دروس في الرسائل - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٨

١
٢

٣
٤

٥
٦

تنبيهات

وينبغي التنبيه على امور :

الأوّل : إنّ محلّ الكلام في الشبهة الموضوعيّة المحكومة بالإباحة ما إذا لم يكن هناك أصل موضوعي يقضي بالحرمة.

فمثل المرأة المردّدة بين الزوجة والأجنبيّة خارج عن محلّ الكلام ، لأنّ أصالة عدم علاقة الزوجيّة المقتضية للحرمة ، بل استصحاب الحرمة حاكمة على أصالة الإباحة ،

____________________________________

(وينبغي التنبيه على امور :

الأوّل : إنّ محلّ الكلام في الشبهة الموضوعيّة المحكومة بالإباحة ما إذا لم يكن هناك أصل موضوعي يقضي بالحرمة ... إلى آخره).

المصنّف قدس‌سره بعد فراغه من أصالة الإباحة في الشبهة الموضوعيّة التحريميّة يبيّن ما يكون شرطا فيها ، حيث يقول :

(إنّ محلّ الكلام في الشبهة الموضوعيّة المحكومة بالإباحة ما إذا لم يكن هناك أصل موضوعي يقضي بالحرمة ... إلى آخره).

ثمّ إنّ ذكره لهذا الشرط في المقام ، مع كفاية ذكره في الشبهة الحكميّة على ما مرّ تفصيله ، لعلّه يكون لأجل كون ذكر الشرط في بابه أولى من الاكتفاء بذكره في باب آخر ، ثمّ إنّ هذا الشرط يوجب عدم جريان أصالة الإباحة في باب الفروج والأموال واللحوم لوجود أصل موضوعي في هذه الأبواب ، كما يأتي ذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.

(فمثل المرأة المردّدة بين الزوجة والأجنبيّة خارج عن محلّ الكلام ... إلى آخره) وذلك لوجود أصل موضوعي حاكم على أصالة الإباحة ، وهو أصالة عدم حدوث علاقة الزوجيّة بينهما ، وأصالة عدم وقوع النكاح عليها ، حيث تقتضي الحكم بالحرمة ، ومع قطع النظر عن هذا الأصل الموضوعي ـ أيضا ـ لا يجوز الرجوع إلى أصالة الإباحة من جهة استصحاب الحرمة ، كما في المتن ، وهذا الاستصحاب وإن كان خارجا عن المقام لكونه أصلا حكميا ، إلّا إنّه حاكم على أصالة الإباحة ، فتأمّل تعرف. هذا تمام الكلام في مثال الفروج.

ثم أشار المصنّف قدس‌سره إلى مثال الأموال بقوله :

٧

ونحوها المال المردّد بين مال نفسه وملك الغير مع سبق ملك الغير له.

وأمّا مع عدم سبق ملك أحد عليه ، فلا ينبغي الإشكال في عدم ترتّب أحكام ملكه عليه من جواز بيعه ونحوه ممّا يعتبر فيه تحقّق الماليّة.

وأمّا إباحة التصرّفات الغير المترتبة في الأدلّة على ماله وملكه فيمكن القول به للأصل ويمكن عدمه ، لأنّ الحليّة في الأملاك لا بدّ لها من سبب محلّل بالاستقراء ، ولقوله عليه‌السلام : (لا يحل مال إلّا من حيث أحلّه الله) (١).

____________________________________

(ونحوها المال المردّد بين مال نفسه وملك الغير مع سبق ملك الغير له ... إلى آخره).

وصورة الاشتباه في المال المردّد بين مال نفسه وملك الغير تكون أكثر ممّا أشار إليه المصنّف قدس‌سره في المتن ، فنذكر بعض هذه الصور في المقام ليتّضح ما فيها من الأحكام فنقول :

الصورة الأولى : ما إذا علم أنّه كان ملك غيره ، إلّا إنّه شكّ في انتقال المال إليه قهرا كالإرث ، أو اختيارا كالنقل بأحد الأسباب الشرعيّة ، وقد أشار إليها قدس‌سره بقوله : (مع سبق ملك الغير له ... إلى آخره) وهنا استصحاب بقاء ملك الغير وارد على أصالة الإباحة ، وبذلك لا يبقى مجال لاصالة الإباحة أصلا ، كما هو واضح.

والصورة الثانية : التي أشار إليها بقوله :

(وأمّا مع عدم سبق ملك أحد عليه ... إلى آخره) أي : مع عدم العلم بسبق ملك أحد إليه ، لا مع العلم بعدم سبق ملك أحد إليه ، والفرق بين التعبيرين لا يخفى على أحد ، وحكم هذه الصورة هو التفصيل بين التصرف المتوقّف على الملك ، كالبيع مثلا ، وبين ما لم يتوقّف عليه ، كالأكل والشرب مثلا ، فلا يجوز القسم الأوّل لأصالة عدم الملكيّة ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا بيع إلّا فيما تملك) (٢).

