التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

١
٢

٣

٤

سورة الحج

* س ١ : ما هو فضل سورة الحج؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة الحجّ في كلّ ثلاثة أيام لم تخرج سنته حتى يخرج إلى بيت الله الحرام ، وإن مات في سفره دخل الجنّة».

قلت : فإن كان مخالفا؟ قال : يخفّف عنه بعض ما هو فيه» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة أعطي من الحسنات بعدد من حجّ واعتمر ، فيما مضى وفيما بقي ، ومن كتبها في رقّ ظبي وجعلها في مركب ، جاءت له الريح من كلّ جانب وناحية ، وأصيب ذلك المركب من كل جانب ، وأحيط به وبمن فيه ، وكان هلاكهم وبوارهم ، ولم ينج منهم أحد ، ولا يحلّ أن يكتب إلا في الظالمين قاطعين السبيل محاربين» (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام ، قال : «من كتبها في رقّ غزال وجعلها في صحن مركب ، جاءت إليه الريح من كلّ مكان ، وأصيب المركب ، ولم يسلم ، وإذا كتبت ثم محيت ورشّت في موضع سلطان جائر ، زال ملكه بإذن الله تعالى» (٣).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٨.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ١٠٩ «قطعة منه».

(٣) خواصّ القرآن : ص ٤.

٥

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) (٣) [سورة الحج : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لأصحابه يوما وهو يعظهم : «ترصدوا مواعيد الآجال ، وباشروها بمحاسن الأعمال ، ولا تركنوا إلى ذخائر الأموال فتخليكم خدائع الآمال ، إنّ الدنيا خدّاعة صرّاعة ، مكّارة غرّارة سحّارة ، أنهارها لامعة ، وثمراتها يانعة ، ظاهرها سرور ، وباطنها غرور ، تأكلكم بأضراس المنايا ، وتبيركم بإتلاف الرزايا ، لهم بها أولاد الموت ، آثروا زينتها ، وطلبوا رتبتها ، جهل الرجل ، ومن ذلك الرجل؟ المولع بلذّاتها ، والساكن إلى فرحتها ، والآمن لغدرتها ، دارت عليكم بصروفها ، ورمتكم بسهام حتوفها ، فهي تنزع أرواحكم نزعا ، وأنتم تجمعون لها جمعا ، للموت تولدون ، وإلى القبور تنقلون ، وعلى التراب تتوسّدون ، وإلى الدود تسلّمون ، وإلى الحساب تبعثون.

يا ذوي الحيل والآراء ، والفقه والأنباء ، اذكروا مصارع الآباء ، فكأنّكم بالنفوس قد سلبت ، وبالأبدان قد عريت ، وبالمواريث قد قسمت ، فتصير ـ يا ذا الدلال ، والهيبة والجمال ـ إلى منزلة شعثاء ، ومحلة غبراء ، فتنوّم على خدك في لحدك ، في منزل قلّ زوّاره ، وملّ عماله ، حتى يشقّ عن القبور ، وتبعث إلى النشور ، فإن ختم لك بالسعادة صرت إلى حبور ، وأنت ملك مطاع ، وآمن لا يراع ، يطوف عليكم ولدان كأنّهم الجمان ، بكأس من معين ، بيضاء لذة للشاربين.

٦

أهل الجنة فيها يتنعّمون ، وأهل النار فيها يعذّبون ، هؤلاء في السّندس والحرير يتبخترون ، وهؤلاء في الجحيم والسّعير يتقلّبون ، هؤلاء تحشى جماجمهم بمسك الجنان وهؤلاء يضربون بمقامع النيران ، هؤلاء يعانقون الحور في الحجال ، وهؤلاء يطوّقون أطواقا في النار بالأغلال ، في قلبه ، فزع قد أعيى الأطباء ، وبه داء لا يقبل الدواء.

