دروس في الرسائل - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٥

١
٢

٣
٤

٥
٦

تعارض الاستصحابين

وأمّا الكلام في تعارض الاستصحابين ـ وهي المسألة المهمّة في باب تعارض الاصول التي اختلفت فيها كلمات العلماء في الاصول والفروع ، كما يظهر بالتتبّع ـ فاعلم أنّ الاستصحابين المتعارضين ينقسمان إلى أقسام كثيرة من حيث كونهما موضوعيّين ، أو حكميّين ، أو مختلفين وجوديّين ، أو عدميّين ، أو مختلفين ، وكونهما في موضوع واحد أو موضوعين ، وكون تعارضهما بأنفسهما أو بواسطة أمر خارج ، إلى غير ذلك.

____________________________________

وأمّا الكلام في تعارض الاستصحابين ، وهي المسألة المهمّة في باب تعارض الاصول التي اختلفت فيها كلمات العلماء في الاصول والفروع ، كما يظهر بالتتبّع.

والمراد من التعارض في المقام هو مجرّد التقابل والتنافي بين الاستصحابين في أوّل الأمر المجامع مع الورود والحكومة ، لا ما هو المراد من ظاهره عند الإطلاق غير المجامع معهما ، كما في بحر الفوائد ، إلى أن قال : ثمّ إنّ ما أفاده من كثرة الأقسام المتصوّرة في المقام وعدم تأثير الاختلاف في حكم المتعارضين إلّا من جهة واحدة جامعة لجميع صور الاختلاف والتعارض أمر واضح لا سترة فيه أصلا ، كوضوح ما أفاده من عدم تعقّل كون الشكّ في كلّ منهما مسبّبا عن الشكّ في الآخر ضرورة استحالة كون الشيء علّة لشيء ومعلولا له.

وأمّا ما توهّم من المثال له بالعامّين من وجه فهو فاسد جدّا ، لأنّ الشكّ فيهما بالنسبة إلى مادّة الاجتماع والتعارض مسبّب عن العلم الإجمالي بعدم إرادة الظاهرين كما هو ظاهر ، فنرجع إلى بيان الأقسام المتصوّرة في المقام مع أمثلتها طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي دام ظلّه ، كما أشار إليها بقوله :

فاعلم أنّ الاستصحابين المتعارضين ينقسمان إلى أقسام كثيرة من حيث كونهما موضوعيّين كاستصحاب عدم كرّيّة الماء إلى زمان ملاقاة النجاسة واستصحاب عدم حصول الملاقاة إلى زمن الكرّيّة ، أو حكميّين كاستصحاب نجاسة الثوب المغسول وبقاء طهارة الماء المغسول به أو مختلفين كاستصحاب كرّيّة الماء واستصحاب نجاسة الثوب الواقع فيه وجوديّين كالمثال الثاني والثالث أو عدميّين كالمثال الأوّل أو مختلفين

٧

إلّا إنّ الظاهر أنّ اختلاف هذه الأقسام لا يؤثّر في حكم المتعارضين إلّا من جهة واحدة ، وهي أنّ الشكّ في أحد الاستصحابين إمّا أن يكون مسبّبا عن الشكّ في الآخر من غير عكس ، وإمّا أن يكون الشكّ فيهما مسبّبا عن ثالث. وأمّا كون الشكّ في كلّ منهما مسبّبا عن

____________________________________

كاستصحاب طهارة الجلد المطروح الثابتة حال الحياة واستصحاب عدم التذكية ، وكونهما في موضوع واحد سواء كان المستصحب فيهما موضوعين أو حكمين أو مختلفين.

مثال تعارض الاستصحابين الموضوعيّين في موضوع واحد : هو استصحاب عدم التذكية في اللحم المطروح في الطريق ، لاستصحاب عدم الموت حتف الأنف على زعم البعض.

ومثال تعارض الاستصحابين الحكميّين في موضوع واحد : هو استصحاب طهارة اللحم المطروح مع استصحاب حرمة أكله الملازم لنجاسته على زعم بعض.

ومثال تعارض الاستصحاب الحكمي والموضوعي في موضوع واحد : هو اللحم المطروح أيضا ، حيث يكون عدم التذكية معارضا مع استصحاب الطهارة على قول.

أو موضوعين.

مثال تعارض الاستصحابين الموضوعيّين في موضوعين : هو استصحاب حياة زيد مع استصحاب حياة عمرو مع العلم الإجمالي بموت أحدهما وبقاء الآخر.

ومثال تعارض الاستصحابين الحكميّين في موضوعين : هو استصحاب طهارة الملاقي لماء كان نجسا سابقا ثمّ شكّ في بقاء نجاسته مع استصحاب نجاسة الماء.

ومثال تعارض الاستصحاب الحكمي والموضوعي في موضوعين : هو استصحاب عدم تذكية الصيد المعارض لاستصحاب طهارة الماء القليل الواقع ذلك الصيد فيه ، وقد علم ممّا ذكرناه من الأمثلة مثال تعارض الاستصحابين بأنفسهما ، كما هو في أكثر الأمثلة المتقدّمة.

