التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠)) [سورة المزّمّل : ٢٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) : «ففعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك ، وبشّر الناس به ، فاشتدّ ذلك عليهم».

وقوله : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) وكان الرجل يقوم ولا يدري متى ينتصف الليل ، ومتى يكون الثلثان ، وكان الرجل يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظه ، فأنزل الله : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ) إلى قوله : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) يقول : متى يكون النصف والثّلث ، نسخت هذه الآية : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) واعلموا أنه لم يأت نبيّ قط إلا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط إلا بصلاة الليل في أول الليل (١).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أن السبب في نزول هذه السورة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقوم هو وأصحابه الليل كلّه للصلاة حتى تورّمت أقدامهم من كثرة قيامهم ، فشقّ ذلك عليه وعليهم ، فنزلت السورة بالتخفيف عنه وعنهم في قوله تعالى : (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أي لن تطيقوه» (٢).

وقال ابن عباس ، في قوله : (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) [قال] : عليّ وأبو ذرّ (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٢.

(٢) نهج البيان : ج ٣ ، ص ٣٠٣ ، «مخطوط».

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٥٧٥ ، شواهد التنزيل : ج ٢ ، ص ٢٩١ ، ح ١٠٣٦.

٢٦١

٣ ـ قال الشيخ الطبرسي : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) بأن جعله تطوعا ، ولم يجعله فرضا. وقيل : معناه فلم يلزمكم إثما ، كما لا يلزم التائب أي رفع التبعة فيه ، كرفع التبعة عن التائب. وقيل : فتاب عليكم أي فخفف عليكم. (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآن يعني في صلاة الليل ، عن أكثر المفسرين ، وأجمعوا أيضا على أن المراد بالقيام المتقدم في قوله (قُمِ اللَّيْلَ) هو القيام إلى الصلاة ، إلا أبا مسلم فإنه قال : أراد القيام لقراءة القرآن ، لا غير. وقيل : معناه فصلوا ما تيسر من الصلاة ، وعبر عن الصلاة بالقرآن ، لأنها تتضمنه. ومن قال : إن المراد به قراءة القرآن في غير الصلاة ، فهو محمول على الاستحباب عند الأكثرين دون الوجوب ، لأنه لو وجبت القراءة ، لوجب الحفظ. وقال بعضهم : هو محمول على الوجوب ، لأن القارىء يقف على إعجاز القرآن ، وما فيه من دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، ولا يلزم حفظ القرآن لأنه من القرب المستحبة المرغب فيها. ثم اختلفوا في القدر الذي تضمنه هذا الأمر من القراءة ، فقال سعيد بن جبير : خمسون آية. وقال ابن عباس : مائة آية ، وعن الحسن قال : من قرأ مائة آية في ليلة ، لم يحاجه القرآن. وقال كعب : من قرأ مائة آية في ليلة ، كتب من القانتين. وقال السدي : مائتا آية. وقال جويبر : ثلث القرآن لأن الله يسره على عباده ، والظاهر أن معنى ما تيسر مقدار ما أردتم وأحببتم. (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) وذلك يقتضي التخفيف عنكم (وَآخَرُونَ) أي ومنكم قوم آخرون (يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي يسافرون للتجارة ، وطلب الأرباح ، (وَآخَرُونَ) أي ومنكم قوم آخرون (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فكل ذلك يقتضي التخفيف عنكم (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) وروي عن الرضا عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جده عليه‌السلام قال : ما تيسر منه لكم فيه خشوع القلب ، وصفاء السر (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) بحدودها التي أوجبها الله عليكم (وَآتُوا الزَّكاةَ)

