التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

الذهاب والمجيء ، مثل الموج. (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) أي ريحا ذات حجر ، كما أرسل على قوم لوط حجارة من السماء. وقيل : سحابا يحصب عليكم الحجارة (فَسَتَعْلَمُونَ) حينئذ (كَيْفَ نَذِيرِ) أي كيف إنذاري إذا عاينتم العذاب (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) رسلي ، وجحدوا وحدانيتي (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي عقوبتي وتغييري ما بهم من النعم. وقيل. كيف رأيتم إنكاري عليهم بإهلاكهم واستئصالهم. ثم نبه سبحانه على قدرته على الخسف ، وإرسال الحجارة فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) تصف أجنحتها في الهواء فوق رؤوسهم (وَيَقْبِضْنَ) أجنحتهن بعد البسط وهذا معنى الطيران ، وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط أي : يضربن بأرجلهن ، ويبسطن أجنحتهن تارة ، ويقبضن أخرى. فالجو للطائر كالماء للسابح. وقيل : معناه إن من الطير ما يضرب بجناحه فيصف ، ومنه ما يمسكه فيدف ، ومنه الصفيف والدفيف. (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) بتوطئة الهواء لهن ، ولو لا ذلك لسقطن. وفي ذلك أعظم دلالة ، وأوضح برهان وحجة ، بأن من سخر الهواء هذا التسخير على كل شيء قدير. والصف : وضع الأشياء المتوالية على خط مستقيم. والقبض : جمع الأشياء عن حال البسط. والإمساك : اللزوم المانع من السقوط. (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) أي بجميع الأشياء عليم (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) هذا استفهام إنكار أي : لا جند لكم ينصركم مني ، ويمنعكم من عذابي ، إن أردت عذابكم. ولفظ الجند موحد ، ولذلك قال : (هذَا الَّذِي) وكأنه سبحانه يقول للكفار : بأي قوة تعصونني ألكم جند يدفع عنكم عذابي. بين بذلك أن الأصنام لا يقدرون على نصرتهم. (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) أي ما الكافرون إلا في غرور من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم. وقيل : معناه ما هم إلا في أمر لا حقيقة له من عبادة الأوثان ، يتوهمون

١٦١

أن ذلك ينفعهم ، والأمر بخلافه.

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) أي الذي يرزقكم إن أمسك الله الذي هو رازقكم أسباب رزقه عنكم ، وهو المطر هنا (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) أي ليسوا يعتبرون فينظرون بل تمادوا واستمروا في اللجاج ، وجاوزوا الحد في تماديهم ونفورهم عن الحق ، وتباعدهم عن الإيمان ، لما كان للمشركين صوارف كثيرة عن عبادة الأوثان ، وهم كانوا يتقحمون بذلك على العصيان ، فقد لجوا في عتوهم. قال الفراء : قوله (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) الآية تعريف حجة ألزمها الله العباد ، فعرفوا فأقروا بها ، ولم يردوا لها جوابا. فقال سبحانه (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ)(١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢)) [سورة الملك : ٢٢]؟!

الجواب / قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «إن الله ضرب مثلا من حاد عن ولاية علي عليه‌السلام كمن يمشي على وجهه ، لا يهتدي لأمره ، وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم ، والصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه‌السلام» (٢).

وقال الفضيل : دخلت مع أبي جعفر عليه‌السلام المسجد الحرام وهو متكىء عليّ ، فنظر إلى الناس ونحن على باب بني شيبة ، فقال : «يا فضيل ، هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية ، ولا يعرفون حقا ، ولا يدينون دينا.

يا فضيل ، انظر إليهم ، فإنهم مكبون على وجوههم ، لعنهم الله من خلق ممسوخ مكبين على وجوههم ، ثم تلا هذه الآية : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يعني والله عليا عليه‌السلام

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٧٦ ـ ٧٨.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٩ ، ح ٩١.

١٦٢

والأوصياء عليهم‌السلام ، ثم تلا هذه الآية (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ)(١) أمير المؤمنين عليه‌السلام.

