والثواب ، وذلك أنهم كانوا يقولون : إن كان بعث وجزاء ، كما يقوله محمد ، فإن حالنا يكون أفضل في الآخرة ، كما في الدنيا ، فأخبر سبحانه أن ذلك لا يكون أبدا. (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) هذا تهجين لهم ، وتوبيخ ، ومعناه : أي عقل يحملكم على تفضيل الكفار حتى صار سببا لإصراركم على الكفر ، ولا يحسن في الحكمة التسوية بين الأولياء والأعداء في دار الجزاء. (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) معناه : بل ألكم كتاب تدرسون فيه ذلك ، فأنتم متمسكون به ، لا تلتفتون إلى خلافه ، فإذا قد عدمتم الثقة بما أنتم عليه وفي الكتاب الذي هو القرآن عليكم أكبر الحجة ، لأنه الدلالة القائمة إلى وقت قيام الساعة ، والمعجزة الشاهدة بصدق من ظهرت على يده (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) فيه وجهان أحدهما : إن تقديره أم لكم كتاب فيه تدرسون ، بأن لكم فيه ما تخيرون ، إلا أنه حذف الباء ، وكسرت (إِنَ) لدخول اللام في الخبر.
والثاني : إن معناه إن لكم لما تخيرونه عند أنفسكم ، والأمر بخلاف ذلك. ولا يجوز أن يكون ذلك على سبيل الخير المطلق (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي : بل لكم عهود ومواثيق علينا ، عاهدناكم بها ، فلا ينقطع ذلك إلى يوم القيامة. (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) لأنفسكم به من الخير والكرامة عند الله تعالى. وقيل : بالغة معناها مؤكدة ، وكل شيء متناه في الجودة والصحة ، فهو بالغ (١).
* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :
(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣)) [سورة القلم : ٤٠ ـ ٤٣]؟!
__________________
(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٩٥.
الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي ، في قوله : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) : أي كفيل ، قوله : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) قال : يكشف عن الأمور التي خفيت وما غصبوا آل محمد حقهم (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) قال : يكشف لأمير المؤمنين عليهالسلام ، فتصير أعناقهم مثل صياصي البقر ـ يعني قرونها ـ (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) أن يسجدوا ، وهي عقوبة لأنهم لا يطيعون الله في الدنيا في أمره ، وهو قوله : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) قال : إلى ولايته في الدنيا وهم يستطيعون (١).
وقال أبو الحسن عليهالسلام ، في قوله عزوجل : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) : «حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا ، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود» (٢).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام ، في قوله عزوجل : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) ، قال : «تبارك الجبار ـ ثم أشار إلى ساقه ، فكشف عنها الإزار ـ قال : (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) قال : أفحم القوم ودخلتهم الهيبة ، وخشعت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ).
قال ابن بابويه : قوله : «تبارك الجبار ، وأشار إلى ساقه فكشف عنها الإزار» يعني به تبارك الجبار من أن يوصف بالساق الذي هذا صفته (٣).
وقال عبيد بن زرارة : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) ، قال : كشف إزاره عن ساقه ، ويده الأخرى على رأسه فقال : «سبحان ربي الأعلى!».
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٣.
(٢) التوحيد : ص ١٥٤ ، ح ١.
(٣) التوحيد : ص ١٥٤ ، ح ٢.
قال ابن بابويه : قوله : «سبحان ربي الأعلى!» تنزيه لله عزوجل أن يكون له ساق (١).
وقال حمزة بن محمد الطيار : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) ، قال : «مستطيعون ، يستطيعون الأخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه ، وبذلك ابتلوا» ثم قال : «ليس شيء مما أمروا به ونهوا عنه إلا ومن الله عزوجل فيه ابتلاء وقضاء» (٢).
* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :
(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥)) [سورة القلم : ٤٤ ـ ٤٥]؟!
الجواب / ١ ـ أقول : يوجه البارىء عزوجل الحديث للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث يقول : (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث).
