التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

قيل له : فإن كانت ممن لا تحيض ، قال : «مثل هذه تطلق طلاق السنة» (١).

وقال صفوان : سمعته ـ يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ـ وجاء رجل فسأله ، فقال : إني طلقت امرأتي ثلاثا في مجلس؟ فقال : «ليس بشيء». ثم قال : «أما تقرأ كتاب الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)؟ ثم قال : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) ثم قال : «كل ما خالف كتاب الله والسنة فهو يرد إلى كتاب الله والسنة» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : في قوله : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) : «والعدة : الطهر من الحيض (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) ، وذلك أن تدعها حتى تحيض ، فإذا حاضت ثم طهرت واغتسلت طلقها تطليقة من غير أن يجامعها ، ويشهد على طلاقها إذا طلقها ، ثم إن شاء راجعها ، ويشهد على رجعتها إذا راجعها ، فإذا أراد أن يطلّقها الثانية ، فإذا حاضت وطهرت واغتسلت طلّقها الثانية ، وأشهد على طلاقها من غير أن يجامعها ، ثم إن شاء راجعها ، وأشهد على رجعتها ثم يدعها حتى تحيض ثم تطهر ، فإذا اغتسلت طلقها الثالثة ، وهو فيما بين ذلك قبل أن يطلق الثالثة أملك بها ، وإن شاء راجعها ، غير أنه إن راجعها ثم بدا له أن يطلقها اعتدت بما طلق قبل ذلك ، وهكذا السّنة في الطلاق ، لا يكون الطلاق إلا عند طهرها من حيضها من غير جماع كما وصفت ، وكلما راجع فليشهد ، فإن طلقها ثم راجعها حبسها ما بدا له ، ثم إن طلقها الثانية ثم راجعها حبسها بواحدة ما بدا له ، ثم إن طلقها تلك الواحدة الباقية بعدما كان راجعها اعتدّت ثلاثة قروء ، وهي ثلاث حيض ، وإن لم تكن تحيض فثلاثة

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٦٥ ، ح ٢.

(٢) قرب الإسناد : ص ٣٠.

١٢١

أشهر ، وإن كان بها حمل فإذا وضعت انقضى أجلها ، وهو قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) فعدتهنّ أيضا ثلاثة أشهر (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)(١)».

وأما قوله تعالى : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) يقول : إذا ترضى المرأة فترضع الولد ، وإن لم يرض الرجل أن يكون ولدها عندها ، يقول : (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ)(٢).

وقال سعد بن أبي خلف : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن شيء من الطلاق ، فقال : «إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة ، فقد بانت [منه] ساعة طلّقها وملكت نفسها ، ولا سبيل له عليها ، وتعتدّ حيث شاءت ولا نفقة لها».

قال : فقلت : أليس قال الله عزوجل : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ)؟ قال : فقال : «إنما عنى بذلك التي تطلّق تطليقة بعد تطليقة ، فهي التي لا تخرج [ولا تخرج حتى تطلق الثالثة] ، فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه ، ولا نفقة لها ، والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلو أجلها فهذه تعتدّ في بيت زوجها ، ولها السّكنى والنفقة حتى تنقضي عدّتها» (٣).

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٣ ، والآية من سورة الطلاق : ٦ ، ٧.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٩٠ ، ح ٥.

١٢٢

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في التي يموت عنها زوجها : «تخرج إلى الحجّ والعمرة ، ولا تخرج التي تطلق ، لأن الله تعالى يقول : (وَلا يَخْرُجْنَ) إلا أن تكون طلقت في سفر» (١).

٣ ـ قال ابن بابويه في (الفقيه) ، قال : سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ، قال : «إلّا أن تزني فتخرج ويقام عليها الحدّ» (٢).