يا فضيل ، لم يسمّ بهذا الاسم غير علي عليه‌السلام إلا مفتر كذاب إلى يوم القيامة ، أما والله ـ يا فضيل ـ ما لله عز ذكره حاجّ غيركم ، ولا يغفر الذنوب إلا لكم ، ولا يتقبل إلا منكم ، وإنكم لأهل هذه الآية (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً)(٢).

يا فضيل ، أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا ألسنتكم وتدخلوا الجنة ، ثم قرأ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(٣) أنتم والله أهل هذه الآية» (٤).

وقال سعد : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن القلوب أربعة : قلب فيه نفاق وإيمان ، وقلب منكوس ، وقلب مطبوع ، وقلب أزهر أجرد».

فقلت : ما الأزهر؟ فقال : «فيه كهيئة السّراج ، فأما المطبوع فقلب المنافق ، وأما الأزهر فقلب المؤمن ، إن أعطاه شكر ، وإن ابتلاه صبر ، وأما المنكوس فقلب المشرك ، ثم قرأ هذه الآية (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، فأما القلب الذي فيه إيمان ونفاق ، فهم قوم كانوا بالطائف ، فإن أدرك أحدهم أجله على نفاقه هلك ، وإن أدركه على إيمانه نجا» (٥).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣)

__________________

(١) الملك : ٢٧.

(٢) النساء : ٣١.

(٣) النساء : ٧٧.

(٤) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٨٨ ، ح ٤٣٤.

(٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٩ ، ح ٢.

١٦٣

قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦)) [سورة الملك : ٢٣ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) بأن أخرجكم من العدم إلى الوجود (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) تسمعون به المسموعات (وَالْأَبْصارَ) تبصرون بها المبصرات (وَالْأَفْئِدَةَ) يعني القلوب تعقلون بها ، وتتدبرون ، فأعطاكم آلات التفكر والتمييز ، والوصول إلى العلم (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي تشكرون قليلا. وقيل : معناه قليلا شكركم ، فتكون (ما) مصدرية (قُلْ) لهم يا محمد (هُوَ) الله تعالى (الَّذِي ذَرَأَكُمْ) أي خلقكم (فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) منها أي تبعثون إليه يوم القيامة ، فيجازيكم على أعمالكم. ثم حكى سبحانه ما كان يقوله الكفار ، مستبطئين عذاب الله ، مستهزئين بذلك ، فقال : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) من الخسف والحاصب ، أو البعث والجزاء (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن ذلك يكون (قُلْ) يا محمد (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) يعني علم الساعة (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ) مخوف لكم به (مُبِينٌ) أي : مبين لكم ما أنزل الله إلي من الوعد والوعيد ، والأحكام (١).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧)) [سورة الملك : ٢٧]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «هذه نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام وأصحابه الذين عملوا ما عملوا ، يرون أمير المؤمنين عليه‌السلام في أغبط الأماكن

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٨٠.

١٦٤

فيسيء وجوههم ، ويقال لهم : هذا الذي كنتم به تدّعون ، الذي انتحلتم اسمه ، أي سمّيتم أنفسكم بأمير المؤمنين» (١).

وقال يوسف بن أبي سعيد : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ذات يوم ، فقال : «إذا كان يوم القيامة [و] جمع الله تبارك وتعالى الخلائق ، كان نوح عليه‌السلام أول من يدعى به ، فيقال له : هل بلّغت؟ فيقول : نعم ، فيقال له : من يشهد لك؟ فيقول : محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : فيخرج نوح عليه‌السلام يتخطّى الناس حتى يجيء إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على كثيب المسك ومعه علي عليه‌السلام ، وهو قول الله عزوجل : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فيقول نوح لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا محمد ، إن الله تبارك وتعالى سألني : هل بلّغت؟ فقلت : نعم. فقال : من يشهد لك؟ فقلت : محمد. فيقول : يا جعفر ، ويا حمزة ، اذهبا فاشهدا له أنه قد بلغ؟».