٢٦٢

المفروضة (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي وأنفقوا في سبيل الله ، والجهات التي أمركم الله ، وندبكم إلى النفقة فيها. وقد مر معنى القرض فيما تقدم (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي طاعة (تَجِدُوهُ) أي تجدوا ثوابه (عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) لكم من الشح والتقصير. (وَأَعْظَمَ أَجْراً) أي أفضل ثوابا ... (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) أي اطلبوا مغفرته. (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي ستار لذنوبكم ، صفوح عنكم ، رحيم بكم ، منعم عليكم. قال عبد الله بن مسعود : أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين ، صابرا محتسبا ، فباعه بسعر يومه ، كان عند الله بمنزلة الشهداء. ثم قرأ (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) الآية. وقال ابن عمر : ما خلق الله موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله ، أحب إلي من أن أموت بين شقي رحل ، أضرب في الأرض ، أبتغي من فضل الله. وقيل : إن هذه الآية مدنية ، ويدل عليها أن الصلاة والزكاة لم توجبا بمكة. وقيل : أوجبتا بمكة ، والآية مكية (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ١٦٩ ـ ١٧٠.

٢٦٣
٢٦٤

سورة المدّثّر

* س ١ : ما هو فضل سورة المدّثّر؟!

الجواب / قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام : «من قرأ في الفريضة سورة المدّثّر كان حقا على الله عزوجل أن يجعله مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في درجته ، ولا يدركه في الحياة الدنيا شقاء أبدا إن شاء الله تعالى» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعطي من الأجر بعدد من صدّق بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعدد من كذّب به عشر مرات ، ومن أدمن في قراءتها وسأل الله في آخرها حفظ القرآن لم يمت حتى يشرح الله قلبه ويحفظه» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)) [سورة المدّثّر : ١ ـ ١٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) اسم من أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العشرة التي في القرآن» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) :

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٠.

(٢) خواص القرآن : ص ٥٦ «مخطوط».

(٣) مختصر بصائر الدرجات : ص ٦٧.

٢٦٥

«يعني بذلك محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيامه في الرجعة ينذر فيها.

قوله : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً) يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نذيرا (لِلْبَشَرِ)(١) في الرجعة» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول : إنّ المدثر هو كائن عند الرجعة ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، أحياء قبل يوم القيامة ثم أموات؟ قال : فقال له عند ذلك : نعم والله لكفرة من الكفر بعد الرجعة أشد من الكفرات قبلها» (٣).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ عليا عليه‌السلام كان عندكم فأتى بني ديوان ، فاشترى ثلاثة أثواب بدينار ، القميص إلى فوق الكعب ، والإزار إلى نصف الساق ، والرداء من بين يديه إلى ثدييه ، ومن خلفه إلى أليتيه ، ثم رفع يده إلى السماء ، فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله ، ثم قال : هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه».

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ولكن لا يقدرون أن يلبسوا هذا اليوم ، ولو فعلنا لقالوا مجنون ، ولقالوا مرائي ، والله تعالى يقول : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) ، قال : وثيابك ارفعها ولا تجرّها ، وإذا قام قائمنا كان على هذا اللباس» (٤).

وقال رجل من أهل اليمامة كان مع أبي الحسن عليه‌السلام أيام حبس ببغداد : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : «إن الله تعالى قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) وكانت ثيابه طاهرة ، وإنما أمره بالتشمير» (٥).

وقال سلمة بياع القلانس : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام ، إذ دخل عليه أبو

__________________

(١) المدثر : ٣٥ ، ٣٦.

(٢) مختصر بصائر الدرجات : ص ٢٦.

(٣) مختصر بصائر الدرجات : ص ٢٦.

(٤) الكافي : ج ٦ ، ص ٤٥٥ ، ح ٢.

(٥) الكافي : ج ٦ ، ص ٤٥٦ ، ح ٤.

٢٦٦

عبد الله عليه‌السلام ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا بني ، ألا تطهر قميصك» فذهب ، فظننا أن ثوبه قد أصابه شيء ، فرجع إنه هكذا ، فقلنا : جعلنا الله فداك ، ما لقميصه؟ قال : «كان قميصه طويلا ، وأمرته أن يقصر ، إن الله عزوجل يقول : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)(١).

٣ ـ قال علي بن إبراهيم : قوله : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ، الرجز (٢) الخبيث (٣).

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) : «لا تستكثر ما عملت من خير لله» (٤).