ومثال التعارض بواسطة أمر خارج : كالعلم الإجمالي بموت أحد شخصين وبقاء الآخر.

إلّا إنّ الظاهر أنّ اختلاف هذه الأقسام لا يؤثّر في حكم المتعارضين إلّا من جهة واحدة ، وهي أنّ الشكّ في أحد الاستصحابين إمّا أن يكون مسبّبا عن الشكّ في الآخر من غير عكس كما في بعض الأمثلة المتقدّمة وإمّا أن يكون الشكّ فيهما مسبّبا عن ثالث

٨

الشكّ في الآخر فغير معقول ، وما توهّم له : «من التمثيل بالعامّين من وجه وأنّ الشكّ في أصالة العموم في كلّ منهما مسبّب عن الشكّ في أصالة العموم في الآخر» مندفع : بأنّ الشكّ في الأصلين مسبّب عن العلم الإجمالي بتخصيص أحدهما.

وكيف كان ، فالاستصحابان المتعارضان على قسمين :

القسم الأوّل : ما إذا كان الشكّ في أحدهما مسبّبا عن الشكّ في الآخر.

فإن كان الشكّ في أحدهما مسبّبا عن الشكّ في الآخر فاللازم تقديم الشكّ السببي وإجراء الاستصحاب فيه ورفع اليد عن الحالة السابقة للمستصحب الآخر ، مثاله :

____________________________________

كمورد العلم الإجمالي بارتفاع أحد الحادثين ، كما يأتي تفصيل ذلك في كلام المصنف قدس‌سره.

وأمّا كون الشكّ في كلّ منهما مسبّبا عن الشكّ في الآخر فغير معقول ، وما توهّم له من التمثيل بالعامّين من وجه.

كما إذا قال : أكرم العلماء وقال أيضا : لا تكرم الفساق ، فإنّهما متعارضان في مادة الاجتماع ، أعني : العالم الفاسق ، فأحد العامّين قد خصّص قطعا ، لأنّ مادّة الاجتماع إمّا داخل في : أكرم العلماء ، فهو مخصّص لقوله : لا تكرم الفساق ، وإمّا داخل في : لا تكرم الفساق ، فهو مخصّص لقوله : أكرم العلماء ، فيستصحب عموم كلّ منهما ، مع أنّ الشكّ في كلّ منهما مسبّب عن الآخر ، كما أشار إليه بقوله :

وإنّ الشكّ في أصالة العموم في كلّ منهما مسبّب عن الشكّ في أصالة العموم في الآخر إلّا إنّ التوهّم المذكور مندفع بأنّ الشكّ في الأصلين مسبّب عن ثالث ، أعني : العلم الإجمالي بتخصيص أحدهما نظير تعارض استصحاب بقاء طهارة البدن مع استصحاب بقاء الحدث مع العلم الإجمالي بارتفاع أحدهما عند التوضّؤ غفلة بمائع مردّد بين الماء والبول ، حيث يكون الشكّ في بقاء كلّ منهما مسبّبا عن العلم الإجمالي بارتفاع أحدهما.

وكيف كان ، فالاستصحابان المتعارضان على قسمين :

القسم الأوّل : ما إذا كان الشكّ في مستصحب أحدهما مسبّبا عن الشكّ في الآخر ... فاللازم تقديم الشكّ السببي وإجراء الاستصحاب فيه ورفع اليد عن الحالة السابقة للمستصحب الآخر.

وحاصل الكلام في المقام هو أنّ المأخوذ في موضوع الاستصحابين بحسب التصوير

٩

استصحاب طهارة الماء المغسول به ثوب نجس ، فانّ الشكّ في بقاء نجاسة الثوب وارتفاعها مسبّب عن الشكّ في بقاء طهارة الماء وارتفاعها ، فتستصحب طهارته ويحكم بارتفاع نجاسة الثوب ، خلافا لجماعة ، ويدلّ على المختار امور :

____________________________________

العقلي لا يخلو عن أحد احتمالات :

الاحتمال الأوّل : أن يكون الشكّ في أحدهما مسبّبا عن الشكّ في الآخر.

والاحتمال الثاني : أن يكون الشكّ في كلّ منهما مسبّبا عن سبب مغاير لسبب الآخر.

والاحتمال الثالث : أن يكون الشكّ فيهما مسبّبا عن ثالث.

والاحتمال الرابع : أن يكون الشكّ في كلّ منهما مسبّبا عن الآخر.

والاحتمال الأخير غير معقول كما مرّ. ثمّ الاحتمال الثاني غير مذكور في كلام المصنف قدس‌سره ولعلّ عدم إشارة المصنف قدس‌سره إليه مع صحّته ووقوعه شرعا يكون لأجل استفادة حكمه من حكم الاحتمال الثالث.

