تحقّقها كما أشرنا إليه ، كذلك يجب القطع بتحصيل القيد المعلوم الذي قيّد به العنوان ، كما لو قال : «اعتق مملوكا مؤمنا» ، فإنّه يجب القطع بحصول الإيمان كالقطع بكونه مملوكا».

____________________________________

مطلوب الأمر غير مقيّد بوجود هذا المشكوك ، والامتثال يحصل بدونه ، فتنفي جزئيّته بمقتضى الإطلاق. هذا ملخّص كلام المصنّف قدس‌سره في هذا المقام وتفصيله في المتن ، فراجع.

(نعم ، هنا توهّم نظير ما ذكرناه سابقا ، من الخلط بين المفهوم والمصداق) ، فلا بدّ أوّلا من تكرار التوهّم السابق حتى يتّضح هذا التوهّم الذي يكون نظيرا له ، فنقول :

٤٦٧

ودفعه يظهر ممّا ذكرناه ، من أنّ الصلاة لم تقيّد بمفهوم الصحيحة وهو الجامع لجميع الأجزاء ، وإنّما قيّدت بما علم من الأدلّة الخارجيّة اعتباره ، فالعلم بعدم إرادة الفاسدة يراد به العلم بعدم إرادة هذه المصاديق الفاقدة للامور التي دلّ الدليل على تقييد الصلاة بها ، لا أنّ مفهوم الفاسدة خرج عن المطلق وبقي مفهوم الصحيحة ، فكلّما شكّ في صدق الصحيحة والفاسدة وجب الرجوع إلى الاحتياط لإحراز مفهوم الصحيحة.

____________________________________

إنّ التوهّم المذكور سابقا كان مبنيّا على خلط المفهوم بالمصداق ، بمعنى أنّ لفظ الصلاة مثلا موضوع لمفهوم الصحيح المبيّن ، وكان مصداقه مردّدا بين الأقلّ والأكثر ، فيجب فيه الاحتياط تحصيلا لعنوان المأمور به وهو مفهوم الصحيح ، فيأتي نظير هذا التوهّم في المقام على القول بكون ألفاظ العبادات موضوعة للأعمّ.

فيقال : إنّ المعنى الموضوع له لفظ الصلاة مثلا وإن كان هو الأعمّ إلّا أنّ المأمور به وما تعلّق به الأمر يجب أن يكون مفهوم الصحيح ؛ لأنّ الشارع لا يأمر بالفاسد ؛ وذلك لأنّ الفاسد ما يكون على خلاف المأمور به ، فكيف يتعلّق به الأمر؟

فحينئذ يجب تقييد الصلاة في قول الشارع : (أَقِيمُوا الصَّلاة) دفعة واحدة بقيد عامّ جامع لجميع القيود التي لها دخل في تحقّق المأمور به ، وهو مفهوم الصحيح ، حيث يكون مصداقه مردّدا بين الأقلّ والأكثر ، ويجب فيه الاحتياط كما يجب فيه الاحتياط ـ أيضا ـ على القول بوضع لفظ الصلاة للصحيح ، فيكون لفظ الصلاة مثلا مجملا بالعرض ، كما أنّه يكون مجملا على الصحيحي بالذات ، والمأمور به على كلا القولين هو مفهوم الصحيح ، ومع الشكّ في جزئيّة شيء لا يرجع إلى الإطلاق ؛ وذلك لعدم الإطلاق بعد فرض الإجمال ، فحينئذ يرجع إلى الاحتياط. هذا خلاصة تقريب التوهّم.

وقد أشار قدس‌سره إلى دفعه بقوله : (ودفعه يظهر مما ذكرناه ، من أنّ الصلاة لم تقيّد بمفهوم الصحيحة) كي يقال بأنّ المفهوم مبيّن فيجب إحرازه مصداقا بالاحتياط ، بل تعلّق الأمر بمصداق الصحيح ، وهو الجامع لكلّ ما علم اعتباره من الأجزاء والشرائط بالأدلّة الخارجيّة ، كالسجدة والركوع ، والسورة ، والتشهّد ، والتسليم وغيرها ، وما لم يدلّ الدليل على اعتباره وشكّ في اعتباره جزء أو شرطا فيرجع فيه إلى أصالة البراءة والإطلاق على القول بكون ألفاظ العبادات موضوعة للأعمّ.

٤٦٨

وهذه المغالطة جارية في جميع المطلقات ، بأن يقال : إنّ المراد بالمأمور به في قوله : «اعتق رقبة» ليس إلّا الجامع لشروط الصحّة ؛ لأنّ الفاقد للشرط غير مراد قطعا ، فكلّما شكّ في شرطيّة شيء كان شكّا في تحقّق العنوان الجامع للشرائط ، فيجب الاحتياط للقطع بإحرازه.

