التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

بإذنه ، فهو قوله عزوجل : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً)(١).

وقال الشيخ الطبرسي : (إِنَّ هذا) يعني ما وصف من النعيم وأنواع الملاذ (كانَ لَكُمْ جَزاءً) أي مكافأة على أعمالكم الحسنة ، وطاعتكم المبرورة. (وَكانَ سَعْيُكُمْ) في مرضاة الله ، وقيامكم بما أمركم الله به (مَشْكُوراً) أي مقبولا مرضيا جوزيتم عليه ، فكأنه شكر لكم فعلكم (٢).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨)) [سورة الإنسان : ٢٣ ـ ٢٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم أخبر سبحانه عن نفسه فقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) فيه شرف وتعظيم لك. وقيل : معناه فصلناه في الإنزال آية بعد آية ، ولم ننزله جملة واحدة ، (فَاصْبِرْ) يا محمد على ما أمرتك به من تحمل أعباء الرسالة (لِحُكْمِ رَبِّكَ) أن تبلغ الكتاب ، وتعمل به. وقيل : إنه أمر لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر ، وإن كذب فيما أتى به ، ووعيد لمن كذبه. (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) أي من مشركي مكة (آثِماً) يعني عتبة بن ربيعة (أَوْ كَفُوراً) يعني الوليد بن المغيرة ، فإنهما قالا له : ارجع عن هذا الأمر ، ونحن نرضيك بالمال والتزويج ، وقيل : الكفور أبو جهل ، نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة ، وقال : لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه فنزلت الآية. وقيل : إن ذلك عام في كل عاص فاسق وكافر منهم أي من الناس ، أي لا تطع من يدعوك إلى إثم أو كفر. وهذا أولى لزيادة الفائدة ، وعدم التكرير. (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أي أقبل على شأنك من ذكر الله ، والدعاء إليه ،

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢١٠ ، ح ١.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢٢٣.

٣٠١

وتبليغ الرسالة صباحا ومساء أي دائما ، فإن الله مؤيدك ومعينك. والبكرة : أول النهار. والأصيل : العشي ، وهو أصل الليل. (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) دخلت من للتبعيض ، والمعنى : فاسجد له في بعض الليل ، لأنه لم يأمره بقيام الليل كله. وقيل : فاسجد له يعني صلاة المغرب والعشاء (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) أي في ليل طويل يريد التطوع بعد المكتوبة. وروي عن الرضا عليه‌السلام أنه سأله أحمد بن محمد عن هذه الآية وقال : ما ذلك التسبيح؟ قال : صلاة الليل. (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) أي يؤثرون اللذات والمنافع العاجلة في دار الدنيا (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) أي ويتركون أمامهم (يَوْماً ثَقِيلاً) أي عسيرا شديدا. والمعنى أنهم لا يؤمنون به ، ولا يعملون له. وقيل : معنى وراءهم خلف ظهورهم ، وكلاهما محتمل. ثم قال سبحانه : (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) أي قوينا وأحكمنا خلقهم. وقيل : أسرهم أي مفاصلهم. وقيل : أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب. ولو لا إحكامه إياها على هذا الترتيب لما أمكن العمل بها ، والانتفاع منها. وقيل : شددنا أسرهم جعلناهم أقوياء ، وقيل : معناه كلفناهم ، وشددناهم بالأمر والنهي كيلا يجاوزوا حدود الله كما يشد الأسير بالقد لئلا يهرب ، (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) أي أهلكناهم وأتينا بأشباههم ، فجعلناهم بدلا منهم ، ولكن نبقيهم إتماما للحجة (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١)) [سورة الإنسان : ٢٩ ـ ٣١]؟!

الجواب / قال أبو الحسن الثالث عليه‌السلام (٢) : «إن الله تبارك وتعالى جعل قلوب الأئمة عليهم‌السلام موارد لإرادته ، وإذا شاء شيئا شاءوه ، وهو قوله تعالى :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(٢) أي محمد الجواد عليه‌السلام.