وأمّا القسم الثاني فيجوز لكفاية أصالة عدم تملّك الغير له في جواز التصرف ، فيمكن الحكم بإباحة التصرف غير المتوقّف على الملك بأصالة الإباحة لعدم أصل موضوعي

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٨ / ٢٥. الوسائل ٢٧ : ١٥٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٨.

(٢) غوالي اللآلئ ٢ : ٢٤٧ / ١٦.

٨

ومبنى الوجهين أنّ إباحة التصرّف هي المحتاجة إلى السبب فيحرم مع عدمه ولو بالأصل.

وأنّ حرمة التصرف محمولة في الأدلّة على ملك الغير ، فمع عدم تملّك الغير ولو بالأصل تنتفي الحرمة.

____________________________________

مانع عنها ، إذ أصالة عدم كونه مالكا لا تمنع عن جواز التصرف ، لعدم كونه متوقّفا على الملك ، ويمكن الحكم بعدم جواز هذا القسم من التصرف أيضا ؛ وذلك لأنّ الحليّة في الأموال والأملاك تحتاج إلى سبب محلّل من إذن أو ملك ، وهو منتف في المقام ، إذ غير الملكيّة وهو الإذن يكون منتفيا بالفرض ، والملكيّة منتفية بالأصل ، فإذا انتفى السبب انتفى المسبّب ، وهو إباحة التصرف غير المتوقّف على الملكيّة.

والحاصل هو عدم جواز التصرف المتوقّف على الملكيّة ، وفي جواز التصرف غير المتوقّف على الملكيّة وجهان ، وتقدّم مبناهما ، وقد أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(ومبنى الوجهين أنّ إباحة التصرّف هي المحتاجة إلى السبب فيحرم مع عدمه).

أي : عدم السبب ولو احرز عدمه بالأصل ، كما تقدّم من أصالة عدم كونه مالكا ، هذا هو الوجه لعدم جواز التصرف.

ثمّ الوجه لجوازه ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وأنّ حرمة التصرف محمولة في الأدلّة على ملك الغير ، فمع عدم تملّك الغير ولو بالأصل تنتفي الحرمة) والمطلب واضح لا يحتاج إلى الشرح والتوضيح.

والصورة الثالثة : هي أن يكون المال من المباحات ، إلّا إنّه نشكّ في حيازة مسلم له ، أو عدمها ، فحينئذ يدور أمره بين كونه من المباحات حتى يجوز التصرّف فيه ، وبين كونه مال الغير حتى لا يجوز التصرّف فيه ، وحكم هذه الصورة هو جواز التصرّف بأصالة الإباحة وعدم وقوع يد عليه.

والصورة الرابعة : هي أن يكون المال ملكا له ، إلّا إنّه يشك في انتقاله عن ملكه بسبب من الأسباب الشرعيّة ، أو عدمه ، وحكمها هو ترتّب آثار الملك عليه بأصالة عدم انتقاله عن ملكه. هذا تمام الكلام في مثال المال المردّد بين كونه مالا له أو لغيره.

وبقي الكلام في مثال اللحوم وقد أشار إليه قدس‌سره بقوله :

٩

ومن قبيل ما لا تجري فيه أصالة الإباحة اللحم المردّد بين المذكّى والميتة ، فإنّ أصالة عدم التذكية المقتضية للحرمة والنجاسة حاكمة على أصالة الإباحة والطهارة.

وربّما يتخيّل خلاف ذلك :

تارة : لعدم حجيّة استصحاب عدم التذكية.

واخرى : لمعارضة أصالة عدم التذكية بأصالة عدم الموت والحرمة والنجاسة من أحكام الميتة.

والأوّل مبني على عدم حجيّة الاستصحاب ولو في الامور العدمية.

والثاني مدفوع :

____________________________________

(ومن قبيل ما لا تجري فيه أصالة الإباحة) هو (اللحم المردّد بين المذكّى والميتة).

أي : وممّا لا تجري فيه أصالة الإباحة ، وهو اللحم المردّد بين المذكّى والميتة ، حيث يرجع إلى أصالة عدم التذكية المقتضية للحرمة والنجاسة ، وهي حاكمة على أصالتي الإباحة والطهارة ؛ لكون الشكّ في الحليّة مسبّب عن الشكّ في التذكية ، ومن المعلوم أنّ الأصل السببي حاكم على الأصل المسبّبي.

(وربّما يتخيّل خلاف ذلك :

تارة : لعدم حجيّة استصحاب عدم التذكية.

