دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

١
٢

٣
٤

٥
٦

تنبيهات

وينبغي التنبيه على امور متعلّقة بالجزء والشرط :

الأمر الأوّل : إذا ثبت جزئيّة شيء وشكّ في ركنيّته ، فهل الأصل كونه ركنا أو عدم كونه كذلك ، أو مبني على مسألة البراءة والاحتياط في الشكّ في الجزئيّة ، أو التبعيض بين أحكام الركن فيحكم ببعضها وبنفي بعضها الآخر؟

وجوه لا يعرف الحقّ منها إلّا بعد معرفة معنى الركن ، فنقول : إنّ الركن في اللغة والعرف

____________________________________

(وينبغي التنبيه على امور متعلّقة بالجزء والشرط :

الأمر الأوّل : إذا ثبت جزئيّة شيء وشكّ في ركنيّته ، فهل الأصل كونه ركنا أو عدم كونه كذلك ، أو مبني على مسألة البراءة والاحتياط في الشكّ في الجزئيّة).

وحاصل ابتناء الشكّ في الركنيّة على مسألة البراءة والاحتياط في الشكّ في الجزئيّة على ما حكاه الاستاذ الاعتمادي عن صاحب المطالع ، هو أنّ الركن ما يبطل العمل بنقصه سهوا ، فالشكّ في الركنيّة معناه الشكّ في بطلان العمل بنقصه سهوا ، ومرجعه إلى الشكّ في الجزئيّة حال السهو.

وحينئذ فإن قلنا بالبراءة عند الشكّ في أصل الجزئيّة ، نقول بها عند الشكّ في الجزئيّة حال السهو ، فيكون الأصل عدم الركنيّة.

وإن قلنا بالاحتياط عند الشكّ في أصل الجزئيّة ، فنقول به عند الشكّ في الجزئيّة حال السهو ، فيكون الأصل هو الركنيّة.

(أو التبعيض بين أحكام الركن فيحكم ببعضها وبنفي بعضها الآخر) ، بأن يقال كما في شرح الاستاذ الاعتمادي : إنّ أحكام الركن ثلاثة :

الأوّل : بطلان العمل بنقصه سهوا.

والثاني : بطلانه بزيادته عمدا.

والثالث : بطلانه بزيادته سهوا.

والأوّل مقتضى الأصل عند الشكّ دون الأخيرين ، وأمّا بطلان العمل بنقصه عمدا فهو حكم مطلق الجزء لا من جهة الركنيّة.

٧

معروف ، وليس له في الأخبار ذكر حتى يتعرّض لمعناه في زمان صدور تلك الأخبار ، بل هو اصطلاح خاصّ للفقهاء ، وقد اختلفوا في تعريفه بين من قال : بأنّه ما تبطل العبادة بنقصه عمدا وسهوا ، وبين من عطف على النقص زيادته ، والأوّل أوفق بالمعنى اللّغوي والعرفي.

وحينئذ فكلّ جزء ثبت في الشرع بطلان العبادة بالإخلال في طرف النقيصة أو فيه وفي طرف الزيادة ، فهو ركن.

____________________________________

(وجوه لا يعرف الحقّ منها إلّا بعد معرفة معنى الركن) ، فإن قلنا بأنّ معناه ما يبطل العمل بنقصه مطلقا ، أي : عمدا كان أو سهوا ، فالحقّ هو الاحتمال الأوّل ، أي : مقتضى الأصل هو الركنيّة ، وإن قلنا بأنّ معناه ما يبطل العمل بنقصه وزيادته عمدا وسهوا ، فالحقّ هو الوجه الأخير ، أي : التبعيض ، هكذا عن شرح الاعتمادي بتصرّف.

(فنقول : إنّ الركن في اللغة والعرف معروف).

حيث إنّ معناه في اللغة : ما يعتمد عليه الشيء ، وفي الصحاح : ركن الشيء جانبه الأقوى.

وفي العرف : ما يكون به قوام الشيء ، وفي بحر الفوائد : الركن مصدر ركن يركن بمعنى الاعتماد ، وقد يطلق على ما به قوام الشيء ، وليس له في الكتاب والسنة ذكر ، حتى نتعرض لمعناه في زمان تعلّق الحكم به من الشارع.

(بل هو اصطلاح خاصّ للفقهاء) ، فلا بدّ من البحث عن معناه عندهم ، وإلّا فالركن بمعناه العرفي يطلق على جميع الأجزاء ، وأمّا الركن عند الفقهاء ففيه احتمالات ذكر المصنّف قدس‌سره احتمالين منها :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : (بأنّه ما تبطل العبادة بنقصه عمدا وسهوا).

وثانيهما : ما أشار إليه بقوله : (وبين من عطف على النقص زيادته) ، أي : الركن ما تبطل العبادة بنقصه وزيادته عمدا وسهوا. ثمّ قال قدس‌سره :

(والأوّل أوفق بالمعنى اللّغوي والعرفي) ، فإنّ ركن البناء ممّا يكون نقصه وفقدانه سببا لانهدامه لا زيادته ، بل الزيادة موجبة للاستحكام.