وهذه اللهجة تمثل تهديدا شديدا من الواحد القهار لهؤلاء المكذبين المتمردين ، حيث يخاطب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : لا تتدخل ، واتركني مع هؤلاء ، لأعاملهم بما يستحقونه ، وجدير بنا ألا نغفل عن هذا الكلام الذي يقوله رب قادر على كل شيء ، وإنه ـ بالضمن ـ باعث على الاطمئنان لقلب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وللمؤمنين أيضا ، ومشعرا لهم بأن الله معهم وسيقتص من جميع الأعداء الذين يثيرون المشاكل والفتن والمؤامرات أمام الرسول والرسالة ، ولن يتركهم الله تعالى على تماديهم.
٢ ـ قال أبو عبد الله عليهالسلام : «إنّ الله إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة ، وذكره الاستغفار ، وإذا أراد بعبد شرّا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى بها ، وهو قول الله عزوجل : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا
__________________
(١) التوحيد : ص ١٥٥ ، ح ٣.
(٢) التوحيد : ص ٣٤٩ ، ح ٩.
يَعْلَمُونَ) بالنّعم عند المعاصي» (١).
٣ ـ أقول : والتعبير ب (أُمْلِي لَهُمْ) إشارة إلى أن الله تعالى لا يستعجل أبدا بجزاء الظالمين ، والاستعجال يكون عادة من الشخص الذي يخشى فوات الفرصة عليه ، إلا أن الله القادر المتعال أيما شاء وفي أي لحظة فإنه يفعل ذلك ، والزمن كله له.
وعلى كل حال فإن هذا تحذير لكل الظالمين والمتطاولين بأن لا تغرهم السلامة والنعمة أبدا ، وليرتقبوا في كل لحظة بطش الله بهم.
* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧)) [سورة القلم : ٤٦ ـ ٤٧]؟!
الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم خاطب سبحانه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال على وجه التوبيخ للكفار ، (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) هذا عطف على قوله : (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) ذكر سبحانه جميع ما يحتج به فقال : أم تسأل يا محمد هؤلاء الكفار إجزاء على أداء الرسالة ، والدعاء إلى الله (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) أي هم من لزوم ذلك (مُثْقَلُونَ) أي محملون الأثقال (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) أي هل عندهم علم بصحة ما يدعونه اختصوا به لا يعلمه غيرهم ، فهم يكتبونه ، ويتوارثونه ، وينبغي أن يبرزوه (٢).
* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)) [سورة القلم : ٤٨]؟!
الجواب / قال علي بن إبراهيم القمّي : ثم قال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ
__________________
(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٢٧ ، ح ١.
(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٩٩.
رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) يعني يونس عليهالسلام ، [لمّا] دعا على قومه ثم ذهب مغاضبا (١).
ثم قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، في قوله : (إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) يقول : «مغموم» (٢).
* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :
(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)) [سورة القلم : ٤٩ ـ ٥٢]؟!
الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله : (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) قال : النعمة : الرحمة (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) قال : العراء : الموضع الذي لا سقف له.
قوله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) قال : لما أخبرهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بفضل أمير المؤمنين عليهالسلام قالوا : هو مجنون ، فقال الله سبحانه : (وَما هُوَ) يعني أمير المؤمنين عليهالسلام : (إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ)(٣).
وقال حسّان الجمال : حملت أبا عبد الله عليهالسلام من المدينة إلى مكة ، قال : فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر في ميسرة الجبل ، فقال : «ذاك موضع قدم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه».
ثم نظر في الجانب الآخر ، قال : «ذاك موضع فسطاط أبي فلان وفلان
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٣.
(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٣.
(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٣.
وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح ، فلما رأوه رافعا يده ، قال بعضهم : انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا مجنون ، فنزل جبرئيل عليهالسلام بهذه الآية : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) ثم قال : «يا حسان ، لو لا أنك جمالي ما حدثتك بهذا الحديث» (١).
