التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٤

١
٢

٣

٤

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ... أما بعد : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، الثقلين ، وأحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

وقال ابن نمير : قال أصحابنا عن الأعمش ، أنّه قال : «انظروا كيف تخلفوني فيهما؟» (١).

وفي رواية أخرى قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي فرطكم على الحوض ، فأسألكم حين تلقوني عن ثقليّ كيف تخلفوني فيهما». فاعتلّ علينا. لا ندري ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين ، فقال : يا نبيّ الله ، بأبي أنت وأمّي ، ما الثقلان؟

قال : «الأكبر منهما كتاب الله ، طرف بيد الله تعالى ، وطرف بأيديكم ، فتمسّكوا به ، ولا تولّوا ولا تعرضوا ، والأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي ، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ، فإنّي سألت لهم اللطيف الخبير

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ج ٣ ، ص ١٤.

٥

فأعطاني أن يردا عليّ الحوض كهاتين ـ وأشار بالمسبّحة ـ ولو شئت قلت كهاتين ـ بالسبّابة والوسطى ـ ناصرهما ناصري ، وخاذلهما خاذلي ، وعدوّهما عدوّي ، ألا وإنه لن تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها ، وتظاهر على نبوّتها ، وتقتل من يأمر بالقسط فيها» (١).

من هاتين الروايتين يتبين هناك ملازمة بين العترة وبين كتاب الله فلا عترة بدون كتاب الله ولا كتاب بدون عترة وهذه الملازمة ممتدة إلى أن يردا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على الحوض.

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّا أهل بيت لم يزل الله يبعث منّا من يعلم كتابه من أوّله إلى آخره» (٢).

وقال سليم بن قيس الهلالي : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «ما نزلت آية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أقرأنيها ، وأملاها عليّ ، فأكتبها بخطّي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، ودعا الله لي أن يعلّمني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ، ولا علما أملاه عليّ فكتبته منذ دعا لي ما دعا ، وما ترك شيئا علّمه الله تعالى من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون من طاعة أو معصية إلّا علّمنيه وحفظته فلم أنس منه حرفا واحدا ، ثمّ وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وحكمة ونورا ، فلم أنس شيئا ولم يفتني شيء لم أكتبه.

فقلت : يا رسول الله ، أو تخوّفت النسيان فيما بعد؟

فقال : لست أتخوّف عليك نسيانا ولا جهلا ، وقد أخبرني ربّي أنّه قد استجاب فيك في شركائك الذين يكونون من بعدك.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٣ ، ص ١٠٩ ، ح ١٤.

(٢) مختصر بصائر الدرجات : ص ٥٩.

٦

فقلت : يا رسول الله ، ومن شركائي من بعدي؟

فقال : الذين قرنهم الله بنفسه وبي ، فقال : الأوصياء منّي إلى أن يردوا عليّ الحوض كلّهم هاد مهتد ، لا يضرّهم من خذلهم ، هم مع القرآن والقرآن معهم» (١).

ولذلك فإنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم من المصادر الأساسية لتفسير وفهم كتاب الله ، ومن دون أن نأخذ من علمهم الذي هو علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نستطيع أن نفهم القرآن حقّ الفهم ، كما أنزله الله تعالى.

ولقد كان الصحابة متّفقين على أن علم القرآن مخصوص بأهل البيت عليهم‌السلام ، إذ كانوا يسألون علي بن أبي طالب عليه‌السلام : هل خصصتم أهل البيت دوننا بشيء سوى القرآن؟ فكان يقول : «لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا بما في قراب سيفي» فاستثناء القرآن بالتخصيص دليل على إجماعهم بأنّ القرآن وعلمه وتنزيله وتأويله مخصوص بهم.

أما لماذا خصّ الله تعالى أهل البيت عليهم‌السلام بهذا العلم وبهذه السّعة والشمول دون سائر الناس؟ فهو شأن من شأن الله تعالى ، ويكفيا في ذلك النصوص الصحيحة والصريحة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مما أطبق المسلمون على صحّتها نحو حديث (الثقلين) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق» (٢). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها» (٣). وغير ذلك من النصوص المتّفق عليها عند المسلمين.

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٥ ، ح ٥.

(٢) الصواعق المحرقة : ص ١٥٢.

(٣) أسد الغابة : ج ٤ ، ص ٢٢.

