التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

وميكائيل ، وكان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مع الأئمة عليهم‌السلام (١).

وقال محمد بن الفضيل : قلت لأبي الحسن الماضي عليه‌السلام : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) ، الآية؟ قال : «نحن والله المأذون لهم يوم القيامة ، والقائلون صوابا».

قلت : ما تقولون إذا تكلّمتم؟ قال : «نحمد ربّنا ، ونصلي على نبينا ، ونشفع لشيعتنا فلا يردّنا ربنا» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا كان يوم القيامة ، وجمع الله الخلائق من الأولين والآخرين في صعيد واحد ، خلع قول لا إله إلا الله من جميع الخلائق إلا من أقرّ بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهو قوله تعالى : «وتلا الآية» (٣).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩)) [سورة النّبأ : ٣٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : قوله (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) الذي لا شك في كونه وحصوله ، يعني القيامة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) أي مرجعا للطاعة ، والمعنى : فمن شاء عمل عملا صالحا يؤوب إلى ربه ، فقد أزيحت العلل ، وأوضحت السبل ، وبلغت الرسل. والمآب : مفعل من الأوب ، وهو الرجوع ... (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٢.

(٢) المحاسن : ص ١٨٣ ، ح ١٨٣.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٦١ ، ح ٩.

(٤) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢٤٨.

٣٢١

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠)) [سورة النّبأ : ٤٠]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) ، قال : في النار ، قوله تعالى : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) ، قال : ترابيا أي علويا. قال : وقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المكنّي أمير المؤمنين عليه‌السلام أبا تراب (١).

وجاء في باطن تفسير أهل البيت عليهم‌السلام ما يؤيد هذا التأويل في تأويل قوله تعالى : (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً)(٢) ، قال : «هو يرد إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فيعذّبه عذابا نكرا ، حتى يقول : يا ليتني كنت ترابا ، أي من شيعة أبي تراب ، ومعنى ربه أي صاحبه» (٣).

وقال عباية بن ربعي : قلت لعبد الله بن عباس : لم كنّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا عليه‌السلام أبا تراب؟ قال : لأنه صاحب الأرض ، وحجّة الله على أهلها بعده ، وبه بقاؤها ، وإليه سكونها ، ولقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنه إذا كان يوم القيامة ، ورأى الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزّلفى والكرامة ، قال : يا ليتني كنت ترابا ، أي من شيعة علي ، وذلك قول الله عزوجل : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً)(٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٢ ، وتأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٦١ ، ح ١٠.

(٢) الكهف : ٨٧.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٦١ ، ح ١١.

(٤) علل الشرائع : ص ١٥٦ ، ح ٣.

٣٢٢

تفسير سورة

النّازعات ـ عبس

التكوير

رقم السورة

ـ ٧٩ ـ ٨٠ ـ ٨١ ـ

٣٢٣
٣٢٤

سورة النّازعات

* س ١ : ما هو فضل سورة النّازعات؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة النازعات ، لم يمت إلا ريانا ، ولم يبعثه الله إلا ريانا ، ولم يدخله الجنة إلا ريانا» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من قرأها وهو مواجه أعداءه لم يبصروه ، وانحرفوا عنه ، ومن قرأها وهو داخل على أحد يخافه نجا منه وأمن بإذن الله تعالى» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤)) [سورة النّازعات : ١ ـ ٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال الطبرسي ، في معنى (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) : أنه يعني الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفار عن أبدانهم بالشدة ، كما يغرق النازع في القوس فيبلغ فيها غاية المدّ ، قال : وروي ذلك عن علي عليه‌السلام (٣).

وقال : وقيل : هو الموت ينزع النفوس ، قال : وروي ذلك عن الصادق عليه‌السلام (٤).

٢ ـ وقال في معنى الناشطات : عن علي عليه‌السلام : «أنها الملائكة تنشط

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢١.

(٢) خواص القرآن : ص ٢٨ «مخطوط».

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٦٥١.

(٤) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٦٥١.

٣٢٥

أرواح الكفار ما بين الجلد والأظفار حتى تخرجها من أجوافهم بالكرب والغمّ» والنّشط : الجذب ، يقال : نشطت الدلو : نزعتها (١).