يا من يسلّم إلى الدود ، ويهدى إليه ، اعتبر بما تسمع وترى ، وقل لعينك تجفو لذّة الكرى ، وتفيض من الدموع بعد الدموع تترى ، بيتك القبر بيت الأهوال والبلى ، وغايتك الموت يا قليل الحياء.

اسمع ـ يا ذا الغفلة والتصريف ـ من ذوي الوعظ والتعريف ، جعل يوم الحشر يوم العرض والسّؤال ، والحباء (١) والنّكال ، يوم تقلب إليه أعمال الأنام ، وتحصى فيه جميع الآثام ، يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، ويفرّق بين كل نفس وحبيبها ، ويحار في تلك الأهوال عقل لبيبها ، إذ تنكّرت الأرض بعد حسن عمارتها ، وتبدلت بالخلق بعد أنيق زهرتها ، أخرجت من معادن الغيب أثقالها ، ونفضت إلى الله أحمالها.

يوم لا ينفع الجدّ ، إذا عاينوا الهول الشديد فاستكانوا ، وعرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا ، فانشقّت القبور بعد طول انطباقها ، واستسلمت النفوس إلى الله بأسبابها ، كشف عن الآخرة غطاؤها ، وظهر للخلق أنباؤها ، فدكّت الأرض دكّا دكّا ، ومدّت لأمر يراد بها مدّا مدا ، واشتدّ المثارون إلى الله شدّا شدّا ، وتزاحفت الخلائق إلى المحشر زحفا زحفا ، وردّ المجرمون على الأعقاب ردّا ردّا ، وجدّ الأمر ـ ويحك ، يا إنسان! ـ جدّا جدا ، وقرّبوا

__________________

(١) حبوت الرجل حباء : أعطيته الشيء بغير عوض. «مجمع البحرين ـ حبا ـ ج ١ ، ص ٩٤».

٧

للحساب فردا فردا ، وجاء ربك والملك صفا صفا ، يسألهم عما عملوا حرفا حرفا ، فجيء بهم عراة الأبدان ، خشّعا أبصارهم ، أمامهم الحساب ، ومن ورائهم جهنّم ، يسمعون زفيرها ، ويرون سعيرها ، فلم يجدوا ناصرا ولا وليا يجيرهم من الذلّ ، فهم يعدون سراعا إلى مواقف الحشر ، يساقون سوقا.

فالسماوات مطويّات بيمينه كطيّ السجلّ للكتب ، والعباد على الصّراط وجلت قلوبهم ، يظنّون أنهم لا يسلمون ، ولا يؤذن لهم فيتكلّمون ، ولا يقبل منهم فيعتذرون ، قد ختم على أفواههم واستنطقت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.

يا لها من ساعة ، ما أشجى مواقعها من القلوب ، حين ميز بين الفريقين : فريق في الجنّة ، وفريق في السّعير! من مثل هذا فليهرب الهاربون ، إذا كانت الدار الآخرة لها يعمل العاملون» (١).

وقال علي بن إبراهيم : في معنى الآية ، مخاطبة للناس عامّة (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) أي تبقى وتتحيّر وتتغافل (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) قال : كل امرأة تموت حاملة عند زلزلة الساعة تضع حملها يوم القيامة.

قوله تعالى : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) قال : يعني ذاهلة عقولهم من الخوف والفزع ، متحيّرين (وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ). قال قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي يخاصم (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) قال : المريد : الخبيث (٢).

__________________

(١) الأمالي : ج ٢ ، ص ٢٦٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٧٨.

٨

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (٤) [سورة الحج : ٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : يقول الله تعالى أنه كتب في اللوح المحفوظ أن من تولى الشيطان واتبعه أطاعه فيما يدعوه إليه ، فإنه يضله.