والاحتمال الثالث : إنّ الركن ما تقوّمت به الماهيّة ، وغيره ما لم تنتف الماهيّة بانتفائه ، وهذا المعنى مطابق لما تقدّم من المعنى العرفي.

٨

فالمهم بيان حكم الإخلال بالجزء في طرف النقيصة أو الزيادة ، وأنّه إذا ثبت جزئيّته ، فهل الأصل يقتضي بطلان المركّب بنقصه سهوا كما يبطل بنقصه عمدا وإلّا لم يكن جزء؟

فهنا مسائل ثلاث : بطلان العبادة بتركه سهوا ، وبطلانها بزيادته عمدا ، وبطلانها بزيادته سهوا.

____________________________________

والاحتمال الرابع : هو ما تبطل العبادة بنقصه سهوا فقط.

والاحتمال الخامس : ما تبطل العبادة بنقصه عمدا فقط ، وغيرها من الاحتمالات العديدة التي لا فائدة من ذكرها.

وكيف كان (فالمهم بيان حكم الإخلال بالجزء في طرف النقيصة أو الزيادة) ، بمعنى أنّ كلّ جزء ثبت بالدليل بطلان العبادة بالإخلال به سهوا أو عمدا يكون ركنا ، وكذا ما تكون زيادته موجبة لبطلانها.

(فهنا مسائل ثلاث) :

المسألة الأولى : بطلان العبادة بتركه سهوا.

والثانية : بطلان العبادة بزيادته عمدا.

والثالثة : بطلانها بزيادته سهوا.

ثمّ يشير المصنّف قدس‌سره في ضمن كلامه في المسائل الثلاث إلى مقتضى الاصول العمليّة واللفظيّة فيها ، فيقول المصنّف في المسألة الأولى بأنّ مقتضى الأصل هو الركنيّة ، أي : بطلان العبادة بترك الجزء سهوا ، حيث أشار قدس‌سره إليه بقوله :

٩

المسألة الأولى

ترك الجزء سهوا

أمّا المسألة الأولى : وهي بطلان العبادة بترك الجزء سهوا ، فالأقوى فيها أصالة بطلان العبادة بنقص الجزء سهوا ، إلّا أن يقوم دليل عامّ أو خاصّ على الصحّة ؛ لأنّ ما كان جزء في حال العمد كان جزء في حال الغفلة ، فإذا انتفى ينتفي المركّب ، فلم يكن المأتي به موافقا للمأمور به ، وهو معنى فساده.

____________________________________

(أمّا المسألة الأولى ، وهي بطلان العبادة بترك الجزء سهوا ، فالأقوى فيها أصالة بطلان العبادة بنقص الجزء سهوا ، إلّا أن يقوم دليل عامّ) ، كقوله مثلا : (تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة) (١).

فالمستفاد من هذا الدليل هو اكتفاء الشارع بالناقص بدلا عن التامّ فيما إذا كان النقص عن سهو (أو خاصّ) ، بأن يقوم دليل اجتهادي خاصّ على صحة الناقص ، كما ورد بالفرض من الشرع أنّه لا بأس بترك التشهّد سهوا.

أمّا تفصيل الكلام في هذا المقام ، فهو أنّ المدّعى هو كون مقتضى الأصل في الشكّ في ركنيّة جزء للعبادة بطلان العبادة بترك ذلك الجزء سهوا ، إلّا ما خرج بالدليل ، فلا بدّ من إثباته بالدليل ، وقد أشار قدس‌سره إليه بقوله :

(لأنّ ما كان جزء في حال العمد كان جزء في حال الغفلة ، فإذا انتفى ينتفي المركّب ، فلم يكن المأتي به موافقا للمأمور به ، وهو معنى فساده).

وحاصل استدلال المصنّف قدس‌سره يمكن تقريبه بقياس اقتراني من الشكل الأوّل ، بأن يقال : إنّ ما شكّ في ركنيّته جزء للعبادة حال العمد ، وكلّ ما هو جزء لها حال العمد ، فهو جزء لها حال الغفلة ، فالنتيجة هي أنّ ما شكّ في ركنيّته جزء للعبادة حال الغفلة.

ثمّ يقال : إنّ هذا المشكوك في ركنيّته جزء للعبادة حال الغفلة والسهو ، وكلّ جزء ما

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٥ / ٦٠٨. الوسائل ٨ : ٢٥١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣٢ ، ح ٨.

١٠

أمّا عموم جزئيّته لحال الغفلة ، فلأنّ الغفلة لا توجب تغيّر المأمور به ، فإنّ المخاطب بالصلاة مع السورة إذا غفل عن السورة في الأثناء لم يتغيّر الأمر المتوجّه إليه قبل الغفلة ولم يحدث بالنسبة إليه من الشارع أمر آخر حين الغفلة ، لأنّه غافل عن غفلته.