وقال ابن فهد في (العدة) : في حديث معاذ بن جبل ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال لمعاذ : «لا تمزقن الناس فتمزقك كلاب أهل النار ، قال الله تعالى : (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) ، أفتدري ما الناشطات؟ هي كلاب أهل النار ، تنشط اللحم والعظم» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) : الكفار ينشطون في الدنيا (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) ، قال : المؤمنون الذين يسبحون الله (٣).

ثم قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) : «يعني أرواح المؤمنين تسبق أرواحهم إلى الجنة بمثل الدنيا ، وأرواح الكفار بمثل ذلك إلى النار» (٤).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧)) [سورة النّازعات : ٥ ـ ٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال موسى الكاظم عليه‌السلام : «كان قوم من خواص الصادق عليه‌السلام جلوسا بحضرته في ليلة مقمرة ، فقالوا : يا بن رسول الله ، ما أحسن أديم هذه السماء ، وأنوار هذه النجوم والكواكب! فقال الصادق عليه‌السلام : إنكم لتقولون هذا ، وإن المدبرات أربعة : جبرئيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت عليهم‌السلام ، ينظرون إلى الأرض ، فيرونكم وإخوانكم في أقطار الأرض ، ونوركم إلى السماوات والأرض أحسن من أنوار هذه الكواكب ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٦٥٢.

(٢) عدة الداعي : ص ٢٤٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٢.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٣.

٣٢٦

وإنهم يقولون كما تقولون : ما أحسن أنوار هؤلاء المؤمنين!» (١).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) يوم تنشق الأرض بأهلها ، والرادفة : الصيحة (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الراجفة : الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) ، والرادفة : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأول من ينفض عن رأسه التراب الحسين بن علي عليهما‌السلام في خمسة وسبعين ألفا ، وهو قوله عزوجل : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(٣)» (٤).

وقال ابن شهر آشوب : عن الرضا عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) ، قال : «إذا زلزلت الأرض فأتبعها خروج الدابة».

وقال عليه‌السلام في قوله تعالى : (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ) ، قال : «علي ابن أبي طالب عليه‌السلام» (٥).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦)) [سورة النّازعات : ٨ ـ ١٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) أي خائفة

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٢ ، ح ٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٣.

(٣) المؤمن : ٥١ ، ٥٢.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٦٢ ، ح ١.

(٥) المناقب : ج ٣ ، ص ١٠٢.

٣٢٧

(أَبْصارُها خاشِعَةٌ يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) قال : قالت قريش : أنرجع بعد الموت (إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً)؟ أي بالية (تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) قال : قالوا هذا على حد الاستهزاء ، فقال الله : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) ، قال : الزجرة : النفخة الثانية في الصور ، والساهرة : موضع بالشام عند بيت المقدس (١).

وقال محمد بن عبد الله بن الحسين : دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فجرى بينهما حديث ، فقال أبي لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في الكرّة؟ قال : «أقول فيها ما قال الله عزوجل ، وذلك أن تفسيرها صار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يأتي هذا الحرف بخمس وعشرين ليلة ، قول الله عزوجل : (تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) إذا رجعوا إلى الدنيا ولم يقضوا ذحولهم» (٢).

فقال له أبي : يقول الله عزوجل : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) أيّ شيء أراد بهذا؟ فقال : «إذا انتقم منهم وماتت الأبدان بقيت الأرواح ساهرة لا تنام ولا تموت» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الكرة المباركة النافعة لأهلها يوم الحساب ولايتي واتباع أمري وولاية علي والأوصياء من بعده واتباع أمرهم ، يدخلهم الله الجنة بها ، معي [ومع] علي وصيي والأوصياء من بعده ، والكرة الخاسرة عداوتي وترك أمري وعداوة علي والأوصياء من بعده ، يدخلهم الله بها النار في أسفل السافلين» (٤).

وقال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) يقول : «في الخلق الجديد ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٣.

(٢) الذحل : الثأر.

(٣) مختصر بصائر الدرجات : ص ٢٨.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٦٢ ، ح ٢.

