التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

الأئمة عليهم‌السلام من عند ربهم مما يحدث بالليل والنهار ، وهو الروح الذي مع الأئمة عليهم‌السلام يسددهم».

قال : و (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) قال : «ذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) قال : الملائكة ، قال : في قوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) ، قال : النطفة التي تخرج بقوة (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) ، قال : الصّلب للرجل ، والترائب للمرأة ، وهي عظام صدرها (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) كما خلقه من نطفة يقدر أن يرده إلى الدنيا وإلى يوم القيامة (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) ، قال : يكشف عنها (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) قال : ذات المطر (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) أي ذات النبات ، وهو قسم ، وجوابه : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) يعني ماض ، أي قاطع (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) أي ليس بالسخرية (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) أي يحتالون الحيل (وَأَكِيدُ كَيْداً) فهو من الله العذاب (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) ، قال : دعهم قليلا (٢).

ثم قال علي بن إبراهيم : حدثنا جعفر بن أحمد ، عن عبد الله بن موسى ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، في قوله : (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) ، قال : «ما له قوة يقوي بها على خالقه ، ولا ناصر من الله ينصره ، إن أراد به سوءا».

قلت : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً) قال : «كادوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكادوا عليا عليه‌السلام ، وكادوا فاطمة عليها‌السلام ، فقال الله : يا محمد (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) يا محمد (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) لوقت بعث القائم عليه‌السلام فينتقم لي من الجبابرة والطواغيت من قريش وبني أمية وسائر الناس» (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٦.

٣٨١
٣٨٢

سورة الأعلى

* س ١ : ما هو فضل سورة الأعلى؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) في فريضة أو نافلة ، قيل له يوم القيامة : ادخل من أي أبواب الجنة إن شاء الله» (١).

وقال الطبرسي : روى العياشي بإسناده ، عن أبي خميصة ، عن علي عليه‌السلام ، قال : صلّيت خلفه عشرين ليلة ، فليس يقرأ إلا (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، وقال : «لو تعلمون ما فيها لقرأها الرجل كل يوم عشرين مرة ، وإن من قرأها فكأنما قرأ صحف موسى وإبراهيم الذي وفّى» (٢).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعطاه الله من الأجر بعدد كلّ حرف أنزل على إبراهيم وموسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا قرئت على الأذن الوجعة زال ذلك عنها ، وإن قرئت على البواسير قلعتهن وبرىء صاحبهنّ سريعا» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠)

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٢.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٧١٧.

(٣) خواص القرآن : ص ٣٠ «مخطوط».

٣٨٣

وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)) [سورة الأعلى : ١ ـ ١٥]؟!

الجواب / روى جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه عليه‌السلام ، أنه قال : (في العرش تمثال جميع ما خلق الله في البرّ والبحر ، وهذا تأويل قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ)(١) وإنّ بين القائمة من قوائم العرش ، والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع مسيرة ألف عام ، والعرش يكسى كلّ يوم سبعين ألف لون من النور ، لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله.

والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة ، وإن لله ملكا يقال له حزقائيل ، له ثمانية عشر ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام ، فخطر له خاطر ، هل فوق العرش شيء؟ فزاده الله مثلها أجنحة أخرى ، فكان له ست وثلاثون ألف جناح ، ما بين الجناح ، إلى الجناح خمسمائة عام ، ثم أوحى الله إليه : أيها الملك طر ، فطار مقدار عشرين ألف عام ، لم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش ، ثم ضاعف الله له في الجناح والقوة وأمره أن يطير ، فطار مقدار ثلاثين ألف عام ، ولم ينل أيضا ، فأوحى الله إليه : أيها الملك ، لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك وقوتك لم تبلغ إلى ساق العرش. فقال الملك : سبحان ربي الأعلى : فأنزل الله عزوجل : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجعلوها في سجودكم» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : قل : سبحان ربي الأعلى وبحمده (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) قال : قدر الأشياء بالتقدير ، ثم هدى إليها من يشاء ، قوله : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) ، قال : أي النبات (فَجَعَلَهُ) بعد إخراجه (غُثاءً أَحْوى) ، قال : يصير هشيما بعد بلوغه ويسودّ ، قوله :

__________________

(١) الحجر : ٢١.