وقال الزجاج : معناه كتب عليه أنه من تولاه يضله ، فعطف (أن) الثانية على الأولى تأكيدا ، فلذلك نصبت (أن) الثانية. والأكثر في التأكيد أن لا يكون معه حرف عطف غير أنه جائز : كما يجوز : زيد ـ فإنهم ـ في الدار. وقال قوم : نصبت (أن) الثانية ، لأن المعنى فلأنه يضله عن طريق الحق (وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) أي عذاب النار الذي يستعر ويلتهب. والهاء في (كُتِبَ عَلَيْهِ) راجعة إلى الشيطان ، وتقديره كتب على الشيطان أنه من تولى الشيطان واتبعه ، فإن الشيطان يضله ، فالهاء في يضله عائدة إلى (مَنْ) في قوله (مَنْ تَوَلَّاهُ) (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٢٩٠.

٩

وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) (٩) [سورة الحج : ٥ ـ ٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم خاطب الله عزوجل الدهرية ، واحتجّ عليهم فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) أي في شكّ : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) قال المخلّقة : إذا صارت دما ، وغير مخلّقة ، قال : السقط (١).

وقال سلام بن المستنير : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ).

فقال : «المخلّقة : الذرّ الذين خلقهم الله في صلب آدم عليه‌السلام ، أخذ عليهم الميثاق ، ثمّ أجراهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء ، وهم الذين يخرجون إلى الدنيا حتى يسألوا عن الميثاق. وأمّا قوله : (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) فهم كل نسمة لم يخلقهم الله في صلب آدم عليه‌السلام حين خلق الذرّ ، وأخذ عليهم الميثاق ، وهم النطف من العزل والسقط قبل أن تنفخ فيه الروح والحياة والبقاء» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) كذلك كنتم في الأرحام (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) فلا يخرج سقطا» (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٧٨.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ١٢ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٧٨.

١٠

وقال الباقر عليه‌السلام : «إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر» (١).

وقال علي بن إبراهيم : ثم ضرب الله للبعث والنشور مثلا ، فقال : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) أي يابسة ميّتة (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي حسن (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ).

وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) قال : نزلت في أبي جهل (ثانِيَ عِطْفِهِ) قال : تولى عن الحقّ (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) قال : عن طريق الله والإيمان (٢).

وقال شرف الدين النجفي : تأويله جاء في باطن تفسير أهل البيت (صلوات الله عليهم) ، عن حمّاد بن عيسى ، قال : حدّثني بعض أصحابنا حديثا يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) قال : هو الأوّل ، ثاني عطفه إلى الثاني ، وذلك لمّا أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإمام عليّا علما للناس ، وقالا : والله لا نفي له بهذا أبدا (٣).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (١٠) [سورة الحج : ١٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم قال (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) أي يقول الله تعالى عند نزول العذاب به (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ومعناه إن ما يفعل بالظالم نفسه من عذاب

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٧٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٧٩.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٣٣ ، ح ١.

١١

الحريق جزاء على ما كسبت يداه ، فذكر اليدين مبالغة في إضافة الجرم إليه ، وهذا يدل على أن ذكر اليدين قد يكون لتحقيق الإضافة. وقوله (وَأَنَّ اللهَ) أي ولأن الله (لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، إنما ذكره بلفظ المبالغة ، وإن كان لا يفعل القليل من الظلم لأمرين :

١ ـ أنه خرج مخرج الجواب للمجبرة ، وردا عليهم ، لأنهم ينسبون كل ظلم في العالم إليه تعالى ، فبين أنه لو كان ، كما قالوا لكان ظلاما وليس بظالم.

٢ ـ أنه لو فعل أقل قليل الظلم لكان عظيما منه ، لأنه يفعله من غير حاجة إليه ، فهو أعظم من كل ظلم فعله فاعله لحاجته إليه (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (١٢) [سورة الحج : ١١ ـ ١٢]؟!

الجواب / قال زرارة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) فقال : «هؤلاء قوم عبدوا الله ، وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله ، وشكّوا في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به ، فتكلّموا في الإسلام ، وشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأقرّوا بالقرآن ، وهم في ذلك شاكّون في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به ، وليسوا

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٢٩٥.

