التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

قال : فيقولون : يا شقي ، وكيف لو طرحناك في النار؟ قال : فيدفعه الملك في صدره دفعة فيهوي سبعين ألف عام ، قال : فيقولون : (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا)(١) قال : فيقرن معه حجر [عن يمينه] ، وشيطان عن يساره ، حجر كبريت من نار يشتعل في وجهه ، ويخلق الله له سبعين جلدا ، كل جلد غلظه أربعون ذراعا ، [بذراع الملك الذي يعذبه ، و] بين الجلد إلى الجلد [أربعون ذراعا وبين الجلد إلى الجلد] حيات وعقارب من نار ، وديدان من نار ، رأسه مثل الجبل العظيم ، وفخذاه مثل جبل ورقان ـ وهو جبل بالمدينة ـ مشفره (٢) أطول من مشفر الفيل ، فيسحبه سحبا ، وأذناه عضوضان (٣) بينهما سرادق من نار تشتعل ، قد أطلعت النار من دبره على فؤاده ، فلا يبلغ دوين بنيانها حتى يبدل له سبعون سلسلة ، للسلسلة سبعون ذراعا ، ما بين الذراع إلى الذراع حلق ، عدد قطر المطر ، لو وضعت حلقة منها على جبال الأرض لأذابتها» (٤).

وقال علي بن إبراهيم القمي : قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) حقوق آل محمد التي غصبوها ، قال الله : (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) أي قرابة (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) قال : عرق الكفّار (٥).

وأقول : ويضيف سبحانه في آخر آية في قوله تعالى للتأكيد : (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ).

__________________

(١) الأحزاب : ٦٦.

(٢) المشفر للبعير ، كالشفة للإنسان. «لسان العرب : ج ٤ ، ص ٤١٩».

(٣) العضوض من الآبار : الشاقة على الساقي في العمل ، وقيل : هي البعيدة القعر الضيقة. «لسان العرب : ج ٧ ، ص ١٩٠».

(٤) الاختصاص : ص ٣٦١.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٤.

٢٠١

قال بعض المفسرين : إن (خاطىء) تقال للشخص الذي يرتكب خطأ عمدا ، أما (المخطىء) فتطلق على من ارتكب خطأ بصورة مطلقة (عمدا وسهوا) ، وبناء على ما تقدم فإن طعام أهل جهنم خاص للأشخاص الذين سلكوا درب الشرك والكفر والبخل والطغيان تمردا وعصيانا وعمدا ، واختاروا طريقهم هذا بوعي تام وذلك لما مارسوه من عمل قبيح وفعل يغضب الله تعالى.

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩)) [سورة الحاقّة : ٣٨ ـ ٣٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم أكد سبحانه ما تقدم فقال : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ) قيل فيه وجوه أحدها : أن يكون قوله (لا) ردا لكلام المشركين ، فكأنه قال : ليس الأمر كما يقول المشركون أقسم بالأشياء كلها ما يبصر منها ، وما لا يبصر ، ويدخل فيها جميع المكونات (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وثانيها : إن (لا) مزيدة مؤكدة والتقدير : فأقسم بما ترون ، وما لا ترون.

وثالثها : إنه نفي للقسم ومعناه لا يحتاج إلى القسم لوضوح الأمر في أنه رسول كريم ، فإنه أظهر من أن يحتاج في إثباته إلى قسم.

ورابعها : إنه كقول القائل : لا والله لا أفعل ذلك ، ولا والله لأفعلن ذلك. وقال الجبائي : إنما أراد أنه لا يقسم بالأشياء المخلوقات ، ما يرى وما لا يرى ، وإنما أقسم بربها ، لأن القسم لا يجوز إلا بالله (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ١١٣.

٢٠٢

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)) [سورة الحاقّة : ٤٠ ـ ٥٢]؟!

الجواب / قال محمد بن الفضيل : قلت لأبي الحسن الماضي عليه‌السلام : قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)؟ قال : «يعني جبرئيل عن الله في ولاية علي عليه‌السلام».