(٢) روضة الواعظين : ص ٤٧.

٣٨٤

(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) أي نعلمك فلا تنسى ، فقال : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) لأنه لا يؤمن النسيان اللغوي ، وهو الترك ، لأنّ الذي لا ينسى هو الله (١).

وقال علي بن إبراهيم : قال ابن عباس ، في قوله : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) يريد ما يكون إلى يوم القيامة في قلبك ونفسك (وَنُيَسِّرُكَ) يا محمد في جميع أمورك (لِلْيُسْرى)(٢).

وقال علي بن إبراهيم : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى فَذَكِّرْ) يا محمد (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) ، قال : نذكّرك إياه (٣) ، قال : (وَيَتَجَنَّبُهَا) يعني ما يتذكّر به (الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) ، قال : نار يوم القيامة (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) يعني في النار ، فيكون كما قال [الله] تعالى : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ)(٤).

قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) قال : زكاة الفطرة ، إذا أخرجها قبل صلاة العيد (٥).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنها من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمدا ، ومن صلّى ولم يصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له ، إنّ الله عزوجل بدأ بها قبل الصلاة ، فقال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)(٦).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٧.

(٣) كذا ، والظاهر أنه تصحيف : بتذكيرك إياه.

(٤) إبراهيم : ١٣.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٧.

(٦) التهذيب : ج ٢ ، ص ١٥٩ ، ح ٦٢٥.

٣٨٥

وقال عبيد الله بن عبد الله الدّهقان : دخلت على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فقال لي : «ما معنى قوله : (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)؟.

قلت : كلما ذكر اسم ربه قام فصلى ، فقال لي : «لقد كلّف الله عزوجل هذا شططا!».

فقلت : جعلت فداك ، فكيف هو؟ ، فقال : «كلما ذكر اسم ربه صلى على محمد وآله» (١).

وقال علي بن إبراهيم القمّي : (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ، صلاة الظهر والأضحى (٢).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩)) [سورة الأعلى : ١٦ ـ ١٩]؟!

الجواب / قال المفضّل بن عمر : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، قوله عزوجل : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا)؟ قال : «ولايتهم». (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) ، قال : «ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى)(٣).

وقال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «ولاية علي عليه‌السلام مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولن يبعث الله رسولا إلا بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّة علي عليه‌السلام» (٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «الصحف هي الألواح» (٥).

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٥٩ ، ح ١٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٧.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٥ ، ح ٣٠.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٣٦٣ ، ح ٦.

(٥) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٨٥ ، ح ٢.

٣٨٦

تفسير سورة

الغاشية ـ الفجر

البلد

رقم السورة

ـ ٨٨ ـ ٨٩ ـ ٩٠ ـ

٣٨٧
٣٨٨

سورة الغاشية

* س ١ : ما هو فضل سورة الغاشية؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من أدمن قراءة (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) في فريضة أو نافلة ، غشاه الله برحمته في الدنيا والآخرة ، وآتاه الأمن يوم القيامة من عذاب النار» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة حاسبه الله حسابا يسيرا ، ومن قرأها على مولود بشرا وغيره ، صارخ أو شارد ، سكّنته وهدأته» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من قرأها على ضرس يؤلم ويضرب سكن بإذن الله تعالى ، ومن قرأها على ما يأكله أمن ما فيه ورزقه الله السلامة فيه» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً (٤) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢)) [سورة الغاشية : ١ ـ ١٢]؟!

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٢.

(٢) خواص القرآن : ص ١٤ «مخطوط».

(٣) خواص القرآن : ص ١٤ «مخطوط».

٣٨٩

الجواب / قال محمد ، عن أبيه : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ)؟ قال : «يغشاهم القائم بالسيف» ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الذين يغشون الإمام» (١).

قال : قلت : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ)؟ قال : «خاضعة لا تطيق الامتناع».

قال : قلت : (عامِلَةٌ)؟ قال : «عملت بغير ما أنزل الله».

قال : قلت : (ناصِبَةٌ)؟ قال : «نصبت غير ولاة الأمر».

قال : قلت : (تَصْلى ناراً حامِيَةً)؟ قال : «تصلى نار الحرب في الدنيا على عهد القائم وفي الآخرة نار جهنم» (٢).

