التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

١
٢

٣

٤

سورة لقمان

* س ١ : ما هو فضل سورة لقمان؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «من قرأ سورة لقمان في كلّ ليلة وكل الله به في ليلته ملائكة يحفظونه من إبليس وجنوده حتى يصبح ، فإذا قرأها بالنهار لم يزالوا يحفظونه من إبليس وجنوده حتى يمسي» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة كان لقمان رفيقه يوم القيامة ، وأعطي من الحسنات عشرا بعدد من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، ومن كتبها وسقاها من في جوفه علّة زالت عنه ، ومن كان ينزف دما ، رجل أو امرأة ، وعلّقها على موضع الدم ، انقطع عنه بإذن الله تعالى» (٢).

وفي رواية أخرى : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كتبها وسقاها من في جوفه غاشية زالت عنه ، ومن كان ينزف دما ، امرأة كانت أو رجلا ، وعلّقها على موضع الدم ، انقطع عنه بإذن الله تعالى» (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها وسقى بها رجلا أو امرأة في جوفها غاشية ، أو علّة من العلل ، عوفي وأمن من الحمّى ، وزال عنه كلّ اذى بإذن الله تعالى» (٤).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٠.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٨٨ «قطعة منه».

(٣) البرهان : ج ٨ ، ص ٤٥٨.

(٤) خواص القرآن : ص ٦.

٥

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥) [سورة لقمان : ١ ـ ٥]؟!

الجواب / قوله (الم) تقدم تفسيره سابقا ...

وقال الشيخ الطوسي : وقوله (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) إشارة إلى آيات الكتاب التي وعدهم الله بإنزالها عليهم في الكتب الماضية ، قال أبو عبيدة (تِلْكَ) بمعنى هذه و (آياتُ الْكِتابِ) وإن كانت هي الكتاب فهو جائز ، كما قال (حَقُّ الْيَقِينِ)(١) وكما قالوا : مسجد الجامع ، وغير ذلك. (الْحَكِيمِ) من صفة الكتاب ، فلذلك جره وإنما وصف الكتاب بأنه (الْحَكِيمِ) مع أنه محكم لأنه يظهر الحق والباطل بنفسه ، كما يظهره الحكيم بقوله ، ولذلك يقال : الحكمة تدعو إلى الإحسان وتصرف عن الإساءة. وقال أبو صالح : أحكمت آياته بالحلال والحرام. وقال غيره : أحكمت بأن أتقنت (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)(٢). ثم قال هذا الكتاب (هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) أي دلالة موصلة لهم إلى الصواب وما يستحق به الثواب ، ورحمة رحمهم‌الله بها وأضافه إلى المحسنين وإن كان هدى لغيرهم لما كانوا هم المنتفعين به دون غيرهم كما قال (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(٣) والإحسان النفع الذي يستحق به الحمد فكل محسن يستحق الحمد وكل مسيء يستحق الذم ، وما يفعله الفاعل على أنه لا ظلم فيه لأحد لينقطع به عن قبيح في أنه إحسان فهو إحسان يستحق عليه الحمد ، لأن الحكمة تدعو إلى فعله على هذا الوجه ، ولا يدعو إلى أن

__________________

(١) الواقعة : ٩٥.

(٢) حم السجدة (فصلت) : ٤٢.

(٣) البقرة : ٢.

٦

يفعله للشهوة ، ولا للهوى. ثم وصف المحسنين فقال (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) أي يديمون فعلها ويقومون بشرائطها وأحكامها ويخرجون الزكاة الواجبة عليهم في أموالهم. وهم بالآخرة مع ذلك يوقنون ، ولا يرتابون بها. ثم أخبر أن هؤلاء الذين وصفهم بهذه الصفات (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) أي على حجة من ربهم (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بثواب الله ورحمته (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٧) [سورة لقمان : ٧ ـ ٦]؟!

الجواب / قال أبو بصير ، سألت أبا جعفر عليه‌السلام : عن كسب المغنيّات. فقال : «التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول الله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(٢).

وقال محمد بن مسلم سمعت أبا جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «الغناء ممّا وعد الله عزوجل عليه النار». وتلا هذه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)(٣).

وقال الحسن بن هارون : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله ، وهو ممّا قال الله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ

__________________

(١) التبيان : ج ٨ ، ص ٢٦٩.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ١١٩ ، ح ١.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٤٣١ ، ح ٤.