وكيف كان ، فقد ذكر المصنف قدس‌سره الاحتمال الأوّل والثالث ، وقد أشار إلى مثال الاحتمال الأوّل بقوله :

مثاله : استصحاب طهارة الماء المغسول به ثوب نجس.

حيث يكون الشكّ في بقاء نجاسة الثوب مسبّبا عن الشكّ في بقاء طهارة الماء ، كما أشار إليه بقوله :

فإنّ الشكّ في بقاء نجاسة الثوب وارتفاعها مسبّب عن الشكّ في بقاء طهارة الماء وارتفاعها ، فتستصحب طهارته ويحكم بارتفاع نجاسة الثوب فلا يجري استصحاب نجاسة الثوب ، خلافا لجماعة.

ثمّ الجماعة المخالفة منهم من حكم بالتعارض والتساقط ، ومنهم من جمع بين الأصلين والعمل بهما في موردهما ، وممّن يقول به هو صاحب الرياض والمحقّق القمّي قدس‌سرهما كما في الأوثق ، ومنهم من قال بإعمال مرجّحات التعارض ثمّ الحكم بالتخيير إن لم يثبت الترجيح ، وممّن يقول به هو الفاضل الكلباسي في آخر مسألة التعارض والترجيح على ما في الأوثق.

وكيف كان ، فلتقديم الاستصحاب السببي على الاستصحاب المسبّبي وجوه سبعة ،

١٠

الأوّل : الإجماع على ذلك في موارد لا تحصى ، فإنّه لا يحتمل الخلاف في تقديم الاستصحاب في الملزومات الشرعيّة ـ كالطهارة من الحدث والخبث ، وكرّيّة الماء وإطلاقه ، وحياة المفقود ، وبراءة الذمّة من الحقوق المزاحمة للحجّ ونحو ذلك ـ على استصحاب عدم لوازمها الشرعيّة.

كما لا يخفى على الفطن المتتبّع. نعم ، بعض العلماء في بعض العلماء في بعض المقامات يعارض أحدهما بالآخر ، كما سيجيء.

____________________________________

أربعة منها ذكرها المصنف قدس‌سره بعنوان مستقل ، واثنان منها وهما السيرة وبناء العقلاء ذكرهما في تأييد الوجه الأوّل ، وواحد منها سينقله عن الشيخ بعنوان تقديم الأصل الموضوعي على الحكمي إجماعا ، كما في شرح الاعتمادي.

الأوّل : الإجماع على ذلك في موارد لا تحصى ، فإنّه لا يحتمل الخلاف في تقديم الاستصحاب في الملزومات الشرعيّة ـ كالطهارة من الحدث والخبث ، وكرّيّة الماء وإطلاقه ، وحياة المفقود ، وبراءة الذمّة من الحقوق المزاحمة للحجّ ونحو ذلك ـ على استصحاب عدم لوازمها الشرعيّة.

وتوضيح ذلك على ما في شرح الاعتمادي : إنّه إذا شكّ في بقاء الطهارة المستلزم لصحّة الصلاة والبراءة عنها وانتقاضها المستلزم لعدم البراءة عنها ، يستصحب الملزوم ، أي : الطهارة ويحكم بصحّة الصلاة ، ولا يستصحب عدم اللازم ، أي : عدم البراءة عنها ، وكذا إذا شكّ في بقاء وصف الكرّيّة أو الإطلاق المستلزم لطهارة المغسول به أو ارتفاعه المستلزم لعدم حصول الطهارة ، يستصحب الملزوم ، أي : وصف الكرّيّة والإطلاق ويحكم بطهارة المغسول ، ولا يستصحب عدم اللازم ، أي : عدم الطهارة المستلزم لبقاء النجاسة.

وكذا إذا شكّ في حياة الولد المفقود المستلزمة لارثه من أبيه أو موته المستلزم لعدم انتقال شيء من الإرث إليه ، يستصحب الملزوم ، أي : حياة المفقود فيعزل نصيبه من الميراث ، ولا يستصحب عدم اللازم ، أي : عدم انتقال شيء من المال إليه ، وإذا شكّ في اشتغال الذمّة بالديون المستلزم لعدم وجوب الحجّ أو البراءة عنها المستلزمة لوجوبه ، يستصحب الملزوم ، أي : عدم الاشتغال بالدين لا عدم اللازم ، أي : عدم وجوب الحجّ.

كما لا يخفى على الفطن المتتبّع. نعم ، بعض العلماء في بعض المقامات يعارض أحدهما

١١

ويؤيّده السيرة المستمرة بين الناس على ذلك بعد الاطّلاع على حجيّة الاستصحاب ، كما هو كذلك في الاستصحابات العرفيّة.

____________________________________

بالآخر ، كما سيجيء تثليث الأقوال في كلام المصنف قدس‌سره وقد عرفت الأقوال.