١٢

شكّاكا في الله عزوجل ، قال الله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) يعني على شكّ في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ) يعني عافية في نفسه وماله وولده (اطْمَأَنَّ بِهِ) ورضي به (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) يعني بلاء في جسده وماله ، تطيّر وكره المقام على الإقرار بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرجع إلى الوقوف والشكّ ، ونصب العداوة لله ولرسوله ، والجحود بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به» (١).

وفي رواية ثانية قال زرارة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ).

قال : «هم قوم وحّدوا الله ، وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله ، فخرجوا من الشرك ، ولم يعرفوا أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله ، فهم يعبدون الله على شكّ في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقالوا : ننظر ، فإن كثرت أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا علمنا أنه صادق ، وأنه رسول الله ، وإن كان غير ذلك نظرنا ، قال الله عزوجل : (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ) يعني عافية في الدنيا (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) يعني بلاء في نفسه وماله (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) انقلب على شكّه إلى الشرك (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ) ـ قال ـ ينقلب مشركا ، يدعو غير الله ويعبد غيره ، فمنهم من يعرف ويدخل الإيمان قلبه فيؤمن ويصدّق ، ويزول عن منزلته من الشكّ إلى الإيمان ، ومنهم من يثبت على شكّه ، ومنهم من ينقلب إلى الشرك» (٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٣ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٣ ، ح ٢.

١٣

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (١٤) [سورة الحج : ١٣ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ... يدعوه على الوجه الآخر معناه (يَدْعُوا) الذي هو الضلال البعيد. (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) قال السدي : يعني الذي ضره في الآخرة بعبادته إياه أقرب من النفع ، وإن كان لا نفع عنده. ولكن العرب تقول لما لا يكون : هذا بعيد. ونفع الصنم بعيد لأنه لا يكون. فلما كان نفعه بعيدا قيل لضره : إنه أقرب من نفعه على معنى أنه كائن. (لَبِئْسَ الْمَوْلى) أي : لبئس الناصر هو (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) أي : الصاحب المعاشر المخالط هو يعني الصنم يخالطه العباد ويصاحبه.

ولما ذكر الشاك في الدين بالخسران ، ذكر ثواب المؤمنين على الإيمان فقال : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ، وصدقوا رسله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) بأوليائه وأهل طاعته من الكرامة ، وبأعدائه وأهل معصيته من الإهانة ، لا يدفعه دافع ، ولا يمنعه مانع (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) (١٥) [سورة الحج : ١٥]؟!

الجواب / قال الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : «حدّثني أبي ، عن أبيه ـ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ١٣٥ ـ ١٣٦.

١٤

أبي جعفر ـ (صلوات الله عليهم أجمعين) : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذات يوم : إنّ ربي وعدني نصرته ، وإن يمدّني بملائكته ، وأنه ناصري بهم وبعليّ أخي خاصة من بين أهلي ، فاشتد ذلك على القوم أن خصّ عليا بالنصرة ، وأغاظهم ذلك ، فأنزل الله عزوجل : (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) ـ قال ـ ليضع حبلا في عنقه إلى سماء بيته يمدّه حتى يختنق فيموت فينظر هل يذهبن كيده غيظه» (١)؟.

وقال علي بن إبراهيم : في معنى الآية : إنّ الظنّ في كتاب الله على وجهين : ظنّ يقين ، وظنّ شكّ ، فهذا ظنّ شك. قال : من شكّ أن الله لن يثيبه في الدنيا والآخرة : (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) أي يجعل بينه وبين الله دليلا ، والدليل على أن السبب هو الدليل ، قول الله في سورة الكهف : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً) (٢) أي دليلا ، وقال : (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) أي يميّز ، والدليل على أن القطع هو التمييز قوله : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) (٣) أي ميّزناهم ، فقوله : (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) أي يميّز (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) أي حيلته ، والدليل على أنّ الكيد هو الحيلة قوله : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) (٤) أي احتلنا له حتى حبس أخاه ، وقوله يحكي قول فرعون : (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) (٥) أي حيلتكم. قال : فإذا وضع لنفسه سببا ، وميّز ، دلّه على الحق ، فأمّا العامة فإنهم رووا في ذلك أنه من لم يصدّق بما قال الله ، فليلق حبلا إلى سقف البيت ، ثم ليختنق.