واخرى : لمعارضة أصالة عدم التذكية بأصالة عدم الموت ... إلى آخره).

تخيّل جماعة كصاحب المدارك والفاضل التوني ، والسيد الصدر خلاف ما ذكر من حكومة أصالة عدم التذكية على أصالتي الإباحة والطهارة ، وذلك لأنّهم تمسّكوا بأصالة الإباحة والطهارة في باب الجلود واللحوم تضعيفا لاستصحاب عدم التذكية ؛ إمّا لكون المستصحب من الامور العدميّة ، وعدم حجيّة الاستصحاب في الامور العدميّة ، كما عن المدارك ، أو لكونه معارضا باستصحاب عدم الموت ، فيرجع إلى أصل آخر بعد التساقط وهو أصالة الإباحة.

وأمّا الوجه الأوّل وهو عدم حجيّة الاستصحاب في الامور العدميّة فمدفوع بحجيّة الاستصحاب في الامور العدميّة ، بل اعتباره فيها مجمع عليه ، كما في شرح الاعتمادي.

وأمّا الثاني وهو عدم حجيّة الاستصحاب من جهة التعارض ، فمدفوع :

١٠

أوّلا : بأنّه يكفي في الحكم بالحرمة عدم التذكية ولو بالأصل ، ولا يتوقّف على ثبوت الموت حتى ينتفي بانتفائه ولو بحكم الأصل ، والدليل عليه استثناء (ما ذَكَّيْتُمْ)(١) من قوله (وَما أَكَلَ السَّبُعُ)(٢) ، فلم يبح الشّارع إلّا ما ذكّي ، وإناطة إباحة الأكل بما ذكر اسم الله عليه وغيره من الامور الوجوديّة المعتبرة في التذكية ، فإذا انتفى بعضها ولو بحكم الأصل انتفت الإباحة.

وثانيا : إنّ الميتة عبارة عن غير المذكّى ، إذ ليست الميتة خصوص ما مات حتف أنفه ،

____________________________________

أوّلا : بكفاية إحراز عدم التذكية ولو بالأصل في الحكم بالحرمة ولا يتوقّف على ثبوت الموت حتى ينتفي بانتفائه ولو بأصالة عدم الموت ، والشاهد على أنّ الموضوع للحكم بالحرمة هو عدم التذكية لا الموت هو الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ)(٣).

فالمستفاد من هذا الاستثناء هو أنّ الحليّة منوطة بالتذكية ، فتكون الحرمة منوطة بعدم التذكية ، فيكفي فيها استصحاب عدم التذكية.

وثانيا : إنّ الميتة عبارة عن غير المذكّى الشامل لما مات حتف أنفه ، وليس المراد منها خصوص ما مات حتف أنفه حتى يجري استصحاب عدم الموت كذلك ، فيعارض استصحاب عدم التذكية.

والحاصل أن الأصل المعارض لاستصحاب عدم التذكية ـ وهو استصحاب عدم الموت ـ مبنيّ على أمرين :

أحدهما : أن يكون الموضوع في الحكم بالحليّة عدم الموت.

وثانيهما : أن يكون المراد بالميتة خصوص ما مات حتف أنفه ، وكلا الأمرين محل للمنع.

أمّا الأمر الأوّل ، فلأجل أنّ الموضوع في الحكم بالحليّة هو التذكية بدليل الاستثناء كما تقدّم ، لا عدم الموت.

وأمّا الأمر الثاني ، فلأجل أنّ الميتة في الشرع عبارة عن كلّ زهاق روح انتفى فيه شرط

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) المائدة : ٣.

١١

بل كلّ زهاق روح انتفى فيه شرط من شروط التذكية فهي ميتة شرعا ، وتمام الكلام في الفقه.

الثاني : إنّ الشيخ الحرّ قدس‌سره أورد في بعض كلماته اعتراضا على معاشر الأخباريّين.

وحاصله أنّه ما الفرق بين الشبهة في نفس الحكم وبين الشبهة في طريقه ، حيث أوجبتم الاحتياط في الاوّل دون الثاني؟ وأجاب بما لفظه :

____________________________________

من شرائط التذكية ، فحينئذ لا يجري استصحاب عدم الموت حتى يعارض استصحاب عدم التذكية ، فيبقى استصحاب عدم التذكية من دون معارض ، فيترتّب الحكم بالحرمة والنجاسة عليه ، وهو المطلوب.

(فهي ميتة شرعا).

أي : غير المذكّى الشامل لما مات حتف أنفه ، أو مات بقتل فاقد لشرائط التذكية ميتة شرعا ، فتكون أمرا عدميّا يحرز بالأصل عند الشكّ.