وفي رواية أضاف قائلا : «لأنك لا تصدّق إذا رويت عني» (٢).
__________________
(١) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢٦٣ ، ح ٧٤٦.
(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧١٣ ، ح ٦.
تفسير
سورة الحاقّة
رقم السورة ـ ٦٩ ـ
سورة الحاقّة
* س ١ : ما هو فضل سورة الحاقّة؟!
الجواب / قال أبو عبد الله عليهالسلام : «أكثروا من قراءة الحاقّة ، فإن قراءتها في الفرائض والنوافل من الإيمان بالله ورسوله ، لأنها إنما نزلت في أمير المؤمنين عليهالسلام ومعاوية ، ولم يسلب قارئها دينه حتى يلقى الله عزوجل» (١).
ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة حاسبه الله حسابا يسيرا ، ومن كتبها وعلّقها على امرأة ، حامل حفظ ما في بطنها بإذن الله تعالى ، وإن كتبت وغسلت وسقي ماؤها طفلا يرضع اللبن قبل كمال فطامه ، خرج ذكيا حافظا» (٢).
* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :
(الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨)) [سورة الحاقّة : ١ ـ ٨]؟!
الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : (الْحَاقَّةُ) الحذر من العذاب ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ)(٣) ، (كَذَّبَتْ
__________________
(١) ثواب الأعمال : ص ١١٩.
(٢) خواص القرآن : ص ١١ «مخطوط».
(٣) غافر : ٤٥.
ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) [قال] : قرعهم بالعذاب.
قوله : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) أي باردة (عاتِيَةٍ) قال : خرجت أكثر مما أمرت [به](١).
وقال أبو جعفر عليهالسلام ـ في حديث ـ : «وأما الريح العقيم فإنها ريح عذاب ، لا تلقح شيئا من الأرحام ، ولا شيئا من النبات ، وهي ريح تخرج من تحت الأرضين السبع ، وما خرجت منها ريح قطّ إلّا قوم عاد حين غضب الله عليهم ، فأمر الخزّان أن يخرجوا منها على قدر سعة الخاتم ، فعتت على الخزّان فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد ، قال : فضجّ الخزان إلى الله عزوجل من ذلك ، فقالوا : ربنا إنها [قد] عتت عن أمرنا ، إنا نخاف أن نهلك من لم يعصك من خلقك وعمر بلادك. قال : فبعث الله عزوجل إليها جبرئيل عليهالسلام ، فاستقبلها بجناحيه ، فردّها إلى موضعها ، وقال لها : أخرجي [على] ما أمرت به ، قال : فخرجت على ما أمرت به ، وأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم» (٢).
٢ ـ قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) قال : كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيام حتى هلكوا (٣).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «الأربعاء يوم نحس مستمر ، لأنه أول يوم وآخر يوم من الأيام التي قال الله عزوجل : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً)(٤).
٣ ـ أقول : ويضيف في الآية التالية : (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) ، نعم
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٣.
(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٩٢ ، ح ٦٤.
(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٣.
(٤) علل الشرائع : ص ١٨٣ ، ح ٢.
لم يبق اليوم أي أثر لقوم عاد ، بل حتى مدنهم العامرة ، وعماراتهم الشامخة ، ومزارعهم النضرة لم يبق منها شيء يذكر أبدا.
* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩)) [سورة الحاقّة : ٩]؟!
الجواب / قال حمران : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقرأ : (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ) قال : (وَجاءَ فِرْعَوْنُ) يعني الثالث ، (وَمَنْ قَبْلَهُ) الأوّلين (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) [أهل البصرة] (بِالْخاطِئَةِ) [الحميراء] يعني عائشة».
قال : «وقوله تعالى : (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) أهل البصرة». فقد جاء في كلام أمير المؤمنين عليهالسلام لأهل البصرة : «يا أهل المؤتفكة ، ائتفكت بأهلها ثلاثا ، وعلى الله تمام الرابعة». ومعنى ائتفكت بأهلها ، أي خسفت بهم (١).