٧
٨

تمهيد

س ١ : ما هي أول سورة نزلت وما هي آخر سورة؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أول ما نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(١) وآخره سورة (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)(٢)(٣).

س ٢ : هل إن كل شيء موجود في القرآن؟!

الجواب / نعم ، نذكر ما ورد عن طريق الإمام الصادق عليه‌السلام :

قال عليه‌السلام : «ما من أمر يختلف فيه اثنان إلّا وله أصل في كتاب الله عزوجل ، ولكن لا تبلغه عقول الرجال» (٤).

وقال عليه‌السلام أيضا : «قد ولدني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أعلم كتاب الله ، وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وفيه خبر السّماء وخبر الأرض ، وخبر الجنّة وخبر النّار ، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفّي ، إنّ الله عزوجل يقول : فيه تبيان كل شيء» (٥).

__________________

(١) العلق : ١.

(٢) النصر : ١.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٦٠ ، ح ٥.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٤٩ ، ح ٦.

(٥) الكافي : ج ١ ، ص ٥٠ ، ح ٨.

٩

س ٣ : ما هو معنى : ١ ـ الناسخ. ٢ ـ المنسوخ. ٣ ـ المحكم. ٤ ـ المتشابه. ٥ ـ الظاهر. ٦ ـ الباطن.؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الناسخ : الثابت ، والمنسوخ : ما مضى ، والمحكم : ما يعمل به ، والمتشابه : الذي يشبه بعضه بعضا» (١).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الناسخ : الثابت ، المعمول به ، والمنسوخ : ما قد كان يعمل به ثمّ جاء ما نسخه ، والمتشابه : ما اشتبه على جاهله» (٢).

٣ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ظهر القرآن : الذين نزل فيهم ، وبطنه : الذين عملوا بمثل أعمالهم» (٣).

وقال الفضيل بن يسار : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن هذه الرواية : «ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن ، وما فيه حرف إلّا وله حدّ ، ولكلّ حدّ مطلع». ما يعني بقوله : «لها ظهر وبطن؟».

فقال : «ظهره [تنزيله] ، وبطنه تأويله ، منه ما مضى ، ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما تجري الشّمس والقمر ، كلّما جاء منه شيء وقع ، قال الله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(٤) نحن نعلمه» (٥).

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٠ ، ح ١. وقيل المتشابه : لفظه واحد ومعناه مختلف.

(٢) نفس المصدر : ج ١ ، ص ١١ ، ح ٧.

(٣) نفس المصدر : ج ١ ، ص ١١ ، ح ٤.

(٤) آل عمران : ٧.

(٥) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١١ ، ح ٥.

١٠

س ٤ : أذكر مثل يبين لنا الناسخ والمنسوخ؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : فأمّا الناسخ والمنسوخ ، فإنّ عدّة النّساء كانت في الجاهلية إذا مات الرجل تعتدّ امرأته سنة ، فلمّا بعث رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينقلهم عن ذلك ، وتركهم على عاداتهم ، وأنزل الله بذلك قرآنا ، فقال : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ)(١) فكانت العدّة حولا ، فلمّا قوي الإسلام أنزل الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)(٢) فنسخت (مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ).

ومثله كثير نذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى.

س ٥ : أذكر مثل يبين لنا المحكم؟!

الجواب / قال : قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)(٣) ، فهذا كلّه محكم قد استغنى بتنزيله عن تأويله ، ومثله كثير.

س ٦ : اذكر مثل يبين لنا المتشابه؟!

الجواب / قال : منه الفتنة التي ذكرها الله تعالى في القرآن ، فمنها عذاب

__________________

(١) البقرة : ٢٤٠.

(٢) البقرة : ٢٣٤.

(٣) النساء : ٢٣.

١١

وهو قوله : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ)(١) أي يعذّبون ، ومنها الكفر وهو قوله : (مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ)(٢) أي الكفر ، ومنها الحبّ ، وهو قوله : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)(٣) يعني به الحبّ ، ومنها الاختبار وهو قوله : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(٤) أي لا يختبرون.

س ٧ : ورد في القرآن الكريم ألفاظ عامة ومعناها خاص وألفاظ خاصة ومعناها عام ، أذكر لكل منهما مثلا؟!

الجواب / ١ ـ قال : لفظ عام ومعناه خاص : قوله تعالى : (بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها)(٥) فلفظه عامّ ومعناه خاص ، لأنها تركت أشياء كثيرة لم تدمّرها.