قلت : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ)؟ قال : «قالوا : إن محمدا كذاب على ربه ، وما أمره الله بهذا في علي. فأنزل الله بذلك قرآنا ، فقال : إن ولاية علي تنزيل من رب العالمين ، ولو تقول علينا بعض الأقاويل ، لأخذنا منه باليمين ، ثم لقطعنا منه الوتين. ثم عطف القول : [فقال] : إن ولاية علي لتذكرة للمتقين ـ للعالمين ـ وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ، وإن عليا لحسرة على الكافرين ، وإن ولاية علي لحقّ اليقين فسبح ـ يا محمد ـ باسم ربك العظيم. يقول : اشكر ربك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام في خبر ـ «لما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه ؛ قال العدوي : لا والله ما أمره الله بهذا ، وما هو إلا شيء يتقوله ، فأنزل الله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) إلى قوله : (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) يعني محمدا (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) يعني به عليا عليه‌السلام» (٢).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) يعني

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٩ ، ح ٩١.

(٢) المناقب : ج ٣ ، ص ٣٧.

٢٠٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) قال : انتقمنا منه بالقوة (ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) قال : عرق في الظهر يكون منه الولد (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) يعني لا يحجز عن الله أحد ولا يمنعه من رسول الله. قوله : (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)(١).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٤.

٢٠٤

تفسير

سورة المعارج

رقم السورة ـ ٧٠ ـ

٢٠٥
٢٠٦

سورة المعارج

* س ١ : ما هو فضل سورة المعارج؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أكثروا من قراءة (سَأَلَ سائِلٌ) فإن من أكثر قراءتها لم يسأله الله تعالى يوم القيامة عن ذنب عمله ، وأسكنه الجنة مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن شاء الله تعالى» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ هذه السورة كان من المؤمنين الذين أدركتهم دعوة نوح عليه‌السلام ، ومن قرأها وكان مأسورا أو مسجونا مقيدا فرّج الله عنه ، وحفظه حتى يرجع» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من قرأها ليلا أمن من الجنابة والاحتلام ، وأمن في تمام ليله إلى أن يصبح بإذن الله تعالى» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥)) [سورة المعارج : ١ ـ ٥]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طرق أهل البيت عليهم‌السلام نذكر منها :

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٩.

(٢) خواص القرآن : ص ١١ «مخطوط».

(٣) خواص القرآن : ص ١١ «مخطوط».

٢٠٧

قال علي بن إبراهيم : سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن معنى هذا؟ فقال : «نار تخرج من المغرب وملك يسوقها من خلفها حتى تأتي دار [بني] سعد بن همام عند مسجدهم ، فلا تدع دارا لبني أمية إلا أحرقتها وأهلها ، ولا تدع دارا فيها وتر لآل محمد إلا أحرقتها ، وذلك المهدي عليه‌السلام» (١).

وفي حديث آخر : «لما اصطفت الخيلان يوم بدر ، رفع أبو جهل يديه فقال : اللهم أقطعنا للرّحم ، وآتانا بما لا نعرفه فأجئه بالعذاب ، فأنزل الله عزوجل : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ)(٢).

وقال أبو الحسن عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) : «سأل رجل عن الأوصياء ، وعن شأن ليلة القدر وما يلهمون فيها؟ فقال : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سألت عن عذاب واقع ، ثم كفرت بأن ذلك لا يكون ، فإذا وقع ف (لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ) قال : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) في صبح ليلة القدر (إِلَيْهِ) من عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصيّ عليه‌السلام» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ) بولاية علي (لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) ثم قال : «هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه‌السلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٤).

وقال حسين بن محمد : سألت سفيان بن عيينة ، عن قول الله عزوجل : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) ، فيمن نزلت؟ فقال : يا بن أخي ، لقد سألت عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ، لقد سألت جعفر بن محمد عليهما‌السلام عن مثل هذا الذي قلت فقال : «أخبرني أبي ، عن جدي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لما كان يوم غدير خم ، قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا ، ثم دعا علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأخذ بضبعيه ، ثم رفع بيده حتى رئي بياض إبطيهما ، وقال

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٥.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٩ ، ح ٤٧.