٣٠٢

(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(١).

وقال محمد بن الفضيل قلت لأبي الحسن الماضي عليه‌السلام : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ)؟ قال : «في ولايتنا (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ألا ترى أن الله يقول : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٢) ـ قال : ـ إن الله أعزّ وأمنع من أن يظلم ، وأن ينسب نفسه إلى الظلم ، ولكن الله خلطنا بنفسه ، فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته ، ثم أنزل بذلك قرآنا على نبيه [فقال] : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٣)» قلت : هذا تنزيل. قال : «نعم» (٤).

وقال ابن شهر آشوب : قال الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) : «الرحمة : علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (٥).

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ص ٦٥.

(٢) البقرة : ٥٧.

(٣) النحل : ١١٨.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٣٦٠ ، ح ٩١.

(٥) المناقب : ج ٣ ، ص ٩٩.

٣٠٣
٣٠٤

سورة المرسلات

* س ١ : ما هو فضل سورة المرسلات؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ والمرسلات عرفا ، عرف الله بينه وبين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة ، كتب أنه ليس من المشركين بالله ، ومن قرأها في محاكمة بينه وبين أحد قوّاه الله على خصمه وظفر به» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من قرأها في حكومة قوي على من يحاكمه ، وإذا كتبت ومحيت بماء البصل ، ثم شربه من به وجع في بطنه ، زال عنه بإذن الله تعالى» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢١.

(٢) خواص القرآن : ص ١٢ «مخطوط».

(٣) البرهان : ج ١٠ ، ص ١٤٩.

٣٠٥

يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤)) [سورة المرسلات : ١ ـ ٣٤]؟!

الجواب / أقول : قوله : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) : أي أقسم بالملائكة المرسلة تباعا إلى الأنبياء «والملائكة المرسلين بالمناهج المعروفة».

وقال علي بن إبراهيم : الآيات يتبع بعضها بعضا ، (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) قال : القبر (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) قال : نشر الأموات (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) قال : الدابّة (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) قال : الملائكة.

قوله تعالى : (عُذْراً أَوْ نُذْراً) أي أعذركم وأنذركم بما أقول ، وهو قسم وجوابه (إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ) ، قوله تعالى : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) قال : يذهب نورها وتسقط (١).

قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) «طمسها : ذهاب ضوئها» وأما قوله : (إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) يقول : «منتهى الأجل» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) قال : تنفرج وتنشقّ (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) أي تقلع (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) ، قال : بعثت في أوقات مختلفة (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٠.

٣٠٦

وقال الطبرسي ، قال الصادق عليه‌السلام : «أقّتت ، أي بعثت في أوقات مختلفة» (١).

وقال علي بن إبراهيم : (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) قال : أخّرت (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) ، قوله : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) قال : منتن (فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) قال : في الرّحم ، قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً. أَحْياءً وَأَمْواتاً) قال : الكفات : المساكن ، وقال : نظر أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجوعه من صفّين إلى المقابر ، فقال : «هذه كفات الأموات» أي مساكنهم ، ثم نظر إلى بيوت الكوفة ، فقال : «هذه كفات الأحياء» ثم تلا قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً)(٢).

وقال حماد بن عيسى : نظر أبو عبد الله عليه‌السلام ، إلى المقابر ، فقال : «يا حماد ، هذه كفات الأموات» ونظر إلى البيوت فقال : «هذه كفات الأحياء» وتلا (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً).

وروي أنه دفن الشعر والظّفر (٣).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) : جبال مرتفعة (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) أي عذبا ، وكلّ عذب من الماء فهو فرات ، قوله تعالى : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ)(٤) قال : فيه ثلاث شعب من النار ، قوله تعالى : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ)(٥) ، قال : شرر النار كالقصور والجبال ، قوله تعالى : (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ)(٦) ، أي سود (٧).