٢ ـ لفظ خاص ومعناه عام : قوله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)(٦) فلفظ الآية خاصّ في بني إسرائيل ومعناه عام في الناس كلّهم.

س ٨ : أذكر مثلا لكل من : ١ ـ تأويله في تنزيله. ٢ ـ تأويله مع تنزيله. ٣ ـ تأويله قبل تنزيله. ٤ ـ تأويله بعد تنزيله.

الجواب / ١ ـ ما قاله علي بن إبراهيم : تأويله في تنزيله ، كلّ آية نزلت في حلال أو في حرام ، مما لا يحتاج فيها إلى تأويل مثل قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)(٧) ومثله كثير مما تأويله في تنزيله ، وهو من المحكم

__________________

(١) الذاريات : ١٣.

(٢) البقرة : ٢١٧.

(٣) الأنفال : ٢٨.

(٤) العنكبوت : ١ ـ ٢.

(٥) الأحقاف : ٢٤ و ٢٥.

(٦) المائدة : ٣٢.

(٧) المائدة : ٣.

١٢

الذي ذكرناه.

٢ ـ تأويله مع تنزيله : مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(١) فلم يستغن النّاس بتنزيل الآية حتى فسّر لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أولي الأمر ، وقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(٢) فلم يستغن النّاس بهذا حتى أخبرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كم يصلّون ، وكم يزكّون.

٣ ـ تأويله قبل تنزيله : الأمور التي حدثت في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا لم يكن عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها حكم ، مثل : آية الظهار ، فإن العرب في الجاهلية كانوا إذا ظاهر الرجل من امرأته حرّمت عليه إلى الأبد ، فلمّا هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ظاهر رجل من امرأته ، يقال له : أوس بن الصامت ، فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته بذلك ، فانتظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحكم عن الله ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ)(٣) ومثله ما نزل في اللعان وغيره ممّا لم يكن عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه حكم حتى تنزل عليه القرآن به ، عن الله عزوجل ، فكان التأويل قد تقدّم التنزيل.

٤ ـ تأويله بعد تنزيله : الأمور التي حدثت في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده من غصب آل محمد (عليه وعليهم الصلاة والسّلام) حقّهم ، وما وعدهم الله من النصر على أعدائهم ، وما أخبر الله به نبيّه (عليه وعلى آله الصلاة والسّلام) من أخبار القائم عليه‌السلام وخروجه ، وأخبار الرّجعة ، والسّاعة ، في قوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(٤) ، نزلت في القائم من آل محمد (عليه الصلاة والسّلام).

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) البقرة : ٤٣.

(٣) المجادلة : ٢.

(٤) الأنبياء : ١٠٥.

١٣

س ٩ : هل هناك اختلاف وتناقض في القرآن كما ورد عن بعض الزنادقة؟!

الجواب / نذكر رواية وردت عن الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسيّ ، في كتاب (الاحتجاج) للجواب على هذا السؤال ، قال : جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال له : لو لا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم.

فقال له علي عليه‌السلام : «وما هو؟».

قال : قوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ)(١) ، وقوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا)(٢) ، وقوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)(٣) ، وقوله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً)(٤) ، وقوله تعالى : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ)(٥) ، وقوله تعالى : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)(٦) ، وقوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ)(٧) ، وقوله تعالى : (قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ)(٨) ، وقوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٩) ، وقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(١٠) ، وقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ)(١١) ، وقوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى)(١٢) ، وقوله تعالى : (لا

__________________

(١) التوبة : ٦٧.

(٢) الأعراف : ٥١.

(٣) مريم : ٦٤.

(٤) النبأ : ٣٨.

(٥) الأنعام : ٢٣.

(٦) العنكبوت : ٢٥.

(٧) سورة ص : ٦٤.

(٨) سورة ق : ٢٨.

(٩) يس : ٦٥.

(١٠) القيامة : ٢٢ ، ٢٣.

(١١) الأنعام : ١٠٣.

(١٢) النجم : ١٣ ، ١٤.

١٤

تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ)(١) الآيتين ، وقوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً)(٢) ، وقوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)(٣) ، وقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ)(٤) ، وقوله تعالى : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ)(٥) ، وقوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ)(٦) ، وقوله تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ)(٧) ، وقوله تعالى : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها)(٨) ، وقوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ)(٩) ، وقوله تعالى : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ)(١٠) ، (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ)(١١).