وقال عمرو ابن أبي المقدام : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «كل ناصب ـ وإن تعبد واجتهد ـ منسوب إلى هذه الآية (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً) ، وكلّ ناصب مجتهد فعمله هباء» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا يبالي الناصب صلى أم زنى ، وهذه الآية نزلت فيهم : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً)(٤).

وقال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) يعني قد أتاك ـ يا محمد ـ حديث القيامة ، ومعنى الغاشية أي تغشى الناس (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) قال : نزلت في النصاب ، وهم الذين خالفوا دين الله وصلوا وصاموا ، ونصبوا لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو قوله تعالى : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) عملوا ونصبوا فلا يقبل منهم شيء من أفعالهم

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ١٧٩ ، ح ٢٠١.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٥٠ ، ح ١٣.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٢١٣ ، ح ٢٥٩.

(٤) الكافي : ج ٨ ، ص ١٦٠ ، ح ١٦٢.

٣٩٠

(تَصْلى) وجوههم (ناراً حامِيَةً تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) ، قال : لها أنين من شدّة حرها (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) قال : عرق أهل النار ، وما يخرج من فروج الزواني (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ).

ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا ينفعهم الدخول ولا يغنيهم القعود ـ» (١).

ثم ذكر أتباع أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ لِسَعْيِها راضِيَةٌ) يرضى الله بما سعوا فيه.

ـ وروي عن أهل البيت عليهم‌السلام : هم شيعة آل محمد (صلوات الله عليهم)» ـ (٢).

(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) ، قال : الهزل والكذب (٣).

أقول : وبعد ذكر القرآن لما يتمتع به أهل الجنة من نعمة روحية ، يبين بعض النعم المادية في الجنة : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ). ظاهر كلمة «عين» في الآية ، إنها عين واحدة بدليل مجيئها نكرة ، إلا أنه بالرجوع إلى بقية الآيات في القرآن الكريم ، يتبين لنا إنّها للجنس ، فهي والحال هذه تشمل عيونا مختلفة ، ومن قرائن ذلك ما جاء في الآية (١٥) من سورة الذاريات : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ). وقيل : في كلّ قصر من قصور أهل الجنة ، ثمة «عين جارية» ، وهو المراد في الآية.

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١)

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ١٧٩ ، ح ٢٠١.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٨٧ ، ح ٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٨.

٣٩١

لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦)) [سورة الغاشية : ١٣ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قال ابن عباس ، في قوله تعالى : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) ، ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت ، تجري من تحتها الأنهار (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) يريد الأباريق التي ليس لها آذان (١).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) ، قال : البسط والوسائد (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) ، قال : كل شيء خلقه الله في الجنة له مثال في الدنيا إلا الزرابي فإنه لا يدرى ما هي (٢).

ثم قال علي بن إبراهيم : ورجع إلى رواية عطاء ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) يريد الأنعام ، قوله تعالى : (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) يقول [الله] عزوجل : هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل ، ويرفع مثل السماء ، وينصب مثل الجبال ، ويسطح مثل الأرض غيري ، أو يفعل مثل هذا الفعل [أحد] سواي؟ قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) أي فعظ ـ يا محمد ـ إنما أنت واعظ (٣).

ثم قال علي بن إبراهيم : في قوله : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) ، قال : لست بحافظ ولا كاتب عليهم (٤).

قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (إِلَّا

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٨.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٩.

٣٩٢

مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) : «يريد من لم يتعظ ولم يصدق وجحد ربوبيتي وكفر نعمتي (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) يريد الغليظ الشديد الدائم (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) ، أي يريد مصيرهم ـ وقيل مرجعهم ـ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ)(١).

وقال الصادق عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) : «إذا حشر الله الناس في صعيد واحد ، أجّل الله أشياعنا أن يناقشهم في الحساب ، فنقول : إلهنا ، هؤلاء شيعتنا. فيقول الله عزوجل : قد جعلت أمرهم إليكم وشفعتكم فيهم ، وغفرت لمسيئهم ، أدخلوهم الجنّة بغير حساب» (٢).

