التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان مما منّ الله عزوجل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يقرأ ولا يكتب ، فلما توجه أبو سفيان ، إلى أحد ، كتب العباس إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاءه الكتاب وهو في بعض حيطان المدينة ، فقرأه ولم يخبر أصحابه ، وأمرهم أن يدخلوا المدينة ، فلما دخلوا المدينة أخبرهم» (١).

وقال علي عليه‌السلام : «نحن الذين بعث الله فينا رسولا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) : «كانوا يكتبون ، ولكن لم يكن معهم كتاب من عند الله ، ولا بعث إليهم رسولا فنسبهم إلى الأميّة» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقرأ ويكتب ، ويقرأ ما لم يكتب» (٤).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)) [سورة الجمعة : ٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) ، قال : دخلوا في الإسلام بعدهم (٥).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)) [سورة الجمعة : ٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن من الملائكة الذين في سماء الدنيا

__________________

(١) علل الشرائع : ص ١٢٥ ، ح ٥.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٩٢ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٦.

(٤) بصائر الدرجات : ص ٢٤٧ ، ح ٥.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٦.

٨١

ليطلعون إلى الواحد والاثنين والثلاثة وهم يذكرون فضل آل محمد عليهم‌السلام ، فيقولون : أما ترون هؤلاء في قلتهم وكثرة عدوهم يصفون فضل آل محمد؟ فتقول الطائفة الأخرى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(١).

وقالت أم سلمة أم المؤمنين (رضي الله عنها) : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ما من قوم اجتمعوا يذكرون فضل محمد وعلي بن أبي طالب وأهل بيته إلا وهبطت الملائكة من السماء يحفون بهم ، فإذا تفرقوا عرجت الملائكة إلى السماء ، فيقول الملائكة : إنا نشم منكم رائحة ما شممناها ، ولا رائحة أطيب منها ، فيقولون : إنا كنا قعودا عند قوم يذكرون فضل محمد وآل محمد فعبق بنا من ريحم ، فيقولون : اهبطوا بنا إلى المكان الذي كانوا فيه فيقولون : إنهم تفرقوا» (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧)) [سورة الجمعة : ٥ ـ ٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم ضرب مثلا في بني إسرائيل ، فقال : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) قال : الحمار يحمل الكتب ولا يعلم ما فيها ولا يعمل [بها] كذلك بنو إسرائيل قد حملوا مثل الحمار لا يعلمون ما فيه ولا يعملون به. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ١٤٩ ، ح ٤.

(٢) ... ينابيع المودة : ص ٢٤٦ ، بحار الأنوار : ج ٣٨ ، ص ١٩٩ ، ح ٧ عن روضة ابن شاذان.

٨٢

هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، قال : في التوراة مكتوب : أولياء الله يتمنون الموت (١).

وقال عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : حدثني أبو عبد الله عليه‌السلام بحديث ، فقلت له : جعلت فداك ، زعمت لي الساعة كذا وكذا؟ فقال : «لا» ، فعظم ذلك علي ، فقلت : والله قد قلته. قال : «نعم ، قد قلته ، أما علمت أن كل زعم في القرآن كذب؟» (٢).

أقول : ثم يشير القرآن إلى سبب خوفهم من الموت بقوله : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ). لأن خوف الإنسان من الموت ناشىء من عاملين أساسيين : أعماله السيئة التي يعتقد أنه سيواجهها بعد مماته في عالم الآخرة عند ما تقام المحكمة الإلهية. وإنما يخاف اليهود من الموت لسوء أعمالهم إذ أنهم يعتقدون ـ أيضا ـ بيوم الحساب.

وقد وصفهم القرآن الكريم بالظالمين ، وذلك لأن الظلم يتسع ليشمل جميع الأعمال السيئة والجرائم التي ارتكبوها ، من قتلهم الأنبياء وقول الزور وغصب الحقوق وتلوثهم بمختلف المفاسد الأخلاقية.

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)) [الجمعة : ٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي : (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «يا أيها الناس ، كل امرىء ملاق في فراره ما منه يفر ، والأجل مساق النفس إليه ، والهرب منه مؤاتاته» (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٦.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٥٦ ، ح ٢٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٦.