وبالجملة : فاندفاع هذا التوهّم غير خفي بأدنى التفات ، فلنرجع إلى المقصود ونقول : إذا عرفت أنّ ألفاظ العبادات على القول بوضعها للأعمّ كغيرها من المطلقات كان لها حكمها ، ومن المعلوم أنّ المطلق ليس يجوز دائما التمسّك به بإطلاقه ، بل له شروط ، كأن لا يكون واردا في مقام حكم القضيّة المهملة بحيث لا يكون المقام مقام بيان ، ألا ترى أنّه لو راجع المريض الطبيب فقال له في غير وقت الحاجة : «لا بدّ لك من شرب الدواء والمسهل» ، فهل يجوز للمريض أن يأخذ بإطلاق الدواء والمسهل؟ ، وكذا لو قال المولى لعبده : «يجب عليك المسافرة غدا».

____________________________________

(وهذه المغالطة جارية في جميع المطلقات) ، أي : ما ذكر من الخلط لا يختص بإطلاق ألفاظ العبادات ، بل يجري في جميع المطلقات.

(بأن يقال : إنّ المراد بالمأمور به في قوله : «اعتق رقبة» ليس إلّا الجامع لشروط الصحّة ؛ لأنّ الفاقد للشرط غير مراد) ، فإذا شكّ في اعتبار شيء كان الشكّ شكّا في تحقّق العنوان الصحيح ، فيجب الإتيان بما يكون واجدا وجامعا لما شكّ فيه تحصيلا للعلم بإحراز العنوان ، إلّا أنّ اندفاع التوهّم ظهر ممّا تقدّم غير مرّة من أنّ القيد في جميع الموارد ليس هو مفهوم الصحيح ، بل هو المصداق ، فالقيد في مثال عتق الرقبة هو الإيمان أو العلم ، أو الكتابة وغيرها ممّا دلّ الدليل على اعتباره ، فيجوز التمسّك في مورد عدم الدليل بالإطلاق إذا ، كما لا يخفى.

نعم ، للتمسّك بالإطلاق شروط ، قد أشار إليها قدس‌سره بقوله :

(كأن لا يكون واردا في مقام حكم القضيّة المهملة بحيث لا يكون المقام مقام بيان) ، أي : إنّ للتمسّك بالإطلاق شروط :

منها : أن لا يكون الإطلاق واردا في مقام الإهمال ، كما أشار إليه بقوله :

(ألا ترى أنّه لو راجع المريض الطبيب ... إلى آخره) في الطريق لا في العبادة فأظهر له مرضه ، وقال الطبيب : لا بدّ لك من شرب الدواء ، حيث لا يكون الطبيب ـ حينئذ ـ في مقام

٤٦٩

وبالجملة : فحيث لا يقبح من المتكلّم ذكر اللّفظ المجمل لعدم كونه إلّا في مقام هذا المقدار من البيان ، لا يجوز أن يدفع القيود المحتملة للمطلق بالأصل ؛ لأنّ جريان الأصل لا يثبت الإطلاق وعدم إرادة المقيّد ، إلّا بضميمة أنّه إذا فرض ولو بحكم الأصل عدم ذكر القيد وجب إرادة الأعمّ من المقيّد وإلّا قبح التكليف ، لعدم البيان ، فإذا فرض العلم بعدم كونه في مقام البيان لم يقبح الإخلال بذكر القيد من إرادته في الواقع.

____________________________________

البيان ، فلا يجوز للمريض أن يأخذ بإطلاق كلامه ويشرب أيّ دواء كان ، وهذا بخلاف ما إذا ذهب عنده في عيادته فقال الطبيب له بعد الفحص عن مرضه : اشرب اللبن ، فيجوز له الأخذ بإطلاق كلامه لو حصل له التردّد بين لبن الشاة وغيره ، وهكذا فيما إذا أمر المولى عبده بالسفر ، بأن يقول : يجب عليك المسافرة غدا ، لا يجوز للعبد الأخذ بالإطلاق ثمّ السفر إلى أيّ مكان شاء ؛ لأنّ المولى لم يكن في مقام البيان ، بل كان غرضه تنبيه العبد ، وهذا بخلاف ما إذا دفع له مصرف السفر ثمّ قال له : اذهب إلى البلد واشتر لوازم البيت ، حيث يجوز ـ حينئذ ـ له الأخذ بالإطلاق والذهاب إلى أيّ بلد شاء.