٧

يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحلّ تعليم المغنيّات ، ولا بيعهنّ ، ولا شراؤهنّ ، ولا التجارة فيهنّ ، وثمنهن حرام ، وما أنزلت عليّ هذه الآية إلّا في مثل هذا الحديث : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).

ثمّ قال : «والذي بعثني بالحق ، ما رفع رجل عقيرة (٢) صوته بالغناء إلا بعث الله تعالى عليه عند ذلك شيطانين : على هذا العاتق واحد ، وعلى هذا العاتق واحد ، يضربان بأرجلهما في صدره ، حتى يكون هو الذي يسكت» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : في معنى الآية : الغناء ، وشرب الخمر ، وجميع الملاهي. (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) قال : يحيد بهم عن طريق الله (٤).

وقال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) : «فهو النّضر ابن الحارث بن علقمة بن كلدة من بني عبد الدار بن قصيّ ، وكان النّضر راويا لأحاديث الناس وأشعارهم ، يقول الله عزوجل : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٥).

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٤٣٣ ، ح ١٦.

(٢) عقيرة الرجل : صوته إذا غنى أو قرأ أو بكى. «لسان العرب ـ عقر ـ ج ٤ ، ص ٥٩٣».

(٣) ربيع الأبرار : ج ٢ ، ص ٥٦٩.

(٤) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٦١.

(٥) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٦١.

٨

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٩) [سورة لقمان : ٨ ـ ٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي صدقوا بالله ونبيه وفعلوا الطاعات (لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) يوم القيامة يتنعمون فيها (خالِدِينَ فِيها) أي مؤبدين في تلك البساتين (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي وعده الله حقا ، لا خلف لوعده (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه (الْحَكِيمُ) في أفعاله ، إذ لا يفعل إلا ما فيه المصلحة ووجه من وجوه الحكمة (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١١) [سورة لقمان : ١٠ ـ ١١]؟!

الجواب / قال الحسين بن خالد : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أخبرني عن قول الله : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) ، قال : «محبوكة إلى الأرض» وشبك بين أصابعه.

فقلت : كيف تكون محبوكة إلى الأرض ، وهو يقول : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)؟ فقال : «سبحان الله! أليس يقول : (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)؟!» فقلت : بلى. فقال : «ثم عمد ولكن لا ترى». فقلت : كيف ذاك؟ فبسط كفّه اليسرى ثمّ وضع اليمنى عليها ، فقال : هذه الأرض الدنيا والسّماء الدنيا عليها قبة» (٢).

__________________

(١) التبيان : ج ٨ ، ص ٣٧٢.

(٢) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ٢٠٣ ، ح ٣.

٩

وقال علي بن إبراهيم : قوله : (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) ، يقول : جعل فيها من كلّ دابة. قال : قوله : (فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) يقول : إن كلّ لون حسن ، والزوج : اللون الأصفر والأخضر والأحمر ، والكريم : الحسن. قال : قوله : (هذا خَلْقُ اللهِ) أي مخلوق الله ، لأنّ الخلق هو الفعل ، والفعل لا يرى ، وإنّما أشار إلى المخلوق ، وإلى السماء والأرض والجبال وجميع الحيوان ، فأقام الفعل مقام المفعول (١).

وقال الشيخ الطوسي : هذا إشارة إلى ما تقدم ذكره من خلق السماوات والأرض على ما هي به من عظمها وكبر شأنها من غير عمد يمنع من انحدارها ، وألقى الرواسي في الأرض لئلا تميد بأهلها (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) للاعتبار والانتفاع بها ، وأنزل من السماء ماء لإخراج كل نوع كريم على ما فيه من بهجة ولذة يستمتع بها. فهذا كله خلق الله فأين خلق من أشركتموه في عبادته حتى جاز لكم أن تعبدوه من دونه وهذا لا يمكن معه معارضة ، وفيه دليل على توحيده تعالى. ثم أخبر تعالى فقال : (بَلِ الظَّالِمُونَ) لأنفسهم بترك الاعتبار بآيات الله (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي عدول عن الحق بين ظاهر وما دعاهم إلى عبادتها أنها تخلق شيئا ولكن ضلالتهم بالجهل الذي اعتقدوه من التقرب بذلك إلى الله وأنها تقربهم إلى الله زلفى (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١٣) [سورة لقمان : ١٢ ـ ١٣]؟!