٣٢٨

وأما قوله : (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) والساهرة : الأرض ، كانوا في القبور ، فلما سمعوا الزجرة خرجوا من قبورهم فاستووا على الأرض ، وأما قوله : (بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) [أي] المطهّر ، وأما (طُوىً) فاسم الوادي» (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢)) [سورة النّازعات : ١٧ ـ ٢٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) أي علا وتكبر وكفر بالله ، وتجاوز الحد في الاستعلاء والتمرد والفساد (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) أي تتطهر من الشرك ، وتشهد أن لا إله إلا الله. وهذا تلطف في الاستدعاء ، ومعناه : هل لك رغبة إلى أن تسلم وتصلح وتطهر. (وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ) أي وأدلك إلى معرفة ربك ، وأنه خلقك ورباك. وقيل : وأهديك أي أرشدك إلى طريق الحق الذي إذا سلكته ، وصلت إلى رضاء الله وثوابه (فَتَخْشى) أي فتخافه فتفارق ما نهاك عنه. وفي الكلام حذف تقديره فأتاه ، ودعاه (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) يعني العصا. وقال الحسن : هي اليد البيضاء (فَكَذَّبَ) بأنها من الله (وَعَصى) نبي الله ، وجحد نبوته (ثُمَّ أَدْبَرَ) فرعون أي ولى الدبر ليطلب ما يكسر به حجة موسى في المعجزة العظيمة ، فما ازداد إلا غواية (يَسْعى) أي يعمل بالفساد في الأرض. وقيل : إنه لما رأى الحية في عظمها ، خاف منها ، فأدبر وسعى هربا (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦)) [سورة النّازعات : ٢٣ ـ ٢٦]؟!

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٣.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

٣٢٩

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القمي ، في قوله تعالى : (فَحَشَرَ) يعني فرعون (فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) والنّكال : العقوبة ، والآخرة هو قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ، والأولى قوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي)(١) فأهلكه الله بهذين القولين (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «أنه كان بين الكلمتين أربعون سنة» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام أيضا : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال جبرئيل عليه‌السلام : قلت : يا ربّ ، تدع فرعون وقد قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)! فقال : إنما يقول هذا مثلك من يخاف الموت» (٤).

٢ ـ أقول : ويستخلص القرآن نتيجة القصة : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى).

فتبين الآية بكل وضوح ، إن وسائط سلك طريق الاعتبار مهيئة لمن سرى في قلبه الخوف والخشية من الله ، واعترته مشاعر الإحساس بالمسؤولية ، ومن رأى العبرة بعين معتبرة اعتبر.

نعم .. فقد أغرق فرعون ، وأهلك ملكه ودولته ، وصار درسا شاخصا لكل فراعنة وطواغيت ومشركي الزمان ، وعبرة لمن سار على نهجه الفاسد لكل عصر ومصر ، ولا يجني من سار على خطاه سوى ما جنيت به يداه ، وهي سنّة الله ، ولا تغيير ولا تبديل لسنته جل شأنه.

__________________

(١) القصص : ٣٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٣.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٣.

(٤) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٦٥٦.

٣٣٠

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨)) [سورة النّازعات : ٢٧ ـ ٢٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما قدم سبحانه ما أتى به موسى ، وما قابله به فرعون ، وما عوقب به في الدارين ، عظة لمن كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتحذيرا لهم من المثلات ، خاطب عقيب ذلك منكري البعث فقال : (أَأَنْتُمْ) أيها المشركون المنكرون للبعث (أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) يعني أخلقكم بعد الموت أشد عندكم وفي تقديركم أم السماء ، وهما في قدرة الله تعالى واحد. وهذا كقوله (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ). ثم ابتدأ فبين سبحانه كيف خلق السماء ، فقال : (بَناها) الله تعالى الذي لا يكبر عليه خلق شيء (رَفَعَ سَمْكَها) سقفها ، وما ارتفع منها (فَسَوَّاها) بلا شقوق ولا فطور ولا تفاوت. وقيل : سواها أحكمها ، وجعلها متصرفا للملائكة (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١)) [سورة النّازعات : ٢٩ ـ ٤١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله : (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) أي أظلم. قال الأعشى :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣٦٠ ـ ٣٦١.

٣٣١

ويهماء (١) بالليل غطش الفلاة

يؤنسني صوت فيّادها (٢)

قوله تعالى : (وَأَخْرَجَ ضُحاها) ، قال : الشمس ، قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) قال : بسطها ، (وَالْجِبالَ أَرْساها) أي أثبتها ، ـ أقول : (الطَّامَّةُ) : من (الطم) ، وهو الملأ ، ويطلق بالطامة على كل شيء بلغ حدّه الأعلى ، ولهذا فقد أطلقت على الحوادث المرّة والصعاب الكبار ، وهي في الآية تشير إلى يوم القيامة لما فيها من دواهي تغطي بهولها كل هول ، وأتبعت ب (الْكُبْرى) زيادة في التأكيد على أهمية وخطورة يوم القيامة ـ. قوله : (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) ، قال : يذكر ما عمله كله ، (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) قال : أحضرت ، قوله : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) قال : هو العبد إذا وقف على معصية الله وقدر عليها ثم تركها مخافة الله ونهى النفس عنها فمكافأته الجنّة (٣).

قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ)(٤) : «من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شرّ ، فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال ، فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى» (٥).

قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «إن رجلا ركب البحر بأهله فكسر بهم ، فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل ، فإنها نجت على لوح من ألواح

__________________

(١) اليهماء : الفلاة التي لا ماء فيها ولا علم فيها ولا يهتدى لطرقها. «لسان العرب : ج ١٢ ، ص ٦٤٨».

(٢) الفياد : ذكر اليوم ، ويقال : الصدى. «لسان العرب : ج ٣ ، ص ٣٤١».

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٣.

(٤) الرحمن : ٤٦.

(٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٧ ، ح ١٠.

٣٣٢

السفينة حتى ألجئت إلى جزيرة من جزائر البحر ، وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ، ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها ، فلم يعلم إلا وامرأة قائمة على رأسه ، فرفع رأسه إليها ، فقال : إنسية أم جنية؟ فقالت ؛ إنسية ، فلم يكلمها [كلمة] حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله ، فلما أن همّ بها اضطربت ، فقال [لها] : مالك تضطربين؟ فقالت : أفرق (١) من هذا ـ وأومأت بيدها إلى السماء ـ قال : فصنعت من هذا شيئا؟ قالت : لا وعزته ، قال : فأنت تفرقين [منه] هذا الفرق ، ولم تصنعي من هذا شيئا! وإنما أستكرهك استكراها ، فأنا والله أولى بهذا الفرق والخوف وأحق منك.

قال : فقام ، ولم يحدث شيئا ، ورجع إلى أهله ، وليست له همّة إلا التوبة والمراجعة ، فبينا هو يمشي ، إذ صادفه راهب يمشي في الطريق ، فحميت عليهما الشمس ، فقال الراهب للشاب : ادع الله يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشمس. فقال الشاب : ما [أعلم أن] لي عند ربي حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئا ، قال : فأدعو أنا وتؤمّن أنت؟ قال : نعم ، فأقبل الراهب يدعو والشاب يؤمن ، فما كان بأسرع من أن أظلتهما غمامة ، فمشيا تحتها مليا من النهار ، ثم تفرقت الجادة جادتين ، فأخذ الشاب في واحدة ، وأخذ الراهب في واحدة ، فإذا السحابة مع الشاب ، فقال الراهب : أنت خير مني ، لك استجيب ولم يستجب لي ، فخبرني ما قصتك؟ فخبّره بخبر المرأة ، فقال : غفر الله لك ما مضى حيث دخلك الخوف ، فانظر ما تكون فيما تستقبل» (٢).

أقول : وهذا مصداق آخر من مصاديق هذه الآيات.

قال ابن عباس : (فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) فهو علقمة بن الحارث بن عبد الدار ، وأما من خاف مقام ربه : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، خاف وانتهى عن المعصية ، ونهى عن الهوى نفسه (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى)

__________________

(١) أي أخاف.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٦ ، ح ٨.

٣٣٣

خاصا لعلي ومن كان على منهاج علي ، هكذا عامّا (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)) [سورة النّازعات : ٤٢ ـ ٤٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : قال الصادق عليه‌السلام ، قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) ، «متى تقوم»؟ (٢).

٢ ـ أقول : يوجه الباري خطابه إلى حبيبه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ لا تعلم وقت وقوعها ، وللتأكيد ... تكون صيغة الخطاب : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها).

مما خفي عليك (يا محمد) ، فمن باب أولى أن يخفى على الآخرين ، والعلم بوقت قيام القيامة من الغيب الذي اختصه الله لنفسه ، ولا سبيل لمعرفة ذلك سواه إطلاقا!

٣ ـ قال علي بن إبراهيم : [قال الصادق عليه‌السلام] ، فقال الله : (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) أي علمها (٣).

٤ ـ أقول : قوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) ، إنما تكليفك هو دعوة الناس إلى الدين الحق ، وإنذار من لا يأبى بعقاب أخروي أليم ، وما عليك تعيين وقت قيام الساعة.