٨٣

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «تعدّ السنين ، ثم تعد الشهور ، ثم تعد الأيام ، ثم تع الساعات ، ثم تعد النفس (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقمون) (١)» (٢).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)) [سورة الجمعة : ٩ ـ ١١]؟!

الجواب / قال جابر بن يزيد : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ)؟ قال : «اعملوا وعجّلوا ، فإنه يوم مضيق على المسلمين فيه ، وثواب أعمال المسلمين فيه على قدر ما ضيق عليهم ، والحسنة والسيئة تضاعف فيه».

قال : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «والله لقد بلغني أن أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يتجهّزون للجمعة يوم الخميس لأنه يوم مضيق على المسلمين» (٣).

وقال أبو أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) قال : «الصلاة يوم الجمعة ، والانتشار يوم السبت».

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أف للرجل المسلم أن لا يفرغ نفسه في الأسبوع يوم الجمعة لأمر دينه فيسأل عنه» (٤).

__________________

(١) الأعراف : ٣٤.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٦٢ ، ح ٤٤.

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٤١٥ ، ح ١٠.

(٤) الخصال : ص ٣٩٣ ، ح ٩٦.

٨٤

ورواه أيضا في (الفقيه) بإسناده ، عن أبي أيوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، مثله (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) ، يقول : اسعوا [أي] امضوا ، ويقول : اسعوا أي اعملوا لها ، وهو قصّ الشارب ، ونتف الإبطين ، وتقليم الأظافر ، والغسل ولبس أفضل الثياب ، وتطيّب للجمعة ، فهو السعي لقول الله : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ)(٢)» (٣).

وقال المفيد في (الاختصاص) : روي عن جابر الجعفي ، قال : كنت ليلة من بعض الليالي عند أبي جعفر عليه‌السلام فقرأت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) ، قال : فقال عليه‌السلام : «مه يا جابر ، كيف قرأت؟» قلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) ، قال : «هذا تحريف ، يا جابر».

قال : قلت : فكيف أقرأ ، جعلني الله فداك؟ قال : فقال : «يا أيها الذينءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله ، هكذا نزلت يا جابر [لو كان سعيا لكان عدوا ، لما كرهه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] لقد كان يكره أن يعدو الرجل إلى الصلاة.

يا جابر ، لم سميت الجمعة يوم الجمعة؟» قال : قلت : تخبرني ، جعلني الله فداك. قال : «أفلا أخبرك بتأويله الأعظم؟» قال : قلت : بلى ، جعلني الله فداك ، قال : فقال : «يا جابر ، سمى الله الجمعة جمعة لأن الله عزوجل جمع في ذلك اليوم الأولين والآخرين ، وجميع ما خلق الله من الجنّ والإنس ، وكل

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ٢٧٣ ، ح ١٢٥٢.

(٢) الإسراء : ١٩.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٧.

٨٥

شيء خلق ربنا والسماوات والأرضين والبحار ، والجنّة والنار ، وكل شيء خلقه الله في الميثاق ، فأخذ الميثاق منهم له بالربوبية ، ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة ، ولعلي عليه‌السلام بالولاية ، وفي ذلك اليوم قال الله للسماوات والأرض : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)(١).

فسمّى الله ذلك اليوم الجمعة لجمعه فيه الأولين والآخرين (٢).

وعن أبي بصير أنه سئل عن الجمعة ، كيف يخطب الإمام؟ قال : يخطب قائما ، إن الله يقول : (وَتَرَكُوكَ قائِماً)(٣).

وقال قال ابن عباس في قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) : إن دحية الكلبيّ جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة ، فنزل عند أحجار الزيت ، ثم ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه ، فنفر الناس إليه إلا علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم‌السلام وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب ، وتركوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائما يخطب على المنبر ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لقد نظر الله يوم الجمعة إلى مسجدي ، فلولا هؤلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لأضرمت المدينة على أهلها نارا ، وحصبوا بالحجارة كقوم لوط ، ونزل فيهم : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ)(٤) الآية» (٥).

وقال الطبرسي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في معنى (انْفَضُّوا إِلَيْها) ، قال : «انصرفوا إليها» (٦).

__________________

(١) فصلت : ١١.