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فجعفر وحمزة هما الشاهدان للأنبياء عليهم‌السلام بما بلّغوا».

قلت : جعلت فداك ، فعلي عليه‌السلام ، أين هو؟ فقال : «هو أعظم منزلة من ذلك» (٢).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩)) [سورة الملك : ٢٨ ـ ٢٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هذه الآية مما غيروا وحرّفوا ، ما كان الله ليهلك محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا من كان معه من المؤمنين ، وهو خير ولد

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٢ ، ح ٦٨.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٦٧ ، ح ٣٩٢.

١٦٥

آدم عليه‌السلام ، ولكن قال عزوجل : قل أرأيتم إن أهلككم الله جميعا أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم» (١).

وقال عبد الرحمن بن سالم الأشلّ : قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا)؟

قال : «ما أنزلها الله هكذا ، وما كان الله ليهلك نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن معه ، ولكن أنزلها : قل أرأيتم إن أهلككم الله ومن معكم ونجّاني ومن معي فمن يجير الكافرين من عذاب إليم» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) : «يا معشر المكّذبين حيث أنبأتكم رسالة ربّي في ولاية علي والأئمة عليهم‌السلام من بعده ، فستعلمون من هو في ضلال مبين» (٣).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠)) [سورة الملك : ٣٠]؟!

الجواب / قال عمار بن ياسر : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض غزواته ، وقتل عليّ عليه‌السلام أصحاب الألوية وفرق جمعهم ، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي ، وقتل شيبة بن نافع ، أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت له : يا رسول الله ، إنّ عليا قد جاهد في الله حقّ جهاده. فقال : «لأنّه مني وأنا منه ، وإنه وارث علمي ، وقاضي ديني ، ومنجز وعدي ، والخليفة من بعدي ، ولولاه لم يعرف المؤمن المحض بعدي ، حربه حربي ، وحربي حرب الله ، وسلمه سلمي ، وسلمي سلم الله ، ألا إنه أبو سبطي ، والأئمة من صلبه ، يخرج الله تعالى

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٠٧ ، ح ١٠.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٠٧ ، ح ١١.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٩ ، ح ٤٥.

١٦٦

الأئمة الراشدين من صلبه ، ومنهم مهديّ هذه الأمّة».

فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ، من هذا المهدي؟ قال : «يا عمار ، إن الله تبارك وتعالى عهد إلي أنه يخرج من صلب الحسين أئمة تسعة ، والتاسع من ولده يغيب عنهم ، وذلك قوله عزوجل : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) تكون له غيبة طويلة ، يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون ، فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، وهو سميّي وأشبه الناس بي.

يا عمار ، ستكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فاتّبع عليا واصحبه فإنه مع الحق والحق معه.

يا عمار ، إنك ستقاتل بعدي مع علي صنفين : الناكثين والقاسطين ، ثم تقتلك الفئة الباغية».

قال : يا رسول الله ، أليس ذلك على رضا الله ورضاك؟ قال : «نعم ، على رضا الله ورضاي ، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه».

فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال له : يا أخا رسول الله ، أتأذن لي في القتال؟ فقال : «مهلا رحمك الله» فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام ، فأجابه بمثله ، فأعاد عليه ثالثا ، فبكى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فنظر إليه عمار ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه اليوم الذي وصفه لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن بغلته ، وعانق عمارا وودعه ، ثم قال : «يا أبا اليقظان جزاك الله عن نبيك وعني خيرا ، فنعم الأخ كنت ، ونعم الصاحب كنت». ثم بكى عليه‌السلام وبكى عمار ، ثم قال : والله ـ يا أمير المؤمنين ـ ما اتّبعتك إلا ببصيرة ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم خيبر : «يا عمار ، ستكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فاتبع عليا وحزبه ، فإنه

١٦٧

مع الحق والحق معه ، وستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين» فجزاك الله خيرا ـ يا أمير المؤمنين ـ عن الإسلام أفضل الجزاء ، فلقد أدّيت وأبلغت ونصحت.