ومنها : أن لا يكون الإطلاق واردا في مقام بيان حكم آخر ، كقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)(١).

حيث إنّه في الآية كان في مقام بيان جواز أكل الصيد الذي أمسكه كلب الصيد وليس في مقام بيان الحكم بطهارة موضع فم الكلب من الصيد أيضا ، ولهذا لا يجوز التمسّك بإطلاقه للحكم بطهارة الموضع المذكور أيضا ، نظرا إلى عدم تقييد جواز الأكل بغسل الموضع ؛ وذلك لأنّ الآية وردت في مقام بيان جواز الأكل وهي ساكتة عن حكم طهارة موضع العض ونجاسته.

ومنها : أن لا يكون الإطلاق منصرفا إلى بعض أفراده ، إذ يجب أن يكون الإطلاق متساويا بالنسبة إلى جميع الأفراد.

والحاصل : إنّه لا يجب على المتكلّم أن يكون دائما في مقام البيان من جميع الجهات ، بل يجوز له أن يكون في مقام البيان في الجملة كما تقدّم في المثالين ، فحينئذ لا يقبح منه

__________________

(١) المائدة : ٤.

٤٧٠

والذي يقتضيه التدبّر في جميع المطلقات الواردة في الكتاب في مقام الأمر بالعبادة كونها في غير مقام بيان كيفيّة العبادة.

فإنّ قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) ، إنّما هو في مقام بيان تأكيد الأمر بالصلاة والمحافظة عليها ، نظير قوله : (من ترك الصلاة فهو كذا وكذا) (٢) ، و (أنّ صلاة فريضة خير من عشرين أو

____________________________________

ذكر اللفظ المجمل لعدم كونه في مقام البيان التامّ ، ولا يجوز لأحد أن يتمسّك بالإطلاق ويدفع القيود المحتملة للمطلق بالأصل.

فيقول : إنّ الأصل هو عدم التقييد ؛ وذلك لأنّ الأصل لا يقيد إلّا فيما إذا كان المتكلّم في مقام البيان التام ، إذ يقبح ـ حينئذ ـ منه أن يريد قيدا ولم يبنه بأن يأتي بالكلام المطلق ، لكونه مستلزما للتكليف بما لا يطاق ، كما لا يخفى.

ألا ترى أنّ المولى إذا قال : اعتق رقبة وهو في مقام البيان التامّ وعلمنا بالوجدان أو بالأصل عدم تقييد الرقبة بالإيمان مثلا جاز لنا أن نأخذ بالإطلاق ؛ لأنّ إرادة الرقبة المؤمنة مع عدم ذكر القيد ـ وهو في مقام البيان التامّ ـ تكليف بما لا يطاق ، وهو قبيح عقلا ولا يجوز شرعا.

(والذي يقتضيه التدبّر في جميع المطلقات الواردة في الكتاب في مقام الأمر بالعبادة كونها في غير مقام بيان كيفيّة العبادة) ، إذ لو كانت في مقام البيان لذكرت قيودها معها ، مع أنّ القيود مبنيّة في الأزمنة المتأخّرة بواسطة أخبار المعصومين عليهم‌السلام.

فحينئذ لو كان المراد بها بيان الإطلاق لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو قبيح عقلا ، فلا بدّ من أن يقال بأنّها لم تكن في مقام البيان أصلا ، وإنّما جاءت في مقام تأكيد الأمر بالعبادة ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(فإنّ قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) إنّما هو في مقام بيان تأكيد الأمر بالصلاة والمحافظة عليها) ، وممّا يؤكد كون هذه الأوامر للتأكيد هو ورود الأمر بالعبادات ، كالصلاة ، والصوم ، ونحوهما في غير موضع من الكتاب ، فهذا التكرار ليس إلّا للتأكيد.

__________________

(١) البقرة : ١١٠.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٦٩ / ٢ ، وفيه : (من ترك الصلاة متعمدا فقد برىء من ذمّة الله وذمّة رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله). والوسائل ١٥ : ٣٢٠ ، أبواب جهاد النفس ، ب ٤٦ ، ح ٢.

٤٧١

ألف حجّة) (١).

نظير تأكيد الطبيب على المريض في شرب الدواء ، إمّا قبل بيانه له حتى يكون إشارة إلى ما يفصّله له حين العمل ، وإمّا بعد البيان له حتى يكون إشارة إلى المعهود المبيّن له في غير هذا الخطاب.

والأوامر الواردة بالعبادات فيه ـ كالصلاة والصوم والحجّ ـ كلّها على أحد الوجهين ، والغالب فيها الثاني.