وعنه : بإسناده عن سعد بن عبد الله القميّ ، عن القائم عليه‌السلام ، قال : قلت له : فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدّتها حلّ لزوجها أن يخرجها من بيته. قال : «الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا ، فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوج بها لأجل الحدّ ، فإذا سحقت وجب عليها الرّجم ، والرجم خزي ، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : في معنى الآية : لا يحل لرجل أن يخرج امرأته إذا طلقها وكان له عليها رجعة من بيته ، وهي أيضا لا يحل لها أن تخرج من بيته (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ومعنى الفاحشة أن تزني أو تسرق على الرجل ، ومن الفاحشة أيضا السلاطة على زوجها ، فإن فعلت شيئا من ذلك حل له أن يخرجها (٤).

وقال الرضا عليه‌السلام : «يعني بالفاحشة المبيّنة أن تؤذي أهل زوجها ، فإذا

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ ، ص ٤٠١ ، ح ١٣٩٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ، ص ٣٢٢ ، ح ١٥٦٥.

(٣) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٤٥٩ ، ح ٢١.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٤.

١٢٣

فعلت : فإن شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عدتها فعل» (١).

٤ ـ قال زرارة : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «أحب للرجل الفقيه إذا أراد أن يطلق امرأته أن يطلقها طلاق السنة».

قال : ثم قال : «وهو الذي قال الله تعالى : (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) يعني بعد الطلاق وانقضاء العدة ، التزويج بها من قبل أن تزوج زوجا غيره».

قال : «وما أعدله وأوسعه لهما جميعا أن يطلّقها على طهر من غير جماع تطليقة بشهود ، ثم يدعها حتى يخلو أجلها ثلاثة أشهر ، أو ثلاثة قروء ، ثم يكون خاطبا من الخطاب!» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «المطلقة تكتحل وتختضب وتطيّب وتلبس ما شاءت من الثياب ، لأنّ الله عزوجل يقول : (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) لعلها أن تقع في نفسه فيراجعها» (٣).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣)) [سورة الطّلاق : ٢ ـ ٣]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) يعني إذا انقضت عدتها ، إما أن

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٩٧ ، ح ٢.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٦٥ ، ح ٣.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٩٢ ، ح ١٤.

١٢٤

يراجعها ، وإما أن يفارقها ، يطلقها ويمتعها ، على الموسع قدره ، وعلى المقتر قدره (١).

٢ ـ قال أحمد بن محمد بن أبي نصر : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته بعد ما غشيها ، بشهادة عدلين. فقال : «ليس هذا بطلاق».

فقلت : جعلت فداك ، كيف طلاق السّنة؟ فقال : «يطلقها إذا طهرت من حيضها ، قبل أن يغشاها ، بشاهدين عدلين ، كما قال الله عزوجل في كتابه ، فإن خالف ذلك ردّ إلى كتاب الله عزوجل».

فقلت له : فإن طلّق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين؟ فقال : «لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ، وقد تجوز شهادتهن مع غيرهنّ في الدم إذا حضرته».

فقلت : إذا أشهد رجلين ناصبيّين على الطلاق ، أيكون طلاقا؟ فقال : «من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير» (٢).

٣ ـ أقول : ولتأكيد الأحكام السابقة جميعا تقول الآية الكريمة : (ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).

ربما اعتبر البعض (ذلِكُمْ) إشارة ـ فقط ـ إلى مسألة التوجه إلى الله ومراعاة العدالة من جانب الشهود ، غير أن الظاهر أن هذا التعبير يشمل كل الأحكام السابقة حول الطلاق.

وعلى أية حال فإن هذا التعبير دليل على الأهمية القصوى التي يوليها القرآن الكريم لأحكام الطلاق ، التي إذا تجاوزها أحد ولم يتعظ بها فكأنه أنكر الإيمان بالله واليوم الآخر.

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٤.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٦٧ ، ح ٦.

١٢٥

لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) : «هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ، ليس عندهم ما يتحمّلون [به] إلينا ، فيسمعون حديثنا ، ويقتبسون من علمنا ، فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويتعبون أبدانهم حتى يدخلوا علينا فيسمعوا حديثنا ، فينقلوه إليهم ، فيعيه هؤلاء ، ويضيّعه هؤلاء ، فأولئك الذين يجعل الله عزّ ذكره لهم مخرجا ، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام عند ما سئل عن هذه الآيات : «في دنياه» (٢).