(الثاني : إنّ الشيخ الحرّ قدس‌سره أورد في بعض كلماته اعتراضا على معاشر الأخباريّين ... إلى آخره).

وما أورده الشيخ الحرّ العاملي ـ الذي هو من الأخباريّين ـ عليهم يتّضح بعد ذكر مقدمة وهي :

إنّ الأخباريّين موافقون للاصوليين في الشبهة الموضوعيّة التي تسمّى عندهم بالشبهة في طريق الحكم ، حيث يقولون بالبراءة فيها كالاصوليّين ، وإنّما الخلاف بينهما في الشبهة الحكميّة ، حيث يقول الأخباريّون فيها بوجوب الاحتياط ، فهم يفرّقون بين الشبهتين الموضوعيّة والحكميّة في الحكم ، حيث يقولون في الاولى بالبراءة ، وفي الثانية بوجوب الاحتياط.

إذا عرفت هذه المقدّمة يتضح لك ما أورده الحرّ العاملي بقوله :

(ما الفرق بين الشبهة في نفس الحكم وبين الشبهة في طريقه ، حيث أوجبتم الاحتياط في الأوّل دون الثاني؟).

وقد تنبّه إلى هذا السؤال الحرّ العاملي قدس‌سره فأجاب عنه بما يتّضح بعد بيان أقسام الشبهة وهي عنده ثلاثة :

١٢

«إنّ حدّ الشبهة في الحكم ما اشتبه حكمه الشرعي ، أعني : الإباحة والتحريم ، وحدّ الشبهة في طريق الحكم الشرعي ما اشتبه فيه موضوع الحكم ، كاللحم المشترى من السوق لا يعلم أنّه مذكّى أو ميتة ، مع العلم بحكم المذكّى والميتة ، ويستفاد هذا التقسيم من أحاديث ومن وجوه عقليّة مؤيّدة لتلك الأحاديث ويأتي بعضها وقسم متردّد بين القسمين ، وهي الأفراد التي ليست بظاهرة الفرديّة لبعض الأنواع ، وليس اشتباهها بسبب شيء من الامور الدنيويّة كاختلاط الحلال بالحرام ، بل اشتباهها لأمر ذاتي ، أعني : اشتباه صنفها في نفسها كبعض أفراد الغناء الذي قد ثبت تحريم نوعه واشتبه أنواعه في أفراد يسيرة ، وبعض أفراد الخبائث الذي قد ثبت تحريم نوعه واشتبه بعض أفراده حتى اختلف العقلاء فيها ، ومنها شرب التتن وهذا النوع يظهر من الأخبار دخوله في الشبهات التي ورد الأمر باجتنابها.

وهذه التفاصيل تستفاد من مجموعة الأحاديث ، ونذكر ممّا يدلّ على ذلك وجوها :

____________________________________

القسم الأوّل : هي الشبهة الحكميّة التي تسمّى بالشبهة في نفس الحكم ، وهي ما اشتبه حكمه الشرعي ، وهذا التعريف للشبهة الحكميّة مخالف لما تقدّم من المصنّف قدس‌سره من أنّ الشبهة الحكميّة ما يكون منشأ الاشتباه فيه عدم النصّ ، أو إجماله أو تعارضه ، سواء كان المشتبه نفس الحكم أو موضوعه الكلّي.

والقسم الثاني : هي الشبهة الموضوعيّة التي تسمّى بالشبهة في طريق الحكم وهي ما اشتبه موضوع الحكم الشرعي ، كاللحم المشترى من السوق ، حيث يكون مردّدا بين المذكّى وهو معلوم الحليّة ، وبين الميتة وهي معلومة الحرمة ، وهذا التعريف للشبهة الموضوعيّة ـ أيضا ـ مخالف لما تقدّم من المصنّف قدس‌سره في تعريف الشبهة الموضوعيّة ، كما لا يخفى.

والقسم الثاني : هو المردّد بينهما ، حيث يكون المشتبه هو الحكم والموضوع معا ، وذلك كبعض أفراد الغناء ، مثل الصوت المرجّع بلا طرب المشكوك دخوله في الغناء المحرّم شرعا ، فيكون مردّدا بين ما هو المحرّم ، وبين ما ليس بمحرّم ، ويكون حكمه ـ أيضا ـ مردّدا بين الحرمة والإباحة ، ثمّ إنّ القسم الثالث يلحق حكما بالقسم الأوّل فيجب فيه الاحتياط كالقسم الأوّل ، والقسم الثاني لا يجب فيه الاحتياط ، والدليل على هذا الفرق والتفصيل وجوه :

١٣

منها : قوله عليه‌السلام : (كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال) (١).