____________________________________

(نظير تأكيد الطبيب على المريض في شرب الدواء ، إمّا قبل بيانه له) ، أي : قبل وصف الدواء للمريض حتى يكون التأكيد (إشارة إلى ما يفصّله له حين العمل) أو يكون تأكيد الطبيب للمريض (بعد البيان له حتى يكون إشارة إلى المعهود المبيّن له في غير هذا الخطاب) ، أي : في المراجعة السابقة على هذه المراجعة.

(والأوامر الواردة بالعبادات فيه ـ كالصلاة والصوم والحجّ ـ كلّها على أحد الوجهين) ، أي : إمّا وردت قبل ما فصّله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بعد ما بيّنه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(والغالب فيها الثاني) ، أي : ورودها بعد بيان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. هذا ما هو ظاهر كلام المصنّف قدس‌سره من الوجهين.

إلّا أنّ التنكابني ذكر في شرح الوجهين ما هو خلاف ظاهر كلام المصنّف قدس‌سره ، حيث فسّرهما بما لفظه :

يعني : إمّا في مقام الإهمال وعدم البيان ، مثل قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(٢) ، (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)(٣) وغير ذلك ، وإمّا في مقام بيان حكم آخر ، مثل (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)(٤) ، وقوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(٥)

__________________

(١) وهنا حديثان : الأوّل : (صلاة فريضة أفضل من عشرين حجّة) ، التهذيب ٥ : ٢٢ / ٦١. والوسائل ٤ : ٤٠ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ١٠ ، ح ٩. الثاني : (وصلاة فريضة أفضل من ألف حجة) ، التهذيب ٢ : ٢٤٠ / ٩٥٣. الوسائل ٤ : ٤٠ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ١٠ ، ح ٨.

(٢) البقرة : ١١٠.

(٣) آل عمران : ٩٧.

(٤) البقرة : ٢٣٨.

(٥) العنكبوت : ٤٥.

٤٧٢

وقد ذكر موانع أخر لسقوط إطلاقات العبادات عن قابليّة التمسّك فيها بأصالة الإطلاق وعدم التقييد ، لكنّها قابلة للدفع أو غير مطّردة في جميع المقامات ، وعمدة الموهن لها ما ذكرناه.

____________________________________

والصلاة خير موضوع ، وغير ذلك. والمستفاد منه في هذا الكتاب كون مثل (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) واردا على الوجه الثاني. انتهى.

(وقد ذكر موانع أخر لسقوط إطلاقات العبادات عن قابليّة التمسّك فيها بأصالة الإطلاق وعدم التقييد).

منها : سقوط الإطلاقات بورود كثرة التقييدات عليها ، وفيه أنّ ذلك يجري في العمومات فقط لجواز تقييد المطلق إلى الواحد ، وعدم جواز تخصيص العامّ إلى الواحد لأنّه قبيح.

ومنها : إنّ التمسّك بالإطلاق مشروط بكونه من قبيل المتواطئ دون المشكّك ، وما نحن فيه من قبيل الثاني دون الأوّل ، لانصراف ألفاظ العبادات على القول بالأعمّ إلى الصحيحة. وفيه :

عليهم‌السلام إنّه يظهر الجواب عنه من تزييف المصنّف؟؟؟ لقول من توهّم كون المراد بألفاظ العبادات على القول بالأعمّ ، هي الصحيحة نظرا إلى عدم كون الفاسدة مأمورا بها ، وقد تقدّم الجواب تفصيلا.

عليهم‌السلام إنّا نمنع الانصراف المذكور ؛ لأنّ المتبادر منها على تقدير تسليمه إنّما هي المشتملة على الأجزاء الواجبة والمندوبة ، وهو خارج عن محلّ النزاع ، وغير معلوم تحقّقه في زمان صدور الخطابات ، فدعوى فهم خصوص الصحيحة منها بمثابة دعوى فهم خصوص الفاسدة منها ، فليست هي بالنسبة إليهما من قبيل المشكّك ، كما في الأوثق.

وقد أشار ١ إلى ردّ هذه الموانع بقوله :

(لكنّها قابلة للدفع) كالثاني (أو غير مطّردة في جميع المقامات) كالأوّل حيث يجري في العمومات دون المطلقات.

٤٧٣

فحينئذ إذا شكّ في جزئيّة شيء لعبادة لم يكن هنا ما تثبت به عدم الجزئيّة من أصالة عدم التقييد ، بل الحكم هنا هو الحكم على مذهب القائل بالوضع للصحيح في رجوعه إلى وجوب الاحتياط أو إلى أصالة البراءة ، على الخلاف في المسألة.