وقال علي بن السري : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إن الله عزوجل جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون ، وذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه» (٣).

٥ ـ قال علي بن سويد : سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام : عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ، فقال : «التوكل على الله درجات ، منها أن تتوكل على الله في أمورك كلها ، فما فعل بك كنت عنه راضيا ، تعلم أنه لا يألوك خيرا وفضلا ، وتعلم أن الحكم في ذلك له ، فتوكّل على الله بتفويض ذلك [إليه] وثق [به] فيها وفي غيرها» (٤).

وقال علي بن عبد العزيز : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما فعل عمر بن مسلم؟». فقلت : جعلت فداك ، أقبل على العبادة وترك التجارة.

فقال : «ويحه! أما [علم] أن تارك الطلب لا يستجاب له ، إن قوما من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نزلت (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة ، وقالوا : قد كفينا. فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأرسل إليهم ، فقال : ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا :

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ١٧٨ ، ح ٢٠١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٥.

(٣) الكافي : ج ٥ ، ص ٨٤ ، ح ٤.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٣ ، ح ٥.

١٢٦

يا رسول الله ، تكفل لنا بأرزاقنا ، فأقبلنا على العبادة. فقال : إنه من فعل ذلك لم يستجب له دعاؤه ، عليكم بالطلب» (١).

٦ ـ أقول : في آخر الحديث في الآيتين : تعهد الله أن لا يترك من توكل عليه يتخبط في حيرته ، وإنه لقادر على الوفاء بهذا التعهد.

وفي إشارة لطيفة إلى النظام العام الذي يحكم التكوين والتشريع ، يقول تعالى : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) فكل هذه الأحكام والأوامر التي فرضها الله في شأن الطلاق ، إنما كانت ضمن حساب دقيق ومقاييس عامة شاملة لا يغيب عنها شيء.

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤) ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٥)) [سورة الطّلاق : ٤ ـ ٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «عدة المرأة التي لا تحيض ، والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر ، وعدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء».

وقال الحلبي : وسألته عن قول الله عزوجل : (إِنِ ارْتَبْتُمْ) ، ما الرّيبة؟ فقال : «ما زاد على شهر فهو ريبة ، فلتعتدّ ثلاثة أشهر ، ولتترك الحيض ، وما كان في الشهر لم تزد في الحيض عليه ثلاث حيض فعدّتها ثلاث حيض» (٢).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «الحامل أجلها أن تضع حملها ، وعليه نفقتها

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٨٤ ، ح ٥.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ١٠٠ ، ح ٨.

١٢٧

بالمعروف حتى تضع حملها» (١).

٣ ـ أقول : وأخيرا يعتمد في نهاية الآية على التقوى حيث يقول : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً).

ييسر أموره ويسهلها في هذا العالم ، وكذلك في العالم الآخر ، بألطافه سواء في قضية الطلاق والانفصال أو في القضايا الأخرى.

٤ ـ قال الشيخ الطوسي : وقوله (ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) يعني حكم الطلاق والرجعة والعدة فيما أنزله الله وحكم به وأمركم بالعمل به. ثم قال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) باجتناب معاصيه وفعل طاعاته (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) التي هي دونها ويتفضل عليه بإسقاط عقابها (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) على ذلك يعني ثوابه ونعيمه في الجنة (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧)) [سورة الطّلاق : ٦ ـ ٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القمي في قوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) : المطلقة التي لزوجها عليها رجعة ، لها عليه سكنى ونفقة مادامت في العدة ، فإن كانت حاملا ينفق عليها حتى تضع حملها (٣).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا يضارّ الرجل امرأته إذا طلقها فيضيق

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ١٠٣ ، ح ١.

(٢) التبيان : ج ١٠ ، ص ٣٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٤.