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٣٣ ، ح ٢.

(٢) الكهف : ٨٤ و ٨٥.

(٣) الأعراف : ١٦٠.

(٤) يوسف : ٧٦.

(٥) طه : ٦٤.

١٥

ثمّ ذكر عزوجل عظيم كبريائه وآلائه فقال : (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم يا محمد (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) ولفظ الشجر واحد ومعناه جمع (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١٧) [سورة الحج : ١٦ ـ ١٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم بين سبحانه أنه نزل الآيات حجة على الخلق فقال : (وَكَذلِكَ) أي : ومثل ما تقدم من آيات القرآن (أَنْزَلْناهُ) يعني القرآن (آياتٍ بَيِّناتٍ) أي : حججا واضحات على التوحيد ، والعدل ، والشرائع. (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) أي : وأنزلنا إليك أن الله يهدي إلى الدين من يريد.

وقيل : إلى النبوة. وقيل : إلى الثواب. وقيل : يهدي من يهتدي بهداه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَالَّذِينَ هادُوا) وهم اليهود (وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) ظاهر المعنى (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : يبين المحق من المبطل بما يضطر إلى العلم بصحة الصحيح ، فيبيض وجه المحق ، ويسود وجه المبطل. والفصل : التمييز بين الحق والباطل.

(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي : عليم مطلع على ما من شأنه أن

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٧٩.

١٦

يشاهد بعلمه قبل أن يكون ، لأنه علام الغيوب (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (١٨) [سورة الحج : ١٨]؟!

الجواب / قال أبو الصّباح الكناني : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) الآية.

فقال : «إنّ للشمس أربع سجدات كل يوم وليلة : فأوّل سجدة إذا صارت في طرف الأفق حين يخرج الفلك من الأرض إذا رأيت البياض المضيء في طول السماء قبل أن يطلع الفجر» قلت : بلى ، جعلت فداك. قال : «ذاك الفجر الكاذب ، لأنّ الشمس تخرج ساجدة وهي في طرف الأرض ، فإذا ارتفعت من سجودها طلع الفجر ، ودخل وقت الصلاة.

وأمّا السجدة الثانية ، فإنها إذا صارت في وسط القبّة وارتفع النهار ، ركدت الشمس قبل الزوال ، فإذا صارت بحذاء العرش ركدت وسجدت ، فإذا ارتفعت من سجودها زالت عن وسط القبة فيدخل وقت صلاة الزوال.

وأمّا السجدة الثالثة : إنّها إذا غابت من الأفق خرّت ساجدة ، فإذا ارتفعت من سجودها زال الليل ، كما أنّها حين زالت وسط القبة دخل وقت الزوال ، زوال النهار» (٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ١٣٧.

(٢) الاختصاص : ص ٢١٣.

١٧

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (٢٢) [سورة الحج : ١٩ ـ ٢٢]؟!

الجواب / قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «أنا أوّل من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن». وقال قيس : وفيهم نزلت : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) وهم الذين تبارزوا يوم بدر ، عليّ عليه‌السلام وحمزة وعبيدة ، وشيبة وعتبة والوليد (١).

وقال علي بن إبراهيم : في معنى الآية ، قال عليه‌السلام : نحن وبنو أميّة ، نحن قلنا : صدق الله ورسوله ، وقال بنو أميّة : كذب الله ورسوله ـ وهو المروي عن الحسين بن علي عليهما‌السلام (٢) ـ (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) يعني بني أميّة (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) إلى قوله : (حَدِيدٍ) قال تغشاه النار ، فتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرّته ، وتتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) قال : الأعمدة التي يضربون بها (٣).

