التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

قال : فدخلت أنا وهو على أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : فأحسن والله في المسألة ، فقلت : جعلت فداك ، أرأيت ما ندب الله عزوجل إليه المؤمنين من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أدخل في ذلك المنافقون معهم؟ قال : «نعم ، والضّلال وكلّ من أقر بالدعوة الظاهرة ، وكان إبليس ممن أقرّ بالدعوة الظاهرة معهم» (١).

٢ ـ قال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) [قلت] هذه نفسي أقيها فكيف أقي أهلي؟ قال : «تأمرهم بما أمر الله به وتنهاهم عما نهاهم الله عنه ، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم ، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك» (٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في حديث ـ : «ولقد مررنا معه ـ يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بجبل ، فإذا الدموع تخرج من بعضه ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يبكيك يا جبل؟ فقال : يا رسول الله ، كان عيسى مرّ بي وهو يخوّف الناس بنار وقودها الناس والحجارة ، فأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة؟ قال له : لا تخف ، تلك حجارة الكبريت ، فقرّ الجبل وسكن» (٣).

٣ ـ أقول : ويضيف القرآن قائلا : (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ). وبهذا لا يبقى طريق للخلاص والهروب ، ولن يؤثر البكاء والالتماس والجزع والفزع.

ومن الواضح أن أصحاب الأعمال والمكلفين بتنفيذها ، ينبغي أن تكون معنوياتهم وروحيتهم تنسجم مع تلك المهام المكلفين بتنفيذها.

ولهذا يجب أن يتصف مسؤولو العذاب والمشرفون عليه بالغلظة

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٣ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٦٢ ، ح ٢.

(٣) الاحتجاج : ج ١ ، ص ٢٢٠.

١٤١

والخشونة ، لأن جهنم ليست مكانا للرحمة والشفقة ، وإنما هي مكان الغضب الإلهي ومحل النقمة والسخط الإلهيين. ولكن هذه الغلظة والخشونة لا تخرج هؤلاء عن حد العدالة والأوامر الإلهية. إنما : (يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) دون أية زيادة أو نقصان.

وتساءل بعض المفسرين حول تعبير (لا يَعْصُونَ) الذي ينسجم مع القول بعدم وجود تكليف يوم القيامة. غير أن يجب الانتباه إلى أنه الطاعة وعدم العصيان من الأمور التكوينية لدى الملائكة لا التشريعية.

بتعبير آخر : إن الملائكة مجبولون على الطاعة غير مختارين ، إذ لا رغبة ولا ميل لهم إلى سواها.

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧)) [سورة التّحريم : ٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم حكى ما يقال للكفار يوم القيامة فإن الله تعالى يخاطبهم فيقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا) نعمتي وجحدوا ربوبيتي وأشركوا في عبادتي من لا يستحقها ، وكذبوا أنبيائي ورسلي (لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) فإن اليوم دار جزاء لا دار توبة واعتذار (إِنَّما تُجْزَوْنَ) على قدر (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا على الطاعات بالثواب ولا طاعة معكم ، وعلى المعاصي بالعقاب ودخول النار ، وأنتم مستحقون لذلك (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ

__________________

(١) التبيان : ج ١٠ ، ص ٥١.

١٤٢

سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨)) [سورة التّحريم : ٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو الصباح الكناني : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) قال : «يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود فيه».

قال محمد بن الفضيل : سألت عنها أبا الحسن عليه‌السلام ، فقال : «يتوب عن الذنب ثم لا يعود فيه ، وأحب العباد إلى الله المفتنون (١) التوابون» (٢).

وقال معاوية بن وهب : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله ، فستر عليه في الدنيا والآخرة».

فقلت : وكيف يستر عليه؟

قال : «ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ، ويوحي إلى جوارحه : اكتمي عليه [ذنوبه] ؛ ويوحي إلى بقاع الأرض : اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب ، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه من الذنوب» (٣).

وقال أحمد بن هلال : سألت أبا الحسن الأخير عليه‌السلام عن التوبة النّصوح ، فكتب عليه‌السلام : «أن يكون الباطن كالظاهر وأفضل من ذلك» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هو صوم يوم الأربعاء والخميس والجمعة». قال ابن بابويه : معناه أن يصوم هذه الأيام ثم يتوب (٥).