أقول : تعتبر هذه الرواية مصداق من مصاديق المفهوم العام لهذه الآية وهو : بعدما استعرضت الآيات الكريمة السابقة الأحداث التي مرت بقومي عاد وثمود.
ال (خاطئة) بمعنى الخطأ و (لكليها معنى مصدري) والمراد من الخطأ هنا هو الشرك والكفر والظلم والفساد وأنواع الذنوب.
ال (الْمُؤْتَفِكاتُ) جمع (مؤتفكة) من مادة (ائتفاك) بمعنى الانقلاب ، وهي هنا إشارة إلى ما حصل في مدن قوم لوط ، حيث انقلبت بزلزلة عظيمة.
والمقصود ب (وَمَنْ قَبْلَهُ) هم الأقوام الذين كانوا قبل قوم فرعون ، كقوم شعيب ، وقوم نمرود الذين تطاولوا على رسولهم.
__________________
(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧١٤ ، ح ١.
* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :
(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠)) [سورة الحاقّة : ١٠]؟!
الجواب / قال أبو جعفر عليهالسلام ، في قوله تعالى : (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) : «[والرابية] التي أربت على ما صنعوا» (١).
* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :
(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١)) [سورة الحاقّة : ١١]؟!
الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) يعني أمير المؤمنين عليهالسلام وأصحابه (٢).
أقول : وهذه الرواية أيضا مصداق من مصاديق مفهوم الآية العام.
فالآية تعرض إشارة موجزة إلى مصير قوم نوح والعذاب الأليم الذي حلّ بهم.
إن طغيان الماء كان بصورة غطى فيها الغيوم ، لقد طفح الماء وارتفع حتى بلغ حد الغيوم ، ومن هنا جاء تعبير (طغى) حيث هطل مطر غزير جدا وفاضت عيون الأرض ، والتقت مياههما بحيث أصبح كل شيء تحت الماء (القوم وبيوتهم وقصور أكابرهم ومزارعهم وبساتينهم) ولم تنج إلا مجموعة المؤمنين التي كانت مع نوح عليهالسلام في سفينته.
إن التعبير ب (حَمَلْناكُمْ) كناية عن حمل وإنقاذ أسلافنا وأجدادنا من الغرق ، حيث لو لم تكن النجاة لتشملهم ما كنا في عالم هذا الوجود ، ومن هنا قال البعض : إن الآية محذوف تقديره «حملنا آباؤكم».
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٥ ، أقول : إن (رابية) و (ربا) من مادة واحدة ، وهي بمعنى الإضافة ، والمقصود بها هنا العذاب الصعب والشديد جدا.
(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٤.
* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :
(لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢)) [سورة الحاقّة : ١٢]؟!
الجواب / قال أبو عبد الله عليهالسلام ، في قول الله عزوجل : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) : «وعتها أذن أمير المؤمنين عليهالسلام من الله ما كان وما يكون» (١).
وقال مكحول ، في قوله عزوجل : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «سألت الله أن يجعلها أذن علي» قال : وكان علي عليهالسلام يقول : «ما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا إلا حفظته ولا أنساه» (٢).
وقال أبو جعفر عليهالسلام ، في قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) ، قال : «الأذن الواعية أذن علي عليهالسلام ، وعى قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو حجة الله على خلقه ، من أطاعه أطاع الله ، ومن عصاه عصى الله» (٣).
وقال أبو جعفر محمد بن علي عليهماالسلام : «جاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى علي عليهالسلام وهو في منزله ، فقال : يا عليّ ، نزلت عليّ الليلة هذه الآية : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) ، وإني سألت الله ربي أن يجعلها أذنك ، وقلت : اللهم اجعلها أذن علي ، ففعل» (٤).