الجواب / قال هشام بن الحكم : قال لي أبو الحسن موسى بن

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٦١.

(٢) التبيان : ج ٨ ، ص ٢٧٤.

١٠

جعفر عليه‌السلام : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) ، قال : الفهم والعقل» (١). وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أوتي معرفة إمام زمانه» (٢).

وقال حمّاد : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عزوجل.

فقال : «أما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ، ولا مال ، ولا أهل ، ولا بسط في جسم ، ولا جمال ، ولكنّه كان رجلا قويا في أمر الله ، متورعا في الله ، ساكتا سكيتا (٣) ، عميق النظر ، طويل الفكر ، حديد النظر ، مستغن عن الغير ، لم ينم نهارا قط ، ولم يره أحد من الناس على بول ، ولا غائط ولا اغتسال ، لشدة تستّره ، وعمق نظره ، وتحفظه في أمره ، ولم يضحك من شيء قط مخافة الإثم ، ولم يغضب قطّ ، ولم يمازح إنسانا قط ، ولم يفرح بشيء أتاه من أمر الدنيا ، ولا حزن منها على شيء قط ، وقد نكح من النساء وولد له من الأولاد الكثير ، وقدّم أكثرهم أفراطا (٤) ، فما بكى على موت أحد منهم.

ولم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما ، ولم يمض عنهما حتى تحاجزا (٥) ، ولم يسمع قولا قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمّن أخذه ، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء. وكان يغشى القضاة والملوك ، والحكام ، والسلاطين ، فيرثي القضاة بما ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسلاطين لغرّتهم بالله ، وطمأنينتهم في ذلك ، ويعتبر ، ويتعلّم ما

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٣ ، ح ١٢.

(٢) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٦١.

(٣) رجل سكّيت : كثير السكوت. «لسان العرب ـ سكت ـ ج ٢ ، ص ٤٣». وفي «ج ، ي» ، مسكينا ، وفي المصدر : سكينا.

(٤) أي صغارا قبل أن يبلغوا الحلم.

(٥) أي تصالحا وتمانعا ، وفي «ج» : تحابّا.

١١

يغلب به نفسه ، ويجاهد به هواه ، ويحترز به من الشيطان ، وكان يداوي قلبه بالفكر ، ويداوي نفسه بالعبر ، وكان لا يظعن إلا فيما يعنيه ، فبذلك أوتي الحكمة ، ومنح العصمة ، فإن الله تبارك وتعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقائلة ، فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم ، فقالوا : يا لقمان ، هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟ فقال لقمان : إن أمرني الله بذلك فالسّمع والطاعة ، لأنه إن فعل بي ذلك أعانني عليه وعلّمني وعصمني ، وإن هو خيّرني قبلت العافية.

فقالت الملائكة : يا لقمان ، لم قلت ذلك؟ قال : لأن الحكم بين الناس بأشدّ المنازل من الدين ، وأكثرها فتنا وبلاء ، ويخذل ولا يعان ، ويغشاه الظلم من كلّ مكان ، وصاحبه فيه بين أمرين : إن أصاب فيه الحقّ فبالحريّ (١) أن يسلم ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا وضعيفا ، كان أهون عليه في المعاد من أن يكون فيه حكيما سريّا شريفا ، ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما ، تزول هذه ولا يدرك تلك ـ قال ـ فتعجبت الملائكة من حكمته ، واستحسن الرحمن منطقه.

فلمّا أمسى وأخذ مضجعه من الليل ، أنزل الله عليه الحكمة ، فغشّاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم ، وغطاه بالحكمة غطاء ، فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه ، وخرج على الناس ينطق بالحكمة ويبثها فيها ـ قال ـ فلما أوتي الحكم ، ولم يقبله ، أمر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة ، فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان ، فأعطاه الله الخلافة في الأرض وابتلي فيها غير مرة كل ذلك يهوي في الخطأ ويقيله الله ويغفره له.

وكان لقمان يكثر زيارة داود عليه‌السلام ، ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل

__________________

(١) الحريّ : الجدير والخليق. «النهاية ج ١ ، ص ٣٧٥».