٢ ـ أقول : ثم يشير القرآن الكريم إلى آثار التوبة الصادقة بقوله : (عَسى

__________________

(١) في «ط ، ي» : المفتتنون.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٣١٤ ، ح ٣.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٣١٤ ، ح ١.

(٤) معاني الأخبار : ص ١٧٤ ، ح ١.

(٥) معاني الأخبار : ص ١٧٤ ، ح ٢.

١٤٣

رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ). (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي فيها أشجار والأنهار تجري من تحتها.

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) أئمة المؤمنين يوم القيامة تسعى بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازل أهل الجنة» (١).

قال ابن عباس : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَ) لا يعذب الله محمدا (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) لا يعذب علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفرا (نُورُهُمْ يَسْعى) يضيء على الصراط لعلي وفاطمة مثل الدنيا سبعين مرة فيسعى نورهم بين أيديهم ويسعى عن أيمانهم ، وهم يتبعونه ، فيمضي أهل بيت محمد أول زمرّة على الصراط مثل البرق الخاطف ، ثم يمضي قوم مثل الريح ، ثم يمضي قوم مثل عدو الفرس ، ثم قوم مثل شد (٢) الرجل ، ثم قوم مثل المشي ، ثم قوم مثل الحبو ، ثم قوم مثل الزحف ، ويجعله الله على المؤمنين عريضا ، وعلى المذنبين دقيقا ، يقول الله تعالى : (يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) حتى نجتاز به على الصراط ، قال : فيجوز أمير المؤمنين عليه‌السلام في هودج من الزمرد الأخضر ، ومعه فاطمة على نجيب من الياقوت الأحمر ، وحولها سبعون ألف حوراء كالبرق اللامع (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام [في قوله] : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) «فمن كان له نور يومئذ نجا ، وكل مؤمن له نور» (٤).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٥١ ، ح ٥.

(٢) الشد : العدو. «لسان العرب : ج ٣ ، ص ٢٣٤».

(٣) المناقب : ج ٢ ، ص ١٥٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٨.

١٤٤

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري :

كنت ذات يوم عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل بوجهه على علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : «ألا أبشرك يا أبا الحسن؟» قال : «بلى ، يا رسول الله».

قال : «هذا جبرئيل يخبرني عن الله جل جلاله أنه قد أعطى شيعتك ومحبيك سبع خصال : الرفق عند الموت ، والأنس عند الوحشة ، والنور عند الظلمة ، والأمن عند الفزع ، والقسط عند الميزان ، والجواز على الصراط ، ودخول الجنة قبل الناس ، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم» (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩)) [سورة التّحريم : ٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) قال : «هكذا نزلت ، فجاهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكفّار ، وجاهد علي عليه‌السلام المنافقين جهاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

وقال ابن عباس : لمّا نزلت (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لأجاهدن العمالقة» يعني الكفّار والمنافقين ، وأتاه جبرئيل عليه‌السلام قال : أنت أو عليّ (٣).

أقول : الجهاد ضد الكفار قد يكون مسلحا أو غير مسلح ، أما الجهاد ضد المنافقين فإنه بدون شك جهاد غير مسلح ، لأن التاريخ لم يحدثنا أبدا عن أن الرسول خاض مرة معركة مسلحة ضد المنافقين. لهذا ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «إن رسول الله لم يقاتل منافقا قط إنما يتألفهم» (٤).

__________________

(١) الخصال : ص ٤٠٢ ، ح ١١٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٧.

(٣) الأمالي : ج ٢ ، ص ١١٦.

(٤) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣٣١.

١٤٥

وبناء على ذلك فإن المراد من الجهاد ضد المنافقين إنما هو توبيخهم وإنذارهم وتحذيرهم ، بل وتهديدهم وفضحهم ، أو التأليف بين قلوبهم في بعض الأحيان. فللجهاد معنى واسع يشمل جميع ذلك. والتعبير ب (اغْلُظْ عَلَيْهِمْ) إشارة إلى معاملتهم بخشونة وفضحهم وتهديدهم وما إلى ذلك.