ثم ركب وركب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثم برز إلى القتال ، ثم دعا بشربة من ماء فقيل : ما معنا ماء. فقام إليه رجل من الأنصار وسقاه شربة من لبن فشربه ، ثم قال : هكذا عهد إلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة لبن ، ثم حمل على القوم ، فقتل ثمانية عشر نفسا ، فخرج إليه رجلان من أهل الشام فطعناه ، وقتل (رحمه‌الله) ، فلما كان في الليل طاف أمير المؤمنين عليه‌السلام في القتلى ، فوجد عمّارا ملقى بين القتلى ، فجعل رأسه على فخذه ، ثم بكى عليه وأنشأ يقول :

ألا أيها الموت الذي ليس تاركي

أرحني فقد أفنيت كلّ خليل

أيا موت كم هذا التفرق عنوة

فلست تبقي خلة لخليل

أراك بصيرا بالذي أحبهم

كأنك تمضي نحوهم بدليل (١)

وقال علي بن جعفر : قلت لموسى بن جعفر عليهما‌السلام : ما تأويل قول الله عزوجل : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) فقال : «إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فما ذا تصنعون؟» (٢).

وقال الرضا عليه‌السلام : «ماؤكم أبوابكم ، أي الأئمة عليهم‌السلام ، والأئمة أبواب الله بينه وبين خلقه (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) يعني بعلم الإمام» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد؟» (٤).

__________________

(١) كفاية الأثر : ص ١٢٠.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٣٦٠ ، ح ٣.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٩.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٢٧٤ ، ح ١٤.

١٦٨

تفسير

سورة القلم

رقم السورة ـ ٦٨ ـ

١٦٩
١٧٠

سورة القلم

* س ١ : ما هو فضل سورة القلم؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة (ن والقلم) في فريضة أو نافلة آمنه الله عزوجل من أن يصيبه فقر أبدا ، وأعاذه الله إذا مات من صمّة القبر» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعطاه الله كثواب الذين أجل الله أحلامهم ، وإن كتبت وعلقت على الضرس المضروب سكن ألمه من ساعته» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣)) [سورة القلم : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال سفيان بن سعيد الثوري : قال الصادق عليه‌السلام ، في تفسير الحروف المقطعة في القرآن ، قال : «وأما نون فهو نهر في الجنة ، قال الله عزوجل : اجمد فجمد ، فصار مدادا ، ثم قال عزوجل للقلم : اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فالمداد مداد من نور ، والقلم قلم من نور ، واللوح لوح من نور».

__________________

(١) ثواب الأعال : ص ١١٩.

(٢) خواص القرآن : ص ١١ «مخطوط».

١٧١

قال سفيان : فقلت له : يا بن رسول الله ، بين [لي] أمر اللوح والقلم والمداد فصل بيان ، وعلمني مما علمك الله؟ فقال : «يا بن سعيد ، لولا أنك أهل للجواب ما أجبتك ، فنون ملك يؤدي إلى القلم وهو ملك ، والقلم يؤدي إلى اللوح وهو ملك ، واللوح يؤدي إلى إسرافيل ، وإسرافيل يؤدي إلى ميكائيل ، وميكائيل يؤدي إلى جبرئيل ، وجبرئيل يؤدي إلى الأنبياء والرسل (صلوات الله عليهم)». قال : ثمّ قال [لي] : «قم ـ يا سفيان ـ فلا نأمن عليك» (١).

وقال يحيى بن أبي العلاء الرازي ، أن رجلا دخل على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : جعلت فداك ، أخبرني عن قول الله عزوجل : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) ، فقال : «أما نون فكان نهرا في الجنة أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل ، قال الله عزوجل : كن مدادا ، فكان مدادا ، ثم أخذ شجرة فغرسها بيده ـ ثم قال : واليد : القوة ، وليس بحيث تذهب إليه المشبهة ـ ثم قال لها : كوني قلما ، فكانت قلما ، ثم قال له : اكتب. فقال له : يا رب ، وما أكتب؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، ففعل ذلك ، ثم ختم عليه وقال : لا تنطقن إلى يوم الوقت المعلوم» (٢).