وقال شرف الدين النجفي : روي بحذف الإسناد مرفوعا إلى العباس بن

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٦٢٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٠.

(٣) معاني الأخبار : ص ٣٤٢ ، ح ١.

(٤) المرسلات : ٣٠.

(٥) المرسلات : ٣٢.

(٦) المرسلات : ٣٣.

(٧) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٠.

٣٠٧

إسماعيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) ، [قال] : «يعني الأول والثاني (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) قال : الثالث والرابع والخامس (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) من بني أميّة ، وقوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بأمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام» (١).

وقال محمد بن الفضيل قلت لأبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)؟ قال : «يقول : ويل للمكذبين ـ يا محمد ـ بما أوحيت إليك من ولاية عليّ (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) ، قال : الأوّلين : الذين كذبوا الرسل في طاعة الأوصياء (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) ، قال : من أجرم إلى آل محمد وركب من وصيه ما ركب».

قلت : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ)(٢)؟ قال : «نحن والله وشيعتنا ، ليس على ملّة إبراهيم غيرنا ، وسائر الناس منها براء» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا لاذ الناس من العطش ، قيل لهم : (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : فإذا أتوه قال لهم : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ). وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يعني الثلاثة : فلان وفلان وفلان» (٤) (لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) يعني من لهب العطش» (٥).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧)) [سورة المرسلات : ٣٥ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال حماد بن عثمان : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول [في قول

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٥٤ ، ح ١.

(٢) المرسلات : ٤١.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٦١ ، ح ٩١.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٥٥ ، ح ٤.

(٥) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٥٤ ، ح ٣.

٣٠٨

الله تبارك وتعالى] : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) ، فقال : «الله أجل وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر لا يدعه يعتذر به ، ولكن فلج (١) ، فلم يكن له عذر» (٢).

أقول : ثم يعيد تعالى في نهاية هذا المقطع قوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠)) [سورة المرسلات : ٣٨ ـ ٤٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ)(٣) بين أهل الجنة والنار ، وقيل : هذا يوم الحكم والقضاء بين الخلق والانتصاف للمظلوم من الظالم ، وفصل القضاء يكون في الآخرة على ظاهر الأمر وباطنه ، بخلاف الدنيا ، لأن القاضي يحكم على ظاهر الأمر في الدنيا ، ولا يعرف البواطن (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) يعني مكذبي هذه الأمة مع مكذبي الأمم قبلها ، يجمع الله سبحانه الخلائق في يوم واحد ، وفي صعيد واحد (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) أي إن كانت لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم. وقيل : إن هذا توبيخ من الله تعالى للكفار ، وتقريع لهم ، وإظهار لعجزهم عن الدفع عن أنفسهم ، فضلا عن أن يكيدوا غيرهم ، وإنما هو على أنكم كنتم تعملون في دار الدنيا ما يغضبني ، فالآن عجزتم عن ذلك ، وحصلتم على وبال ما عملتم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بهذا (٤).

__________________

(١) أي صار مغلوبا بالحجة.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ١٧٨ ، ح ٢٠٠.

(٣) قد مر تفسيره سابقا عن طريق رواية اهل البيت عليهم‌السلام.

(٤) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢٣٥.

٣٠٩

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)) [سورة المرسلات : ٤١ ـ ٥٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ) قال : ظلال من نور أنور من الشمس ، قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) قال : إذا قيل لهم : تولوا الإمام لم يتولوه ، ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) بعد هذا الذي أحدثك به (يُؤْمِنُونَ)(١).

وقال أبو حمزة الثمالي : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) ، قال : «هي في بطن القرآن : وإذا قيل للنّصّاب تولوا عليا لا يفعلون» (٢).

وقال ابن شهرآشوب : عن تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان ، عن مجاهد وابن عباس : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ) من اتقى الذنوب : علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهما‌السلام في ظلال من الشجر والخيام من اللؤلؤ ، طول كل خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ ـ ثم ساق الحديث إلى قوله ـ (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) المطيعين لله أهل بيت محمد في الجنة (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٠.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٥٦ ، ح ٦.