فالصلاة المأتي بها من غير سورة غير مأمور بها بأمر أصلا ، غاية الأمر عدم توجّه الأمر الفعلي بالصلاة مع السورة إليه ، لاستحالة تكليف الغافل ، فالتكليف ساقط عنه ما دامت الغفلة ، نظير من غفل عن الصلاة رأسا أو نام عنها ، فإذا التفت إليها والوقت باق وجب عليه الإتيان بها بمقتضى الأمر الأوّل.

____________________________________

ينتفي المركّب بانتفائه ونقصه ، فهذا المشكوك ما ينتفي المركّب بانتفائه وهو معنى فساده.

فالحاصل هو بطلان العبادة بترك الجزء سهوا ، وهو المطلوب في المقام ، والكلام هنا يتمّ في صدق الصغرى وإيجابها وكليّة الكبرى وصدقها.

فنقول : أمّا صدق الصغرى فهو معلوم ؛ لأنّ الشكّ في ركنيّة شيء يكون بعد الفرض والعلم بجزئيّته للعبادة حال العمد ، وأمّا صدق الكبرى وكلّيتها فهو محتاج إلى البيان والكلام ، وقد أشار قدس‌سره إليه بقوله : (أمّا عموم جزئيّته لحال الغفلة ، فلأنّ الغفلة لا توجب تغيّر المأمور به) بأن يصير المأمور به في حقّ الغافل بها غير المأمور به في حقّ الذاكر ، بمعنى أنّ الواجب في حقّ الأوّل هي الصلاة بلا سورة وفي حقّ الثاني هي الصلاة معها.

وذلك لأنّه لا يمكن أن يكون المأمور به في حقّ الغافل غير ما هو المأمور به في حقّ الذاكر ، لكونه مبنيا على أمر جديد متعلّق بالصلاة بلا سورة ، ومتوجّه إلى الغافل بعنوان كونه غافلا ، ومن المعلوم بل والبديهي هو عدم إمكان خطاب الغافل حال الغفلة بعنوان كونه غافلا ، إذ بمجرّد الخطاب المذكور يزول عنوان الغفلة ويصير ذاكرا ، فكيف يمكن أن يكون الواجب في حقّه هي الصلاة بلا سورة؟!.

فحينئذ يجب أن يكون المأمور به في حقّه ما هو المأمور به في حقّ الذاكر بعينه ، فما أتى به من الصلاة من دون سورة لم يكن مأمورا به أصلا ، لا بالأمر الأوّل لتعلّقه بالصلاة مع السورة ، ولا بالأمر الجديد لما تقدّم من عدم إمكانه.

فالحاصل هو كلّ ما هو جزء حال العمد والالتفات يكون جزء حال الغفلة والسهو والنسيان ، وهو المطلوب.

١١

فإن قلت : عموم جزئيّة الجزء لحال النسيان يتمّ فيما لو ثبتت الجزئيّة بمثل قوله : (لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب) (١) ، دون ما لو قام الإجماع مثلا على جزئيّة شيء في الجملة واحتمل اختصاصها بحال الذكر.

____________________________________

وبالجملة ، لا يمكن اختلاف الخطاب وتنويعه بحسب ما يطرأ على المكلّف من الحالات كحالة العلم ، والجهل ، والالتفات ، والغفلة ؛ لأنّ اختلاف الخطاب في حالتي العلم والجهل ، بأن يكون وجوب السورة في الصلاة مختصا بالعالم مستلزما للدور ؛ لأنّ العلم بالوجوب موقوف على تحقّقه قبل العلم ، فلو كان وجوب السورة موقوفا على العلم ، لدار.

والاختلاف في حالتي الغفلة والالتفات مبني على أن يكون الغافل قابلا للخطاب ، بأن يقال : أيّها الغافل تجب عليك الصلاة بلا سورة ، مع أنّه لم يكن قابلا للخطاب ، إذ بمجرّد الخطاب يزول عنوان الغفلة فينتفي موضوع الخطاب.

هذا ملخّص الكلام في هذا المقام ، ومن يريد التفصيل فعليه بالكتب المبسوطة.

(فإن قلت : عموم جزئيّة الجزء لحال النسيان يتمّ فيما لو ثبتت الجزئيّة بمثل قوله : (لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب) ... إلى آخره).

وهذا الإشكال ردّ لكلّية الكبرى المذكورة في الاستدلال المتقدّم ، وتوضيحه يتوقف على بيان مقدّمة وهي :

إنّ ما يثبت به جزئيّة الجزء على أنحاء :

منها : أن يكون دليلا لفظيّا يقتضي إطلاقه الجزئيّة حتى في حال النسيان ، كقوله عليه‌السلام : (لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب) حيث يقتضي إطلاقه جزئيّة فاتحة الكتاب في حالتي الذكر والنسيان.