وقال علي بن إبراهيم القمي : وفي رواية أبي الجارود يقول : لا تعطي العطية تلتمس أكثر منها (٥).

٥ ـ أقول : قوله : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ). نواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكد أن الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أن الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم كرارا. ولهذا نقرأ في حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام : «الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد» (٦) ، ولقد كان الصبر والاعتدال أحد الأدلة المهمة لمناهج الأنبياء والمؤمنين ، وكلما ازدادت عليهم المحن ازداد صبرهم.

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٤٥٧ ، ح ١٠.

(٢) في نسخة : الخسيء.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٣.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٦٢ ، ح ١.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٣.

(٦) نهج البلاغة ـ الكلمات القصار (٨٢).

٢٦٧

ورد في حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال حول أجر الصابرين : «قال الله تعالى : إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ، ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «قوله عزوجل : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) ، قال : الناقور هو النداء من السماء ، ألا إن وليكم الله وفلان بن فلان القائم بالحق ، ينادي به جبرئيل في ثلاث ساعات من ذلك اليوم ، فذلك (يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) يعني بالكافرين المرجئة الذين كفروا بنعمة الله وبولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (١).

وقال المفضل بن عمر : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن تفسير جابر؟ فقال : «لا تحدث به السفلة فيذيعوه ، أما تقرأ في كتاب الله عزوجل : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) إنّ منّا إماما مستترا ، فإذا أراد الله عزوجل إظهار أمره نكت في قلبه نكتة ، فظهر وأمر بأمر الله عزوجل» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا نقر في أذن القائم عليه‌السلام أذن له في القيام» (٣).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١)

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٣٢ ، ح ٣.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٣٤٩ ، ح ٤٢.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٣٢ ، ح ٢.

٢٦٨

ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)) [سورة المدّثّر : ١١ ـ ٣٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي : إنها نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان شيخا كبيرا مجربا من دهاة العرب ، وكان من المستهزئين برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقعد في الحجرة ويقرأ القرآن ، فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة فقالوا : يا أبا عبد شمس ، ما هذا الذي يقول محمد ، أشعر هو أم كهانة أم خطب؟ فقال : دعوني أسمع كلامه. فدنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا محمد ، أنشدني من شعرك. قال : «ما هو شعر ، ولكن كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه ورسله». فقال : اتل علي منه شيئا. فقرأ عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمّ السجدة ، فلما بلغ قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) يا محمد ، يعني قريشا (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ)(١) فاقشعر الوليد ، وقامت كلّ شعرة على رأسه ولحيته ، ومرّ إلى بيته ، ولم يرجع إلى قريش من ذلك.

فمشوا إلى أبي جهل ، فقالوا : يا أبا الحكم ، إن أبا عبد شمس صبا إلى دين محمد ، أما تراه لم يرجع إلينا؟ فغدا أبو جهل إلى الوليد ، فقال [له] : يا عم ، نكّست رؤوسنا وفضحتنا ، وأشمتّ بنا عدوّنا ، وصبوت إلى دين محمد! فقال : ما صبوت إلى دينه ، ولكني سمعت [منه] كلاما صعبا تقشعر منه الجلود. فقال له أبو جهل : أخطب هو؟ قال : لا ، إن الخطب كلام متصل ، وهذا الكلام منثور ، ولا يشبه بعضه بعضا. قال : فشعر هو؟ قال : لا ، أمّا إني قد سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها ورملها ورجزها وما هو بشعر ،

__________________

(١) فصلت : ١٣.

٢٦٩

قال : فما هو؟ قال : دعني أفكّر فيه.

فلمّا كان من الغد قالوا له : يا أبا عبد شمس ، ما تقول فيما قلنا؟ قال : قولوا هو سحر ، فإنه آخذ بقلوب الناس. فأنزل الله عزوجل على رسوله في ذلك (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) وإنما سمي وحيدا لأنّه قال لقريش : إنّي أتوحّد بكسوة البيت سنة ، وعليكم بجماعتكم سنة. وكان له مال كثير وحدائق ، وكان له عشر بنين بمكة ، وكان له عشرة عبيد ، عند كلّ عبد ألف دينار يتجر بها ، وملك القنطار في ذلك الزمان ، ويقال : إن القنطار جلد ثور مملوء ذهبا ، فأنزل الله عزوجل (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) إلى قوله تعالى : (صَعُوداً)(١).