وفي رواية أخرى قال عليه‌السلام : «إذا كان يوم القيامة وكلنا بحساب شيعتنا ، فما كان لله سألنا الله أن يهبه لنا ، فهو لهم ، وما كان للآدميين سألنا الله أن يعوّضهم بدله ، فهو لهم ، وما كان لنا فهو لهم». ثم قرأ : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ)(٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٩.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٨٨ ، ح ٦.

(٣) نفس المصدر ، ج ٢ ، ص ٧٨٨ ، ح ٤.

٣٩٣
٣٩٤

سورة الفجر

* س ١ : ما هو فضل سورة الفجر؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم ، فإنها سورة الحسين بن علي عليهما‌السلام ، من قرأها كان مع الحسين عليه‌السلام يوم القيامة في درجته من الجنّة ، إن الله عزيز حكيم» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة غفر الله له بعدد من قرأها ، وجعل له نورا يوم القيامة ، ومن كتبها وعلقها على وسطه ، وجامع زوجته حلالا ، رزقه الله ولدا ذكرا قرة عين» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من قرأها عند طلوع الفجر أمن من كل شيء إلى طلوع الفجر في اليوم الثاني ، ومن كتبها وعلقها على وسطه ثم جامع زوجته يرزقها الله تعالى ولدا تقر به عينه ويفرح به» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤)) [سورة الفجر : ١ ـ ٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قوله عزوجل : (وَالْفَجْرِ) الفجر هو القائم عليه‌السلام : (وَلَيالٍ عَشْرٍ) الأئمة عليهم‌السلام من الحسن إلى الحسن (وَالشَّفْعِ)

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٣.

(٢) خواص القرآن : ص ١٤ «مخطوط».

(٣) خواص القرآن : ص ١٤ «مخطوط».

٣٩٥

أمير المؤمنين وفاطمة عليها‌السلام ، (وَالْوَتْرِ) هو الله وحده لا شريك له : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) هي دولة حبتر ، فهي تسري إلى دولة القائم عليه‌السلام» (١).

وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الشفع هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام ، والوتر هو الله الواحد القهّار عزوجل» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : ليس فيها (واو) وإنما هو (الفجر وليال عشر) قال : عشر ذي الحجة (وَالشَّفْعِ) قال : ركعتان (وَالْوَتْرِ) ركعة (٣).

قال : وفي حديث آخر قال عليه‌السلام : الشّفع الحسن والحسين ، والوتر أمير المؤمنين عليهم‌السلام (٤).

وقال الطبرسي : الشفع يوم النحر ، والوتر [يوم] عرفة ، قال : وهي رواية جابر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال : والوجه فيه أن يوم النحر يشفع بيوم نفر بعده ، وينفرد يوم عرفة [بالموقف ، وقيل : الشفع يوم التروية ، والوتر يوم عرفة] وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (٥).

وقال علي بن إبراهيم : قوله (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) : هي ليلة جمع (٦).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٩٢ ، ح ١.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٩٢ ، ح ٣.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٩.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٩.

(٥) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٧٣٦.

(٦) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٩ ، وجمع : هو المزدلفة ، سمي جمعا لاجتماع الناس به. «معجم البلدان : ج ٢ ، ص ١٦٢».

٣٩٦

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠)) [سورة الفجر : ٥ ـ ١٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم قال تعالى : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) ، يقول : لذي عقل. (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) ، قال : هي ليلة جمع (١).

ثم قال علي بن إبراهيم : قال الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) ، ثم مات عاد ، وأهلك الله قومه بالريح الصّرصر.

قوله تعالى : (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) ، أي حفروا الجوبة (٢) ، في الجبال ، قوله تعالى : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) عمل الأوتاد التي أراد أن يصعد بها إلى السماء (٣).

وقال أبان الأحمر : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) لأي شيء سمي ذا الأوتاد؟ قال : «لأنه كان إذا عذب رجلا بسطه على الأرض على وجهه ، ومد يديه ورجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض ، وربما بسطه على خشب منبسط فوتد رجليه ويديه بأربعة أوتاد ، ثم تركه على حاله حتى يموت ، فسماه الله عزوجل فرعون ذا الأوتاد لذلك» (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٩ ، وجمع : هو المزدلفة ، سمي جمعا لاجتماع الناس به. «معجم البلدان : ج ٢ ، ص ١٦٢».