وقال عبد الرحيم القصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن (ن وَالْقَلَمِ).

قال عليه‌السلام : «إن الله تعالى خلق القلم من شجرة من الجنة ، يقال لها الخلد ، ثم قال لنهر في الجنة : كن مدادا ، فجمد النهر ، وكان أشد بياضا من الثلج وأحلى من الشهد ، ثم قال للقلم : اكتب ، قال : يا رب وما أكتب؟ قال : اكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فكتب القلم في رق أشد بياضا من الفضة ، وأصفى من الياقوت ، ثم طواه فجعله في ركن العرش ، ثم ختم على

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٣ ، ح ١.

(٢) علل الشرائع : ص ٤٠٢ ، ح ٢.

١٧٢

فم القلم فلم ينطق بعد ذلك ولا ينطق أبدا ، فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلها ، أو لستم عربا؟ فكيف لا تعرفون معنى الكلام وأحدكم يقول لصاحبه : انسخ ذلك الكتاب ، أو ليس إنما ينسخ من كتاب أخذ من الأصل؟ وهو قوله : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(١)» (٢).

وقال محمد بن الفضيل ، سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام : سألته عن قول الله عزوجل : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) فقال عليه‌السلام : «فالنون اسم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقلم اسم لأمير المؤمنين عليه‌السلام» (٣).

وقال ابن عباس في خبر يذكر فيه كيفية بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائم يصلّي مع خديجة ، إذ طلع عليه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال له : «ما هذا يا محمد؟» قال : «هذا دين الله» فآمن به وصدّقه ، ثم كانا يصليان ويركعان ويسجدان ، فأبصرهما أهل مكة ففشا الخبر فيهم أن محمدا قد جنّ ، فنزل (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)(٤).

وقال علي بن إبراهيم : قوله : (وَما يَسْطُرُونَ) أي ما يكتبون ، وهو قسم وجوابه : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) قوله : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) أي لا نمنّ عليك في ما نعطيك من عظيم الثواب (٥).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)) [سورة القلم : ٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، قال : «هو الإسلام».

__________________

(١) الجاثية : ٢٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٩.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧١٠ ، ح ١.

(٤) المناقب : ج ٢ ، ص ١٤.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٠.

١٧٣

وروي أن الخلق العظيم : الدّين العظيم (١).

وقال بحر السّقاء : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا بحر ، حسن الخلق يسر».

ثم قال : «ألا أخبرك بحديث ما هو في يدي أحد من أهل المدينة؟» قلت : بلى. قال : «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم جالس في المسجد ، إذ جاءت جارية لبعض الأنصار وهو قائم ، فأخذت بطرف ثوبه ، فقام لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تقل شيئا ولم يقل لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا ، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات ، فقام لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرابعة وهي خلفه ، فأخذت هدبة من ثوبه ثم رجعت.

فقال لها الأنصار : فعل الله بك وفعل ، حبست رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث مرات لا تقولين له شيئا ، ولا هو يقول لك شيئا ، ما كانت حاجتك إليه؟ قالت : إن لنا مريضا ، فأرسلني أهلي لآخذ هدبة من ثوبه يستشفي بها ، فلما أردت أخذها رآني فقام ، واستحييت أن آخذها وهو يراني ، وأكره أن أستأمره في أخذها ، فأخذتها» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفاضلكم أحسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا (٣) الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم» (٤).

وقال الشيخ ورّام : روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمشي ومعه بعض أصحابه ، فأدركه أعرابي فجذبه جذبا شديدا ، وكان عليه برد نجراني غليظ

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ١٨٨ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٨٣ ، ح ١٥.

(٣) قال ابن الأثير : هذا مثل ، وحقيقته من التوطئة ، وهي التمهيد والتذليل. وفراش وطيء : لا يؤذي جنب النائم. والأكناف : الجوانب. أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى. «لسان العرب : ج ١ ، ص ١٩٨».

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٨٣ ، ح ١٦.