وقال علي بن إبراهيم : وأما صعود فجبل من صفر من نار وسط جهنم (٢).

نرجع إلى الرواية ، قال : جبل يسمى صعودا (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) يعني قدّره ، كيف سوّاه وعدله (ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) قال : عبس وجهه وبسر ، قال : ألقى شدقه (ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) إلى قوله تعالى : (ما سَقَرُ) واد في النار (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) أي لا تبقيه ولا تذره (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) قال : تلوح عليه فتحرقه (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) قال : ملائكة يعذبونهم ، وهو قوله : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) وهم ملائكة في النار يعذّبون الناس (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قال : لكل رجل تسعة عشر من الملائكة يعذّبونه (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٤.

٢٧٠

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) : «الوحيد ولد الزنا وهو زفر» ، (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) قال : «أجلا ممدودا إلى مدّة» ، (وَبَنِينَ شُهُوداً) ، قال : «أصحابه الذين شهدوا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يورث (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) ملكه الذي ملّكته : مهّدته له» : (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) ، قال : «لولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، جاحدا عاندا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [فيها] (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) [فكر] فيما أمر به من الولاية ، وقدّر إن مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يسلّم لأمير المؤمنين عليه‌السلام البيعة التي بايعه بها على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) قال : «عذاب بعد عذاب ، يعذّبه القائم عليه‌السلام ثمّ نظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام فعبس وبسر ممّا أمر به (ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) قال : «إن زفر قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سحر الناس بعليّ (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) أي ليس بوحي من الله عزوجل (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) إلى آخر الآية ، فيه نزلت» (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٥.

٢٧١

الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦)) [سورة المدّثّر : ٣١ ـ ٥٦]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام في معنى هذه الآيات نذكر منها :

قال علي بن إبراهيم القمي : قوله : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) وهم ملائكة في النار يعذبون الناس (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قال : لكل رجل تسعة عشر من الملائكة يعذبونه (١).

وقال محمد بن الفضيل ، قلت لأبي الحسن الماضي عليه‌السلام : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ)؟ قال : «يستيقنون أن الله ورسوله ووصيّه حق».

قلت : (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً)؟ قال : «يزدادون بولاية الوصي إيمانا».

قلت : (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ)؟ قال : «بولاية علي عليه‌السلام».

قلت : ما هذا الارتياب؟ قال : «يعني بذلك أهل الكتاب ، والمؤمنين الذين ذكر الله فقال ولا يرتابون في الولاية».

قلت : (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ)؟ قال : «نعم ، ولاية علي عليه‌السلام».

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٩٤.

٢٧٢

قلت : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ)؟ قال : «الولاية».

قلت : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)؟ قال : «من تقدم إلى ولايتنا أخر عن سقر ، ومن تأخر عنها تقدّم إلى سقر» (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) قال : «هم والله شيعتنا».

قلت له : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)؟ قال : «إنا لم نتولّ وصي محمد والأوصياء من بعده ولا يصلّون عليهم».

قلت : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ)؟ قال : «عن الولاية معرضين».

قلت : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ)(١)؟ قال : «الولاية» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ) : «يعني فاطمة عليها‌السلام» (٣). وقد تقدم حديث في معنى الآية في أول السورة (٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) ، [قال] : «يعني بهذه الآية إبليس اللعين ، خلقه وحيدا من غير أب ولا أم ، وقوله : (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) يعني هذه الدولة إلى يوم الوقت المعلوم ، يوم يقوم القائم عليه‌السلام (وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً)(٥) يقول : معاندا للأئمة ، يدعو إلى غير سبيلها ، ويصدّ الناس عنها وهي آيات الله» (٦).

__________________

(١) عبس : ١١.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٦٠ ، ح ٩١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٩.