فالذي ينبغي أن يقال في ثمرة الخلاف بين الصحيحي والأعمّي هو لزوم الإجمال على القول بالصحيح ، وحكم المجمل مبني على الخلاف في وجوب الاحتياط ، أو جريان أصالة البراءة وإمكان البيان والحكم بعدم الجزئيّة ، لأصالة عدم التقييد على القول بالأعمّ ،

____________________________________

(فحينئذ إذا شكّ في جزئيّة شيء لعبادة) كجزئيّة الاستعاذة للصلاة مثلا(لم يكن هنا ما تثبت به عدم الجزئيّة) لما ذكر من عدم الإطلاق حتى على القول بالأعمّ ، فلا فرق حينئذ بين القول بالأعمّ والقول بالوضع للصحيح في الرجوع إلى وجوب الاحتياط ، كما عليه جماعة منهم المحقّق السبزواري والبهبهاني قدس‌سره.

حيث قالا بوجوب الاحتياط من جهة وجوب إحراز العنوان واليقين بالفراغ ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، أو الرجوع إلى أصالة البراءة ، كما هو مختار المصنّف قدس‌سره والمشهور ، لانتفاء مناط وجوب الاحتياط ، كما تقدّم غير مرّة (على الخلاف في المسألة).

ثمّ إنّ المصنّف قدس‌سره أشار إلى بيان الثمرة بين القول بالأعمّ والقول بالصحيح بقوله :

(فالذي ينبغي أن يقال في ثمرة الخلاف بين الصحيحي والأعمّي هو لزوم الإجمال على القول بالصحيح ... إلى آخره).

وحاصل كلامه قدس‌سره كما في شرح الاستاذ الاعتمادي : إنّ ما تقدّم من الثمرة وهي وجوب الاحتياط على القول بالصحيح المستلزم للإجمال ، والتمسّك بإطلاق الخطاب على القول بالأعمّ المستلزم للإطلاق فاسد بكلا شقيه.

أمّا الأوّل وهو وجوب الاحتياط على القول بالصحيح ، ففساده لأجل ذهاب المشهور إلى البراءة مع قولهم بالصحيح.

أمّا الثاني وهو التمسّك بالإطلاق على القول بالأعمّ ، فلأجل ما تقدّم من أن إطلاقات الكتاب لم ترد في مقام البيان ، وقد عرفت أنّ من شرائط التمسّك بالإطلاق هو أن يكون واردا في مقام البيان التامّ.

فالثمرة على مختار المصنّف قدس‌سره هو أنّ القول بالصحيح مستلزم لإجمال الخطاب ،

٤٧٤

فافهم.

____________________________________

والحكم في الخطاب المجمل مورد للاختلاف ، إذ قيل بوجوب الاحتياط وقيل بالرجوع إلى الأصل ، أي : أصالة البراءة ، أما القول بالأعمّ ، فلا يكون مستلزما لكون الإطلاقات واردة في مقام الإجمال المانع عن التمسّك بالإطلاق ، ولا يكون مستلزما لكونها وارده في مقام البيان التامّ الذي يجوز معه التمسّك بالإطلاق ، بل كلا الاحتمالين ممكن.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى أنّ مجرّد احتمال الإطلاق وإمكانه على القول بالأعمّ لا يكفي في التمسّك بالإطلاق ، فهذه الثمرة في الحقيقة ليست ثمرة.

وذكر المرحوم غلام رضا قدس‌سره في ثمرة القولين كلاما طويلا ومفصّلا له فوائد لمن له حرص على التحقيق والمطالعة.

حيث قال ما لفظه : إنّ ثمرة النزاع بين الصحيحي والأعمّي بين امور سبعة ، وما هو مربوط منها بمقامنا هذا امور أربعة :

منها : ما هو أشهرها من الإجمال والبيان.

وتوضيحه أنّ الألفاظ على القول بوضعها للماهيّات الصحيحة الجامعة لجميع الأجزاء والشرائط تكون مداليلها مجملة ، فلا بدّ عند الشكّ في شرطيّة شيء أو جزئيّته من التحرّي ثمّ الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل العملي من البراءة والاشتغال ؛ لأنّها حينئذ تجري مجرى الأدلّة اللّبيّة في عدم الإطلاق.