ومنها : أن يكون دليلا لبيّا كالإجماع مثلا.

ومنها : أن يكون الدليل على الجزئيّة حكما تكليفيّا مختصّا بحال الذكر.

وبعد هذه المقدّمة القصيرة نقول : إنّ كلّية الكبرى وعموم الجزئيّة لحال النسيان إنّما

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٣ : ٨٢ / ٦٥ ، وقريب منه في الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٨ ، وقريب منه أيضا في التهذيب ٢ : ١٤٦ / ٥٧٣ ، ٥٧٤ ، ٥٧٥ ، وكذلك الوسائل ٦ : ٣٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ١ ، ح ١ ، وفي صحيح مسلم ١ : ٢٤٧ / ٣٩٤ ـ : (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).

١٢

كما انكشف ذلك الدليل في الموارد التي حكم الشارع فيها بصحّة الصلاة المنسي فيها بعض الأجزاء على وجه يظهر من الدليل كون صلاته تامّة ، مثل قوله عليه‌السلام : (تمّت صلاته ولا يعيد) (١) وحينئذ فمرجع الشكّ إلى الشكّ في الجزئيّة حال النسيان ، فيرجع فيها إلى البراءة والاحتياط على الخلاف.

وكذا لو كان الدالّ على الجزئيّة حكما تكليفيّا مختصّا بحال الذكر ، وكان الأمر بأصل العبادة مطلقا ، فإنّه يقتصر في تقييده على مقدار قابليّة دليل التقييد ـ أعني : حال الذكر ـ إذ لا تكليف حال الغفلة ، فالجزء المنتزع من الحكم التكليفي نظير الشرط المنتزع منه في

____________________________________

يتمّ في الصورة الأولى ، وهي ما إذا كان الدليل على الجزئيّة مثل قوله عليه‌السلام : (لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب) ولا يتمّ في الصورتين الأخيرتين ؛ وذلك للاقتصار في الدليل اللّبي على المتيقّن ، وهو الجزئيّة حال الالتفات فقط واختصاص الحكم التكليفي بحال الالتفات ، ولا يشمل حال النسيان أصلا.

(كما انكشف ذلك) ، أي : اختصاص الجزئيّة بحال الالتفات بالدليل في الموارد التي حكم الشارع فيها بصحة الصلاة المنسي فيها بعض الأجزاء.

ومن هنا نذكر ما في شرح الأستاذ الاعتمادي دامت إفاداته لتوضيح العبارة ، حيث قال : إن قلت : حكم الشارع بالصحّة فيها لا يكشف عن اختصاص الجزء بحال الذكر ، بل يجعل الناقص بدلا عن الكامل تعبّدا.

قلت : إنّ الشارع حكم بها(على وجه يظهر من الدليل كون صلاته تامّة ، مثل قوله عليه‌السلام : (تمّت صلاته ولا يعيد) وحينئذ) ، أي : حين إجمال الدليل واحتمال اختصاصه بحال الذكر ، (فيرجع فيها إلى البراءة والاحتياط على الخلاف) المتقدّم في الشكّ في الجزء ، وقد أشار إلى ما ذكرناه من كون الدليل على الجزئيّة حكما تكليفيّا بقوله :

(وكذا لو كان الدالّ على الجزئيّة حكما تكليفيّا) ، كقوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ)(٢) (مختصّا بحال الذكر ، وكان الأمر بأصل العبادة مطلقا) ك (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) بناء على الأعمّ ، (فإنّه يقتصر في تقييده على مقدار قابليّته دليل التقييد ـ أعني : حال الذكر ـ إذ لا تكليف حال

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٢. الوسائل ٨ : ٥٢٢ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ٢٣ ، ح ١.

(٢) المزّمّل : ٢٠.

١٣

اختصاصه بحال الذكر ، كلبس الحرير ونحوه.

قلت : إن اريد بعدم جزئيّة ما ثبت جزئيّته في الجملة في حقّ الناسي إيجاب العبادة الخالية عن ذلك الجزء عليه ، فهو غير قابل لتوجّه الخطاب إليه بالنسبة إلى المغفول عنه إيجابا وإسقاطا.

____________________________________

الغفلة).

وحاصل جميع ما ذكر في شرح الأستاذ الاعتمادي ، هو أنّ الدليل إن دلّ على الجزئيّة المطلقة نحو (لا صلاة إلّا بالفاتحة) فيرجع إلى إطلاقه ، ويحكم بالجزئيّة حال النسيان أيضا ، وإن دلّ على الجزئيّة المجملة كالإجماع فيؤخذ بالمتيقّن ـ أعني : حال الذكر ـ ويرجع في المشكوك ـ أعني : الجزئيّة حال النسيان ـ إلى البراءة أو الاحتياط.