فهذا وأشباهه صادق على الشبهة في طريق الحكم ـ إلى أن قال ـ :

وإذا حصل الشكّ في تحريم الميتة لم يصدق عليها أنّ فيها حلالا ولا حراما».

أقول : إن كان مطلبه أنّ هذه الرواية وأمثالها مخصّصة لعموم ما دلّ على وجوب التوقّف والاحتياط في مطلق الشبهة ، وإلّا فجريان أصالة الإباحة في الشبهة الموضوعيّة لا

____________________________________

(منها : قوله عليه‌السلام : (كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال).

إذ أخبار الحلّ تدلّ على الحليّة في الشبهة الموضوعيّة ، كما أشار قدس‌سره إلى وجه ذلك بقوله :

(فهذا وأشباهه صادق على الشبهة في طريق الحكم) فيكون دليلا على الحليّة في الشبهة الموضوعيّة.

(وإذا حصل الشكّ في تحريم الميتة لم يصدق عليها أنّ فيها حلالا وحراما).

قال الحرّ العاملي : إذا شكّ في تحريم الميتة من باب الفرض ، لم يصدق عليها أنّ فيها حلالا وحراما ، حتى تكون الشبهة فيها شبهة في طريق الحكم ، ولذلك يحكم فيها بالحليّة لقوله عليه‌السلام : (كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك ... إلى آخره).

وأمّا إذا شكّ في تحريم اللحم المشترى من السوق ، فإنّه يصدق عليه أنّ فيه حلالا وهو المذكّى ، وحراما وهو الميتة ، فيحكم بالحليّة لما دلّ على الحلّ في موارد الشبهة الموضوعيّة ، لكون الشبهة ـ حينئذ ـ شبهة موضوعيّة.

وبالجملة ، إنّ المستفاد من أخبار الحلّ هو الحكم بالحليّة والإباحة في الشبهة التي في طريق الحكم فقط.

ثم أورد المصنّف قدس‌سره على استدلال الحرّ العاملي بقوله :

(أقول : إن كان مطلبه أنّ هذه الرواية وأمثالها مخصّصة لعموم ما دلّ على وجوب التوقّف والاحتياط في مطلق الشبهة ... إلى آخره).

وحاصل الإيراد هو أن مراد الحرّ العاملي ، إن كان وجوب التوقّف والاحتياط بما دلّ

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢١٦ / ١٠٠٢. التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٧. الوسائل ١٧ : ٨٨ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤ ، ح ١.

١٤

ينفي جريانها في الشبهة الحكميّة مع أنّ سياق أخبار التوقّف والاحتياط يأبى عن التخصيص من حيث اشتمالها على العلّة العقليّة لحسن التوقّف والاحتياط ، أعني : الحذر من الوقوع في الحرام والهلكة.

فحملها على الاستحباب أولى.

____________________________________

على وجوب التوقّف والاحتياط في مطلق الشبهة ، حكميّة كانت أو موضوعيّة ، إلّا إنّ أخبار الحلّ كالرواية المتقدّمة وأمثالها مخصّصة لعموم أخبار التوقّف والاحتياط ، كانت النتيجة وجوب التوقّف والاحتياط في الشبهة الحكميّة فقط دون الموضوعيّة ، وهو المطلوب.

ولا بدّ أن يكون مراده ذلك (وإلّا فجريان أصالة الإباحة في الشبهة الموضوعيّة لا ينفي جريانها في الشبهة الحكميّة).

وإن لم يكن مراده ما ذكر من التخصيص ، بل كان المراد أنّ أخبار الحلّ تدلّ على الإباحة في الشبهة الموضوعيّة فقط ، لما تمّ ما ذكره من الفرق والتفصيل بين الشبهة الموضوعيّة والحكميّة ؛ وذلك لأنّ جريان أصالة الإباحة في الشبهة الموضوعيّة لأخبار الحلّ لا ينافي جريانها في الشبهة الحكميّة بما دلّ على الإباحة والحليّة فيها كقوله عليه‌السلام : (كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي) (١) من الشارع.

فالحاصل أنّه لا بدّ من الالتزام باختصاص ما دلّ على الإباحة والحليّة بالشبهة الموضوعيّة ، ثمّ الالتزام بكونه مخصّصا لعموم ما دلّ على وجوب التوقّف ، والاحتياط حتى يتمّ التفصيل المذكور ، فيكون التفصيل المتقدّم مبنيّا على التخصيص.

والتخصيص غير صحيح ، لأنّ سياق أخبار التوقّف والاحتياط يأبى عن التخصيص من جهة كونها مشتملة على العلّة العقليّة الجارية في جميع أفراد الشبهة ، وهي الحذر من الوقوع في الحرام والهلكة ، فتخصيص الحكم بوجوب التوقّف والاحتياط ببعض الأفراد ينافي مقتضى العلّة العقليّة المشتركة بينها.