وأمّا على القول بوضعها للأعمّ ، فهي كألفاظ المعاملات ، مداليلها امور بيّنة من حيث الصدق العرفي ، فيرجع إلى إطلاقها عند الشكّ في الشرائط أو الأجزاء بعد إحراز صدق الماهيّة ، وقد أورد على هذه الثمرة ؛ تارة : بعدم لزوم الإجمال على القول بالصحيح ، واخرى : بعدم الإطلاق والبيان على القول بالأعمّ.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّ الماهيّات المخترعة المجهولة ، كالصلاة والوضوء ، والغسل ، والحجّ ، ونحوها مقرونة في الأخبار بالبيانات القوليّة والفعليّة على وجه يرتفع منها الإجمال ، وتمتاز بها المندوبات من الواجبات ، ويرشد إلى هذا صحيحة حمّاد (١) الواردة في بيان

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٧١ / ١. الوسائل ٤ : ١٠ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ٢ ، ح ١.

٤٧٥

____________________________________

حقيقة الصلاة ، فكلّ جزء تضمنه الصحيحة يحكم باعتباره في العبادة ، وكلّ ما هو خارج عنها يحكم بعدم اعتباره ، وكذا الحال في أجزاء الوضوء وشروطها ، فإنّ الوضوءات البيانيّة تتكفّل ببيان أجزائه وشرائطه سواء قيل بوضعه للصحيح أو للأعمّ ، وهكذا القول في غيرهما.

وفيه بعد الغض عن اختصاص البيان القولي والفعلي ببعض العبادات : أنّ البيانات الواصلة باعتبار اشتمالها على الأجزاء المندوبة مجملات من حيث عدم تشخيص المندوب عن الواجب فيها ، فكيف تتمسّك بها في رفع الإجمال؟.

لا يقال بعد وصول الدليل في امتياز الأجزاء المندوبة عن الواجبة : لا يبقى إجمال في البيانات المذكورة ، فإنّ كلّ جزء ثبت استحبابه بالدليل الخارجي يحمل عليه ، وإلّا فيبقى على جزئيّته وجوبا.

قلت : إنّ هذا مستلزم لتخصيص الأكثر ؛ لأنّ الأجزاء المستحبة المشتملة عليها أكثر من الواجبة ، وبعد التسليم فهو لا يعيّن كون الباقي من الواجبات ، بل يبقى على الإجمال.

وأمّا الثاني ، فمن وجوه :

أحدها : إنّ العقل والإجماع قاضيان بأنّ الأوامر المتعلّقة بالعبادات إنّما تعلّقت بأفرادها الصحيحة ؛ لأنّ الفاسدة غير قابلة لتوجّه الطلب من الشارع إليها ، فعلى القول بالأعمّ تكون من المطلقات المقيّدة بالقيد المجمل الساري إجماله إلى الإطلاق ، فلا وجه لمعاملة الإطلاق مع قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) مثلا بمجرّد القول بوضعها للأعمّ بعد فرض كون المراد بها خصوص فرد مبهم في نظرنا معيّن عند الشارع. وفيه :

أوّلا : إنّه منقوض بألفاظ المعاملات ، ضرورة أنّ إمضاء الشارع إيّاها إنّما تعلّق بالصحيحة منها الجامعة لجميع الأجزاء والشرائط ، سواء كانت موضوعة للأعمّ أو الصحيح ، وهذا يوجب سدّ باب التمسّك بالإطلاقات ، مع أنّ التمسّك بها من المسلّمات عندهم.

وثانيا : إنّ العقل والإجماع إنّما يقضيان بأنّ مطلوبات الشارع ماهيّة صحيحة يترتّب عليها حصول القرب والزلفى ، وأين ذلك من كون الصلاة في الآية مثلا مقيّدة بالصحيحة؟.

٤٧٦

____________________________________

وهذا نظير قول الإمام عليه‌السلام : (لعن الله بني اميّة قاطبة) (١) في شمول الحكم لجميع أفراد بني اميّة ؛ لأنّ قرينة العقل قاضية بأنّ الصالح خارج عن عموم هذا الحكم ، فكما أنّ هذا الخطاب ليس من المجملات العرفيّة مع ثبوت التخصيص العقلي فكذلك خطاب (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) خطاب مطلق بالنسبة إلى كلّ ما يصدق عليه أنّه صلاة ، وهو لا ينافي ثبوت الملازمة بين الطلب والصحة ؛ لأنّها من عوارض المطلوب الواقعي ، فيستدلّ بالطلب على وجود الآخر ، فيقال : إنّ هذه صلاة وكلّ صلاة مطلوبة ، ثمّ يقال : إنّها مطلوبة وكلّ مطلوبة صحيحة ، فلو منع كبرى القياس من الأوّل دفع بإطلاق الآية ، ومنع كبرى الثاني دفع بحكم العقل والإجماع.