١٢٨

عليها حتى تنتقل قبل أن تنقضي عدتها ، فإن الله عزوجل قد نهى عن ذلك فقال : (وَلا تُضارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)(١).

وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلى ، أنفق عليها حتى تضع حملها ، فإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارّها إلا أن يجد من هي أرخص أجرا منها فإن رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتى تفطمه» (٢).

٣ ـ قال علي بن إبراهيم القمي ، في قوله تعالى : (أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ)(٣) : المطلّقة الحامل أجلها أن تضع ما في بطنها ، إن وضعت يوم طلّقها زوجها فلها أن تتزوج إذا طهرت ، وإن [لم] تضع ما في بطنها إلى تسعة أشهر لم تتزوج إلى أن تضع (٤).

وقال عبد الرحمن بن الحجّاج : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الحبلى إذا طلقها زوجها فوضعت سقطا ، تمّ أو لم يتمّ ، أو وضعته مضغة؟ قال : «كل شيء وضعته يستبين أنّه حمل تمّ أو لم يتمّ ، فقد انقضت عدّتها وإن كانت مضغة» (٥).

وقال أبو عبد الله البصري : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلّق امرأته وهي حبلى ، وكان في بطنها اثنان ، فوضعت واحدا وبقي واحد.

فقال : «تبين بالأوّل ، ولا تحلّ للأزواج حتى تضع ما في بطنها» (٦).

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) : «إذا أنفق الرجل على امرأته ما يقيم ظهرها مع الكسوة ،

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ١٢٣ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ١٠٣ ، ح ٢.

(٣) الطلاق : ٤.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٤.

(٥) الكافي : ج ٦ ، ص ٨٢ ، ح ٩.

(٦) الكافي : ج ٦ ، ص ٨٢ ، ح ١٠.

١٢٩

وإلا فرق بينهما» (١).

٥ ـ أقول : قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) : ليس العقل وحده يحكم بذلك ، وإنما الحكم الشرعي هو الآخر شاهد ودليل على ذلك. أي أن تكاليف البشر ومسؤولياتهم إنما هي بقدر طاقاتهم وتعبير (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) التي وردت ضمن الآيات السابقة نوع من الإشارة إلى هذا المعنى.

ولكن ورد في بعض الروايات أن المقصود ب (ما آتاها) هو ما «علمها» أي أن الله يكلف الناس بقدر ما علمهم وعرفهم به. ولذا استدل بهذه الآية على إثبات «أصل البراءة» في مباحث علم الأصول ، فمن لا يعلم حكما ليس عليه مسؤولية تجاه ذلك الحكم.

ونظرا لأن عدم الإطلاع يؤدي أحيانا إلى عدم المقدرة ، فمن الممكن أن يكون المقصود هو الجهل الذي يكون مصدرا للعجز.

وبناء على هذا فإنه سيكون للآية مفهوم واسع يشمل عدم القدرة والجهل الذي يؤدي إلى عدم القدرة على إنجاز التكليف.

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً (١١)) [سورة الطّلاق : ٨ ـ ١١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٥.

١٣٠

وَرُسُلِهِ) أي وكم من أهل قرية عتوا على الله وعلى أنبيائه ، يعني جاوزوا الحد في العصيان والمخالفة. (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) بالمناقشة والاستقصاء باستيفاء الحق وإيفائه. قال مقاتل : حاسبها الله تعالى بعملها في الدنيا ، فجازاها بالعذاب ، وهو قوله (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) فجعل المجازاة بالعذاب محاسبة وهو عذاب الاستئصال. وقيل : هو عذاب النار. فإن اللفظ ماض بمعنى المستقبل. والنكر. المنكر الفظيع الذي لم ير مثله. وقيل : إن في الآية تقديما وتأخيرا تقديره : فعذبناها في الدنيا بالجوع ، والقحط ، والسيف ، وسائر المصائب والبلايا ، وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا. وقيل : الحساب الشديد هو الذي ليس فيه عفو.

(فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) أي ثقل عاقبة كفرها (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) أي خسرانا في الدنيا والآخرة. وهو قوله (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) يعني عذاب النار. وهذا يدل على أن المراد بالعذاب الأول عذاب الدنيا. ثم ، قال : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي يا أصحاب العقول ، ولا تفعلوا مثل ما فعل أولئك ، فينزل بكم مثل ما نزل بهم. ثم وصف أولي الألباب بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) وخص المؤمنين بالذكر ، لأنهم المنتفعون بذلك دون الكفار. ثم ابتدأ سبحانه فقال : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) يعني القرآن. وقيل : يعني الرسول وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام. (رَسُولاً) إذا كان المراد به الوجه الأول ، وهو أن يكون بدلا من ذكرا والمراد به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو جبرائيل عليه‌السلام ، فيجوز أن يكون المراد بالذكر الشرف أي : ذا ذكر رسولا (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) أي واضحات (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ) أي من ظلمات الكفر (إِلَى النُّورِ) أي : نور الإيمان. وقيل : من ظلمات الجهل إلى نور العلم. وإنما شبه الإيمان بالنور لأنه يؤدي إلى نور القبر والقيامة والجنة ، وشبه الكفر بالظلمة لأنه يؤدي إلى

١٣١

ظلمة القبر ، وظلمة جهنم. (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) أي : يعطيه أحسن ما يعطي أحدا ، وذلك مبالغة في وصف نعيم الجنة (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢)) [سورة الطّلاق : ١٢]؟!

الجواب / ١ ـ قال الحسين بن خالد قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ)(٢)؟ فقال : هي «محبوكة إلى الأرض» ، وشبك بين أصابعه.

فقلت : كيف تكون محبوكة إلى الأرض ، والله يقول : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)(٣)؟ فقال : «سبحان الله! أليس الله يقول : (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)؟. قلت : بلى. فقال : «ثم عمد ولكن لا ترونها».

قلت : كيف ذلك ، جعلني الله فداك؟ قال : فبسط كفه اليسرى ، ثم وضع اليمنى عليها ، فقال : «هذه أرض الدنيا ، والسماء الدنيا عليها فوقها قبة ، والأرض الثانية فوق السماء الدنيا ، والسماء الثانية فوقها قبة ، والأرض الثالثة فوق السماء الثانية ، والسماء الثالثة فوقها قبة ، والأرض الرابعة فوق السماء الثالثة ، والسماء الرابعة فوقها قبة ، والأرض الخامسة فوق السماء الرابعة ، والسماء الخامسة فوقها قبة ، والأرض السادسة فوق السماء الخامسة ، والسماء السادسة فوقها قبّة ، والأرض السابعة فوق السماء السادسة ، والسماء السابعة فوقها قبة ، وعرش الرحمن تبارك وتعالى فوق السماء السابعة ، وهو قول الله

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٨ ـ ٥٠.

(٢) الذاريات : ٧.

(٣) الرعد : ٢.

١٣٢

عزوجل : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) طباقا (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) فأما صاحب الأمر فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والوصيّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائم على وجه الأرض ، فإنما يتنزل الأمر إليه من فوق السماء من بين السماوات والأرضين».

قلت : فما تحتنا إلا أرض واحدة؟ فقال : «ما تحتنا إلا أرض واحدة ، وإنّ الست لهن فوقنا» (١).

وقال الحسين بن علي عليهم‌السلام : «كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام [بالكوفة] في الجامع ، إذ قام إليه رجل من أهل الشام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني أسألك عن أشياء. فقال : سل تفقها ولا تسأل تعنتا ، فأحدق الناس بأبصارهم ، فقال : أخبرني عن أول ما خلق الله تعالى؟

قال : خلق النور.

قال : فمم خلقت السماوات؟

قال عليه‌السلام : من بخار الماء.

قال : فممّ خلقت الأرض؟

قال عليه‌السلام : من زبد الماء.

قال : فمم خلقت الجبال؟

قال عليه‌السلام : من الأمواج.