٥ ـ [قال الصادق عليه‌السلام] : قوله : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) يوم القيامة (٤)(٥).

أقول : فعمر الدنيا وحياة البرزخ من السرعة في الانقضاء ليكاد يعتقد الناس عند وقوع القيامة ، بأن كل عمر الدنيا والبرزخ ما هو إلا سويعات معدودة.

__________________

(١) المناقب : ج ٢ ، ص ٩٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٤.

(٤) وقيل : بعض يوم.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٤.

٣٣٤

سورة عبس

* س ١ : ما هو فضل سورة عبس؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ عبس وتولّى ، وإذا الشمس كوّرت ، كان تحت جناح الله من الجنان ، وفي ظلّ الله وكرامته ، وفي جناته ، ولم يعظم ذلك على الله إن شاء» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة خرج من قبره يوم القيامة ضاحكا مستبشرا ، ومن كتبها في رقّ غزال وعلقها لم ير إلا خيرا أينما توجّه» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «إذا قرأها المسافر في طريقه يكفى ما يليه في طريقه في ذلك السفر» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠)) [سورة عبس : ١ ـ ١٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : نزلت في عثمان وابن أم مكتوم ، وكان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان أعمى ، فجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢١.

(٢) خواص القرآن.

(٣) البرهان : ج ١٠ ، ص ١٧٩.

٣٣٥

وعنده أصحابه ، وعثمان عنده ، فقدّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عثمان ، فعبس عثمان وجهه وتولى عنه ، فأنزل الله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) [يعني عثمان] (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) أي يكون طاهرا زكيا (أَوْ يَذَّكَّرُ) قال : يذكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى).

ثم خاطب عثمان ، فقال : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) ، قال : أنت إذا جاءك غني تتصدى له وترفعه : (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) أي لا تبالي زكيا كان أو غير زكي ، إذا كان غنيا (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) يعني ابن أم مكتوم (وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) أي تلهو ولا تلتفت إليه (١).

وقال الطبرسي : روي عن الصادق عليه‌السلام : أنها نزلت في رجل من بني أمية ، كان عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء ابن أم مكتوم ، فلما رآه تقذر منه وعبس وجهه وجمع نفسه ، وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك عنه وأنكره عليه» (٢).

وقال الطبرسي أيضا : وروي أيضا عن الصادق عليه‌السلام [أنه] قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال : مرحبا مرحبا ، [والله] لا يعاتبني الله فيك أبدا ، وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكفّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما يفعل [به]» (٣).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦)) [سورة عبس : ١١ ـ ١٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) ، قال :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٤.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٦٦٤.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٦٦٤.

٣٣٦

القرآن (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ) ، قال : عند الله (مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) ، قال : بأيدي الأئمة (كِرامٍ بَرَرَةٍ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ) ، قال : «هم الأئمة عليهم‌السلام» (٢).

وقال بريد بن معاوية العجلي : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ)(٣) ، قال : «هو حديثنا في صحف مطهرة من الكذب» (٤).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣)) [سورة عبس : ١٧ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال أبو أسامة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) ، قلت له : جعلت فداك ، متى ينبغي [له] أن يقضيه؟ قال : «نعم ، نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقوله تعالى (قُتِلَ الْإِنْسانُ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام (ما أَكْفَرَهُ) يعني قاتله بقتله إياه. ـ قال علي بن إبراهيم القمي : أي ما ذا فعل وأذنب حتى قتلوه؟ ـ (٥) ، ثم نسب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فنسب خلقه وما أكرمه الله به ، فقال : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) من نطفة الأنبياء خلقه فقدّره للخير (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) يعني سبيل الهدى ، ثم أماته ميتة الأنبياء (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ). قلت : ما معنى قوله : (إِذا شاءَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٥.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٦٣ ، ح ١.

(٣) البينة : ٢ ـ ٣.

(٤) مختصر بصائر الدرجات : ص ٦٤.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٥.

٣٣٧

أَنْشَرَهُ)؟ قال : «يمكث بعد قتله ما شاء الله ، ثم يبعثه الله ، وذلك قوله : (إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) وقوله تعالى : (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) في حياته ، ثم يمكث بعد قتله في الرجعة» (١).