(٣) المناقب : ج ٢ ، ص ٩٤.

٣١٠

سورة النّبأ

* س ١ : ما هو فضل سورة النّبأ؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ عمّ يتساءلون ، لم تخرج سنته ـ إذا كان يدمنها في كل يوم ـ حتى يزور بيت الله الحرام إن شاء الله تعالى» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة وحفظها ، لم يكن حسابه يوم القيامة إلا بمقدار سورة مكتوبة ، حتى يدخل الجنة ، ومن كتبها وعلّقها عليه لم يقربه قمل ، وزادت فيه قوة عظيمة» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من قرأها لمن أراد السهر سهر ، وقراءتها لمن هو مسافر بالليل تحفظه من كل طارق بإذن الله تعالى» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥)) [سورة النّبأ : ١ ـ ٥]؟!

الجواب / قال أبو حمزة الثمالي : قلت : لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ، إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) قال : «ذلك إليّ ، إن شئت أخبرتهم ، وإن شئت لم أخبرهم ـ ثم

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢١.

(٢) خواص القرآن : ص ٢٧ «مخطوط».

(٣) خواص القرآن : ص ١٢ «مخطوط».

٣١١

قال : ـ لكني أخبرك بتفسيرها». قلت : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ)؟ قال : فقال : «هي في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : ما لله عزوجل آية هي أكبر مني ، ولا لله من نبأ أعظم مني» (١).

ورواه الصفار في (بصائر الدرجات) وفي آخر روايته : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ما لله آية هي أكبر مني ، ولا لله من نبأ أعظم مني ، ولقد فرضت ولايتي على الأمم الماضية ، فأبت أن تقبلها (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس فيه خلاف» (٣).

وقال علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي عليهما‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : يا عليّ ، أنت حجة الله ، وأنت باب الله ، وأنت الطريق إلى الله ، وأنت النبأ العظيم ، وأنت الصراط المستقيم ، وأنت المثل الأعلى.

يا عليّ ، أنت إمام المسلمين ، وأمير المؤمنين ، وخير الوصيّين ، وسيد الصديقين. يا عليّ ، أنت الفاروق الأعظم ، وأنت الصديق الأكبر. يا علي ، أنت خليفتي على أمتي ، وأنت قاضي ديني ، وأنت منجز عداتي. يا علي ، أنت المظلوم بعدي. يا علي ، أنت المفارق. يا علي ، أنت المهجور. أشهد الله ومن حضر من أمتي أن حزبك حزبي وحزبي حزب الله ، وأن حزب أعدائك حزب الشيطان» (٤).

ومن طريق المخالفين : ما رواه الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي في

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٦١ ، ح ٣.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٩٦ ، ح ٣.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٥٨ ، ح ٣.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٦ ، ح ١٣.

٣١٢

كتابه المستخرج من تفاسير الإثني عشر ، في تفسير قوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) يرفعه إلى السّدي ، قال : أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا محمد ، هذا الأمر من بعدك لنا أم لمن؟ قال : «يا صخر ، الإمر من بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى» فأنزل الله : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) منهم المصدّق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذب بها ، ثم قال : (كَلَّا) وهو رد عليهم (سَيَعْلَمُونَ) سيعرفون خلافته إذ يسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى يومئذ أحد في شرق الأرض ولا غربها ، ولا في برّ ولا بحر ، إلا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين وخلافته بعد الموت ، يقولان للميّت : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك؟ (١).