وإن دلّ على حكم تكليفي كالأمر بالقراءة ، فإن كان دليل العبادة مطلقا ، كالأمر بالصلاة بناء على الأعمّ ، فيقتصر في تقييده بحال الذكر ؛ لأنّ الواجب يختص به ، ويتمسّك في حال النسيان بإطلاق دليل العبادة ، وأمّا إن كان مجملا ، كما على قول الصحيحي ، فيدخل بالنسبة إلى النسيان في مسألة الدوران بين الأقلّ والأكثر لإجمال النصّ ، وقد تقدّم حكمها فراجع.

(قلت : إن اريد بعدم جزئيّة ما ثبت جزئيّته في الجملة في حقّ الناسي إيجاب العبادة الخالية عن ذلك الجزء عليه ، فهو غير قابل لتوجّه الخطاب إليه بالنسبة إلى المغفول عنه إيجابا وإسقاطا).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في الجواب يتّضح بعد مقدّمة مختصرة ، وهي :

إنّك قد عرفت ما تقدّم من أنّ اختلاف الحكم بحسب حال الغفلة والالتفات غير ممكن ، إذ يستحيل توجّه الخطاب إلى الغافل.

وبهذه المقدّمة يتّضح لك أنّ فساد العمل بترك الجزء المشكوك ليس من أجل ثبوت الجزئيّة لحالتي الذكر والنسيان حتى يقال : إنّه يتمّ فيما إذا كان دليل الجزئيّة مطلقا ، ولا يتمّ فيما إذا كان مجملا كالإجماع ، أو تكليفا كما عرفت ، بل الفساد إنّما يكون من جهة عدم إمكان تكليف الغافل بالناقص حال الغفلة ، فيكون مكلّفا بالمركّب التام ويجب الإتيان به بعد الالتفات.

فما ذكر في الإشكال من عدم جزئيّة المشكوك فيما إذا كان الدليل مجملا كالإجماع ،

١٤

وإن اريد به إمضاء الخالي عن ذلك الجزء من الناسي بدلا عن العبادة الواقعيّة ، فهو حسن ؛ لأنّه حكم في حقّه بعد زوال غفلته ، لكن عدم الجزئيّة بهذا المعنى عند الشكّ ممّا لم يقل به أحد من المختلفين في مسألة البراءة والاحتياط.

____________________________________

أو تكليفا فاسد وذلك لأحد وجهين :

أحدهما : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (إن اريد بعدم جزئيّة ما ثبت جزئيّة في الجملة في حقّ الناسي إيجاب العبادة الخالية عن ذلك الجزء عليه ، فهو غير قابل لتوجّه الخطاب إليه بالنسبة إلى المغفول عنه إيجابا) ، بأن يقال : أيّها الغافل يجب عليك السورة (وإسقاطا) بأن يقال : أيّها الغافل لا تجب عليك السورة ، وذلك لما تقدّم من عدم إمكان تكليف الغافل أصلا.

(وإن اريد به إمضاء الخالي عن ذلك الجزء من الناسي بدلا عن العبادة الواقعيّة) ، بأن يكون الناقص مشتملا على مصلحة ملزمة موجبة لتدارك المصلحة الموجودة في المركّب التامّ.

ولهذا جعل الشارع ما ليس بمأمور به بدلا عن المأمور به الواقعي ، نظير مسألة كفاية الجهر موضع الإخفات وبالعكس.

(فهو حسن) ، إذ لا محذور فيه أصلا ؛ لأنّ جعل البدل في حقّ الناسي حكم وضعي بعد زوال غفلته ، وليس حكما تكليفيّا حال الغفلة حتى يقال بعدم إمكان تكليف الغافل ، ثمّ ردّ قدس‌سره هذا الاحتمال الثاني بقوله :

(لكنّ عدم الجزئيّة بهذا المعنى عند الشكّ ممّا لم يقل به أحد). هذا هو الوجه الثاني للفساد.

وحاصله : إنّ ما ذكر من عدم جزئيّة المشكوك ـ إن كان الدليل على الجزئيّة مجملا كالإجماع ـ فاسد إن كان المراد بعدم الجزئيّة ـ حينئذ ـ هو إمضاء الشارع ما يكون خاليا عن ذلك الجزء من الناسي بدلا عن الكامل المأمور به في الواقع ، إذ لم يقل بعدم الجزئيّة بالمعنى المذكور(أحد من المختلفين في مسألة البراءة والاحتياط).

أمّا عدم قول الاحتياطي به فواضح ، إذ مقتضى الاحتياط هو عدم البدليّة.

وأمّا عدم قول البراءتي به ، فقد أشار إليه بقوله :

١٥

لأنّ هذا المعنى حكم وضعي لا تجري فيه أدلّة البراءة ، بل الأصل فيه العدم بالاتفاق ، وهذا معنى ما اخترناه من فساد العبادة الفاقدة للجزء نسيانا ، بمعنى عدم كونها مأمورا بها ولا مسقطا عنه.