وبالجملة ، الخلط بين تقييد الصلاة بمفهوم الصحيحة وبين كون الصحة من عوارض المطلوب أوقع المورد في توهّم الإجمال على القول بالأعمّ ، وهو واضح البطلان نقضا وحلّا.

وثانيها : إنّه قد ورد في العبادات مقيّدات مجملة مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة : (صلّوا كما رأيتموني اصلي) (٢) لأنّا لا ندري كيفية الصلاة التي صلّاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي الحج : (خذوا مناسككم عنّي) (٣).

فيكونا مجملين من جهة عدم إحراز فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهما.

ومن المقرّر في محلّه أنّ المطلق المقيّد بالمجمل مجمل ، وفيه ـ بعد الغض عن عدم اطّراد هذا النحو من التقييد في تمام العبادات ـ : أنّ المقيّد إذا كان مجملا وكان له قدر متيقّن فإجماله لا يسري إلى المطلق ، فكلّ ما شكّ في جزئيّته لعبادة يرجع فيه إلى الإطلاق ، إذ لم يثبت من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (صلّوا كما رأيتموني اصلي) جزئيّة الشيء المشكوك ، ولم يعلم اشتمال صلاته التي صلّاها صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ، فيرجع فيه إلى إطلاق الصلاة مضافا إلى العلم باشتمال صلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله على جملة من الآداب والأجزاء المندوبة ، فلا ينهض الأمر بها

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٧١٦.

(٢) غوالي اللآلئ ١ : ١٩٨ / ٨. صحيح البخاري ١ : ٢٢٦ / ٦٠٥.

(٣) البداية والنهاية ٥ : ٢٠٣ ، وفيه : (خذوا عنّي مناسككم).

٤٧٧

____________________________________

للدلالة على وجوب شيء جزء عند الشكّ ، وبمثله يجاب عن الثاني أيضا.

وثالثها : إنّ المطلقات يعمل بها فيما لم يثبت لها انصراف إلى بعض الأفراد ، وهو في المقام موجود ، أعني : الماهيّة الصحيحة ، وهي أمر مجمل ، فلا يصح التمسّك بإطلاقها.

وفيه : أنّ الانصراف المزبور إنّما ينفع في مقام وقوع الشكّ في موضوع المستنبط إن كان منشؤه كثرة الوجود ، أو كثرة الاستعمال وكلاهما مفقود.

ورابعها : إنّ شرط العمل بإطلاق المطلق عدم وروده في مقام حكم آخر ، وإلّا فلا يصحّ التمسّك بإطلاقه في مقام وقوع الشكّ ، وما نحن فيه من هذا القبيل.

أمّا أوّلا ، فلأنّ معاني الألفاظ المتنازع فيها معان جديدة مخترعة من الشارع ، والمعاني المخترعة لا يعلم بيانها إلّا من قبل المخترع ، فهي غير معلومة ولا معهودة عند المخالفين ، وحينئذ فإذا صدر في بدو البعثة قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) مع عدم كون الصلاة مبيّنة عندهم فهو يكشف عن أنّه قد ورد في المقام أصل تشريع الصلاة وبيان وجوبها ، نظير المطلقات الواردة في باب التقليد في مقام الرجوع إلى العالم.

وبالجملة ، فمن المعلوم اشتراط العلم بالمعنى في صحّة التمسّك بالإطلاق ، وكونه من الامور الاختراعيّة كاشف عن أنّه غير معلوم لهم ، ومع ذلك فأمر الشارع به إنّما هو من جهة أصل التشريع لا بيان الموضوع.

وفيه : أنّ ادّعاء جهل المسلمين المخاطبين بها في جميع استعمالاتها على كثرتها مصادمة للبديهيّة خصوصا مع ملاحظة مساس حوائجهم إلى معرفة معانيها علما وعملا في كلّ يوم وليلة ، أو في كلّ سنة ، فلا أقلّ من العلم بها في جملة من الاستعمالات ، وهو كاف في الاستدلال ، ولو بمعونة ما علم في بعضها من تاريخ الصدور ، وكونه في أثناء زمان البعثة وأواخرها المعلوم معانيها للمسلمين.

فغاية ما يلزم الأعمّي من المحذور هو عدم جواز التمسّك بالمطلقات الواردة في صدر البعثة ، وأين هذا من سدّ باب العمل بالمطلقات مطلقا؟!

وأمّا ثانيا ـ بعد التسليم ـ فلأنّ مطلقات الكتاب الواردة في مقام تشريع أصل العبادات ؛ إمّا قضايا مهملة مسوقة لبيان حكم آخر غير الأجزاء والشرائط المعتبرة فيها ، وهو إعلان

٤٧٨

____________________________________

أصل التشريع وإفهام جنس التكليف ، أو واردة في مقام الحث والاهتمام عليها على وجه يجري مجرى المعهود الخارجي ، فهي بين طائفتين :

ومن الأوّل قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(١) ، (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٢) ، (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى)(٣) وغير ذلك من الآيات المقصود بها تشريع الحكم.