وذكر صاحب (النخب) بإسناده إلى علقمة : أنه خرج يوم صفين رجل من عسكر الشام ، وعليه سلاح ، وفوقه مصحف ، وهو يقرأ : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) فأردت البراز إليه ، فقال لي عليّ عليه‌السلام : «مكانك» وخرج بنفسه فقال له : «أتعرف النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون؟». قال : لا. فقال له عليّ عليه‌السلام : «أنا ـ والله ـ النبأ العظيم الذي فيه اختلفتم ، وعلى ولايته تنازعتم ، وعن ولايتي رجعتم بعدما قبلتم ، وببغيكم هلكتم بعدما بسيفي نجوتم ، ويوم الغدير قد علمتم ، ويوم القيامة تعلمون ما علمتم» (٢) ثم علاه بسيفه ، فرمى برأسه ويده (٣).

وفي رواية الأصبغ بن نباتة : أن عليا عليه‌السلام قال : «والله ، أنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ، كلا سيعلمون ، ثم كلا سيعلمون حين أقف بين الجنة

__________________

(١) اليقين : ص ١٥١.

(٢) في بحار الأنوار : ص ٣٦ ، ح ٢ ، ٤ : ملتم.

(٣) مناقب ابن شهر آشوب : ج ٣ ، ص ٧٩.

٣١٣

والنار ، وأقول : هذا لي ، وهذا لك» (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢)) [سورة النّبأ : ٦ ـ ١٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، قوله : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) : يمهد فيها الإنسان مهدا (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) أي أوتاد الأرض (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) ، قال : يلبس على النهار (٢).

وقال ابن بابويه : بإسناده ، عن يزيد بن سلام ، أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخبرني لم سمي الليل ليلا؟ قال : «لأنّه يلايل (٣) الرجال من النساء ، جعله الله عزوجل إلفة ولباسا ، وذلك قول الله عزوجل : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً). قال : صدقت (٤).

وقال الشيخ الطبرسي : قوله (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) المعاش العيش أي : جعلناه مطلب معاش أي مبتغي معاش ، وقيل : معناه وجعلنا النهار وقت معاشكم لتنصرفوا في معاشكم ، أو موضع معاشكم ، تبتغون فيه من فضل ربكم. (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً) أي سبع سموات (شِداداً) محكمة أحكمنا صنعها ، وأوثقنا بناءها (٥).

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب : ج ٣ ، ص ٨٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠١.

(٣) قال المجلسي (رحمه‌الله) : يظهر منه أن الملايلة كان في الأصل بمعنى الملابسة أو نحوها ، وليس هذا المعنى فيما عندنا من كتب اللغة : «البحار : ج ٩ ، ص ٣٠٦».

(٤) علل الشرائع : ص ٤٧٠ ، ح ٣٣.

(٥) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢٤٠.

٣١٤

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧)) [سورة النّبأ : ١٣ ـ ١٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) ، قال : الشمس المضيئة (١).

وقال عاصم بن حميد : ذاكرت أبا عبد الله عليه‌السلام فيما يروون من الرؤية؟ فقال : «الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر ، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) : من السحاب (ماءً ثَجَّاجاً) ، قال : صبّ على صبّ. قوله : (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) ، قال : بساتين ملتفة الشجر (٣).

أقول : قوله تعالى : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) يعتبر نتيجة لما تعرضت له الآيات السابقة ... والتعبير ب «يوم الفصل» يحمل بين ثناياه إشارات كثيرة ، فسيحدث في ذلك اليوم : انفصال الحق عن الباطل وانفصال المؤمنين الصالحين عن المجرمين ، وانفصال الوالدين عن أولادهم ، والأخ عن أخيه ...

و «الميقات» : من الوقت ، كالميعاد من الوعد ، بمعنى الوقت المعين والمقرر ، وإنما سميت الأماكن التي يحرم منها حجاج بيت الله الحرام بالمواقيت لأن الاجتماع فيها يكون في وقت معين.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠١.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٧٦ ، ح ٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠١.

٣١٥

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨)) [سورة النّبأ : ١٨]؟!

الجواب / أقول : قد ذكرنا سابقا حديث النفخ في الصور.