وممّا ذكرناه ظهر أنّه ليس هذه المسألة من مسألة اقتضاء الأمر للإجزاء في شيء ؛ لأنّ تلك المسألة مفروضة فيما إذا كان المأتي به مأمورا به بأمر شرعي ، كالصلاة مع التيمّم أو بالطهارة المظنونة. وليس في المقام أمر بما أتى به الناسي أصلا.

وقد يتوهّم : «أنّ في المقام أمرا عقليّا لاستقلال العقل ، بأنّ الواجب في حقّ الناسي هو هذا المأتي به ، فيندرج لذلك في إتيان المأمور به بالأمر العقلي».

____________________________________

(لأنّ هذا المعنى حكم وضعي لا تجري فيه أدلّة البراءة) ؛ لأنّ ظاهرها هو نفي العقاب لا نفي الجزئيّة ، بمعنى جعل البدليّة ، (بل الأصل فيه العدم بالاتفاق) ، أي : عدم جعل البدليّة وعدم إسقاط التكليف بإتيانه.

قوله : (وممّا ذكرنا ظهر أنّه ليس هذه المسألة من مسألة اقتضاء الأمر للإجزاء في شيء) ، هذا دفع لما يتوهّم من أنّ المقام ربّما يكون من صغريات مسألة الإجزاء ، بمعنى أنّ الصلاة بلا سورة التي أتى بها الغافل حال الغفلة والنسيان تكون مجزية عن الصلاة مع السورة ، فتكون صحيحة لا فاسده حتى تكون السورة ركنا.

وحاصل الدفع يتّضح بعد الإشارة إلى مقدّمة ، وهي : إنّ مسألة الإجزاء فرع لتعدّد المأمور به بتعدّد الأمر ، ويبحث فيها عن أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري أو الاضطراري هل يقتضي الإجزاء عن المأمور به بالأمر الواقعي أم لا؟

ومن هذه المقدّمة يتّضح لك أنّ المقام ليس من صغريات تلك المسألة ، إذ الصلاة بلا سورة حال الغفلة على ما عرفت ليس مأمورا بها أصلا ، حتى يقال بأنّ المقام يكون من مسألة اقتضاء الأمر للإجزاء.

(وقد يتوهّم : أنّ في المقام أمرا عقليّا لاستقلال العقل ، بأنّ الواجب في حقّ الناسي هو هذا المأتي به ، فيندرج لذلك في إتيان المأمور به بالأمر العقلي).

وحاصل تقريب هذا التوهّم ، هو أنّ ما ذكر من مناط مسألة الإجزاء وهو تعدّد المأمور به بتعدّد الأمر موجود في المقام ؛ وذلك لحكم العقل مستقلا بأنّ المأمور به في حقّ

١٦

وهو فاسد جدا ؛ لأنّ العقل ينفي تكليفه بالمنسي ولا يثبت له تكليفا بما عداه من الأجزاء. وإنّما يأتي بها بداعي الأمر بالعبادة الواقعيّة غفلة عن عدم كونه إيّاها ، كيف والتكليف ـ عقليّا كان أو شرعيّا ـ يحتاج إلى الالتفات؟ ، وهذا الشخص غير ملتفت إلى أنّه ناس عن الجزء حتّى يكلّف بما عداه.

ونظير هذا التوهّم توهّم أنّ ما أتى به الجاهل المركّب باعتقاد أنّه المأمور به ـ من باب إتيان المأمور به ـ بالأمر العقلي ، وفساده يظهر ممّا ذكرنا بعينه.

____________________________________

الناسي هي الصلاة بلا سورة التي أتى بها الناسي حال النسيان ؛ لأنّ الناسي حال النسيان لا يتمكّن من الصلاة مع السورة ؛ فحينئذ يندرج المقام في مسألة الإجزاء.

فيقال : إنّ الإتيان بالمأمور به العقلي يقتضي الإجزاء عن المأمور به بالأمر الشرعي ، وقد أشار إلى فساد هذا التوهّم بقوله : (وهو فاسد جدا ؛ لأنّ العقل ينفي تكليفه بالمنسي ولا يثبت له تكليفا بما عداه من الأجزاء) ، وملخّص الفساد أنّ الصلاة بلا سورة ـ أو بعبارة أخرى ـ ما عدا المنسي من الأجزاء ليس مأمورا به عقلا ؛ لأنّ العقل يحكم بنفي تكليف الناسي بالمنسي من الأجزاء ، ولا يحكم بتكليفه بما عدا المنسي من الأجزاء حتى يكون مأمورا به عقلا فيندرج في مسألة الإجزاء.

والشاهد على ذلك أنّه لو كان ما عدا المنسي مأمور به بالأمر العقلي الظاهري لوجب إتيانه بداعي الأمر الظاهري ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ؛ لأنّ الناسي لم يأت به بداعي الأمر الظاهري.