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢)) [سورة التّحريم : ١٠ ـ ١٢]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ضرب الله سبحانه لعائشة وحفصة إذ تظاهرتا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفشتا سره» (١).

وقال زرارة : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في مناكحة الناس ، فإني قد بلغت ما ترى وما تزوّجت قطّ؟ قال : «وما يمنعك من ذلك؟». قلت : ما يمنعني إلا أني أخشى أن لا يكون يحل لي مناكحتهم ، فما تأمرني؟

فقال : «وكيف تصنع وأنت شاب أتصبر؟». قلت : أتخذ الجواري. قال : «فهات بما تستحلّ الجواري ، أخبرني؟»

فقلت : إنّ الأمة ليست بمنزلة الحرّة ، إن رابتني الأمة بشيء بعتها أو اعتزلتها.

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٠٠ ، ح ٧.

١٤٦

قال : «حدثني فبم تستحلّها؟» قال : فلم يكن عندي جواب ، فقلت : جعلت فداك ، أخبرني ما ترى ، أتزوّج؟ قال : «ما أبالي أن تفعل؟».

قال : قلت أرأيت قولك : «ما أبالي أن تفعل» فإن ذلك على وجهين ، تقول : لست أبالي أن تأثم أنت من غير أن آمرك ، فما تأمرني ، أفعل ذلك عن أمرك؟ فقال لي : «قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوج ، وقد كان من امرأة نوح وامرأة لوط ما قصّ الله عزوجل ، وقد قال الله عزوجل : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما).

فقلت : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لست في ذلك بمنزلته ، إنما هي تحت يديه وهي مقرّة بحكمه مظهرة دينه. قال : فقال لي : «ما ترى من الخيانة في قول الله عزوجل : (فَخانَتاهُما)؟ ما يعني بذلك إلا الفاحشة ، وقد زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلانا».

قلت : أصلحك الله ، فما تأمرني ، انطلق فأتزوج بأمرك؟ فقال لي : «إن كنت فاعلا فعليك بالبلهاء من النساء».

فقلت : وما البلهاء؟

قال : «ذوات الخدور من العفائف».

فقلت : من هي على دين سالم بن أبي حفصة؟ فقال : «لا».

فقلت : من هي على دين ربيعة الرأي؟ فقال : «لا ، ولكن العواتق اللواتي لا ينصبن ولا يعرفن ما تعرفون» (١).

وفي هذا الحديث تتمة تقدمت بتمامها في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)(٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٥٠ ، ح ١٢.

(٢) تقدم في الحديث من تفسير الآية (٢) من سورة التغابن.

١٤٧

وقال شرف الدين النجفي : روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : «قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) الآية ، مثل ضربه الله سبحانه لعائشة وحفصة إذ تظاهرتا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفشتا سره» (١).

وقال علي بن إبراهيم : ثم ضرب الله فيهما مثلا ، فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما) قال : والله ما عنى بقوله : (فَخانَتاهُما) إلا الفاحشة ، وليقيمنّ الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق البصرة ، وكان فلان (٢) يحبها ، فلما أرادت أن تخرج إلى البصرة ، قال لها فلان : لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم فزوجت نفسها من فلان (٣) ، ثم (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) قال : لم ينظر إليه (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) قال : روح مخلوقة (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) قال : من الراضين (٤)(٥).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٠٠ ، ح ٧.

(٢) يعني طلحة.

(٣) المصدر السابق نفسه.

(٤) وقيل : من الراغبين ، وفي نسخ أخرى : من الداعين. أقول : هذا التفسير غريب ومخالف للأصول ، إذ أنه لم يرد بقوله : (فَخانَتاهُما) الفاحشة ، فما بغت امرأة نبي قط ، وإنما كانت خيانتهما في الدين ، فكانت امرأة نوح كافرة ، تقول للناس : إنه مجنون ، وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه. وقوله : «فزوجت نفسها من فلان» فيه شناعة عجيبة ، ومخالفة ظاهرة لما أجمع عليه المسلمون من الخاصة والعامة ، إذ كلهم يقرون بقداسة أذيال أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما ذكر ، ودليل ذلك قوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) الأحزاب : ٦.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٧.