(فحملها على الاستحباب أولى).

أي : حمل أخبار التوقّف والاحتياط على الاستحباب أولى ، سواء كانت الشبهة حكميّة

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٣٧. الوسائل ٢٧ : ١٧٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٧.

١٥

ثمّ قال : «ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات) (١) وهذا انّما ينطبق على الشبهة في نفس الحكم وإلّا لم يكن الحلال البيّن ولا الحرام البيّن ولا يعلم أحدهما من الآخر إلّا علّام الغيوب ، وهذا ظاهر واضح».

أقول : فيه ـ مضافا إلى ما ذكرنا من إباء سياق الخبر عن التخصيص ـ إنّ رواية التثليث التي هي العمدة من أدلّتهم ظاهرة في حصر ما يبتلى به المكلّف من الأفعال في ثلاثة ، فإن

____________________________________

أو موضوعيّة ، وبذلك لا يتمّ ما ذكره الحرّ العاملي قدس‌سره من التفصيل بين الشبهة الموضوعيّة والحكميّة بوجوب الاحتياط في الثاني دون الأوّل.

نعم ، يمكن أن يكون مراد الحرّ العاملي قدس‌سره اختصاص أخبار التوقّف والاحتياط في الشبهة الحكميّة ، كما يكون مراده اختصاص أخبار الحلّ في الشبهة الموضوعيّة ، وحينئذ يتمّ التفصيل من دون حاجة إلى التخصيص ، ولا يرد عليه ما أورده المصنّف قدس‌سره.

(ثمّ قال : «ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات) وهذا إنّما ينطبق على الشبهة في نفس الحكم وإلّا لم يكن الحلال البيّن ، ولا الحرام البيّن ، ولا يعلم أحدهما من الآخر إلّا علّام الغيوب).

وملخّص الكلام أنّ هذا التثليث ينطبق على الشبهة الحكميّة ، إذ البيّن هو الحكم الشرعي لا الموضوع الخارجي ، إذ ليس موضوع من الموضوعات الخارجيّة إلّا ويحتمل فيه الحرمة لجهة من الجهات فقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذيل الحديث المنطبق على الشبهة الحكميّة : (فمن ترك الشبهات نجى من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرّمات ، وهلك من حيث لا يعلم) (٢) ، يدلّ على وجوب الاجتناب عن الشبهات في الشبهة الحكميّة فقط ، وهو المطلوب.

(أقول : فيه مضافا إلى ما ذكرنا من إباء سياق الخبر عن التخصيص أنّ رواية التثليث التي هي العمدة من أدلّتهم ظاهرة في حصر ما يبتلى به المكلّف من الأفعال في ثلاثة ... إلى

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. الفقيه ٣ : ٦ / ١٨. التهذيب ٦ : ٣٠٢ / ٨٤٥. الوسائل ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.

(٢) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. الفقيه ٣ : ٦ / ١٨. التهذيب ٦ : ٣٠٢ / ٨٤٥. الوسائل ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.

١٦

كانت عامّة للشبهة الموضوعيّة ـ أيضا ـ صحّ الحصر ، وإن اختصّت بالشبهة الحكميّة كان الفرد الخارجي المردّد بين الحلال والحرام قسما رابعا لأنّه ليس حلالا بيّنا ولا حراما بيّنا ولا مشتبه الحكم.

ولو استشهد بما قبل النبوي من قول الصادق عليه‌السلام : (إنّما الامور ثلاثة) (١) كان ذلك أظهر

____________________________________

آخره).

وحاصل إيراد المصنّف قدس‌سره على استدلال الحرّ العاملي قدس‌سره بحديث التثليث على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة هو فساد استدلال الحرّ العاملي لوجهين :

الوجه الأوّل : إنّ حديث التثليث يشمل الشبهة الحكميّة الوجوبيّة ، فلو دلّ على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة ، لدلّ على وجوبه في الشبهة الحكميّة الوجوبيّة ، والتالي باطل لعدم وجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة الوجوبيّة بالاتّفاق ، فالمقدّم ـ أيضا ـ باطل وإلّا لزم تخصيص الخبر بإخراج الشبهة الوجوبيّة عنه ، ولا يجوز الالتزام بالتخصيص لما في المتن (من إباء سياق الخبر عن التخصيص).

فلا بدّ من القول بعدم دلالة رواية التثليث على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة مطلقا ، وبذلك يكون الاستدلال بها على وجوب الاحتياط فيها فاسدا ، هذا ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(مضافا إلى ما ذكرنا من إباء سياق الخبر عن التخصيص).