(وإنّما يأتي بها بداعي الأمر بالعبادة الواقعيّة غفلة عن عدم كونه إيّاها) ، هذا مع أنّ التكليف شرعيّا كان أو عقليّا يحتاج إلى الالتفات ، وهذا الشخص غير ملتفت أصلا ، فكيف يكون مكلّفا بما عدا المنسي من الأجزاء؟!.

(ونظير هذا التوهّم توهّم أنّ ما أتى به الجاهل المركّب باعتقاد أنّه المأمور به ـ من باب إتيان المأمور به ـ بالأمر العقلي).

وحاصل تقريب هذا التوهّم كما في شرح الأستاذ الاعتمادي ، هو أنّ الناسي يعتقد كون المأمور به هو المأتي به ، وقد مرّ في باب القطع أنّ الاعتقاد حجّة وإن كان جهلا مركّبا كما في الناسي.

١٧

وأمّا ما ذكره : «من أنّ دلالة الجزء قد يكون من قبيل التكليف ، وهو لاختصاصه بغير الغافل ، لا يقيّد إطلاق الأمر بالكلّ إلّا بقدر مورده ، وهو غير الغافل ، فإطلاق الأمر بالكل المقتضي لعدم جزئيّة هذا الجزء له بالنسبة إلى الغافل بحاله».

ففيه : إنّ التكليف المذكور إن كان تكليفا نفسيّا فلا يدلّ على كون متعلّقه جزء للمأمور به حتى يقيّد به الأمر بالكلّ.

____________________________________

ومعنى الحجّية هو وجوب العمل على طبقه ، فهذا العمل ـ أي : الإتيان بما عدا المنسي من الأجزاء ـ واجب عقلا ، لكونه عملا بما هو الحجّة ، فيكون مأمورا عقلا ، فيندرج في مسألة الإجزاء.

ويقال : إنّ المأمور به عقلا يجزي عن المأمور به شرعا ، وقد أشار إلى فساده بقوله :

(وفساده يظهر ممّا ذكرنا بعينه) ، فإنّ حجيّة الاعتقاد تنتج عدم وجوب الصلاة مع السورة عليه ولا تثبت كون المأتي به واجبا على ما عرفت غير مرّة من أنّ تكليف الغافل ممتنع.

وبالجملة ، إنّ هذه المسألة ليست من مسألة اقتضاء الأمر للإجزاء ؛ لأنّ كون المقام منها موقوف على وجود أمر فيه ، وقد عرفت عدم إمكانه في المقام.

(وأمّا ما ذكره : من أنّ دلالة الجزء قد يكون من قبيل التكليف) فيكون الجزء كنفس التكليف مختصّا بغير الغافل ، لما تقدّم من اختصاص التكليف بحال الالتفات ولازمه اختصاص جزئيّة الجزء بحال الالتفات ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(لا يقيّد إطلاق الأمر بالكلّ إلّا بقدر مورده) ، أي : التكليف ويبقى الإطلاق ك (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) بالنسبة إلى الغافل على حاله ، ومقتضاه عدم الجزئيّة بالنسبة إلى الغافل.

(ففيه : إنّ التكليف المذكور إن كان تكليفا نفسيّا فلا يدلّ على كون متعلّقه جزء للمأمور به) ، يردّ على ما ذكر من اختصاص الجزئيّة بغير الغافل فيما إذا كان دليل الجزء من قبيل التكليف بأحد وجهيه ، هما كما في شرح الاستاذ الاعتمادي :

أحدهما : إنّ المراد من بقاء إطلاق الأمر بالصلاة بالنسبة إلى الغافل إذا كان وجوب الصلاة بلا سورة على الغافل ، فقد تقدّم ما يردّ عليه من عدم إمكان تكليف الغافل أصلا ،

١٨

وإن كان تكليفا غيريّا ، فهو كاشف عن كون متعلّقه جزء ؛ لأنّ الأمر الغيري إنّما يتعلّق بالمقدّمة ، وانتفاؤه بالنسبة إلى الغافل لا يدلّ على نفي جزئيّته في حقّه ، لأنّ الجزئيّة غير مسبّبة عنه ، بل هو مسبّب عنها.

ومن ذلك يعلم الفرق بين ما نحن فيه وبين ما ثبت اشتراطه من الحكم التكليفي ـ كلبس الحرير ـ فإنّ الشرطيّة مسبّبة عن التكليف ، عكس ما نحن فيه ، فينتفي بانتفائه.

والحاصل : إنّ الأمر الغيري بشيء ـ لكونه جزء ـ وإن انتفى في حقّ الغافل عنه من حيث انتفاء الأمر بالكلّ في حقّه ، إلّا أنّ الجزئيّة لا تنتفي بذلك.

____________________________________

وإن كان المراد من بقاء الإطلاق والغرض به إثبات البدليّة ، بأن يقال إنّ الإطلاق يقتضي جعل الناقص بدلا عن الكامل ، فيردّ عليه بأنّ الإطلاق لا يقتضي البدليّة أصلا ، كما لا يخفى.