وجاء في (جامع الأخبار) : عن ابن مسعود ، قال : كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : «إنّ في القيامة خمسين موقفا ، كلّ موقف ألف سنة ، فأوّل موقف خرج من قبره [جلسوا ألف سنة عراة حفاة جياعا عطاشا ، فمن خرج من قبره مؤمنا] بربّه ، مؤمنا بجنّته وناره ، مؤمنا بالبعث والحساب والقيامة ، مقرّا بالله ، مصدّقا بنبيه وبما جاء [به] من عند الله عزوجل نجا من الجوع والعطش ، قال الله تعالى : (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) ، من القبور إلى الموقف [أمما] ، كلّ أمة مع إمامهم» وقيل : جماعة مختلفة (١).

وعن معاذ ، أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن القيامة؟ فقال : «يا معاذ ، سألت عن أمر عظيم من الأمور ، وقال : تحشر عشرة أصناف من أمتي : بعضهم على صورة القردة ، وبعضهم على صورة الخنازير ، وبعضهم على وجوههم منكسون ، أرجلهم فوق رؤوسهم ليحبوا عليها ، وبعضهم عميا ، وبعضهم صما بكما ، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلات على صدورهم ، يسيل منها القيح ، يتقذرهم أهل الجمع ، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ، وبعضهم مصلبون على جذوع من نار ، وبعضهم أشد نتنا من الجيفة ، وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم.

فأما الذين على صورة القردة فالعتاة من الناس ، وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السّحت ، وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الرّبا ، وأما العمي فالذين يجورون في الحكم ، وأما الصم والبكم فالمعجبون بأعمالهم ، والذين

__________________

(١) جامع الأخبار : ص ١٧٦.

٣١٦

يمضغون ألسنتهم العلماء والقضاة الذين خالفت أعمالهم أقوالهم ، وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران ، وأما المصلبون على جذوع من نار فالسّعاة بالناس إلى السلطان ، وأما الذين أشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ، ويمنعون حق الله في أموالهم ، وأما الذين يلبسون جبابا من نار ، فأهل الكبر والفخر والخيلاء (١)» (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤)) [سورة النّبأ : ١٩ ـ ٢٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) ، قال : تفتح أبواب الجنان ، قوله تعالى : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) قال : تسير الجبال مثل السراب الذي يلمع في المفاوز ، قوله تعالى : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) قال : قائمة (لِلطَّاغِينَ مَآباً) أي منزلا ، قوله : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) ، قال : الأحقاب : السنين ، والحقب : سنة (٣) ، والسنة : ثلاثمائة وستون يوما ، واليوم كألف سنة مما تعدّون (٤).

وقال حمران بن أعين : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) ، قال : «هذه في الذين لا يخرجون

__________________

(١) في طبعة أخرى : والفجور والبخلاء.

(٢) جامع الأخبار : ص ١٧٦.

(٣) في طبعة : ثمانون سنة ، ويطلق الحقب في اللغة على السنة ، وعلى الدهر ، وعلى الثمانين سنة.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠١ ، ٤٠٢.

٣١٧

من النار» (١).

وقال علي بن إبراهيم القمّي : البرد : النوم (٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠)) [سورة النّبأ : ٢٥ ـ ٣٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (إِلَّا حَمِيماً) وهو الماء الحار ، الشديد الحر (وَغَسَّاقاً) وهو صديد أهل النار (جَزاءً وِفاقاً) أي وافق عذاب النار الشرك ، لأنهما عظيمان ، فلا ذنب أعظم من الشرك ، ولا عذاب أعظم من النار ، وقيل : جوزوا جزاء وفق أعمالهم ، والوفاق : الجاري على المقدار ، فالجزاء وفاق لأنه جار على مقدار الأعمال في الاستحقاق. (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) أي فعلنا ذلك بهؤلاء الكفار لأنهم كانوا لا يخافون أن يحاسبوا ، والمعنى : كانوا لا يؤمنون بالبعث ، ولا بأنهم محاسبون ... وقيل : لا يرجون المجازاة على الأعمال ، ولا يظنون أن لهم حسابا. وقال الهذلي في الرجاء بمعنى الخوف. إذا لسعته النحل ، لم يرج لسعها ، وخالفها في بيت نوب عواسل (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بما جاءت به الأنبياء. وقيل : بالقرآن. وقيل : بحجج الله ، ولم يصدقوا بها (كِذَّاباً) أي تكذيبا (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) أي وكل شيء من الأعمال بيناه في اللوح المحفوظ ، ومثله (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ). وقيل : معناه وكل شيء من أعمالهم وحفظناه لنجازيهم به. ثم بين أن ذلك الإحصاء والحفظ ، وقع بالكتابة ، لأن الكتابة