وعن العياشي : عن الأصبغ بن نباتة ، في حديث عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال فيه : «والله أنا الذي أنزل الله فيّ (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) فإنا كنا عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا ومن يعيه ، فإذا خرجنا قالوا : ماذا قال آنفا؟» (٥).
والروايات في ذلك من الخاصّة والعامة كثيرة ، اقتصرنا على ذلك مخافة الإطالة.
__________________
(١) مختصر بصائر الدرجات : ص ٦٥.
(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧١٥ ، ح ٤.
(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧١٥ ، ح ٥.
(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧١٦ ، ح ٦.
(٥) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٤ ، ح ١.
* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :
(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣)) [سورة الحاقّة : ١٣]؟!
الجواب / قال ثوير بن أبي فاختة : سئل علي بن الحسين عليهماالسلام عن النفختين ، كم بينهما؟ قال : «ما شاء الله».
فقيل له : فأخبرني يا بن رسول الله ، كيف ينفخ فيه؟ فقال : «أما النفخة الأولى ، فإن الله يأمر إسرافيل فيهبط إلى الأرض ومعه الصّور ، والصّور رأس واحد وطرفان ، وبين طرف كل رأس منهما ما بين السماء والأرض ، فإذا رأت الملائكة إسرافيل وقد هبط إلى الدنيا ومعه الصور ، قالوا : قد أذن الله في موت أهل الأرض ، وفي موت أهل السماء ، قال : فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس ويستقبل الكعبة ، فإذا رأوه أهل الأرض ، قالوا : قد أذن الله في موت أهل الأرض ، قال : فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض ، فلا يبقى في الأرض ذو روح إلا صعق ومات ، ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماء ، فلا يبقى ذو روح في السماوات إلا صعق ومات إلا إسرافيل».
قال : «فيقول الله لإسرافيل : يا إسرافيل مت ، فيموت إسرافيل ، فيمكثون في ذلك ما شاء الله ، ثم يأمر الله السماوات فتمور ، ويأمر الجبال فتسير ، وهو قوله تعالى : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً)(١) يعني تنبسط و (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ)(٢) يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب ، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات ، كما دحاها أول مرة ، ويعيد عرشه على الماء كما كان أول مرة ، مستقلا بعظمته وقدرته ـ قال ـ : فعند ذلك ينادي الجبار جل جلاله بصوت من قبله جهوري يسمع أقطار السماوات والأرضين : لمن الملك
__________________
(١) الطور : چ و ١٠.
(٢) إبراهيم : ٤٨.
اليوم؟ فلا يجيبه أحد ، فعند ذلك يجيب الجبار عزوجل مجيبا لنفسه : لله الواحد القهار ، وأنا قهرت الخلائق كلهم وأمتّهم ، إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي ، لا شريك لي ولا وزير ، وأنا خلقت خلقي بيدي وأنا أمتّهم بمشيّتي ، وأنا أحييهم بقدرتي ، قال : فينفخ الجبار نفخة في الصور ، فيخرج الصوت من أحد الطرفين الذي يلي السماوات ، فلا يبقى أحد في السماوات إلا حيي وقام كما كان ، ويعود حملة العرش ، وتعرض الجنة والنار ، وتحشر الخلائق للحساب». قال : فرأيت علي بن الحسين عليهماالسلام يبكي عند ذلك بكاء شديدا (١).
* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦)) [سورة الحاقّة : ١٤ ـ ١٦]؟!
الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) أي رفعت من أماكنها (فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) أي كسرتا كسرة واحدة لا تثنى حتى يستوي ما عليها من شيء مثل الأديم الممدود. وقيل. ضرب بعضها ببعض حتى تفتتت الجبال ، وسفتها الرياح ، وبقيت الأرض شيئا واحدا ، لا جبل فيها ، ولا رابية ، بل تكون قطعة مستوية. وإنما قال : دكتا لأنه جعل الأرض جملة واحدة ، والجبال دكة واحدة (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) أي قامت القيامة. (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ) أي انفرج بعضها من بعض (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) أي شديدة الضعف بانتقاض بنيتها. وقيل : هو أن السماء تنشق بعد صلابتها ، فتصير بمنزلة الصوف في الوهي والضعف (٢).