١٢

علمه ، وكان داود يقول له : طوبى لك ـ يا لقمان ـ أوتيت الحكمة ، وصرفت عنك البلية ، وأعطي داود الخلافة ، وابتلي بالحكم والفتنة».

قال : ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).

قال : «فوعظ لقمان ابنه بآثار حتى تفطّر وانشق (١) ، فكان فيما وعظه به ـ يا حمّاد ـ أن قال له : يا بني ، إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد.

يا بني ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، ولا تجادلهم فيمنعوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ، ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضرّ بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صوما يمنعك عن الصلاة ، فإنّ الصلاة أحب إلى الله من الصيام.

يا بني ، إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الإيمان ، واجعل شراعها التوكل ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك.

يا بنيّ ، إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا ، ومن عني بالأدب اهتم به ، ومن اهتم به تكلف علمه ، ومن تكلف علمه اشتد طلبه ، ومن اشتد طلبه أدرك منفعته ، فاتخذه عادة ، فإنك تخلف في سلفك ، وينتفع به من خلفك ، ويرتجيك فيه راغب ، ويخشى صولتك راهب ، وإياك والكسل عنه بالطلب لغيره ، فإن غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة ، وإذا فاتك لب العلم في مظانّه فقد غلبت على الآخرة ، واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك

__________________

(١) قال المجلسي (رحمه‌الله) : قوله : «حتى تفطر وانشق» كناية عن غاية تأثير الحكمة فيه ، البحار : ج ١٣ ، ص ٤١٣.

١٣

نصيبا في طلب العلم ، فإن فاتك لم تجد له تضييعا أشد من تركه ، ولا تمارين فيه لجوجا ، ولا تجادلنّ فقيها ، ولا تعادين سلطانا ، ولا تماشين ظلوما ولا تصادقنه ، ولا تصاحبن فاسقا نطفا (١) ، ولا تصاحبن متهما ، واخزن علمك كما تخزن ورقك (٢).

يا بني ، خف الله خوفا لو أتيت القيامة ببرّ الثقلين خفت أن يعذبك ، وارج الله رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين رجوت أن يغفر لك.

فقال له ابنه : يا أبت ، فكيف أطيق هذا ، وإنما لي قلب واحد؟

فقال له لقمان : يا بني ، لو استخرج قلب المؤمن فشقّ ، لوجد فيه نوران : نور للخوف ، ونور للرجاء ، لو وزنا لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرة ، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله ، ومن يصدق ما قال الله يفعل ما أمر الله ، ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله ، فإن هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض ، فمن يؤمن بالله إيمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا ، ومن عمل لله خالصا ناصحا ، فقد آمن بالله صادقا ، ومن أطاع الله خافه ، ومن خافه فقد أحبّه ، ومن أحبّه اتّبع أمره ، ومن اتبع أمره استوجب جنّته ومرضاته ، ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه ، نعوذ بالله من سخط الله.

يا بني ، لا تركن إلى الدنيا ، ولا تشغل قلبك بها ، فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها ، ألا ترى أنّه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين ، ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين؟» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ ما كان في وصية لقمان ـ : «كان فيها

__________________

(١) النّطف : النجس ، والرجل المريب. «أقرب الموارد ـ نطف ـ ج ٢ ، ص ١٣١».

(٢) الورق : الدراهم المضروبة. «الصحاح ـ ورق ـ ج ٤ ، ص ١٥٦٤» ، وفي «ج ، ي» : رزقك.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٢.

١٤

الأعاجيب ، وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه : خف الله عزوجل خيفة لو جئته ببرّ الثقلين لعذّبك ، وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك».

ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان أبي عليه‌السلام يقول : إنه ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران : نور خيفة ، ونور رجاء ، لو وزن هذا لم يزد على هذا» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «في وصية لقمان لابنه : يا بني ، سافر بسيفك ، وخفك ، وعمامتك ، وخبائك ، وسقائك ، وخيوطك ، ومخرزك ، وتزود معك من الأدوية ما تنتفع به أنت ومن معك ، وكن موافقا وصحابك إلّا في معصية الله عزوجل.

يا بني ، إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم ، وأكثر التبسّم في وجوههم ، وكن كريما على زادك بينهم ، وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم ، وعليك بطول الصمت ، وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابة أو زاد أو ماء.

وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم ، وأجهد رأيك لهم إذا استشاروك ، ثم لا تعزم حتى تتثبت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلّي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك ، فإن لم يمحض النصيحة (٢) من استشاره ، سلبه الله رأيه.

وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، واسمع لمن هو أكبر منك سنا ، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئا فقل : نعم ، ولا تقل : لا ، فإنّ لا عيّ ولؤم.

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٥ ، ح ١.

(٢) أمحضه النصيحة : صدقه. «لسان العرب ـ محض ـ ج ٧ ، ص ٢٢٨».

١٥

وإذا تحيّرتم في الطريق فانزلوا ، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتآمروا ، وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ، ولا تسترشدوه ، فإنّ الشخص الواحد في الفلاة مريب ، لعله يكون عين اللصوص ، أو يكون هو الشيطان الذي حيّركم ، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى ، فإنّ العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه ، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب.

يا بني ، إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشيء ، صلّها واسترح منها فإنّها دين ، وصلّ في جماعة ولو على رأس زج ، ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها ، وليس ذلك من فعل الحكماء ، إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل ، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك ، وابدأ بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك.

وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لونا ، وألينها تربة ، وأكثرها عشبا ، وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس ، وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض ، فإذا ارتحلت فصلّ ركعتين ، ثم ودع الأرض التي حللت بها ، وسلم على أهلها ، فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة ، وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتتصدق منه فافعل ، وعليك بقراءة كتاب الله ما دمت راكبا ، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا ، وعليك بالدعاء ما دمت خاليا ، وإياك والسير في أول الليل إلى آخره ، وإياك ورفع الصوت في مسيرك».

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان لقمان الحكيم معمرا قبل داود عليه‌السلام في أعوام كثيرة ، وإنه أدرك أيامه ، وكان معه يوم قتل جالوت ، وكان طول جالوت ثمان مائة ذراع ، وطول داود عشرة أذرع ، فلما قتل داود جالوت رزقه الله النبوّة بعد ذلك ، وكان لقمان معه إلى أن ابتلي بالخطيئة ، وإلى أن تاب الله عليه ، وبعده.

١٦

وكان لقمان يعظ ابنه بآثار حتى تفطر وانشق ، وكان فيما وعظه أنه قال : يا بني ، مذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد.

يا بني ، لا خير في الكلام إلا بذكر الله تعالى ، وإن صاحب السكوت تعلوه السّكينة والوقار.

يا بني جالس العلماء ، فلو وضع الله العلم في قلب كلب لأعزّه الله وأحبه. يا بني ، جالس العلماء ، وزاحمهم بركبتك ، ولا تجادلهم فيمقتوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ، ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضرّ بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صوما يمنعك ويضعفك عن الصلاة ، فإنّ الصلاة أحب إلى الله من الصيام ، والصلاة أفضل الأعمال.

يا بني ، إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الإيمان ، واجعل شراعها التوكّل ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك.

يا بني ، إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا ، ومن عني بالأدب اهتم به ، ومن اهتم به تكلف عمله ، ومن تكلف عمله اشتد طلبه ، ومن اشتد طلبه أدرك منفعته ، فاتخذه عادة ، فإنك تخلف به من سلفك ، وتنفع به خلفك ، ويرتجيك فيه راغب ، ويخشى صولتك راهب ، وإيّاك والكسل عن العلم والطلب لغيره ، فإن غلبت على الدنيا فلا تغلب على الآخرة.

يا بني ، من أدرك العلم ، فأي شيء فاته؟ ومن فاته العلم فأي شيء أدرك؟ يا بني ، إذا فاتك طلب العلم فإنك لم تجد له تضييعا أشد من تركه ، ولا تمارينّ فيه لجوجا ، ولا تجادلن فقيها ، ولا تعادين سلطانا ، ولا تماشين

١٧

ظالما ، ولا تصادقن عدوا ، ولا تؤاخين فاسقا نطفا ، ولا تصاحبن متهما ، واخزن علمك كما تخزن ورقك.

يا بني ، لا تصعر خدك للناس ، ولا تمش في الأرض مرحا ، واغضض من صوتك ، وإن أنكر الأصوات لصوت الحمير ، واقصد في مشيك.