٢٠٨

للناس : ألم أبلغكم الرسالة؟ ألم أنصح لكم؟ قالوا : اللهم نعم. قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه.

قال : ففشت هذه في الناس ، فبلغ ذلك الحارث بن النّعمان الفهري ، فرحل راحلته ، ثم استوى عليها ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ ذاك بالأبطح ، فأناخ ناقته ، ثم عقلها ، ثم أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال : يا عبد الله ، إنك دعوتنا إلى أن نقول : لا إله إلا الله ففعلنا ، ثم دعوتنا إلى أن نقول : إنك رسول الله ففعلنا والقلب فيه ما فيه ، ثم قلت لنا : صلوا فصلينا ، ثم قلت لنا : صوموا فصمنا ، ثم قلت لنا : حجّوا فحججنا ، ثم قلت لنا : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فهذا عنك أم عن الله؟ فقال له : بل عن الله ، فقالها ثلاثا ، فنهض وإنه لمغضب ، وإنه ليقول : اللهم إن كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء ، تكون نقمة في أولنا وآية في آخرنا ، وإن كان ما يقوله محمد كذبا فأنزل به نقمتك ، ثم ركب ناقته واستوى عليها ، فرماه الله بحجر على رأسه (١) ، فسقط ميتا ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ)(٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في تأويل قوله عزوجل : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) : «تأويلها فيما يجيء : عذاب يقع في الثوية ـ يعني نارا ـ تنتهي إلى كناسة بني أسد حتى تمر بثقيف ، لا تدع وترا لآل محمد إلا أحرقته ، وذلك قبل خروج القائم عليه‌السلام» (٣).

__________________

(١) وقيل : ثم استوى على ناقته فأثارها ، فلما خرج من الأبطح رماه الله بحجر على رأسه فخرج من دبره. وقيل : ما وصل إليها حتى رماه بحجر فسقط على هامته ، وخرج من دبره فقتله» (نور الأبصار : ص ٨٧ ، عن الثعلبي).

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٢٢ ، ح ١.

(٣) الغيبة : ص ٢٧٢ ، ح ٤٨.

٢٠٩

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ، قال : في يوم القيامة خمسون موقفا ، كل موقف ألف سنة (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه ، فلييأس من الناس كلهم ، ولا يكون له رجاء إلا من عند الله جلّ ذكره ، فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأله شيئا إلا أعطاه ، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها ، فإن للقيامة خمسين موقفا ، كل موقف مقداره ألف سنة» ، ثم تلا : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)(٢).

قال الطبرسي : روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لو ولي الحساب غير الله لمكثوا فيه خمسين ألف سنة من قبل أن يفرغوا ، والله سبحانه يفرغ من ذلك في ساعة» (٣).

وقال : وروى أبو سعيد الخدري ، قال : قيل : يا رسول الله ، ما أطول هذا اليوم؟ فقال : «والذي نفس محمد بيده ، إنه ليخفّ على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا ينتصف ذلك اليوم حتى يكون يقبل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار» (٥).

وقال السيد المعاصر في (الرجعة) : عن أسد بن إسماعيل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه قال حين سئل عن اليوم الذي ذكر الله تعالى مقداره في القرآن : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) : «هي كرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيكون ملكه في كرته خمسين ألف سنة ، ويملك أمير المؤمنين عليه‌السلام في كرّته أربعا وأربعين ألف سنة» (٦).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٦.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ١١٩ ، ح ٢.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٥٣١.

(٤) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٥٣١.

(٥) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٥٣١.

(٦) الرجعة : ص ٣ «مخطوط».

٢١٠

وقال علي بن إبراهيم القمي ، في قوله تعالى : (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) أي لتكذيب من كذّب إن ذلك لا يكون (١).