١٤٨

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : قوله عزوجل : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) الآية : «هذا مثل ضربه الله لرقية بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تزوجها عثمان بن عفان».

قال : «وقوله : (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) يعني من الثالث وعمله (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يعني به بني أمية» (١).

وقال عليه‌السلام أيضا : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) مثل ضربه الله لفاطمة عليها‌السلام ، وقال : إن فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريتها على النار» (٢).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٠٠ ، ح ٨.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٠٠ ، ح ٩.

١٤٩
١٥٠

تفسير

سورة الملك

رقم السورة ـ ٦٧ ـ

١٥١
١٥٢

سورة الملك

* س ١ : ما هو فضل سورة الملك؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «سورة الملك هي المانعة ، تمنع من عذاب القبر ، وهي مكتوبة في التوراة سورة الملك ، [و] من قرأها في ليلته فقد أكثر وأطاب ولم يكتب من الغافلين ، وإني لأركع بها بعد العشاء الآخرة وأنا جالس ، وإنّ والدي عليه‌السلام كان يقرؤها في يومه وليلته.

ومن قرأها ، إذا دخل عليه في قبره ناكر ونكير من قبل رجليه قالت رجلاه لهما : ليس لكما إلى من قبلي سبيل ، قد كان هذا العبد يقوم عليّ ، فيقرأ سورة الملك في كلّ يوم وليلة ؛ فإذا أتياه من قبل جوفه قال لهما : ليس لكما إلى من قبلي سبيل ، قد كان هذا العبد أوعاني في كلّ يوم وليلة سورة الملك ، وإذا أتياه من قبل لسانه قال لهما : ليس لكما إلى من قبلي سبيل ، قد كان هذا العبد يقرأ بي في كلّ يوم وليلة سورة الملك» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة ، وهي المنجية من عذاب القبر ، أعطي من الأجر كمن أحيا ليلة القدر ، ومن حفظها كانت أنيسه في قبره ، تدفع عنه كلّ نازلة تهم به في قبره من العذاب ، وتحرسه إلى يوم بعثه ، وتشفع له عند ربّها وتقربه حتى يدخل الجنة آمنا من وحشته ووحدته في قبره» (٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٦٣ ، ح ٢٦.

(٢) خواص القرآن : ص ١٠ «مخطوط».

١٥٣

وقال الصادق عليه‌السلام : «من قرأها على ميت خفف الله عنه ما هو فيه ، وإذا قرئت وأهديت إلى الموتى أسرعت إليهم كالبرق الخاطف بإذن الله تعالى» (١).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢)) [سورة الملك : ١ ـ ٢]؟!

الجواب / ١ ـ أقول : تبدأ آيات هذه السورة بمسألة مالكية وحاكمية الله سبحانه ، وخلود ذاته المقدسة ، وهي في الواقع مفتاح جميع أبحاث هذه السورة المباركة. (تَبارَكَ) : من مادة (بركة) في الأصل من (برك) على وزن (ترك) بمعنى (صدر البعير) ، وعند ما يقال : (برك البعير) يعني وضع صدره على الأرض.

ثم استعملت الكلمة بمعنى الدوام والبقاء وعدم الزوال ، وأطلقت كذلك على كل نعمة باقية ودائمة ، ومن هنا يقال لمحل خزن الماء (بركة) لأن الماء يبقى فيها مدة طويلة.

وقد جاءت هذه الكلمة هنا ـ في الآية أعلاه ـ لأن الذات الإلهية مقدسة ومباركة ، حيث مالكيته وحاكميته على الوجود ، وقدرته على كل شيء ، ولهذا السبب فإن وجوده تعالى كثير البركة ولا يعتريه الزوال.

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) قدّرهما ، ومعناه قدّر الحياة ثم قدّر الموت (لِيَبْلُوَكُمْ) أي يختبركم بالأمر والنهي (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)(٢).

__________________

(١) خواص القرآن : ص ١١ «مخطوط».

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٨.