يا بني ، خف الله تعالى خوفا لو أتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت أن يعذبك ، وارج الله تعالى رجاء لو وافيت يوم القيامة بإثم الثقلين أن يغفر الله لك.

فقال له ابنه : يا أبت ، وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد؟

فقال لقمان : يا بني ، لو استخرج قلب المؤمن وشق لوجد فيه نوران : نور للخوف ، ونور للرجاء ، ولو وزنا ما رجح أحدهما على الآخر شيئا ولا مثقال ذرة ، فمن يؤمن بالله ويصدّق ما قال الله تعالى يفعل ما أمر الله ، ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله ، فإن هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض ، فمن يؤمن بالله إيمانا صادقا يعمل لله خالصا ، ومن عمل لله عملا خالصا ناصحا آمن بالله صادقا ، ومن يطع الله تعالى خافه ، ومن خافه فقد أحبه ، ومن أحبه اتبع أمره ، ومن اتبع أمره استوجب جنته ومرضاته ، ومن لم يتبع رضوان الله فقد خان الله ، ومن خان الله استوجب سخطه وعذابه ، نعوذ بالله من سخط الله وعذابه وخزيه ونكاله.

يا بني ، لا تركن إلى الدنيا ، ولا تشغل قلبك بها ، فما خلق الله خلقا أهون عليه منها ، ألا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين ، ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين؟

يا بني ، من أحيا نفسا فكأنّما أحيا الناس جميعا ، أي من استنقذها من قتل ، أو غرق ، أو حرق ، أو هدم ، أو سبع ، أو كفله حتى يستغني ، أو

١٨

أخرجه من فقر إلى غنى ، وأفضل من ذلك كله من أخرجه من ضلال إلى هدى.

يا بني ، أقم الصلاة وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور».

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٥) [سورة لقمان : ١٤ ـ ١٥]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة في معنى الآيتين الشريفتين نذكر منها :

١ ـ قال علي بن إبراهيم : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) يعني ضعفا على ضعف (١).

وقال الأصبغ بن نباتة : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن قوله تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).

فقال : «الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر هما اللذان ولدا العلم ، وورثا الحكم ، وأمر الناس بطاعتهما ، ثم قال الله : (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) فمصير العباد إلى الله ، والدليل على ذلك الوالدان ، ثم عطف القول على ابن حنتمة وصاحبه ، فقال في الخاص والعام : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي) يقول : في الوصية ، وتعدل عمن أمرت بطاعته فلا تطعهما ، ولا تسمع قولهما ، ثم عطف القول على الوالدين ، فقال : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) ، يقول :

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٥.

١٩

عرّف الناس فضلهما ، وادع إلى سبيلهما ، وذلك قوله : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) ، فقال : إلى الله ثمّ إلينا ، فاتقوا الله ولا تعصوا الوالدين ، فإن رضاهما رضا الله ، وسخطهما سخط الله» (١).

عن عبد الله بن مسكان ، عمن رواه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال ـ وأنا عنده ـ لعبد الواحد الأنصاري في برّ الوالدين ، في قول الله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)(٢) ، فظننّا أنها الآية التي في بني إسرائيل : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)(٣) ، فلما كان بعد ، سألته ، فقال : «هي التي في لقمان : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) حسنا (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) ، فقال : إن ذلك أعظم من أن يأمر بصلتهما وحقهما على كل حال (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ، فقال : لا بل يأمر بصلتهما وإن جاهداه على الشرك ، وما زاد حقهما إلا عظما» (٤).

٢ ـ قال عبد الله بن سليمان : شهدت جابر الجعفيّ ، عند أبي جعفر عليه‌السلام ، وهو يحدث أن رسول الله وعليا عليه‌السلام الوالدان.

قال عبد الله بن سليمان : وسمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «منّا الذي أحلّ الخمس ، ومنا الذي جاء بالصدق ، ومنا الذي صدق به ، ولنا المودة في كتاب الله عزوجل ، وعلي ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوالدان ، وأمر الله ذريتهما بالشكر لهما» (٥).

وقال عبد الواحد بن مختار : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام ، فقال : «أما

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٤ ، ح ٧٩.

(٢) الإسراء : ٢٣.

(٣) الإسراء : ٢٣.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ١٢٧ ، ح ٦.

(٥) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٣٦ ، ح ١.

٢٠