ومن الثاني قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(٤) ، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)(٥) ، (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)(٦).

وفي الخبر : (أنّ صلاة فريضة خير من عشرين أو ألف حجّة) (٧) ونحوها ممّا هو في بيان خواصّها والاهتمام عليها.

وبالجملة ، فكلّ منهما لم يرد في معرض بيان المطلق ، بل إنّما ورد في مقام تشريع الأحكام في الاولى والوعظ والخواص في الثانية ، فلا يجوز التمسّك بإطلاقها.

فإن قلت : إنّ الأصل في المطلق هو كونه في مقام بيان الإطلاق ، ووروده في مورد حكم آخر خلاف الأصل ، فكلّ مورد وصل القرينة على خلاف الأصل فليحمل عليه ، وإلّا فيبقى على ما هو من الإطلاق ، وما نحن فيه من هذا القبيل.

قلت : إنّ هذا الأصل غير أصيل ؛ لأنّ من شروط العمل بالمطلق عدم وروده في مورد حكم آخر ، وقبل إحراز الشرط كيف يعمل بالمشروط!.

وخامسها : كثرة التقييدات الواردة على هذه المطلقات ، فإنّها توجب وهنها وسقوطها

__________________

(١) البقرة : ١١٠.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) الأنفال : ٤١.

(٤) العنكبوت : ٤٥.

(٥) البقرة : ٤٥.

(٦) البقرة : ٢٣٨.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٢ / ٦١. الوسائل ٤ : ٤٠ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ١٠ ، ح ٩.

٤٧٩

____________________________________

عن صلاحية الاستدلال بها في القيود المشكوكة.

وفيه مع عدم اطّراده ـ كما لا يخفي ـ : أنّ كثرة التقييد ليست ككثرة التخصيص في توهين العامّ ، حتى أنّه ادّعى في محكي الزبدة الإجماع على تقييد المطلق إلى أن اختصّ بواحد. هذا كلّه في الثمرة الاولى.

والثمرة الثانية : جواز إجراء الأصل في أجزاء العبادات وشرائطها المشكوكة على القول بالأعمّ ، ووجوب الاحتياط على القول بالصحيح ، وفيه : أنّه بمكان من الضعف ؛ لأنّ غاية ما يلزم من القول بالوضع للصحيح كون الألفاظ مجملة.

وقد مضى أنّ مقتضى التحقيق في المجمل المردّد بين الأقلّ والأكثر عدم وجوب الاحتياط ، والأكثر مع قولهم بالصحيح قائلون بعدم الاحتياط في أجزاء العبادات.

وأوّل من أحدث القول بالاحتياط في مقابل الأكثر هو المحقّق السبزواري على ما حكي عنه ، ثمّ تبعه غير واحد من متأخّري المتأخّرين منهم الوحيد البهبهاني قدس‌سره ، وذكروا هذه الثمرة على مختارهم ، وأمّا على المذهب الآخر الأشهر بين من تقدّم وتأخّر ففسادها بيّن.

والثمرة الثالثة : ما أفاده المحقّق القمّي قدس‌سره من أنّه لو نذر أحد أن يعطي شيئا بمن رآه يصلّي ، فرأى من صلّى إلى آخر كلامه.

ومحصّله : إنّه على القول بالأعمّ يجوز اعطاؤه بذلك المصلّي ويبرئ ذمّته ، وعلى القول بالصحيح لا يجوز.

وهذه الثمرة بعينها جارية على القول بالأعمّ بين الأجزاء المقوّمة وغيرها ، فإنّ الجزء المشكوك إن كان من الأوّل فلا يجوز الإعطاء ، وإن كان من الثاني فيجوز.

ومبنى هذه الثمرة أنّ أصالة الصحة جارية في الشروط والأجزاء مطلقا أم لا؟ فإن قلنا بالثاني ، فالثمرة بحالها ، وإلّا فلا ، هذا.

والثمرة الرابعة : ما ذكره استاذنا العلّامة الجيلاني ، وهو أنّ المرجع على القول بالأعمّ بالنسبة إلى غير الأجزاء المقوّمة هو الاحتياط ، وبالنسبة إلى الأجزاء المقوّمة هو البراءة ، وعلى القول بالصحيح يكون المرجع هو البراءة مطلقا.

٤٨٠