قال : فلم سميت مكة أم القرى؟

قال عليه‌السلام : لأن الأرض دحيت من تحتها.

وسأله عن سماء الدنيا ، فمم هي؟ قال عليه‌السلام : من موج مكفوف. وسأله

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٨.

١٣٣

عن طول الشمس والقمر وعرضهما؟ فقال عليه‌السلام : تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ. وسأله كم طول الكوكب وعرضه؟ قال : اثنا عشر فرسخا في اثني عشر فرسخا.

وسأله عن ألوان السماوات السبع وأسمائها. فقال له : اسم السماء الدنيا رفيع ، وهي من ماء ودخان ، واسم السماء الثانية فيدوم ، وهي على لون النحاس ، والسماء الثالثة اسمها الماروم وهي على لون الشّبه ، والسماء الرابعة اسمها أرفلون ، وهي على لون الفضّة ، والسماء الخامسة اسمها هيعون ، وهي على لون الذهب ، والسماء السادسة اسمها عروس ، وهي ياقوتة خضراء ، والسماء السابعة اسمها عجماء ، وهي درّة بيضاء» (١).

وقال الشيخ الطبرسي : (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) وإنما صاحب الأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على وجه الأرض ، وإنما يتنزل الأمر من فوق بين السماوات والأرضين. فعلى هذا يكون المعنى تتنزل الملائكة بأوامره إلى الأنبياء. وقيل : معناه يتنزل الأمر بين السماوات والأرضين من الله سبحانه ، بحياة بعض ، وموت بعض ، وسلامة حي ، وهلاك آخر ، وغنى إنسان ، وفقر آخر ، وتصريف الأمر على الحكمة (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) بالتدبير في خلق السماوات والأرض ، والاستدلال بذلك على أن صانعهما قادر لذاته ، عالم لذاته ، وذلك قوله (وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) ومعناه : إن معلوماته متميزة له بمنزلة ما قد أحاط به ، فلم يفته شيء منها. وكذلك قوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) معناه أنه ليس بمنزلة ما يحضره العلم بمكانه ، فيكون كأنه قد أحاط به (٢).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٤٠ ، ح ١.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٥٠.

١٣٤

تفسير

سورة التّحريم

رقم السورة ـ ٦٦ ـ

١٣٥
١٣٦

سورة التّحريم

* س ١ : ما هو فضل سورة التّحريم؟!

الجواب / روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأها أعطاها الله توبة نصوحا ، ومن قرأها على ملسوع شفاه الله ولم يمش السّم فيه ، وإن كتبت ورش ماؤها على مصروع احترق شيطانه» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من قرأها على المريض سكّنته ، ومن قرأها على الرّجفان بردته ، ومن قرأها على المصروع تفيقه ، ومن قرأها على السّهران تنومه ، وإن أدمن في قراءتها من كان عليه دين كثير لم يبق شيء بإذن الله تعالى» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤) عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥)) [سورة التّحريم : ١ ـ ٥]؟!

__________________

(١) البرهان : ج ٩ ، ص ٥٦٥.

(٢) خواص القرآن : ص ١١ «مخطوط».

١٣٧

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) ، قال : «اطّلعت عائشة وحفصة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مع مارية ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والله لا أقربها ، فأمر الله أن يكفّر عن يمينه» (١).

ثم قال علي بن إبراهيم : كان سبب نزولها أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في بعض بيوت نسائه ، وكانت مارية القبطية معه تخدمه ، وكان ذات يوم في بيت حفصة ، فذهبت حفصة في حاجة لها ، فتناول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مارية ، فعلمت حفصة بذلك ، فغضبت وأقبلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقالت : يا رسول الله ، هذا [في] يومي ، وفي داري ، وعلى فراشي! فاستحيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ، فقال : «كفي فقد حرمت مارية على نفسي ، ولا أطأها بعد هذا أبدا ، وأنا أفضي إليك سرا ، فإن أنت أخبرت به فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». فقالت : نعم ، ما هو؟ فقال : «إن أبا بكر يلي الخلافة من بعدي ، ثم من بعده عمر أبوك». فقالت : من أخبرك بهذا؟ قال : «الله أخبرني».