١٥٤

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «الحياة والموت خلقان من خلق الله ، فإذا جاء الموت فدخل في الإنسان ، لم يدخل في شيىء إلا وقد خرجت من الحياة» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) : «ليس يعني أكثركم عملا ، ولكن أصوبكم عملا ، وإنّما الإصابة خشية الله والنيّة الصادقة والحسنة ـ ثمّ قال : ـ الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل ، ألا والعمل الخالص : الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا الله عزوجل ، والنية أفضل من العمل ، إلا وإن النية هي العمل ـ ثم تلا قوله عزوجل : ـ (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ)(٢) يعني على نيته» (٣).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩)) [سورة الملك : ٣ ـ ٩]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) ، قال : بعضها طبق لبعض (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) قال : من فساد (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) أي من عيب (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ)

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥٩ ، ح ٣٤.

(٢) الإسراء : ٨٤.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ١٣ ، ح ٤.

١٥٥

قال : انظر في ملكوت السماوات والأرض (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) أي يقصر وهو حسير ، أي منقطع.

قوله : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) قال : بالنجوم (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) قوله : (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً) قال : وقعا (وَهِيَ تَفُورُ) أي ترتفع (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) قال : على أعداء الله (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) وهم الملائكة الذين يعذبونهم بالنار (قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) فيقولون لهم : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) أي في عذاب شديد (١).

قال أبو بصير : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : لأيّ شيء بعث الله الأنبياء والرسل إلى الناس؟ فقال : «لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل ، ولئلا يقولوا : ما جاءنا من بشير ولا نذير ، ولتكون حجة الله عليهم ، إلا تسمع قول الله عزوجل ، يقول حكاية عن خزنة جهنم واحتجاجهم على أهل النار بالأنبياء والرسل : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ)(٢).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١)) [سورة الملك : ١٠ ـ ١١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) ، قال : قد سمعوا وعقلوا ، ولكنهم لم يطيعوا ولم يقبلوا.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٨.

(٢) علل الشرائع : ص ١٢٠ ، ح ٤.

١٥٦

والدليل على أنهم قد سمعوا وعقلوا ولم يقبلوا ، قوله : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ)(١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في حديث يذكر فيه أهل النار : «فيقولون : إن عذبنا ربنا ، لم يكن ظلمنا شيئا ـ قال : ـ فيقول مالك : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) أي بعدا لأصحاب السعير» (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣)) [سورة الملك : ١٢ ـ ١٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما تقدم الوعيد ، عقبه سبحانه بالوعد فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي يخافون عذاب ربهم باتقاء معاصيه ، وفعل طاعاته على وجه الإستسرار بذلك لأن الخشية متى كانت بالغيب كانت بعيدة من الرياء خالصة لوجه الله ، وخشية الله بالغيب تنفع بأن يستحق عليها الثواب ، وخشيته في الظاهر بترك المعاصي ، لا يستحق بها الثواب ، فإذا الخشية بالغيب أفضل لا محالة. وقيل : بالغيب معناه أنه يخشونه ، ولم يروه فيؤمنون به خوفا من عذابه. وقيل. يخافونه حيث لا يراهم مخلوق لأن أكثر ما ترتكب المعاصي إنما ترتكب في حال الخلوة فهم يتركون المعصية ، لئلا يجعلوا الله سبحانه أهون الناظرين إليهم ولأن من تركها في هذه الحال تركها في حال العلانية أيضا. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) أي عظيم في الآخرة لا فناء له. ثم قال سبحانه مهددا للعصاة : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) يعني أنه عالم

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٨.

(٢) الاختصاص : ص ٣٦٤.

١٥٧

بإخلاص المخلص ، ونفاق المنافق فإن شئتم فأظهروا القول ، وإن شئتم فأبطنوه فإنه عليم بضمائر القلوب ، ومن علم إضمار القلب علم إسرار القول (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)) [سورة الملك : ١٤]؟!