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠١ ، ٤٠٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠١ ، ٤٠٢.

٣١٨

أبلغ في حفظ الشيء من الإحصاء. ويجوز أن يكون (كِتاباً) حالا مؤكدة أي أحصيناه في حال كونه مكتوبا عليهم ، والكتاب بمعنى المكتوب. (فَذُوقُوا) أي فقيل لهؤلاء الكفار ذوقوا ما أنتم فيه من العذاب. (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) لأن كل عذاب يأتي بعد الوقت الأول ، فهو زائد عليه (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤)) [سورة النّبأ : ٣١ ـ ٣٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمّي : وقوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) : يفوزون ، وقوله تعالى : (وَكَواعِبَ أَتْراباً) قال : جوار أتراب لأهل الجنّة (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «أمّا قوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) فهي الكرامات ، وقوله تعالى : (وَكَواعِبَ) الفتيات النواهد» (٣).

أقول : ومن مفردات الفوز والسعادة : (حَدائِقَ وَأَعْناباً).

«الحدائق» : جمع حديقة ، وهي قطعة أرض مزروعة بالورود والأشجار ومحاطة بسور لحفظها ، ويقول الراغب في مفرداته ، الحديقة قطعة من الأرض ذات ماء ، سميت تشبيها بحدقة العين في الهيئة وحصول الماء فيها.

أمّا ذكر العنب دون بقية الفواكه فلما له من مزايا تفضله على بقية الفواكه ، وقد روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خصوص العنب أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «خير فواكهكم العنب».

وقال علي بن إبراهيم القمي. قوله : (وَكَأْساً دِهاقاً) أي : ممتلئة.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٢.

٣١٩

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧)) [سورة النّبأ : ٣٥ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (لا يَسْمَعُونَ فِيها) أي في الجنة لغوا ، أي كلاما لغوا لا فائدة فيه (وَلا كِذَّاباً) ولا تكذيب بعضهم لبعض. ومن قرأ بالتخفيف يريد ولا مكاذبة. وقيل : كذبا (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ) أي فعل بالمتقين ما فعل بهم جزاء من ربك على تصديقهم بالله ونبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (عَطاءً) أي أعطاهم الله عطاء (حِساباً) أي كافيا. وقيل : حسابا أي كثيرا. وقيل حسابا على قدر الاستحقاق ، وبحسب العمل. قال الزجاج : معناه ما يكفيهم أي : إن فيه ما يشتهون (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ) مر ذكره ، والمعنى : إن الذي يفعل بالمؤمنين ما تقدم ذكره هو رب السماوات والأرض ، ومدبرهما ، ومدبر ما بينهما ، والمتصرف فيهما على ما يشاء الرحمن المنعم على خلقه ، مؤمنهم وكافرهم. (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) أي لا يملكون أن يسألوه إلا فيما أذن لهم فيه ، كقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) وقوله : (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) والخطاب : توجيه الكلام إلى مدرك له بصيغة منبئة عن المراد على طريقة أنت وربك. قال مقاتل : لا يقدر الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨)) [سورة النّبأ : ٣٨]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : الرّوح : ملك أعظم من جبرائيل

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢٤٧.

٣٢٠