قال غلام رضا رحمه‌الله في المقام ما هذا لفظه : «لازم الأوّل جواز الدخول في الصلاة ، ولازم الثاني طهارة الماء الملاقي للنجس ، ولازم الثالث جواز التوضّؤ منه ، ولازم الرابع وجوب النفقة ، ولازم الأخير وجوب الحجّ». انتهى مع تصرّف منّا.

ويؤيّده السيرة المستمرة بين الناس على ذلك بعد الاطّلاع على حجيّة الاستصحاب.

قد تمسّك بها في الضوابط ، حيث قال : الثاني استمرار طريقة أهل العقول على ذلك ، ألا ترى أنّهم لو علموا بنجاسة شيء سابقا ثمّ شكّوا في ارتفاعها لغسلوا ما لاقى ذلك الشيء ولا يعملون بالأصلين ، بأن يقولوا : إنّ الشيء نجس وملاقيه طاهر؟!.

وبالجملة ، إنّه قد جرت سيرة المسلمين على تقديم الأصل السببي على الأصل المسبّبي.

الثاني : إنّ قوله عليه‌السلام : لا تنقض اليقين بالشكّ باعتبار دلالته على جريان الاستصحاب في الشكّ السببي مانع للعامّ عن قابليّة شموله لجريان الاستصحاب في الشكّ المسبّبي.

ومقتضى هذا الوجه الثاني هو أنّ الأصل السببي حاكم على الأصل المسبّبي.

ثمّ تقريب تقديمه عليه من باب الحكومة يحتاج إلى مقدّمة ، وهي :

إنّ الاصوليّين قالوا في باب تعارض الأحوال بتقديم التخصّص على التخصيص إذا دار الأمر بينهما.

إذا عرفت هذه المقدّمة فنقول : إنّ لازم ذلك هو تقديم الأصل السببي على الأصل المسبّبي دون العكس ، إذ لازم تقديم الأصل السببي هو خروج الشكّ المسبّبي عن قوله عليه‌السلام : لا تنقض اليقين بالشكّ تخصّصا ولازم العكس هو خروج الشكّ السببي عنه تخصيصا ، والأمر يدور بين التخصّص والتخصيص بعد أنّ المفروض هو عدم شموله لكلا الشكّين.

وبيان ذلك : إنّ معنى لا تنقض اليقين بالشكّ هو ترتيب الآثار واللوازم لا الملزومات ، ومن المعلوم أنّ ارتفاع المستصحب في الشكّ المسبّبي يكون من الأحكام واللوازم

١٢

الثاني : إنّ قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) (١) باعتبار دلالته على جريان الاستصحاب

____________________________________

الشرعيّة للمستصحب في الشكّ السببي ، فلا يبقى فيه شكّ بعد جريان الاستصحاب السببي فيخرج عن موضوع لا تنقض اليقين بالشكّ.

هذا بخلاف جريان الاستصحاب في الشكّ المسبّبي حيث لا يكون ارتفاع المستصحب في الشكّ السببي من الأحكام ولوازم المستصحب في الشكّ المسبّبي.

فإذا فرضنا غسل الثوب النجس بالماء المستصحب الطهارة ، يكون زوال النجاسة عن الثوب النجس من آثار غسله بالماء المذكور ، فلا يبقى شكّ في نجاسة الثوب النجس ، كي يكون مشمولا لقوله : لا تنقض اليقين بالشكّ ، فيكون خروجه عن دليل لا تنقض اليقين بالشكّ من باب التخصّص.

هذا بخلاف جريان الاستصحاب في الشكّ المسبّبي والحكم ببقاء نجاسة الثوب في المثال المذكور ، حيث يكون خروج الشكّ السببي عن لا تنقض اليقين بالشكّ من باب التخصيص ، وذلك لما عرفت من أنّه ليس ارتفاع طهارة الماء ونجاسته من آثار بقاء نجاسة الثوب شرعا كي لا يبقى شكّ في الطهارة.

وبعبارة اخرى : ليس من لوازم نجاسة الثوب نجاسة الماء شرعا ، وذلك لاحتمال نجاسة الماء من جهة ملاقاته للنجاسة سابقا قبل ملاقاته للثوب النجس.

وحاصل الجميع أنّ خروج الأصل السببي عن عموم لا تنقض اليقين بالشكّ يكون من باب التخصيص وهو مردود بوجهين :

الأوّل : الأصل عدم التخصيص.

والثاني : إنّ التخصيص لا بدّ له من مخصّص ، وهذا التخصيص تخصيص من دون مخصّص يقتضيه ، فلا بدّ من الالتزام بتقديم الأصل السببي لئلّا يلزم المحذور المذكور.

هذا تمام الكلام في تقريب الوجه الثاني على تقديم الأصل السببي على الأصل المسبّبي ، ثمّ نرجع إلى توضيح ما يحتاج إليه من العبارات طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي دام ظلّه.