فأخبرت حفصة عائشة من يومها بذلك ، وأخبرت عائشة أبا بكر ، فجاء أبو بكر إلى عمر ، فقال له : إن عائشة أخبرتني عن حفصة كذا ، ولا أثق بقولها ، فسل أنت حفصة ، فجاء عمر إلى حفصة ، فقال لها : ما هذا الذي أخبرت عنك عائشة؟ فأنكرت ذلك ، وقالت : ما قلت لها من ذلك شيئا. فقال لها عمر : إن كان هذا حقا فأخبرينا حتى نتقدّم فيه؟ فقالت : نعم ، قد قال ذلك رسول الله.

فاجتمع أربعة على أن يسمّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه السورة : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٥.

١٣٨

مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) يعني قد أباح الله لك أن تكفر عن يمينك (وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) [أي أخبرت به] (وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ) يعني أظهر الله نبيه على ما أخبرت به وما هموا به من قتله (عَرَّفَ بَعْضَهُ) أي أخبرها وقال : «لم أخبرت بما أخبرتك به؟» (١).

ثم قال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) قال : لم يخبرهم بما علم مما هموا به من قتله ، قالت : من أنبأك هذا؟ قال : (نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) ، (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) يعني لأمير المؤمنين عليه‌السلام ثم خاطبها ، فقال : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) عرض عائشة لأنه لم يتزوج بكرا غير عائشة (٣)(٤).

أقول : في آخر آية يخاطب الله تعالى جميع نساء النبي بلهجة لا تخلو من التهديد. لذا فهو ينذرهن ألا يتصورن أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوف لن يطلقهن وألا يتصورن أن أزواجا أخريات أفضل منهن لن يأتين محلهن إذا طلقهن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليكففن عن التآمر عليه وإلّا فسيحرمن من شرف لقب «زوجة الرسول» إلى الأبد ، وستأخذ نساء أخريات أفضل منهن هذا اللقب الكريم.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٥.

(٢) هذا القول لأبي جعفر الباقر عليه‌السلام.

(٣) أقول : لعله أراد من كانت موجودة وإلا كانت خديجة عليها‌السلام بكرا كما بينا في كتابنا حياة السيدة خديجة بنت خويلد عليها‌السلام فمن أراد فليراجع.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٧.

١٣٩

وقال محمد بن قيس : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال الله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) ـ إلى قوله ـ (تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) فجعلها يمينا وكفّرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قلت : بم كفّر؟ قال : أطعم عشرة مساكين : لكل مسكين مدّ».

قلت : فما حد الكسوة؟ قال : «ثوب يواري به عورته» (١).

وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : سألته عن رجل قال لامرأته : أنت عليّ حرام؟ فقال : «لو كان لي عليه سلطان لأوجعت رأسه ، وقلت [له] : الله أحلها لك ، فما حرّمها عليك؟ إنه لم يزد على أن كذب ، فزعم أن ما أحل الله له حرام ، ولا يدخل عليه طلاق ولا كفّارة».

فقلت : قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) فجعل فيه الكفارة؟ فقال : «إنما حرم عليه جاريته مارية القبطية ، وحلف أن لا يقربها ، وإنما جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه الكفّارة في الحلف ، ولم يجعل عليه في التحريم» (٢).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦)) [سورة التّحريم : ٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال جميل : كان الطيّار يقول لي : إبليس ليس من الملائكة ، وإنما أمرت الملائكة بالسجود لآدم عليه‌السلام ، فقال إبليس : لا أسجد ، فما لإبليس يعصي حين لم يسجد وليس هو من الملائكة؟

__________________

(١) الكافي : ج ٧ ، ص ٤٥٢ ، ح ٤.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ١٣٤ ، ح ١.

١٤٠