أقول : المراد ب «الصبر الجميل» هو ما ليس فيه شائبة الجزع والتأوه والشكوى وفي غير هذا الحال لا يكون جميلا.

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧)) [سورة المعارج : ٦ ـ ٧]؟!

الجواب / أقول ـ ثم يضيف : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) إنهم لا يصدقون بوجود مثل ذلك اليوم الذي يحاسب فيه جميع الخلائق حتى على أصغر حديث وعمل لهم ، وذلك في يوم مقداره خمسون ألف سنة ، ولكنهم في الواقع ما عرفوا الله وفي قلوبهم ريب بقدرة الله.

إنهم يقولون : كيف يمكن جمع العظام المهترئة والتراب الذي قد تناثر في كل حدب وصوب ثم يرد إلى الحياة؟ وقد بين القرآن من كلامهم هذه المعاني في كثير من آياته ، وكيف يمكن عند ذلك أن يكون اليوم بمقدار خمسين ألف سنة.

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨) إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١)) [سورة المعارج : ٨ ـ ٢١]؟!

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٦.

٢١١

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) ، قال : الرّصاص الذائب والنّحاس كذلك تذوب السماء ، وقوله : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) قال : لا ينفع (١).

أقول : وقوله : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) : (العهن) : مطلق الصوف المصبوغ ألوانا.

نعم ، في مثل ذلك اليوم تتلاشى السموات وتذوب ، وتتدكدك الجبال ثم تتناثر في الهواء كالصوف الذي يكون في مهبّ الريح ، وبما أنّ الجبال ذات ألوان مختلفة فإنها قد شبهت بالصوف المصبوغ بالألوان ، ثم يتحقق عالم جديد وحياة جديدة للبشرية بعد كلّ هذا الخراب.

ثم قال علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (يُبَصَّرُونَهُمْ) يقول : «يعرفونهم ثم لا يتساءلون ، قوله : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) وهي أمّه التي ولدته» (٢).

أقول : قوله : (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ). نعم ، إن عذاب الله شديد في ذلك اليوم المهول إلى حدّ يودّ الإنسان فيه أن يفدي أعزّته الذين قد عدّوا بأربعة مجاميع ، وهم : (الأولاد ، عشيرته الأقربون ، الناصرون له) قد افتدى بهم لخلاص نفسه ، وليس لحفظ أولئك بل إنه مستعد للافتداء بمن في الأرض جميعا لينجي نفسه!.

وقد قال بعض المفسرين بأنّ ثمّ في (ثُمَّ يُنْجِيهِ) تدل على أنهم يعلمون هذا الافتداء لا ينفع شيئا ، وأنه محال (لأن ثم تأتي عادة في المسافة والبعد).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها لَظى) ، قال : تلتهب

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٦.

٢١٢

عليهم النار ، قوله تعالى : (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) قال : تنزع عينيه وتسود وجهه (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) ، قال : تجره إليها (وَجَمَعَ فَأَوْعى) أي جمع مالا ودفنه ووعاه ولم ينفقه في سبيل الله ، وقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) أي حريصا (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) ، قال : الشر : هو الفقر والفاقة (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) ، قال : الغناء والسعة (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣)) [سورة المعارج : ٢٢ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ثم استثنى فقال : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) فوصفهم بأحسن أعمالهم (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) يقول : إذا فرض على نفسه شيئا من النوافل دام عليه» (٢).

وعن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام في قوله عزوجل : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) ، قال : «أولئك والله أصحاب الخمسين من شيعتنا» قال : قلت : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ)(٣)؟ قال : «أولئك أصحاب الخمس [صلوات] من شيعتنا» قال : قلت : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ)(٤)؟ قال : «هم والله من شيعتنا» (٥).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يصلي الرجل نافلة في وقت فريضة إلا من عذر ، ولكن يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) الذين يقضون ما فاتهم من الليل بالنهار ، وما فاتهم

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٦.

(٣) المؤمنون : ٩.