____________________________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٣. التهذيب ٢ : ١٨٦ / ٧٤٠. الاستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٦. الوسائل ٨ : ٢١٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٠ ، ح ٣.

١٣

في الشكّ السببي مانع للعامّ عن قابليّة شموله لجريان الاستصحاب في الشكّ المسبّبي.

يعني : إنّ نقض اليقين له يصير نقضا له بالدليل لا بالشكّ ، فلا يشمله النهي في (لا تنقض).

____________________________________

الثاني : إنّ قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) شامل بالضرورة لمورد الشكّ السببي ، وبمجرّد ذلك ، أي : باعتبار دلالته على جريان الاستصحاب في الشكّ السببي مانع للعامّ عن قابليّة شموله لجريان الاستصحاب في الشكّ المسبّبي وذلك لما عرفت من زوال الشكّ المسبّبي بعد جريان الاستصحاب في جانب الشكّ السببي ، فلا يبقى شكّ كي يشمله قوله : لا تنقض ... إلى آخره ، كما أشار إليه بقوله :

يعني : إنّ نقض اليقين له يصير نقضا له بالدليل.

أعني : الاستصحاب السببي ، فلا يكون نقض اليقين بالشكّ المنهي عنه في قوله : لا تنقض اليقين بالشكّ ونقض اليقين بالدليل لا يكون موردا للنهي فلا يشمله النهي في لا تنقض.

توضيح الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّ الحكومة كما تتصوّر بين دليلين كحكومة قوله عليه‌السلام : لا شكّ لكثير الشكّ على قوله عليه‌السلام : إذا شككت فابن على الأكثر (١) وكحكومة الأمارات على الاصول ، كذلك تتصوّر في دليل واحد بأن يكون شموله لمورد موجبا لخروج المورد الآخر عن موضوعه كدليل الاستصحاب ، فإنّه شامل لمورد الشكّ السببي كطهارة الماء ، وبمجرّد شموله له يخرج مورد الشكّ المسبّبي ، أعني : نجاسة الثوب عن موضوعه ، لأنّ أثر الحكم بطهارة الماء هو الحكم بزوال نجاسة المغسول به ، فلا يبقى شكّ فيها حتى يشمله دليل الاستصحاب.

إن قلت : وكذا العكس ، لأنّ شمول دليل الاستصحاب على مورد الشكّ المسبّبي ، أعني : نجاسة الثوب يخرج مورد الشكّ السببي ، أعني : طهارة الماء عن موضوعه ، فإنّ بقاء نجاسة المغسول كاشف عن نجاسة الماء الذي غسل به ، فلا يبقى فيها شكّ حتى يجري الاستصحاب ، فلا وجه لتقديم أحد الأصلين على الآخر.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩٢. الوسائل ٨ : ٢١٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ١.

١٤

واللازم من شمول (لا تنقض) للشكّ المسبّبي نقض اليقين في مورد الشكّ السببي ، لا لدليل شرعي يدلّ على ارتفاع الحالة السابقة فيه.

فيلزم من إهمال الاستصحاب في الشكّ السببي طرح عموم (لا تنقض) من غير مخصّص ، وهو باطل ، واللازم من إهماله في الشكّ المسبّبي عدم قابليّة العموم لشمول المورد ، وهو غير منكر.

وتبيان ذلك : إنّ مقتضى عدم نقض اليقين رفع اليد عن الامور السابقة المضادّة لآثار ذلك المتيقّن ،

فعدم نقض طهارة الماء لا معنى له إلّا رفع اليد عن النجاسة السابقة المعلومة في الثوب.

____________________________________

قلت : واللازم من شمول لا تنقض للشكّ المسبّبي نقض اليقين في مورد الشكّ السببي ، لا لدليل شرعي يدلّ على ارتفاع الحالة السابقة فيه.

إذ رفع اليد عن طهارة الماء باستصحاب نجاسة الثوب لا يكون من باب الحكومة ، بل من باب التخصيص بلا مخصّص ، لما عرفت من عدم ارتفاع طهارة الماء من آثار بقاء نجاسة الثوب.

والحاصل أنّ شمول دليل الاستصحاب للشكّ السببي ورفع اليد عن المسبّبي إنّما هو بالحكومة ، وأمّا العكس فهو من باب التخصيص بلا دليل ، كما قال :

فيلزم من إجراء الأصل في الشكّ المسبّبي وإهمال الاستصحاب في الشكّ السببي طرح عموم لا تنقض من غير مخصّص ، وهو باطل ، واللازم من إجرائه في الشكّ السببي وإهماله في الشكّ المسبّبي عدم قابليّة العموم لشمول المورد ، وهو غير منكر لأنّه من باب الحكومة ، كما عرفت.

وتبيان ذلك : إنّ مقتضى عدم نقض اليقين رفع اليد عن الامور السابقة المضادّة لآثار ذلك المتيقّن.