الوجه الثاني : إن حديث التثليث ظاهر في حصر ما يبتلى به المكلّف من الأفعال في ثلاثة أي : حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، وحينئذ فإن كان شاملا للشبهة الموضوعيّة صحّ الحصر ، وإن كان مختصّا بالشبهة الحكميّة لا يصحّ الحصر ، وذلك لخروج الفرد الخارجي المردّد بين الحلال والحرام عنه بالفرض لكون الشبهة فيه موضوعيّة ، فلا يدخل في المشتبه بالشبهة الحكميّة حتى يكون من الشبهات بين ذلك ، وإنّما سيكون أمرا رابعا ، وبذلك يبطل حصر ما يبتلى به المكلّف من الأفعال في الثلاثة ، فلا بدّ حينئذ من القول بشمول حديث التثليث للشبهة الموضوعيّة ، حتى يتمّ الحصر المذكور ، فيكون

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. الفقيه ٣ : ٦ / ١٨. التهذيب ٦ : ٣٠٢ / ٨٤٥. الوسائل ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.

١٧

في الاختصاص بالشبهة الحكميّة ، إذ المحصور في هذه الفقرة الامور التي يرجع فيها إلى بيان الشارع فلا يرد إخلاله بكون الفرد الخارجي المشتبه أمرا رابعا للثلاثة.

وامّا ما ذكره : «من المانع لشمول النبوي للشبهة الموضوعيّة من أنّه لا يعلم الحلال من الحرام إلّا علّام الغيوب».

____________________________________

الاستدلال به على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة فقط فاسدا.

(ولو استشهد بما قبل النبوي من قول الصادق عليه‌السلام : (إنّما الامور ثلاثة)).

أي : أمر بيّن رشده فيتبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(كان ذلك أظهر في الاختصاص بالشبهة الحكميّة) بقرينة ردّ الأمر المشكل إلى الشارع.

ومن المعلوم أنّ ما يرجع إلى بيان الشارع في رفع الاشتباه عنه تكون الشبهة فيه حكميّة ، فالمحصور في هذه الرواية هي الامور التي يرجع فيها إلى بيان الشارع ، وهي منحصرة في الثلاثة ، فلا يرد على هذا الحصر ما ورد في الحصر المذكور في النبوي من أنّ الفرد الخارجي المردّد بين الحلال والحرام أمر رابع ، إذ الفرد الخارجي المردّد بين الحلال والحرام خارج عن المحصور في الرواية ، فوجوده لا يضرّ بحصر ما هو المقصود حصره ، هذا بخلاف المحصور في النبوي حيث يكون ما يبتلى به المكلّف من الأفعال والفعل الخارجي المردّد بين الحلال والحرام يكون ممّا يبتلى به المكلّف فيكون داخلا في المحصور ، فلو قلنا بخروجه عن النبوي باعتبار اختصاصه بالشبهة الحكميّة ، لكان أمرا رابعا ، فلا يصحّ حصر ما يبتلى به المكلّف من الأفعال في الثلاثة على ما تقدّم.

(وأمّا ما ذكره : «من المانع لشمول النبوي للشبهة الموضوعيّة من أنّه لا يعلم الحلال من الحرام إلّا علّام الغيوب»).

أي : إنّ ما ذكره الحرّ العاملي قدس‌سره من المانع العقلي من شمول النبوي للشبهة الموضوعيّة ، من أنّ البيّن عندنا هو الحلال والحرام من حيث الحكم ، وأمّا الحلال والحرام من حيث الموضوع فلا يعلمهما إلّا الله العلّام لجميع الغيوب ، والحديث النبوي يبيّن لنا ما هو البيّن عندنا وهو الحلال والحرام من حيث الحكم ، لا ما هو البيّن عند الله حتى يشمل الشبهة الموضوعيّة ، فمردّد ، كما أشار إليه بقوله :

١٨

ففيه : إنّه إن اريد عدم وجودهما ، ففيه ما لا يخفى. وإن أريد ندرتهما ، ففيه : إنّ الندرة تمنع من اختصاص النبوي بالنادر لا من شمولها له ، مع أنّ دعوى كون الحلال البيّن من حيث الحكم أكثر من الحلال البيّن من حيث الموضوع قابلة للمنع ، بل المحرّمات الخارجيّة المعلومة أكثر بمراتب من المحرّمات الكلّيّة المعلوم تحريمها.

ثم قال : «ومنها : ما ورد من الأمر البليغ باجتناب ما يحتمل الحرمة والإباحة بسبب تعارض الأدلّة وعدم النصّ ، وذلك واضح الدلالة على اشتباه نفس الحكم الشرعي».