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٢.
(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ١٠٨.
* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)) [سورة الحاقّة : ١٧]؟!
الجواب / قال حفص بن غياث النخعي : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : «إن حملة العرش ثمانية ، كل واحد منهم له ثمانية أعين ، كل عين طباق الدنيا» (١).
وقال محمد بن الحسن الصفّار مرسلا : قال الصادق عليهالسلام : «إن حملة العرش ثمانية ، أحدهم على صورة ابن آدم يسترزق الله لولد آدم ، والثاني على صورة الديك يسترزق الله للطير ، والثالث على صورة الأسد يسترزق الله للسباع ، والرابع على صورة الثور يسترزق الله للبهائم ، ونكس الثور رأسه منذ عبد بنو إسرائيل العجل ، فإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية» (٢).
وقال محمد بن مسلم : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول في قول الله عزوجل : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) ، قال : «يعني محمدا وعليا والحسن والحسين ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى (صلوات الله عليهم أجمعين) يعني أن هؤلاء الذين حول العرش (٣).
وقال الشيخ أبو جعفر ابن بابويه في (اعتقاداته) : وأما العرش الذي هو العلم فحملته أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين ، فأما الأربعة من الأولين : فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهمالسلام ، وأما الأربعة من الآخرين : فمحمد وعلي والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) ، هكذا روي بالأسانيد الصحيحة عن الأئمة عليهمالسلام» (٤).
__________________
(١) الخصال : ص ٤٠٧ ، ح ٤.
(٢) الخصال : ص ٤٠٧ ، ح ٥.
(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧١٦ ، ح ٧.
(٤) اعتقادات الصدوق : ص ٧٥ ، وتقدم تفسير العرش في الآيات (٦ ـ ١٢) من سورة المؤمن.
* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨)) [سورة الحاقّة : ١٨]؟!
الجواب / قال الشيخ الطبرسي : عن ابن عباس (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) يعني يوم القيامة تعرضون معاشر المكلفين (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) أي نفس خافية ، أو فعلة خافية. وقيل : الخافية مصدر أي خافية أحد. وروي في الخبر عن ابن مسعود وقتادة أن الخلق يعرضون ثلاث عرضات : اثنتان فيها معاذير وجدال ، والثالثة : تطير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه ، وآخذ بشماله ، وليس يعرض الله الخلق ليعلم من حالهم ما لم يعلمه ، فإنه عز اسمه العالم لذاته ، يعمل جميع ما كان منهم ، ولكن ليظهر ذلك لخلقه (١).
* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤)) [سورة الحاقّة : ١٩ ـ ٢٤]؟!
الجواب / قال أبو جعفر عليهالسلام ، في قوله عزوجل : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) ، إلى آخر الكلام : «نزلت في علي عليهالسلام ، وجرت في أهل الإيمان مثلا» (٢).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «قوله عزوجل : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) إلى آخر الآيات ، فهو أمير المؤمنين عليهالسلام : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ)(٣) فهو الشامي» (٤).
__________________
(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ١٠٨.
(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧١٧ ، ح ١٠.
(٣) الحاقة : ٢٥.
(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧١٩ ، ح ١٥ ، والشامي هو معاوية.
وقال عمار بن ياسر : سمعت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إن حافظي عليّ [بن أبي طالب] ليفتخران على جميع الحفظة لكينونتهما مع عليّ ، وذلك أنهما لم يصعد إلى الله عزوجل بشيء منه يسخط الله تبارك وتعالى» (١).