وهذا يحصل بإبقاء الحالة السابقة في مورد الشكّ السببي ورفع اليد عن الحالة السابقة في مورد الشكّ المسبّبي ، إذ من جملة آثار طهارة الماء مثلا طروّ الطهارة للثوب ، فنجاسة الثوب من الامور السابقة المضادّة لأثر طهارة الماء ، فمعنى استصحاب طهارة الماء رفع اليد عن نجاسة الثوب ، كما أشار إليه بقوله :

١٥

إذ الحكم بنجاسته نقض لليقين بالطهارة المذكورة بلا حكم من الشارع بطروّ النجاسة ، وهو طرح لعموم (لا تنقض) من غير مخصّص. أمّا الحكم بزوال النجاسة فليس نقضا لليقين بالنجاسة إلّا بحكم الشارع بطروّ الطهارة على الثوب.

والحاصل أنّ مقتضى عموم (لا تنقض) للشكّ السببي نقض الحالة السابقة لمورد الشكّ المسبّبي.

ودعوى : «إنّ اليقين بالنجاسة ـ أيضا ـ من أفراد العامّ ، فلا وجه لطرحه وإدخال اليقين بطهارة الماء» مدفوعة :

____________________________________

فعدم نقض طهارة الماء لا معنى له إلّا رفع اليد عن النجاسة السابقة المعلومة في الثوب.

بخلاف العكس ، لأنّ طروّ النجاسة للماء ليس من آثار بقاء نجاسة الثوب حتى يكون معنى استصحاب نجاسة الثوب رفع اليد عن طهارة الماء المعلومة سابقا.

إذ الحكم بنجاسته نقض لليقين بالطهارة المذكورة بلا حكم من الشارع بطروّ النجاسة ، وهو طرح لعموم لا تنقض من غير مخصّص.

وأمّا الأصل ، أعني : استصحاب طهارة الماء والحكم بزوال النجاسة عن الثوب فليس نقضا لليقين بالنجاسة إلّا بحكم الشارع بطروّ الطهارة على الثوب بطريق حكومة الأصل السببي على الأصل المسبّبي.

والحاصل أنّ مقتضى عموم لا تنقض للشكّ السببي نقض الحالة السابقة لمورد الشكّ المسبّبي لأنّه أثره ، وأمّا مقتضى عمومه للشكّ المسبّبي ليس هو نقض الحالة السابقة لمورد الشكّ السببي ، بل هو تخصيص بلا دليل.

ودعوى : «إنّ اليقين بالنجاسة ـ أيضا ـ من أفراد العامّ ، فلا وجه لطرحه وإدخال اليقين بطهارة الماء».

حاصل الكلام في بيان الإشكال هو أنّ كلّ واحد من الشكّ السببي والمسبّبي يكون من أفراد الشكّ المأخوذ في دليل الاستصحاب فيشمل الدليل كلا الشكّين ، فلا وجه لإخراج أحدهما من عموم الدليل وإدخال الآخر فيه ، بل لا بدّ من إجراء الأصل في كلا الشكّين ، غاية الأمر يتعارض الأصلان ، ويأتي حكمه.

١٦

أوّلا : بأنّ معنى عدم نقض يقين النجاسة ـ أيضا ـ رفع اليد عن الامور السابقة المضادّة لآثار المستصحب ، كالطهارة السابقة لملاقيه وغيرها. فيعود المحذور ، إلّا أن يلتزم هنا ـ أيضا ـ ببقاء طهارة الملاقي ، وسيجيء فساده.

وثانيا : إنّ نقض يقين النجاسة بالدليل الدالّ على أنّ كلّ نجس غسل بماء طاهر فقد طهر ، وفائدة استصحاب الطهارة إثبات كون الماء طاهرا به بخلاف نقض يقين الطهارة بحكم الشارع بعدم نقض يقين النجاسة.

____________________________________

مدفوعة : أوّلا : بأنّ معنى عدم نقض يقين النجاسة ـ أيضا ـ رفع اليد عن الامور السابقة المضادّة لآثار المستصحب ، كالطهارة السابقة الحاصلة لملاقيه وغيرها. فيعود المحذور.

حاصل الكلام في المقام على ما في التنكابني وشرح الاعتمادي هو أنّه إذا كان هناك ماء مشكوك مسبوق بالطهارة فغسل به ثوب نجس ، ثمّ لاقى شيء آخر طاهر بهذا الثوب المغسول ، فإن قدّمنا الاستصحاب السببي ، لا يلزم أي محذور أصلا ، إذ يحكم ـ حينئذ ـ بطهارة الماء ويترتّب عليها طهارة الثوب المغسول به ويترتّب عليها عدم انفعال الملاقي للثوب.