(٢) الاختصاص : ص ١٢٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٧.

(٤) النور : ٣٧.

(٥) المناقب : ج ٢ ، ص ١٤٦.

(٦) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٣٦.

٨٦

تفسير

سورة المنافقون

رقم السورة ـ ٦٣ ـ

٨٧
٨٨

سورة المنافقون

* س ١ : ما هو فضل سورة المنافقون؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الواجب على كل مؤمن ـ إذا كان لنا شيعة ـ أن يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك الأعلى ، وفي صلاة الظهر بالجمعة والمنافقين ، فإذا فعل ذلك فكأنما يعمل كعمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان جزاؤه وثوابه على الله الجنّة» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة برىء من النفاق والشك في الدين ، وإن قرئت على الدماميل أزالتها ، وإن قرئت على الأوجاع الباطنة سكّنتها» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى ، وسبب نزول ، قوله تعالى :

(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣)) [سورة المنافقون : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال محمد بن الفضيل : قلت : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا)؟ قال أبو الحسن الماضي عليه‌السلام : «إن الله تبارك وتعالى سمّى من لم يتبع رسوله

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٨.

(٢) البرهان : ج ٩ ، ص ٥١٨.

٨٩

في ولاية وصيّه منافقين ، وجعل من جحد وصيّه (١) وإمامته كمن جحد محمدا وأنزل بذلك قرآنا ، فقال : يا محمد (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) بولاية وصيك (قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ) بولاية علي (لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) والسبيل هو الوصيّ (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا) برسالتك و (كَفَرُوا) بولاية وصيّك (فَطُبِعَ) الله (عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ).

قلت : ما معنى لا يفقهون؟ قال : «يقول : لا يعقلون بنبوتك». [قلت] : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ)؟ قال : «وإذا قيل لهم ارجعوا إلى ولاية علي ، يستغفر لكم النبي من ذنوبكم (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) قال الله : (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) عن ولاية علي (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عليه ، ثم عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(٢) يقول : الظالمين لوصيّك» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : نزلت في غزاة المريسيع (٤) ، وهي غزاة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج إليها ، فلما رجع منها نزل على بئر ، وكان الماء قليلا فيها ، وكان أنس بن سيّار حليف الأنصار ، وكان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيرا لعمر بن الخطاب ، فاجتمعوا على البئر ، فتعلق دلو [ابن] سيّار بدلو جهجاه ، فقال [ابن] سيار : دلوي

__________________

(١) في طبعة : وصيته.

(٢) المنافقون : ٥ ، ٦.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٨ ، ح ٩١.

(٤) المريسيع : ماء من ناحية قديد إلى الساحل به غزوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بني المصطلق من خزاعة. «مراصد الإطلاع : ج ٣ ، ص ١٢٦٣».

٩٠

وقال : جهجاه دلوي ، فضرب جهجاه يده على وجه [ابن] سيّار ، فسال منه الدم ، فنادى [ابن] سيّار بالخزرج ، ونادى جهجاه بقريش ، وأخذ الناس السلاح ، وكاد أن تقع الفتنة ، فسمع عبد الله بن أبي النداء ، فقال : ما هذا؟ فأخبروه بالخبر ، فغضب غضبا شديدا ، ثم قال : قد كنت كارها لهذا المسير ، إني لأذلّ العرب ، ما ظننت أني أبقى إلى أن أسمع مثل هذا فلا يكون عندي تغيير.

ثم أقبل على أصحابه ، فقال : هذا عملكم ، أنزلتموهم منازلكم ، وواسيتموهم بأموالكم ، ووقيتموهم بأنفسكم ، وأبرزتم نحوركم إلى القتل ، فأرمل نساؤكم وأيتم صبيانكم ، ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم ، ثم قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، وكان في القوم زيد بن أرقم ، وكان غلاما ، قد راهق ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ظل شجرة ، في وقت الهاجرة (١) ، وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله بن أبي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعلك وهمت يا غلام؟» فقال : لا والله ما وهمت ، فقال : «فلعلك غضبت عليه؟» قال : لا والله ما غضبت عليه ، قال : «فلعله سفه عليك؟» فقال : لا والله.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لشقران مولاه : «أحدج» (٢) فأحدج راحلته وركب ، وتسامع الناس بذلك ، فقالوا : ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليرحل في مثل هذا الوقت ، فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة ، فقال : السّلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال : «وعليك السّلام». فقال : ما كنت لترحل في مثل هذا الوقت؟ فقال : «أو ما سمعت قولا قاله صاحبكم؟» قال : وأي صاحب لنا

__________________

(١) أي نصف النهار عند اشتداد الحر. «لسان العرب : ج ٥ ، ص ٢٥٤».