وثانيهما : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (إنّ التكليف المذكور إن كان تكليفا نفسيّا ... إلى آخره).

يعني : إنّ الأمر بالقراءة إن كان أمرا نفسيّا دلّ على كون القراءة من الواجبات في الدين كالحج والصوم مثلا ، فلا يدلّ على جزئيّة القراءة أصلا حتى يكون تقييدا لإطلاق (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) بالنسبة إلى غير الغافل.

(وإن كان تكليفا غيريّا) ، بأن يدلّ على وجوب القراءة في الصلاة ، (فهو كاشف عن كون متعلّقه جزء ؛ لأنّ الأمر الغيري إنّما يتعلّق بالمقدّمة) إلّا أنّه لا يدلّ على انتفاء الجزئيّة عن الغافل ؛ لأنّ الغفلة مانعة عن تنجّز التكليف لا عن جزئيّة الجزء ؛ (لأنّ الجزئيّة غير مسبّبة عنه ، بل هو مسبّب عنها).

أي : أنّ الجزئيّة لم تكن تابعة للأمر حتى تنتفي بالنسبة إلى الغافل لانتفاء الأمر كما عرفت كرارا ، بل الأمر تابع لها ؛ لأنّ الآمر يلاحظ أمورا ثمّ يعتبرها شيئا واحدا ثمّ يأمر بها ، فتكون مرحلة الأمر متأخّرة وكاشفة عن اعتبار الجزئيّة.

(ومن ذلك يعلم الفرق بين ما نحن فيه وبين ما ثبت اشتراطه من الحكم التكليفي ... إلى آخره).

وحاصل الفرق بين الجزئيّة المستكشفة من التكليف الغيري وبين الشرطيّة المسبّبة من التكليف النفسي ، هو انتفاء الشرطيّة بانتفاء التكليف ، وعدم انتفاء الجزئيّة بانتفاء

١٩

وقد يتخيّل : أنّ أصالة العدم على الوجه المتقدّم وإن اقتضت ما ذكر ، إلّا أنّ استصحاب الصحّة حاكم عليها.

وفيه : ما سيجيء في المسألة الآتية من فساد التمسّك به في هذه المقامات ، وكذا التمسّك بغيره ممّا سيذكر هناك.

فإن قلت : إنّ الأصل الأوّلي وإن كان ما ذكرت ، إلّا أنّ هنا أصلا ثانويّا يقتضي إمضاء ما يفعله الناسي خاليا عن الجزء والشرط المنسي عنه ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (رفع عن امّتي تسعة : الخطأ والنسيان ...) (١) بناء على أنّ المقدّر ليس خصوص المؤاخذة ، بل جميع الآثار الشرعيّة

____________________________________

التكليف ؛ وذلك لأنّ الجزئيّة كما عرفت ليست تابعة للتكليف حتى تنتفي بانتفائه ، وهذا بخلاف الشرطيّة كشرطيّة إباحة مكان المصلّي المسبّبة عن تحريم الغصب ، والقول بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي حيث تكون الشرطيّة مسبّبة عن التكليف النفسي ، وهو وجوب الاجتناب عن الغصب فتنتفي بانتفائه ، فكما أنّ التكليف مختصّ بحال الالتفات كذلك تختصّ الشرطيّة بحال الالتفات ، فتنتفي عن الغافل.

(وقد يتخيّل : أنّ أصالة العدم على الوجه المتقدّم وإن اقتضت ما ذكر ، إلّا أنّ استصحاب الصحّة حاكم عليها).

حاصل التخيّل ، هو أنّ أصالة العدم ـ أي : أصالة عدم كفاية ما أتى به الناسي من الناقص عن الكامل لعدم ثبوت بدليّة الناقص عنه شرعا ـ وإن كانت تقتضي الفساد ، إلّا أنّ استصحاب الصحّة حاكم على أصالة العدم التي تقتضي الفساد ؛ وذلك لأنّ موضوع أصالة العدم هو كون المأتي به ناقصا ، ومقتضى الاستصحاب يثبت لنا كمال الموضوع ، فيرتفع به موضوع أصالة العدم فيكون حاكما أو واردا عليها!!.

وجوابه هو ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وفيه : ما سيجيء في المسألة الآتية من فساد التمسّك به في هذه المقامات) فانتظر.

(فإن قلت : إنّ الأصل الأوّلي وإن كان ما ذكرت ، إلّا أنّ هنا أصلا ثانويّا يقتضي إمضاء ما يفعله الناسي خاليا عن الجزء والشرط المنسي عنه ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (رفع عن أمّتي تسعة :

__________________

(١) التوحيد : ٣٥٣ / ٢٤. الخصال ٢ : ٤١٧ / ٩. والوسائل ١٥ : ٣٦٩ ، أبواب جهاد النفس ، ب ٥٦ ، ح ١.

٢٠