(٢) الجوبة : الحفرة. «لسان العرب : ج ١ ، ص ٢٨٦».

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٩.

(٤) علل الشرائع : ص ٦٩ ، ح ١.

٣٩٧

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣)) [سورة الفجر : ١١ ـ ١٣]؟!

الجواب / أقول : ينتقل القرآن لعرض ما كانوا يقومون به من أعمال : (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) .. (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ).

الفساد الذي يشمل كلّ أنواع الظلم والاعتداء والانحراف ، والذي هو نتيجة طبيعية من نتائج طغيانهم ، فكلّ من يطغى سيؤول أمره إلى الفساد لا محال.

ويذكر عقابهم الأليم وبعبارة موجزة : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ).

«السوط» : هو الجلد المضفور الذي يضرب به ، وأصل السوط : خلط الشيء بعضه ببعض ، وهو هنا كناية عن العذاب ، العذاب الذي يخلط لحم الإنسان بدمه فيؤذيه أشدّ الإيذاء.

وجاء في كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الامتحان : «والذي بعثه بالحقّ لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوط القدر» (١).

«صب عليهم» : إشارة إلى استمرار نزول العذاب ، ويمكن أن يكون إشارة لتطهير الأرض من الطغاة.

أمّا أنسب معاني «السوط» فهو المعروف بين الناس به.

فعلى إيجاز الآية ، لكنها تشير إلى أنواع العذاب الذي أصابهم ، فعاد أصيبوا بريح بارد ، كما تقول الآية (٦) من سورة الحاقة : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا

__________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة (١٦).

٣٩٨

بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) ، وأهلك قوم ثمود بصيحة سماوية عظيمة ، كما جاء في الآية (٥) من سورة الحاقة أيضا : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) ، والآية (٥٥) من سورة الزخرف تنقل صورة هلاك قوم فرعون : (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤)) [سورة الفجر : ١٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) أي حافظ قائم على كلّ ظالم (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخبر في الروح الأمين أن الله لا إله غيره ، إذا وقف الخلائق وجمع الأولين والآخرين ، أتى بجهنم تقاد بألف زمام ، أخذ بكل زمام مائة ألف ملف من الغلاظ الشداد ، ولها هدّة (٢) وتحطم وزفير وشهيق ، وإنها لتزفر الزفرة ، فلو لا أن الله عزوجل أخرها إلى الحساب لأهلكت الجميع ، ثم يخرج منها عنق يحيط بالخلائق ، البر منهم والفاجر ، فما خلق الله عبدا من عباده ، ملك ولا نبي إلا وينادي : يا رب نفسي نفسي ، وأنت تقول : يا رب أمتي أمتي ، ثم يوضع عليها صراط أدق من الشعر ، وأحدّ من السيف ، عليه ثلاث قناطر : الأولى عليها الأمانة والرّحم ، والثانية عليها الصلاة ، والثالثة عليها رب العالمين لا إله غيره ، فيكلّفون الممر عليها ، فتحبسهم الأمانة والرحم ، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة ، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين جلّ ذكره ، وهو قوله تبارك وتعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٩.

(٢) الهدة : صوت شديد تسمعه من سقوط ركن أو حائط أو ناحية جبل. «لسان العرب : ج ٣ ، ص ٤٣٢».

٣٩٩

والناس على الصراط ، فمتعلق تزل قدمه وتثبت قدمه ، والملائكة حولها ينادون : يا حليم يا كريم ، اعف واصفح وعد بفضلك وسلّم ، والناس يتهافتون فيها كالفراش ، فإذا نجا ناج برحمة الله تبارك وتعالى ، نظر إليها فقال : الحمد لله الذي نجّاني منك بعد يأس بفضله ومنّه إن ربنا لغفور شكور» (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)) [سورة الفجر : ١٥ ـ ٢٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) أي امتحنه بالنعمة (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) أي امتحنه (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أي أفقره (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ)(٢).

وقال الرضا عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) : «أي ضيّق [وقتّر]» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ). أي لا تدعون ، وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم ، وأكلوا أموال اليتامى وفقراءهم وأبناء سبيلهم ، ثم قال : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) أي وحدكم (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) أي تكنزونه ولا

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٣١٢ ، ح ٤٨٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٠.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٠١ ، ح ١.

٤٠٠