وقال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يابن رسول الله ، خوّفني فإن قلبي قد قسا.

فقال : «يا أبا محمد ، استعدّ للحياة الطويلة ، فإن جبرئيل عليه‌السلام جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو قاطب ، وقد كان قبل ذلك يجيء وهو مبتسم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرئيل ، جئتني اليوم قاطبا! فقال : يا محمد ، قد وضعت منافخ

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٣٤ ، ح ٣.

(٢) الخصال : ص ٤٢ ، ح ٣٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٨٠.

١٨

النار ، فقال : وما منافخ النار ، يا جبرئيل؟ فقال : يا محمد ، إن الله عزوجل أمر بالنار ، فنفخ عليها ألف عام حتى ابيضّت ، ثم نفخ عليها ألف عام حتى احمرّت ، ثم نفخ عليها ألف عام حتى اسودّت ، فهي سوداء مظلمة ، لو أن قطرة من الضّريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهلها من نتنها ، ولو أن حلقة واحدة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت من حرّها ، ولو أنّ سربالا من سرابيل أهل النار علّق بين السماء والأرض لمات أهل الأرض من ريحه ووهجه».

قال : «فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبكى جبرئيل ، فبعث الله إليهما ملكا ، فقال لهما : إنّ ربكما يقرئكما السّلام ، ويقول : قد أمنتكما أن تذنبا ذنبا أعذّبكما عليه».

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيل مبتسما بعد ذلك» ثمّ قال : «إنّ أهل النار يعظّمون النار ، وإنّ أهل الجنة يعظّمون الجنة والنعيم ، وإنّ أهل جهنّم إذا دخلها هووا فيها مسيرة سبعين عاما ، فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد ، وأعيدوا في دركها ، هذه حالهم ، وهو قول الله عزوجل : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) ثمّ تبدّل جلودهم جلودا غير الجلود التي كانت عليهم».

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «حسبك ، يا أبا محمد؟» قلت : حسبي ، حسبي (١).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٨١.

١٩

س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) (٢٣) [سورة الحج : ٢٣]؟!

الجواب / قال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ـ يابن رسول الله ـ شوّقني.

فقال : «يا أبا محمد ، إن من أدنى نعيم الجنة أن يوجد ريحها على قلوب أهلها يوم الأخذ بالكظم والخناق من مسيرة ألف عام من مسافة أهل الدنيا ، وإنّ أدنى أهل الجنة منزلا لو نزل به أهل الثقلين الجنّ والإنس لوسعهم طعاما وشرابا ، ولا ينقص مما عنده شيء ، وإنّ أيسر أهل الجنة منزلا يدخل الجنة فيرفع له ثلاث حدائق ، فإذا دخل أدناهن رأى فيها من الأزواج والخدم والأنهار والثمار ما شاء الله ممّا يملأ عينيه قرّة ، وقلبه مسرّة.

فإذا شكر الله وحمده قيل له : أرفع رأسك إلى الحديقة الثانية ، ففيها ما ليس في الأخرى ، فيقول : يا ربّ أعطني هذه ؛ فيقول الله تعالى : إن أعطيتكها سألتني غيرها ؛ فيقول : ربّ ، هذه هذه ؛ فإذا دخلها شكر الله وحمده» قال : «فيقال : افتحوا له بابا إلى الجنّة ، ويقال له : ارفع رأسك ؛ فإذا قد فتح له باب من الخلد ، ويرى أضعاف ما كان هو فيه فيما قبل ، فيقول عند مضاعفة مسرّاته : ربّ لك الحمد الذي لا يحصى إذ مننت عليّ بالجنان ، وأنجيتني من النيران».

قال أبو بصير : فبكيت ، وقلت له : جعلت فداك ، زدني ، قال : «يا أبا محمد ، إنّ في الجنة نهرا في حافّتيه جوار نابتات ، إذا مرّ المؤمن بجارية أعجبته قلعها ، وأنبت الله مكانها أخرى».

٢٠