(٢) يقال : أحدج بعيرك أي شد عليه قتبه بأداته. «لسان العرب : ج ٢ ، ص ٢٣١».

٩١

غيرك يا رسول الله؟ قال : «عبد الله بن أبي ، زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل» فقال : يا رسول الله ، أنت وأصحابك الأعزّ ، وهو وأصحابه الأذل.

فسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومه كلّه لا يكلمه أحد ، فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبي يعذلونه ، فحلف عبد الله بن أبي أنه لم يقل شيئا من ذلك ، فقالوا : فقم بنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى نعتذر إليه ، فلوى عنقه ، فلما جن الليل سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليله كله والنهار ، فلم ينزلوا إلا للصلاة ، فلما كان من الغد نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزل أصحابه ، وقد أمهدهم الأرض من السهر الذي أصابهم ، فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحلف عبد الله أنه لم يقل ذلك ، وأنه ليشهد أن لا إله إلا الله وأنك لرسول الله ، وأن زيدا قد كذب علي ، فقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه ، وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ويقولون له : كذبت على عبد الله سيدنا.

فلما رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان زيد معه يقول : اللهم إنك لتعلم أني لم أكذب على عبد الله بن أبي ، فما سار إلا قليلا حتى أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يأخذه من البرحاء (١) عند نزول الوحي عليه ، فثقل حتى كادت ناقته أن تبرك من ثقل الوحي ، فسري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يسكب العرق عن جبهته ، ثم أخذ بأذن زيد بن أرقم ، فرفعه من الرّحل ، ثم قال : «يا غلام ، صدق قولك ، ووعى قلبك ، وأنزل الله فيما قلت قرآنا». فلما نزل ، جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)

__________________

(١) أي الشدة والمشقة. «لسان العرب : ج ٢ ، ص ٤١٠».

٩٢

إلى قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)(١) ففضح الله عبد الله بن أبي (٢).

وقال أبان بن عثمان : سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما وليلة من الغد حتى ارتفع الضحى ، فنزل ونزل الناس ، فرموا بأنفسهم نياما ، وإنما أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكف الناس عن الكلام ، قال : وإن ولد عبد الله بن أبي أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، إن كنت عزمت على قتله فمرني أكون أنا الذي أحمل إليك رأسه ، فو الله لقد علمت الخزرج والأوس أني أبرّهم ولدا بوالدي ، فإني أخاف أن تأمر غيري فيقتله ، فلا تطيب نفسي أن أنظر إلى قاتل أبي فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بل نحسن صحبته ما دام معنا» (٣).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥)) [سورة المنافقون : ٤ ـ ٥]؟!

الجواب / ١ ـ أقول : توضح هذه الآية علامات المنافقين بشكل أكثر وضوحا ، إذ يقول تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) فهم يتمتعون بظواهر جميلة وأجسام لطيفة.

(وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لأنه ينطوي على شيء من التحسين والعذوبة.

__________________

(١) المنافقون : ١ ـ ٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٠.

٩٣

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) يقول : «لا يسمعون ولا يعقلون ، قوله : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) يعني كل صوت (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) فلما نعتهم الله لرسوله وعرّفه مساءتهم إليه وإلى عشائرهم فقالوا لهم : قد افتضحتم ويلكم فأتوا نبي الله يستغفر لكم فلووا رؤوسهم وزهدوا في الاستغفار ، يقول الله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ)(١).

أقول : (لَوَّوْا) من مادة (لي) وهي في الأصل بمعنى برم الحبل ، وتأتي أيضا بمعنى إمالة الرأس وهزه إعراضا واستكبارا.