١٧٤

الحاشية ، فأثرت الحاشية في عنقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [من شدّة جذبه ، ثم قال : يا محمد ، هب لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] فضحك ، ثم أمر بإعطائه ، ولما أكثرت قريش أذاه وضربه قال : «اللهم اغفر لقومي ، فإنهم لا يعلمون». فلذلك قال الله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ لله عزوجل وجوها ، خلقهم من خلقه وأرضه لقضاء حوائج إخوانهم يرون الحمد مجدا ، ولله عزوجل يحب مكارم الأخلاق ، وكان فيما خاطب الله تعالى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن قال له : يا محمد (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) قال : «السخاء وحسن الخلق» (٢).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣)) [سورة القلم : ٥ ـ ١٣]؟!

الجواب / قال أبو أيوب الأنصاري : لمّا أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي عليه‌السلام فرفعها ، وقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال أناس : إنما افتتن بابن عمه ، فنزلت الآية (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(٣).

وقال الضحاك بن مزاحم : لمّا رأت قريش تقديم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام وإعظامه له ، نالوا من علي عليه‌السلام ، وقالوا : قد افتتن به محمد ، فأنزل الله تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ)(٤) قسم أقسم الله به (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(٥) يعني القرآن ، إلى

__________________

(١) تنبيه الخواطر : ج ١ ، ص ٩٩.

(٢) الأمالي : ج ١ ، ص ٣٠٨.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧١١ ، ح ٣.

(٤) القلم : ١.

(٥) القلم : ٢ ـ ٤.

١٧٥

قوله : (بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) وهم النفر الذين قالوا ما قالوا (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) بأيكم تفتنون ، هكذا نزلت في بني أمية (بِأَيِّكُمُ) أي خبتر وزفر وعلي» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من مؤمن إلا وقد خلص ودّي إلى قلبه [وما خلص ودي إلى قلب أحد] إلا وقد خلص ود علي إلى قلبه ، كذب ـ يا عليّ ـ من زعم أنه يحبني ويبغضك ، قال : فقال رجلان من المنافقين : لقد فتن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الغلام ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ... وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) قال : نزلت فيهما إلى آخر الآية» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) قال : في علي عليه‌السلام (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) أي أحبوا أن تغش في علي فيغشون معك (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) قال : الحلاف : الثاني ، حلف لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه لا ينكث عهدا (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) قال : كان ينم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويهمز بين أصحابه ، قال : الذي يغمز الناس ويستحقر الفقراء.

قوله تعالى : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) قال : الخير : أمير المؤمنين عليه‌السلام ، (مُعْتَدٍ) أي اعتدى عليه ، وقوله : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) قال : العتل : العظيم الكفر ، والزّنيم : الدّعي ، قال الشاعر :

زنيم تداعاه الرجال تداعيا

كما زيد في عرض الأديم الأكارع (٤)

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٥٠١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٠.

(٣) المحاسن : ص ١٥١ ، ح ٧١.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٠.

١٧٦

وقال محمد بن مسلم : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ)؟ قال : «العتل : العظيم الكفر [والزنيم] : المستهتر بكفره» (١).

وقال الطبرسي : الزنيم : هو الذي لا أصل له ، عن علي عليه‌السلام (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤)) [سورة القلم : ١٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) أي لا تطعه لأن كان ذا مال وبنين يعني لماله وبنيه. ومن قرأ بالاستفهام فلا بد أن يكون صلة ما بعده لأن الاستفهام لا يتقدم عليه ما كان في حيزه ، فيكون المعنى : ألأن كان ذا مال وبنين ، يجحد آياتنا ، أي : جعل مجازاة النعم التي خولها من البنين والمال ، الكفر بآياتنا ، وهو قوله : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي أحاديث الأوائل التي سطرت وكتبت ، لا أصل لها (٣).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)) [سورة القلم : ١٥ ـ ١٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) قال : كنى عن الثاني ، (قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي أكاذيب الأولين ، قوله : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) قال : في الرجعة ، إذا رجع أمير المؤمنين عليه‌السلام ورجع أعداؤه ، فيسمهم بميسم معه كما توسم البهائم ، على الخراطيم : الأنف والشفتين (٤).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ١٤٩ ، ح ١.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٥٠٢.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٨٩.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨١.