(٤) تقدم في الحديث في تفسير الآيات (١ ـ ٥) من هذه السورة.

(٥) المدثر : ١١ ـ ١٦.

(٦) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٣٤ ، ح ٥.

٢٧٣

وقوله : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «صعود : جبل في النار من نحاس يحمل عليه حبتر ، ليصعده كارها ، فإذا ضرب برجليه على الجبل ذابتا حتى تلحقا بالركبتين ، فإذا رفعهما عادتا ، فلا يزال هكذا ما شاء الله».

وقوله تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) ، قال : «يعني تدبيره ونظره وفكرته واستكباره في نفسه وادعاءه الحق لنفسه دون أهله».

ثم قال الله تعالى : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) ، قال : «يراه أهل المشرق كما يراه أهل المغرب ، إنه إذا كان في سقر يراه أهل المشرق وأهل المغرب وتبين حاله». والمعنيّ في هذه الآيات جميعها حبتر.

قال : «قوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) أي تسعة عشر رجلا ، فيكونون من الناس كلّهم في المشرق والمغرب».

وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) ، قال : «فالنار هو القائم عليه‌السلام الذي أنار ضوؤه وخروجه لأهل المشرق والمغرب ، والملائكة هم الذين يملكون علم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا)(١) ، قال : «يعني المرجئة».

وقوله تعالى : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ، قال : «هم الشيعة ، وهم أهل الكتاب ، وهم الذين أوتوا الكتاب والحكم والنبوّة».

__________________

(١) المدثر : ١١ ـ ٣١.

٢٧٤

وقوله تعالى : (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) «أي لا يشك الشيعة ، في شيء من أمر القائم عليه‌السلام (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) فقال الله عزوجل لهم : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) فالمؤمن يسلم والكافر يشك.

وقوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) فجنود ربك هم الشيعة وهم شهداء الله في الأرض».

وقوله تعالى : (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [قال : «يعني اليوم قبل خروج القائم ، من شاء قبل الحق وتقدم إليه ، ومن شاء تأخر] عنه».

وقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) ، قال : «هم أطفال المؤمنين ، قال الله تبارك وتعالى : (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)(١) ، قال : [يعني] إنّهم [آمنوا] بالميثاق».

وقوله تعالى : (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) ، قال : «بيوم خروج القائم عليه‌السلام».

وقوله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) ، قال : «يعني بالتذكرة ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام».

وقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) ، قال : «[يعني] كأنهم حمر وحش فرت من الأسد حين رأته ، وكذلك المرجئة إذا سمعت بفضل آل محمد عليهم‌السلام نفرت عن الحقّ».

ثم قال الله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) ، قال : «يريد كل رجل من المخالفين أن ينزل عليه كتاب من السماء».

__________________

(١) الطور : ٢١.

٢٧٥

ثم قال الله تعالى : (كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) ، قال : «هي دولة القائم عليه‌السلام».

ثم قال تعالى بعد أن عرّفهم التذكرة هي الولاية : (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) ، قال : «فالتقوى في هذا الموضع هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمغفرة أمير المؤمنين عليه‌السلام» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) ، قال : «هم شيعتنا أهل البيت» (٢).

وعن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام : يا عليّ ، قوله عزوجل : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) والمجرمون هم المنكرون لولايتك (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) فيقول لهم أصحاب اليمين : ليس من هذا أوتيتم ، فما الذي سلككم في سقر يا الأشقياء؟ قالوا : كنّا نكذّب بيوم الدين حتى أتانا اليقين. فقالوا لهم : هذا الذي سلككم في سقر يا أشقياء ، ويوم الدين يوم الميثاق حيث جحدوا وكذبوا بولايتك ، وعتوا عليك واستكبروا» (٣).

وقال إدريس بن عبد الله ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن تفسير هذه الآية (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) ، قال : «عنى بها لم نك من أتباع الأئمة الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)(٤) أما ترى الناس يسمّون الذي يلي السابق في الحلبة المصلّي ،

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٣٤ ، ح ٦.