(٤) الواقعة : ٢٧.

(٥) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٢٤ ، ح ٤.

٢١٣

من النهار بالليل ، لا تقضى نافلة في وقت فريضة ، إبدأ بالفريضة ثم صل ما بدا لك» (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦)) [سورة المعارج : ٢٤ ـ ٢٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله عزوجل فرض للفقراء في مال الأغنياء ، فريضة لا يحمدون بأدائها ، وهي الزكاة ، بها حقنوا دماءهم ، وبها سموا مسلمين ، ولكن الله عزوجل فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة ، فقال عزوجل : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) ، فالحق المعلوم [من] غير الزكاة وهو شيء يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته وسعة ماله ، فيؤدي الذي فرض على نفسه ، إن شاء في كل يوم ، وإن شاء في كل جمعة ، وإن شاء في كل شهر» (٢).

وقال أبو بصير : كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام ومعنا بعض أصحاب الأموال ، فذكروا الزكاة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الزكاة ليس يحمد بها صاحبها ، إنما هو شيء ظاهر ، إنما حقن بها دمه ، وسمي بها مسلما ، ولو لم يؤدها لم تقبل له صلاة ، وإن عليكم في أموالكم غير الزكاة» فقلت : أصلحك الله ، وما علينا في أموالنا غير الزكاة؟» فقال : «سبحان الله! أما تسمع الله عزوجل يقول في كتابه : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).

قال : قلت : ماذا الحق المعلوم الذي علينا؟ قال : «هو الشيء يعمله الرجل في ماله ، يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر ، قل أو كثر ، غير أنه يدوم عليه» (٣).

__________________

(١) الخصال : ص ٦٢٨ ، ح ١٠.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٩٨ ، ح ٨.

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٩٩ ، ح ٩.

٢١٤

وقال القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «إن رجلا جاء إلى أبي علي بن الحسين عليهما‌السلام فقال له : أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ما هذا الحق المعلوم؟ فقال له علي بن الحسين عليهما‌السلام : الحق المعلوم : الشيء يخرجه الرجل من ماله ، ليس من الزكاة ، ولا من الصدقة المفروضتين.

قال : فإذا لم يكن من الزكاة ولا من الصدقة ، فما هو؟ فقال : هو الشيء يخرجه الرجل من ماله ، إن شاء أكثر ، وإن شاء أقل ، على قدر ما يملك.

فقال له الرجل : فما يصنع به؟ قال : يصل به رحمه ويقوّي به ضعيفا ، ويحمل به كلا ، أو يصل به أخا له في الله لنائبة تنوبه ، فقال الرجل : الله يعلم حيث يجعل رسالته» (١).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) : «المحروم : المحارف الذي قد حرم كد يده في الشراء والبيع» (٢).

وفي رواية أخرى ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنّهما قالا : «المحروم : الرجل الذي ليس بعقله بأس ، ولم يبسط له في الرزق ، وهو محارف» (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «أن رجلا سأل أبا جعفر عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ، فقال له أبي : احفظه يا هذا وانظر كيف تروي عنّي ، إن السائل والمحروم شأنهما عظيم ، أما السائل فهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسألة الله لهم في حقّه ، والمحروم هو حرم الخمس : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وذريّته الأئمة (صلوات الله عليهم

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٥٠٠ ، ح ١١.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٥٠٠ ، ح ١٢.

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٥٠٠ ، ح ١٢.

٢١٥

أجمعين) ، هل سمعت وفهمت؟ ليس هو كما يقول الناس» (١).