الجواب / قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «إنما سمي الله بالعلم لغير علم حادث علم به الأشياء ، واستعان به على حفظ ما يستقبل من أمره ، والرويّة فيما يخلق [من خلقه] وبعينه ما مضى مما أفنى من خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم ويعنه كان جاهلا ضعيفا ، كما أنا رأينا علماء الخلق إنما سمّوا بالعلم لعلم حادث إذ كانوا قبله جهلة ، وربما فارقهم العلم بالأشياء ، فصاروا إلى الجهل ، وإنما سمي الله عالما لأنه لا يجهل شيئا ، وقد جمع الخالق والمخلوق [اسم العلم] واختلف المعنى على ما رأيت.

وأما اللطيف فليس على قلّة وقضافة (٢) وصغر ، ولكن ذلك على النّفاذ في الأشياء ، والامتناع من أن يدرك ، كقولك : لطف عن هذا الأمر ، ولطف فلان في مذهبه ، وقوله يخبرك أنه غمض فبهر العقل ، وفات الطلب ، وعاد متعمقا متلطفا لا يدركه الوهم ، فهكذا لطف ربنا ، تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف ، واللطافة منا الصغر والقلة ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.

وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شيء ، ولا يفوته شيء ، ليس للتجربة ولا للاعتبار بالأشياء فتفيده التجربة والاعتبار علما لولاهما ما علم ، لأن من

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٧٥ ـ ٧٦.

(٢) القضافة : قلة اللحم. «لسان العرب : ج ٩ ، ص ٢٨٤».

١٥٨

كان كذلك كان جاهلا ، والله لم يزل خبيرا بما يخلق ، والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم ، وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى» (١).

قال الفتح بن يزيد الجرجاني : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام ـ في حديث ـ : فقولك : اللطيف الخبير فسره [لي] كما فسّرت الواحد ، فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل ، غير أني أحب أن تشرح لي ذلك؟ فقال : «يا فتح ، إنما قلنا اللطيف ، للخلق اللطيف ، ولعلمه بالشيء اللطيف ، أو لا ترى ـ وفّقك الله وثبّتك ـ إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف وفي [الخلق اللطيف] من الحيوان الصّغار من البعوض والجرجس (٢) وما [هو] أصغر منهما مما لا تكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يستبان ـ لصغره ـ الذكر من الأنثى ، والحدث المولود من القديم ، فلما رأينا صغر ذلك ولطفه ، واهتدائه للسّفاد (٣) والهرب من الموت ، والجمع لما يصلحه مما في لجج البحار وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار ، وفهم بعضها عن بعض منطقها ، وما تفهم به أولادها عنها ، ونقلها الغذاء إليها ، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة ، وما لا تكاد عيوننا تستبيه بتمام خلقها ، ولا تراه عيوننا ، ولا تمسّه أيدينا ، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف ، لطف في خلق ما سميناه بلا علاج ولا أداة ولا آلة ، وأنّ كل صانع شيء فمن شيء صنع ، والله الخالق اللطيف خلق وصنع لا من شيء» (٤).

__________________

(١) التوحيد : ص ١٨٨ ، ح ٢.

(٢) الجرجس : البق. «لسان العرب : ج ٦ ، ص ٣٧».

(٣) السفاد : نزو الذكر على الأنثى. «لسان العرب : ج ٣ ، ص ٢١٨».

(٤) التوحيد : ص ١٨٦ ، ح ١.

١٥٩

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)) [سورة الملك : ١٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، قوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) أي فراشا (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) أي في أطرافها (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١)) [سورة الملك : ١٦ ـ ٢١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم هدد سبحانه الكفار زاجرا لهم ، عن ارتكاب معصيته ، والجحود لربوبيته فقال : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) أي أمنتم عذاب من في السماء سلطانه وأمره ونهيه وتدبيره ، لا بد أن يكون هذا معناه ، لاستحالة أن يكون الله ، جل جلاله ، في مكان أو في جهة. وقيل : يعني بقوله (مَنْ فِي السَّماءِ) الملك الموكل بعذاب العصاة (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) يعني أن يشق الأرض فيغيبكم فيها إذا عصيتموه (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) أي تضطرب وتتحرك ، والمعنى إن الله يحرك الأرض عند الخسف بهم ، حتى تضطرب فوقهم ، وهم يخسفون فيها حتى تلقيهم إلى أسفل. والمور : التردد في

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٩.

١٦٠