وأمّا إذا قلنا بجريان استصحاب طهارة الماء ونجاسة الثوب معا ، فيعود محذور التعارض بالنسبة إلى ملاقي الثوب أيضا ، أي : تستصحب طهارته وإن كان الأصل فيه مسبّبا بالنسبة إلى استصحاب نجاسة الثوب ، لأنّ المفروض هو جريان الأصل المسبّبي إلّا أن يقال بجريان جميع الاصول ، أعني : استصحاب طهارة الماء ونجاسة الثوب وطهارة الملاقي ، كما أشار إليه بقوله :

إلّا أن يلتزم هنا ـ أيضا ـ ببقاء طهارة الملاقي ، وسيجيء التعرض به وبيان فساده فانتظر.

وثانيا : إنّ نقض يقين النجاسة بالدليل الدالّ على أنّ كلّ نجس غسل بماء طاهر فقد طهر ، وفائدة استصحاب الطهارة إثبات كون الماء طاهرا به.

أي : الاستصحاب ، فالصغرى تثبت بالأصل والكبرى تثبت بالدليل ، فيقال : هذا الماء طاهر ولو بالاستصحاب ، وكلّ نجس غسل بماء طاهر فقد طهر بمقتضى الدليل ، ينتج أنّ

١٧

بيان ذلك : إنّه لو عملنا باستصحاب النجاسة كنّا قد طرحنا اليقين بطهارة الماء من غير ورود دليل شرعي على نجاسته ، لأنّ بقاء النجاسة في الثوب لا يوجب زوال الطهارة عن الماء.

بخلاف ما لو عملنا باستصحاب طهارة الماء ، فإنّه يوجب زوال نجاسة الثوب بالدليل الشرعي ، وهو ما دلّ على أنّ الثوب المغسول بالماء الطاهر يطهر ، فطرح اليقين بنجاسة الثوب لقيام الدليل على طهارته.

____________________________________

هذا الثوب النجس المغسول بهذا الماء الطاهر قد طهر.

وبالجملة ، إنّ السر في دخول أحد الفردين في دليل الاستصحاب دون الآخر هو الحكومة على ما في شرح الاعتمادي ، بخلاف نقض يقين الطهارة بحكم الشارع بعدم نقض يقين النجاسة فإنّه من التخصيص بلا دليل كما عرفت غير مرّة ، وقد أشار إليه بقوله :

بيان ذلك : إنّه لو عملنا باستصحاب النجاسة كنّا قد طرحنا اليقين بطهارة الماء من غير ورود دليل شرعي على نجاسته ، لأنّ بقاء النجاسة في الثوب لا يوجب زوال الطهارة عن الماء ظاهرا ، لما عرفت من عدم كون ارتفاع الطهارة عن الماء من آثار نجاسة الثوب شرعا وإن لم ينفكّ زوال الطهارة عن بقاء النجاسة واقعا.

بخلاف ما لو عملنا باستصحاب طهارة الماء ، فإنّه يوجب زوال نجاسة الثوب بالدليل الشرعي ، وهو ما دلّ على أنّ الثوب المغسول بالماء الطاهر يطهر ، فطرح اليقين بنجاسة الثوب لقيام الدليل على طهارته فلا إشكال فيه وقد يشكل.

وقبل تقريب هذا الإشكال نذكر الفرق بين هذا الإشكال والإشكال المتقدّم بعنوان : دعوى ؛ كي لا يتوهّم التكرار.

وملخّص الفرق بينهما أنّ غرض المدّعي في الإشكال المتقدّم هو عدم الفرق بين الفردين ، أعني : الشكّ السببي والمسبّبي في دخولهما تحت العامّ ، فلا وجه لإجراء الاستصحاب في أحدهما ، أعني : الشكّ السببي دون الآخر ، أي : الشكّ المسبّبي.

فأجاب المصنف قدس‌سره عنه بحكومة الأصل السببي على المسبّبي دون العكس ، وغرض هذا المستشكل هو أنّ إجراء الأصل في الشكّ السببي أوّلا وإن كان يوجب ارتفاع الشكّ في جانب المسبّب ، فيكون حاكما عليه بخلاف العكس كما عرفت غير مرّة ، إلّا إنّه لا وجه

١٨

هذا ، وقد يشكل بأنّ اليقين بطهارة الماء واليقين بنجاسة الثوب المغسول به كلّ منهما يقين سابق شكّ فى بقائه وارتفاعه ، وحكم الشارع بعدم النقض نسبته إليهما على حدّ سواء ، لأنّ نسبة حكم العامّ إلى أفراده على حدّ سواء. فكيف يلاحظ ثبوت هذا الحكم لليقين بالطهارة أوّلا حتى يجب نقض اليقين بالنجاسة ، لأنّه مدلوله ومقتضاه؟!.

والحاصل أنّ جعل شمول حكم العامّ لبعض الأفراد سببا لخروج بعض الأفراد عن الحكم أو عن الموضوع ـ كما في ما نحن فيه ـ فاسد بعد فرض تساوي الفردين في الفرديّة مع قطع النظر عن ثبوت الحكم.

____________________________________

لاعتبار الاستصحاب أوّلا في جانب السبب ، كي يكون حاكما على المسبّب ، بل ينبغي اعتبار الاستصحابين في عرض واحد دفعة واحدة فيتعارضان.