١٧٧

عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)) [سورة القلم : ١٧ ـ ٣٣]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «قوله تعالى : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) أن أهل مكة ابتلوا بالجوع كما ابتلي أصحاب الجنة ، وهي [الجنة التي] كانت في الدنيا وكانت باليمن ، يقال لها الرضوان ، على تسعة أميال من صنعاء».

قوله تعالى : (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ) وهو العذاب ، قوله : (إِنَّا لَضَالُّونَ) قال : خاطئوا الطريق ، قوله : (لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) يقول : ألا تستغفرون (١)؟

وقال علي بن إبراهيم عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنّه قيل [له] : إن قوما من هذه الأمة يزعمون أن العبد يذنب فيحرم به الرزق؟ فقال ابن عباس : فو الذي لا إله إلا هو ، لهذا أنور في كتاب الله من الشمس الضاحية ، ذكره الله في سورة (ن والقلم) ، أنه كان شيخ وكانت له جنة ، وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه ، فلما قبض الشيخ ورثه بنوه ، وكان له خمسة من البنين ، فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملته قبل ذلك ، فراحوا الفتية إلى

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٢.

١٧٨

جنتهم بعد صلاة العصر ، فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل ، لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم ، فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا ، وقال بعضهم لبعض : إن أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف ، فهلموا نتعاهد فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في عامنا [هذا] شيئا حتى نستغني وتكثر أموالنا ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة ، فرضي بذلك منهم أربعة ، وسخط الخامس ، وهو الذي قال الله تعالى : (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ).

فقال الرجل : يابن عباس ، كان أوسطهم في السنّ؟ فقال : لا ، بل كان أصغرهم سنا ، وأكبرهم عقلا ، وأوسط القوم خير القوم ، والدليل عليه في القرآن أنكم يا أمة محمد أصغر الأمم وخير الأمم ، قوله عزوجل : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(١).

فقال لهم أوسطهم : اتقوا الله ، وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا ، فبطشوا به وضربوه ضربا مبرحا ، فلما أيقن الأخ منهم أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم غير طائع ، فراحوا إلى منازلهم ، ثم حلفوا بالله ليصرموه إذا أصبحوا ، ولم يقولوا : إن شاء الله ، فابتلاهم الله بذلك الذنب ، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه ، فأخبر عنهم في الكتاب ، وقال : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) قال : كالمحترق.

فقال الرجل : يا ابن عباس ، ما الصّريم؟ قال : الليل المظلم ، ثم قال : لا ضوء له ولا نور.

__________________

(١) البقرة : ١٤٣.

١٧٩

فلما أصبح القوم (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) قال : (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ).

قال الرجل : وما التخافت ، يا بن عباس؟ قال : يتشاورون ، فيشاور بعضهم بعضا لكيلا يسمع أحد غيرهم.

فقالوا : (لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) وفي أنفسهم أن يصرموها ، ولا يعلمون ما قد حلّ بهم من سطوات الله ونقمته

(فَلَمَّا رَأَوْها) و [عاينوا] ما قد حلّ بهم (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) فحرمهم الله ذلك الرزق بذنب كان منهم ولم يظلمهم شيئا (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) قال : يلومون أنفسهم فيما عزموا عليه (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) فقال الله : (كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩)) [سورة القلم : ٣٤ ـ ٣٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما ذكر سبحانه ما أعده بالآخرة للكافرين ، عقبه بذكر ما أعده للمتقين ، فقال : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يتنعمون فيها ، ويختارونها على جنات الدنيا التي يحتاج صاحبها إلى المشقة والعناء. ثم استفهم سبحانه على وجه الإنكار فقال : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) أي لا نجعل المسلمين كالمشركين في الجزاء

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨١.

١٨٠