(يَصُدُّونَ) لها معنيان ، (المنع) و (الإعراض) وهذا المعنى أكثر انسجاما مع الآية ـ مورد البحث ـ.

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦)) [سورة المنافقون : ٦]؟!

الجواب / قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «إن الله تعالى قال لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)(٢) فاستغفر لهم مائة مرة ليغفر لهم فأنزل الله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) ، وقال : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ)(٣) فلم يستغفر لهم بعد ذلك ، ولم يقم على قبر أحد منهم» (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٠.

(٢) التوبة : ٨٠.

(٣) التوبة : ٨٤.

(٤) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ١٠٠ ، ح ٩٢.

٩٤

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧)) [سورة المنافقون : ٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم قال سبحانه : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) «من المؤمنين المحتاجين (حَتَّى يَنْفَضُّوا) أي يتفرقوا عنه. وإنما قالوا هم من عند محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن الله سبحانه سماه رسول الله تشريفا له ، وتعظيما لقدره (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما بينهما من الأرزاق ، والأموال ، والأغلاق ، فلو شاء لأغناهم ، ولكنه تعالى يفعل ما هو الأصلح لهم ، ويمتحنهم بالفقر ، ويتعبدهم بالصبر ليصبروا فيؤجروا ، وينالوا الثواب ، وكريم المآب. (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) «ذلك على الحقيقة. لجهلهم بوجوه الحكمة. وقيل : لا يفقهون أن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨)) [سورة المنافقون : ٨]؟!

الجواب / تقدم تفسير هذه الآية برقم (١ ـ ٣) من نفس السورة. وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله عزوجل فوّض إلى المؤمن أموره كلها ، ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا ، أما تسمع قول الله عزوجل يقول : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ، فالمؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا».

ثم قال : «إن المؤمن أعزّ من الجبل ، إن الجبل يستقل منه بالمعاول ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢٤.

٩٥

والمؤمن لا يستقل من دينه شيء» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله عزوجل فوّض إلى المؤمن أموره كلها ، ولم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه ، ألم تر قول الله عزوجل ها هنا : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)؟ والمؤمن ينبغي له أن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا» (٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩)) [سورة المنافقون : ٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ) أي لا تشغلكم (أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) «أي عن الصلوات الخمس المفروضة. وقيل : ذكر الله جميع طاعاته. وقيل ذكره شكره على نعمائه ، والصبر على بلائه ، والرضا بقضائه ، وهو إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يغفل المؤمن عن ذكر الله في بؤس كان أو نعمة ، فإن إحسانه في الحالات لا ينقطع (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي من يشغله ماله وولده عن ذكر الله (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسروا ثواب الله ورحمته (٣).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١)) [سورة المنافقون : ١٠ ـ ١١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ)

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٦٣ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٦٤ ، ح ٦.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢٥.

٩٦

يعني بقوله : (فَأَصَّدَّقَ) أي أحج (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) يعني عند الموت ، فرد الله عليه فقال : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(١).

وقال ابن بابويه في (الفقيه) : مرسلا عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سئل عن قول الله عزوجل : (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، قال : (فَأَصَّدَّقَ) من الصدقة (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي أحج» (٢).

وقال الطبرسي : عن ابن عباس ، قال : ما من أحد يموت وكان له مال فلم يؤد زكاته ، وأطاق فلم يحج ، إلا سأل الله الرجعة عند الموت ، قالوا : يا ابن عباس اتق الله ، إنما نرى هذا الكافر يسأل الرجعة؟ فقال : أنا أقرأ عليكم قرآنا ، ثم قرأ هذه الآية إلى قوله تعالى : (مِنَ الصَّالِحِينَ). وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها) قال : «إن عند الله كتبا مرقومة يقدم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ، فإذا كان ليلة القدر أنزل الله فيها كل شيء يكون إلى ليلة مثلها ، فذلك قوله تعالى : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها) إذا أنزله وكتبه كتّاب السماوات ، وهو الذي لا يؤخّره» (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ، ص ١٤٢ ، ح ٦١٨.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٤٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٠.

٩٧
٩٨

تفسير

سورة التغابن

رقم السورة ـ ٦٤ ـ

٩٩
١٠٠