____________________________________

(ففيه : إنّه إن اريد عدم وجودهما ففيه ما لا يخفى).

إذ كلاهما موجود ، فإنّ ماء النبع والغزال في الجبال ـ مثلا ـ من الحلال البيّن ، والخمر والميسر ـ مثلا ـ من الحرام البيّن.

(وإن اريد ندرتهما ففيه ... إلى آخره).

أي : وإن اريد ندرة الحلال والحرام البيّنين من حيث الموضوع ، ففيه :

أوّلا : إنّ الندرة لا تمنع عن شمول النبوي للنادر ، بل تمنع عن اختصاصه به.

وثانيا : نمنع كثرة الحلال والحرام البيّنين من حيث الحكم ، وندرتهما من حيث الموضوع ، بل الأمر بالعكس ؛ لأنّ المحرّمات الخارجيّة المعلومة أكثر بمراتب من المحرّمات الكلّيّة المعلومة.

وبالجملة ، إنّا نمنع أوّلا : من أكثريّة المحلّلات من حيث الحكم من المحلّلات من حيث الموضوع. وثانيا : ندّعي أكثريّة المحرّمات من حيث الموضوع من المحرّمات من حيث الحكم.

(ثم قال : «ومنها : ما ورد من الأمر البليغ باجتناب ما يحتمل الحرمة والإباحة بسبب تعارض الأدلّة ، وعدم النصّ ، وذلك واضح الدلالة على اشتباه نفس الحكم الشرعي»)

قال الحرّ العاملي قدس‌سره في مقام الاستدلال على التفصيل المزبور : إنّ من جملة ما يدلّ على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة ما ورد من الأمر باجتناب ما يحتمل الحرمة والإباحة فيما إذا كان الاشتباه من جهة تعارض النصّين ، أو عدم النصّ ، ومن المعلوم أنّ الشبهة فيما إذا كان الاشتباه فيها من جهة تعارض النصّين ، أو عدم النصّ حكميّة ، فالمستفاد ممّا دلّ على وجوب الاجتناب عن محتمل الحرمة في مورد تعارض الأدلّة ،

١٩

أقول : ما دلّ على التخيير والتوسعة مع التعارض وعلى الإباحة مع عدم ورود النهي ، وإن لم يكن في الكثرة بمقدار أدلّة التوقّف والاحتياط ، إلّا إنّ الانصاف أنّ دلالتها على الإباحة والرخصة أظهر من دلالة تلك الأخبار على وجوب الاجتناب.

قال : ومنها : «إنّ ذلك وجه للجمع بين الأخبار لا يكاد يوجد وجه أقرب منه».

أقول : مقتضى الإنصاف أنّ حمل أدلّة الاحتياط على الرجحان المطلق أقرب ممّا ذكره.

____________________________________

كخبر الغوالي (١) ، وما دلّ على وجوب التوقّف والاحتياط في مورد عدم النصّ هو وجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة ، فيكون دليلا على التفصيل.

(أقول : ما دلّ على التخيير والتوسعة مع التعارض وعلى الإباحة مع عدم ورود النهي ، وإن لم يكن في الكثرة بمقدار أدلّة التوقّف والاحتياط ... إلى آخره).

وحاصل إيراد المصنّف قدس‌سره على الاستدلال المذكور هو أنّ ما دلّ على وجوب الاحتياط في باب التعارض معارض بما دلّ على التخيير في هذا الباب.

وكذلك ما دلّ على وجوب التوقّف والاحتياط في ما لا نصّ فيه معارض بما دلّ على الرخصة والإباحة.

ثمّ مجموع ما دلّ على وجوب الاحتياط في الموردين وإن كان كثيرا عددا إلّا إنّ دلالة ما دلّ على البراءة فيهما تكون أقوى وأظهر ، فيتقدّم على ما دلّ على وجوب الاحتياط.

(قال : ومنها : «إنّ ذلك وجه للجمع بين الأخبار لا يكاد يوجد وجه أقرب منه»).

وحاصل هذا الاستدلال هو أنّ الأخبار متعارضة فمنها ما يدلّ على وجوب الاحتياط مطلقا ، ومنها ما يدلّ على البراءة كذلك ، ومقتضى قاعدة الجمع العرفي ـ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ـ هو التفصيل بحمل ما دلّ على وجوب الاحتياط على الشبهة الحكميّة ، وما دلّ على البراءة على الشبهة الموضوعيّة.

(أقول : مقتضى الإنصاف أنّ حمل أدلّة الاحتياط على الرجحان المطلق أقرب ممّا ذكره).

وحاصل ما ذكره المصنّف قدس‌سره هو أن نحمل ما دلّ على وجوب الاحتياط على الطلب

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩.

٢٠