٣ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) ، قال : «بخروج القائم عليه‌السلام» (٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)) [سورة المعارج : ٢٧ ـ ٢٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : وقوله (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) فالإشفاق رقة القلب عن تحمل ما يخاف من الأمر ، فإذا قسا قلب الإنسان بطل الإشفاق ، وكذلك إذا أمن كحال أهل الجنة إذ قد صاروا إلى غاية الصفة بحصول المعارف الضرورية. وقيل : من أشفق من عذاب الله لم يتعد له حدا ولم يضيع له فرضا. وقوله (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) أخبار منه تعالى بأن عذاب الله لا يوثق بأنه لا يكون ، بل المعلوم أنه كائن لا محالة. والمعنى إن عذاب الله غير مأمون على العصاة ، يقال : فلان مأمون على النفس والسر والمال ، وكل ما يخاف أنه لا يكون ، ونقيضه غير مأمون (٣).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩)) [سورة المعارج : ٢٩]؟!

الجواب / قال أبو سارة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عنها ، يعني المتعة؟ فقال لي : «حلال ، فلا تتزوج إلا عفيفة ، إن الله عزوجل يقول :

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) ولا تضع فرجك حيث لا تأمن على

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٢٤ ، ح ٥.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٨٧ ، ح ٤٣٢.

(٣) التبيان : ج ١٠ ، ص ١٢٤.

٢١٦

دراهمك (١)» (٢).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣)) [سورة المعارج : ٣٠ ـ ٣٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : وقوله (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) ومعناه إنهم يمنعون فروجهم على كل وجه وسبب إلا على الأزواج وملك الأيمان فكأنه قال : لا يبذلون الفروج إلا على الأزواج أو ملك الإيمان ، فلذلك جاز أن يقول (حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) وهم حافظون لها على الأزواج ، فإنما دخلت (إِلَّا) للمعنى الذي قلناه ، وقال الزجاج تقديره : إلا من أزواجهم ف (عَلى) بمعنى «من» أو تحمله على المعنى ، وتقديره فإنهم غير ملومين على أزواجهم ويلامون على غير أزواجهم ، وقال الفراء : لا يجوز أن تقول : ضربت من القوم إلا زيدا ، وأنت تريد إلا أني لم أضرب زيدا. والوجه في الآية أن نحملها على المعنى ، وتقديره والذين هم لفروجهم حافظون ، فلا يلامون إلا على غير أزواجهم.

__________________

(١) قال المجلسي (رحمه‌الله) : قوله عليه‌السلام : «حيث لا تأمن» يحتمل وجوها :

الأول : أن من لا تأمنها على درهم كيف تأمنها على فرجك ، فلعلها تكون في عدة غيرك فيكون وطؤك شبهة ، والاحتراز عن الشبهات مطلوب.

الثاني : أنها إذا لم تكن عفيفة كانت فاسقة ، فهي ليست بمحل للأمانة ، فربما تذهب بدراهمك ولا تفي بالأجل.

الثالث : أنها لم تكن مؤتمنة على الدراهم ، فبالحري أن لا تؤمن على ما يحصل من الفرج من الولد ، فلعلها تخلط ماءك بماء غيرك ، أو أنها لفسقها يحصل منها ولد غير مرضيّ. «مرآة العقول : ج ٢٠ ، ص ٢٣٥».

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٤٥٣ ، ح ٢.