(٢) المحاسن : ص ١٧١ ، ح ١٣٩.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٣٨ ، ح ٩.

(٤) الواقعة : ١٠ ، ١١.

٢٧٦

فذلك الذي عنى حيث قال : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) لم نك من أتباع السابقين» (١).

وقال عقيل الخزاعي : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات فيقول : «تعاهدوا الصلاة ، وحافظوا عليها ، واستكثروا منها ، وتقرّبوا بها ، فإنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، وقد علم ذلك الكفار حين سئلوا : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)(٢).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) قال : حقوق آل الرسول وهو الخمس لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وهم آل الرسول عليهم‌السلام.

قوله تعالى : (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي يوم المجازاة (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) قال : الموت.

وقوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) قال : لو أن كل ملك مقرب ونبي مرسل شفعوا في ناصب لآل محمّد ما قبل منهم ما شفعوا فيه.

ثم قال : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) قال : عمّا يذكر لهم من موالاة أمير المؤمنين عليه‌السلام (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) يعني من الأسد (٣).

وقال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) : «وذلك أنهم قالوا : يا محمد ، قد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يذنب الذنب فيصبح وذنبه مكتوب عند رأسه وكفارته ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٧ ، ح ٣٨.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٦ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٥.

٢٧٧

يسألك قومك سنة بني إسرائيل في الذنوب ، فإن شاءوا فعلنا ذلك بهم وأخذناهم بما كنا نأخذ به بني إسرائيل ، فزعموا أن رسل الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كره ذلك لقومه» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) : «قال الله تبارك وتعالى : أنا أهل أن أتّقى ، ولا يشرك بي عبدي شيئا ، وأنا أهل إن لم يشرك بي عبدي شيئا أن أدخله الجنة» ، وقال عليه‌السلام : «إن الله تبارك وتعالى أقسم بعزّته [وجلاله] أن لا يعذّب أهل التوحيد بالنار أبدا» (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٦.

(٢) التوحيد : ص ١٩ ، ح ٦.

٢٧٨

سورة القيامة

* س ١ : ما هو فضل سورة القيامة؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «من أدمن قراءة سورة لا أقسم ، وكان يعمل بها ، بعثه الله عزوجل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبره في أحسن صورة ، ويبشره ويضحك في وجهه حتى يجوز على الصراط والميزان» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة شهدت له أنا وجبرئيل يوم القيامة أنه كان موقنا بيوم القيامة ، وخرج من قبره ووجه مسفر عن وجوه الخلائق ، يسعى نوره بين يديه ، وإدمان قراءتها يجلب الرزق والصيانة ويحبب إلى الناس» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «قراءتها تخشع وتجلب العفاف والصيانة ، ومن قرأها لم يخف من سلطان ، وحفظ في ليله ـ إذا قرأها ـ ونهاره بإذن الله تعالى» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥)) [سورة القيامة : ١ ـ ٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢١.

(٢) خواص القرآن : ص ٥٦ «مخطوط».

(٣) خواص القرآن : ص ١٨ «مخطوط».

٢٧٩

الْقِيامَةِ) : يعني أقسم بيوم القيامة (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) ، قال : نفس آدم التي عصت فلامها الله عزوجل. قوله عزوجل : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) قال : أطراف الأصابع ، لو شاء الله لسواها.

قوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) ، قال : يقدم الذنب ويؤخر التوبة ، ويقول : سوف أتوب (١).

وقال الحلبي : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقرأ : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) أي يكذّبه» (٢).

وقال بعض أصحابنا عنهم عليهم‌السلام : «أن قول الله عزوجل : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) قال : [بل] يريد أن يفجر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بمعنى يكيده» (٣).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥)) [سورة القيامة : ٦ ـ ١٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) أي متى يكون؟ فقال الله : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) ، قال : يبرق البصر ، فلا يقدر أن يطرف ، قوله : (كَلَّا لا وَزَرَ) أي لا ملجأ ، قوله تعالى : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) قال : يخبر بما قدم وأخر (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٦.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٣٩ ، ح ١.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٣٩ ، ح ٢.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٦.

٢٨٠