قال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : «فأما قوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا ، لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة ، أي لم يجعل لهم من ثوابه شيئا ، فصاروا منسيين من الخير ، وكذلك تفسير قوله عزوجل : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسوله ، وخافوه بالغيب.

وأما قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) ، فإن ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ، ليس بالذي ينسى ، ولا يغفل ، بل هو الحفيظ العليم ، وقد تقول العرب : نسينا فلان فلا يذكرنا ، أي إنه لا يأمر لهم بخير ولا يذكرهم به».

__________________

(١) طه : ١٠٩.

(٢) الشورى : ٥١.

(٣) المطففين : ١٥.

(٤) الأنعام : ١٥٨.

(٥) السجدة : ١٠.

(٦) التوبة : ٧٧.

(٧) الكهف : ١١٠.

(٨) الكهف : ٥٣.

(٩) الأنبياء : ٤٧.

(١٠) المؤمنون : ١٠٢.

(١١) المؤمنون : ١٠٣.

١٥

قال عليه‌السلام : «وأمّا قوله عزوجل : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) ، وقوله عزوجل : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ، وقوله عزوجل : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، وقوله عزوجل يوم القيامة : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) ، وقوله عزوجل : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) ، وقوله عزوجل : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) فإن ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ، المراد يكفر أهل المعاصي بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا.

والكفر في هذه الآية البراءة ، يقول : فيبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم ، قول الشيطان : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ)(١) ، وقول إبراهيم خليل الرحمن : (كَفَرْنا بِكُمْ)(٢) ، يعني تبرّأنا منكم ، ثم يجتمعون في مواطن آخر يبكون فيها ، فلو أن تلك الأصوات فيها بدت لأهل الدنيا لأزالت جميع الخلق عن معايشهم وانصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ، ولا يزالون يبكون حتى يستنفدوا الدموع ويفضوا إلى الدماء ، ثم يجتمعون في مواطن أخر فيستنطقون فيه ، فيقولون : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ، وهؤلاء خاصة هم المقرّون في دار الدنيا بالتوحيد ، فلا ينفعهم إيمانهم بالله تعالى مع مخالفتهم رسله ، وشكّهم فيما أتوا به عن ربهم ، ونقضهم عهودهم في أوصيائهم ، واستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير ، فكذّبهم الله فيما انتحلوه من الإيمان ، بقوله عزوجل : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ)(٣) ،

__________________

(١) إبراهيم : ٢٢.

(٢) الممتحنة : ٤.

(٣) الأنعام : ٢٤.

١٦

فيختم الله على أفواههم ، ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود ، فتشهد بكلّ معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم ، فيقولون لجلودهم : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)(١).

ثم يجتمعون في موطن آخر ، فيفرّ بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر وعظم البلاء ، فذلك قوله عزوجل : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)(٢) الآية ، ثم يجتمعون في موطن آخر يستنطق فيه أولياء الله وأصفياؤه ، فلا يتكلم أحد إلّا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حمّلوها إلى أممهم ، فأخبروا أنهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم ، وتسأل الأمم فتجحد ، كما قال الله تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)(٣) ، فيقولون : ما جاءنا من بشير ولا نذير ، فتشهد الرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيشهد بصدق الرسل وتكذيب من جحدها من الأمم ، فيقول لكلّ أمة منهم : بلى قد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ، أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم ، ولذلك قال الله تعالى لنبيه : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً)(٤) ، فلا يستطيعون ردّ شهادته خوفا من أن يختم على أفواههم ، وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون ، ويشهد على منافقي قومه وأمته وكفّارهم بإلحادهم وعنادهم ، ونقضهم عهوده ، وتغييرهم سنته ، واعتدائهم على أهل بيته ، وانقلابهم على أعقابهم ، وارتدادهم على

__________________

(١) فصلت : ٢١.

(٢) عبس : ٣٤ ـ ٣٦.

(٣) الأعراف : ٦.

(٤) النساء : ٤١.

١٧

أدبارهم ، واحتذائهم في ذلك سنّة من تقدمهم من الأمم الظالمة الخائنة لأنبيائها ، فيقولون بأجمعهم : (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ)(١).

ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو المقام المحمود ، فيثني على الله عزوجل بما لم يثن عليه أحد قبله ، ثم يثني على الملائكة كلهم ، فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم يثني على الأنبياء بما لم يثن عليهم أحد قبله ، ثم يثني على كلّ مؤمن ومؤمنة ، يبدأ بالصدّيقين والشهداء ثم الصالحين ، فيحمده أهل السماوات وأهل الأرضين ، فذلك قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)(٢) ، فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظّ ونصيب ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظّ ولا نصيب.