وقال عليه‌السلام في رواية أخرى : «يمكث بعد قتله في الرجعة ، فيقضي ما أمره» (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢) فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣)) [سورة عبس : ٢٤ ـ ٣٣]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) : «علمه الذي يأخذه عمن يأخذه» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) إلى قوله تعالى : (وَقَضْباً) ، قال : القضب : القتّ ، (وَحَدائِقَ غُلْباً) أي بساتين ملتفة مجتمعة ، (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) قال : الأبّ : الحشيش للبهائم (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ)(٤).

وقال المفيد في (إرشاده) : روي أن أبا بكر سئل عن قول الله تعالى : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) فلم يعرف معنى الأبّ في القرآن ، وقال : أي سماء تظلني ، أم أي أرض تقلني ، أم كيف أصنع إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم؟ أما الفاكهة فنعرفها ، وأما الأب فالله أعلم به ، فبلغ أمير المؤمنين عليه‌السلام مقاله في ذلك ، فقال : «يا سبحان الله! أما علم أن الأب هو الكلأ والمرعى ، وأن قوله :

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٦٤ ، ح ٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٥.

(٣) الاختصاص : ص ٤.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٦.

٣٣٨

(وَفاكِهَةً وَأَبًّا) اعتداد من الله تعالى بإنعامه على خلقه بما غذاهم به وخلقه لهم ، ولأنعامهم مما تحيا به أنفسهم وتقوم به أجسادهم» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الفاكهة مائة وعشرون لونا ، سيدها الرّمان» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) قال : القيامة (٣).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)) [سورة عبس : ٣٤ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال الحسين بن علي عليه‌السلام : «كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالكوفة في الجامع ، إذ قام إليه رجل من أهل الشام ـ وذكر الحديث إلى أن قال فيه ـ وقام رجل فسأله وتعنته ، وقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن قول الله عزوجل : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) من هم؟ ، فقال : هابيل يفر من قابيل ، والذي يفر من أمه موسى ، والذي يفر من أبيه إبراهيم ، يعني الأب المربّي لا الوالد ، والذي يفر من صاحبته لوط ، والذي يفر من ابنه نوح ، يفر من ابنه كنعان» (٤).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) ، قال : شغل يشغله عن غيره (٥).

وفي (بستان الواعظين) : عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال له بعض أهله : يا رسول الله ، هل يذكر الرجل يوم القيامة حميمه؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثلاثة مواطن لا يذكر أحد أحدا : عند الميزان حتى ينظر أيثقل ميزانه أم يخف ، وعند الصراط

__________________

(١) الإرشاد : ص ١٠٧.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٥٢ ، ح ٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٦.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٤٥ ، ح ١.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٦.

٣٣٩

حتى ينظر أيجوزه أم لا ، وعند الصحف حتى ينظر بيمينه يأخذ الصحف أم بشماله ، فهذه ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحد حميمه ولا حبيبه ولا قريبه ولا صديقه ولا بنيه ولا والديه ، وذلك قول الله تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) ، مشغول بنفسه عن غيره من شدّة ما يرى من الأهوال العظام ، نسأل الله تعالى أن يسهلها لنا برحمته ، ويهونها علينا برأفته ولطفه».

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)) [سورة عبس : ٣٨ ـ ٤٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم ذكر عزوجل الذين تولوا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وتبرّءوا من أعدائه ، فقال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ)(١) (ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) ، ثم ذكر أعداء آل الرسول (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ)(٢) (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) أي فقراء من الخير والثواب (٣).

ثم قال علي بن إبراهيم : حدثنا سعيد بن محمد ، قال : حدثنا بكر ابن سهل ، قال : حدثني عبد الغني بن سعيد ، قال : حدثنا موسى بن عبد الرحمن ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ)(٤) يريد منافع لكم ولأنعامكم ، قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) يريد مسودة (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) يريد غبار جهنم (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ (٥) الْفَجَرَةُ)(٦) أي الكافر الجاحد (٧).

__________________

(١) «مسفرة» : من (الأسفار) ، بمعنى الظهور ، كظهور بياض الصبح بعد ظلام الليل.

(٢) غبرة ، من الغبار.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٦.

(٤) عبس : ٣٢.

(٥) «الكفرة» : جمع (كافر) ، والوصف يشير إلى فاسدي العقيدة.

(٦) «الفجرة» : جمع (فاجر) ، والوصف يشير إلى فاسدي العمل.

(٧) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٦.

٣٤٠