٢١٧

ومثله أن يقول القائل : أصنع ما شئت إلا على قتل النفس ، فإنك غير معذب ، فمعناه إلا إنك معذب في قتل النفس ، وقوله (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) أي لا يلامون هؤلاء إذا لم يحفظوا فروجهم من الأزواج ، وما ملكت أيمانهم من الإماء على ما أباحه الله لهم. ثم قال (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) ومعناه فمن طلب وراء ما أباحه الله له من الفروج إما بعقد الزوجية أو بملك اليمين (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) الذين تعدوا حدود الله وخرجوا عما أباحه الله لهم فالابتغاء الطلب ومعنى (وَراءَ ذلِكَ) ما خرج عن حده من أي جهة كان ، وقد يكون وراءه بمعنى خلفه نقيض أمامه إلا أنه ـ ههنا ـ الخارج عن حده كخروج ما كان خلفه. والعادي الخارج عن الحق ، يقال : عدا فلان فهو عاد إذا اعتدى ، وعدا في مشيه يعدو عدوا إذا أسرع فيه ، وهو الأصل. والعادي الظالم بالإسراع إلى الظلم. وقوله (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) فالأمانة المعاقدة بالطمأنينة على حفظ ما تدعو إليه الحكمة. وقيل : الأمانة معاقدة بالثقة على ما تدعو إليه الحكمة. وقد عظم الله أمر الأمانة بقوله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) ومن وحد لفظ الأمانة ، فلأنها للجنس تقع على القليل والكثير ، ومن جمع أراد اختلاف ضروبها. وقال قوم : المراد بالأمانة الإيمان وما أخذه الله على عباده من التصديق بما أوجب عليهم والعمل بما يجب عليهم العمل به ، ويدخل في ذلك الإيمان وغيره ، وقوله (راعُونَ) معناه حافظون. وقوله (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) مدح للمؤمنين بأنهم يقيمون الشهادة التي يلزمهم إقامتها. ومن وحد لفظ الشهادة ، فكما قلناه في الأمانة سواء ، والشهادة الأخبار بالشيء على أنه على ما شاهده ، وذلك أنه يكون عن مشاهدة للخبر به ، وقد يكون عن مشاهدة ما يدعو إليه (١).

__________________

(١) التبيان : ج ١٠ ، ص ١٢٤ ـ ١٢٥.

٢١٨

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥)) [سورة المعارج : ٣٤ ـ ٣٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال محمد بن الفضيل : سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام ، عن قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ)؟ قال : «أولئك أصحاب الخمس [صلوات] من شيعتنا» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «هي الفريضة» (٢).

٢ ـ أقول : وفي نهاية هذا الحديث يبين تعالى نهاية مسير ذوي هذه الأوصاف ، كما بين في الآيات السابقة المسير النهائي للمجرمين ، فيقول هنا في جملة مختصرة وغنية بالمعاني : (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ).

لماذا لا يكونون مكرمين؟ وهم ضيوف الله ، وقد وفر الله القادر الرحمن لهم جميع وسائل الضيافة ، وفي الحقيقة أن هذين التعبيرين (جَنَّاتٍ) و (مُكْرَمُونَ) إشارة إلى النعم المادية والمعنوية اللتين تشملان هذه المجموعة.

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١)) [سورة المعارج : ٣٦ ـ ٤١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (مُهْطِعِينَ) أي أذلّاء ،

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٢٤ ، ح ٤.

(٢) الكافي : ص ٢٦٩ ، ح ١٢.

٢١٩

قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) أي قعود ، قوله : (كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) ، قال : من نطفة ثم علقة ، قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) قال : مشارق الشتاء ، ومشارق الصيف ، ومغارب الشتاء ، ومغارب الصيف ، وهو قسم وجوابه : (إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ)(١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) : «لها ثلاثمائة وستون مشرقا ، وثلاثمائة وستون مغربا ، فيومها الذي تشرق فيه لا تعود فيه إلا من قابل ، ويومها الذي تغرب فيه لا تعود فيه إلا من قابل» (٢).

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : عن الأصبغ بن نباتة ، قال : خطبنا أمير المؤمنين عليه‌السلام على منبر الكوفة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ، سلوني فإن بين جوانحي علما» فقام إليه ابن الكواء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما الذّاريات ذروا؟ قال : «الرياح» قال : فما الحاملات وقرا قال : «السحاب» ، قال : فما الجاريات يسرا قال : «السفن» قال : فما المقسمات أمرا؟ قال : «الملائكة».

قال : يا أمير المؤمنين ، وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا ، قال : «ثكلتك أمك يا بن الكواء ، كتاب الله يصدق بعضه بعضا ، ولا ينقض بعضه بعضا ، فسل عمّا بدا لك؟» قال : يا أمير المؤمنين ، سمعته يقول : (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) وقال في آية أخرى (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ)(٣) ، وقال

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٦.

(٢) معاني الأخبار : ص ٢٢١ ، ح ١.

(٣) الرحمن : ١٧.

٢٢٠