والحاصل أنّه قد يشكل بأنّ اليقين بطهارة الماء واليقين بنجاسة الثوب المغسول به كلّ منهما يقين سابق شكّ في بقائه وارتفاعه ، وحكم الشارع بعدم النقض نسبته إليهما على حدّ سواء ، أي : يكون من قبيل صدق الكلّي المتواطئ على أفراده ، لا من قبيل صدق المشكّك لأنّ نسبة حكم العامّ إلى أفراده على حدّ سواء. فكيف يلاحظ ثبوت هذا الحكم لليقين بالطهارة أوّلا حتى يكون هو حاكما على اليقين بنجاسة الثوب ، أي : يجب نقض اليقين بالنجاسة ، لأنّه ، أي : نقض اليقين بالنجاسة مدلوله ، أي : استصحاب طهارة الماء.

والحاصل أنّ جعل شمول حكم العامّ لبعض الأفراد سببا لتخصيص البعض الآخر كما أشار إليه بقوله : سببا لخروج بعض الأفراد عن الحكم كجعل شمول قوله : لا تنقض للشكّ المسبّبي سببا لخروج الشكّ السببي عن حكمه ، أعني : الإبقاء أو يكون شمول حكم العامّ لبعض الأفراد سببا لتخصّص البعض الآخر ، كما أشار إليه بقوله : أو عن الموضوع كما في ما نحن فيه ، أي : جعل شمول قوله : لا تنقض للشك السببي يكون سببا لخروج الشكّ المسبّبي عن موضوعه ، أعني : الشكّ في البقاء فاسد جدّا ، لأنّ الأوّل تخصيص بلا مخصّص ، والثاني ترجيح بلا مرجّح.

وملخّص الإشكال هو أنّ تقديم ملاحظة شمول العامّ لبعض الأفراد وتخصيص البعض الآخر أو تخصّصه بذلك فاسد بعد فرض تساوي الفردين في الفرديّة مع قطع النظر عن

١٩

ويدفع : بأنّ فرديّة أحد الشيئين إذا توقّفت على خروج الآخر المفروض الفرديّة عن العموم ، وجب الحكم بعدم فرديّته ولم يجز رفع اليد عن العموم ، لأنّ رفع اليد ـ حينئذ ـ عنه يتوقّف على شمول العامّ لذلك الشيء المفروض توقّف فرديّته على رفع اليد عن العموم ، وهو دور محال.

____________________________________

ثبوت الحكم لبعض الأفراد الموجب لتخصيص الآخر أو تخصّصه.

ويدفع الإشكال المذكور بوجهين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : بأنّ فرديّة أحد الشيئين إذا توقّفت على خروج الآخر المفروض الفرديّة عن العموم ، وجب الحكم بعدم فرديّته.

وملخّص الكلام في تطبيق المتن في المقام أنّ فرديّة الشكّ المسبّبي للعام ـ أعني : لا تنقض اليقين بالشكّ ـ تتوقّف على خروج الشكّ السببي المفروض الفرديّة عن العامّ المذكور ، إذ مقتضى فرديّة الشكّ السببي له وجريان الاستصحاب فيه هو انتفاء الشكّ في جانب المسبّب فتنتفي ـ حينئذ ـ فرديّته ، وهذا معنى توقّف فرديّته على خروج الشكّ السببي عن العام ، وإذا كان الأمر كذلك وجب الحكم من الأوّل بعدم فرديّة الشكّ المسبّبي لئلّا يلزم رفع اليد عن العموم بإخراج الشكّ السببي المفروض الفرديّة عنه ، كما أشار إليه بقوله : ولم يجز رفع اليد عن العموم لأنّ ذلك مستلزم للدور ، كما أشار إليه بقوله : لأنّ رفع اليد حينئذ أي : حين توقّف فرديّة الشكّ المسبّبي على عدم فرديّة الشكّ السببي عنه ، أي : عن الشكّ السببي المفروض الفرديّة يتوقّف على شمول العامّ لذلك الشيء أي : الشكّ المسبّبي المفروض توقّف فرديّته على رفع اليد عن العموم للشكّ السببي وهو دور محال.

وتقريب الدور : إنّ فرديّة الشكّ المسبّبي للعامّ موقوف على عدم شموله للشك السببي ، وعدم شموله له موقوف على فرديّة الشكّ المسبّبي له وإخراج الشكّ السببي عنه ، ففرديّة الشكّ المسبّبي موقوفة على فرديّة الشكّ المسبّبي ، غاية الأمر مع الواسطة وهي إخراج الشكّ السببي عن العامّ.

وبعبارة اخرى على ما في التنكابني : «إنّ فرديّة اليقين والشكّ السببي لقوله عليه‌السلام : لا تنقض اليقين بالشكّ يقينيّ لا يتوقّف على شيء أصلا ، وأمّا فرديّة اليقين والشكّ

٢٠