ثم يجتمعون في موطن آخر ويزال بعضهم عن بعض ، وهذا كله قبل الحساب ، فإذا أخذ في الحساب ، شغل كل إنسان بما لديه ، نسأل الله بركة ذلك اليوم».

قال عليه‌السلام : «وأما قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(٣) ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عزوجل بعدما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمّى الحيوان ، فيغتسلون فيه ، ويشربون من آخر ، فتبيضّ وجوههم ، فيذهب عنهم كلّ أذى وقذى ووعث (٤) ، ثم يؤمرون بدخول الجنة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربّهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنّة ، فذلك قول الله عزوجل

__________________

(١) المؤمنون : ١٠٦.

(٢) الإسراء : ٧٩.

(٣) القيامة : ٢٢ ، ٢٣.

(٤) الوعث : كلّ أمر شاق من تعب وغيره. «المعجم الوسيط ج ٢ ، ص ١٠٤٣».

١٨

في تسليم الملائكة عليهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ)(١) ، فعند ذلك أثيبوا بدخول الجنّة ، والنظر إلى ما وعدهم الله عزوجل ، وذلك قوله تعالى : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ، والناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة ، ألم تسمع إلى قوله تعالى : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)(٢) ، أي منتظرة بم يرجع المرسلون.

وأما قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى)(٣) ، يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين كان عند سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله عزوجل ، قوله في آخر الآية : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)(٤) ، رأى جبرئيل في صورته مرتين ، هذه المرّة ، ومرة أخرى وذلك أن خلق جبرئيل خلق عظيم ، فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم ولا صفتهم إلا الله رب العالمين».

قال عليه‌السلام : «وأما قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ)(٥) كذلك قال الله تعالى ، قد كان الرسول يوحي إليه رسل السماء ، فتبلّغ رسل السماء إلى رسل الأرض ، وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه ، من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ يا جبرئيل ، هل رأيت ربك؟ فقال جبرئيل : إن ربي لا يرى. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أين تأخذ الوحي؟ قال : آخذه من إسرافيل. قال : ومن أين يأخذه إسرافيل؟ قال : يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين. قال : ومن أين يأخذه ذلك الملك؟ قال :

__________________

(١) الزمر : ٧٣.

(٢) النمل : ٣٥.

(٣) النجم : ١٣ ، ١٤.

(٤) النجم : ١٧ ، ١٨.

(٥) الشورى : ٥١.

١٩

يقذف في قلبه قذفا. فهذا وحي ، وهو كلام الله عزوجل ، وكلام الله عزوجل ليس بنحو واحد ، منه ما كلّم الله به الرسل ، ومنه ما قذف في قلوبهم ، ومنه رؤيا يريها الرسل ، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ ، فهو كلام الله عزوجل».

قال عليه‌السلام : «وأما قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)(١) ، فإنما يعني [به] يوم القيامة عن ثواب ربهم لمحجوبون ، وقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ)(٢) يخبر محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبا لله ولرسوله ، فقال : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) حيث لم يستجيبوا لله ولرسوله ، (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) ، يعني بذلك العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذبت القرون الأولى ، فهذا خبر يخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم ، ثم قال : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) الآية ، يعني لم تكن آمنت من قبل أن تأتي هذه الآية ، وهذه الآية هي طلوع الشمس من مغربها ، وقال في آية أخرى : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)(٣) يعني أرسل عليهم عذابا ، وكذلك إتيانه بنيانهم ، حيث قال : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ)(٤) يعني أرسل عليهم العذاب».

وقال عليه‌السلام : «وأما قوله عزوجل : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ)(٥) ، وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ)(٦) ، وقوله تعالى : (إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ)(٧) ، وقوله تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً)(٨) ، يعني البعث ، سماه الله تعالى لقاء ، وكذلك قوله تعالى : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَ

__________________

(١) المطففين : ١٥.

(٢) الأنعام : ١٥٨.

(٣) الحشر : ٢.

(٤) النحل : ٢٦.

(٥) السجدة : ١٠.

(٦) البقرة : ٤٦.

(٧) التوبة : ٧٧.

(٨) الكهف : ١١٠.

٢٠