وقال علي بن إبراهيم : حدثنا جعفر بن أحمد ، قال : حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم ، قال : إني لأعرف ما في كتاب أصحاب اليمين وكتاب أصحاب الشمال ، فأما كتاب أصحاب اليمين : بسم الله الرحمن الرحيم (٢).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «أنه إذا كان يوم القيامة يدعى كل بإمامه الذي مات في عصره ، فإن أثبته أعطي كتابه بيمينه ، لقوله : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ)(٣) واليمين إثبات الإمام ، لأنه كتاب يقرؤه ، إن الله يقول : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) الآية ، والكتاب : الإمام ، فمن نبذه وراء ظهره كما قال : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ)(٤) ومن أنكره كان من أصحاب الشمال الذين قال الله : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ)(٥) إلى آخر الآية» (٦).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في حديث طويل في حال المؤمن يوم القيامة ، وفي الحديث عن الله سبحانه : «ثم يقول : يا جبرئيل ، انطلق بعبدي فأره كرامتي ، فيخرج من عند الله قد أخذ كتابه بيمينه فيدحو به مدّ البصر ، فيبسط صحيفته للمؤمنين والمؤمنات ، وهو ينادي (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ).
وفي هذا الحديث : «فإذا اشتهوا الطعام جاءهم طيور بيض يرفعن
__________________
(١) علل الشرائع : ج ٨ ، ص ٥.
(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٥.
(٣) الإسراء : ٧١.
(٤) آل عمران : ١٨٧.
(٥) الواقعة : ٤١ ـ ٤٣.
(٦) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٣٠٢ ، ح ١١٥.
أجنحتهن ، فيأكلون من أي الألوان اشتهوا جلوسا إن شاءوا ، أو متكئين ، وإن اشتهوا الفواكه سعت إليهم الأغصان ، فيأكلون من أيها اشتهوا» (١).
وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) : قال الصادق عليهالسلام : «كل أمة يحاسبها إمام زمانها ، ويعرف الأئمة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم ، وهو قوله تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ) وهم الأئمة (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ)(٢) فيعطون أولياءهم كتبهم بأيمانهم ، فيمرّون إلى الجنّة بغير حساب ، ويعطون أعداءهم كتبهم بشمالهم ، فيمرّون إلى النار بلا حساب ، فإذا نظر أولياؤهم في كتبهم يقولون لإخوانهم : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي مرضية ، فوضع الفاعل مكان المفعول» (٣).
وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (قُطُوفُها دانِيَةٌ) يقول : مدلية ينالها القاعد والقائم (٤).
وقال الصادق عليهالسلام : «(الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) : أيّام الصوم في الدنيا» (٥).
* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧)) [سورة الحاقّة : ٢٥ ـ ٣٧]؟!
__________________
(١) الاختصاص : ص ٣٥٠.
(٢) الأعراف : ٤٦.
(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٤.
(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٥.
(٥) نهج البيان : ج ٣ ، ص ٣٠٠ ، «مخطوط».
الجواب / قال علي بن إبراهيم : نزلت في معاوية (فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) يعني الموت (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) يعني ماله الذي جمعه (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) أي حجّته ، فيقال : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) أي أسكنوه (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) قال : معنى السلسلة السبعين ذراعا في الباطن ، هم الجبابرة السبعون (١).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «كان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله عزوجل : (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ)(٢) وكان فرعون هذه الأمة» (٣).
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ولو أن ذراعا من السلسلة التي ذكرها الله في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن آخرها» (٤).
قال أبو جعفر عليهالسلام ، في حديث طويل يذكر فيه صفة الكافر يوم القيامة : «ثم تجيء صحيفته تطير من خلف ظهره ، فتقع في شماله ، ثم يأتيه ملك فيثقب صدره إلى ظهره ، ثم يقلب شماله إلى خلف ظهره.
ثم يقال له : اقرأ كتابك. قال : فيقول : كيف أقرأ وجهنم أمامي؟ قال : فيقول الله : دق عنقه ، واكسر صلبه ، وشد ناصيته ، إلى قدميه ، ثم يقول : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ). قال : فيبتدره لتعظيم قول الله سبعون ألف ملك غلاظ شداد ، فمنهم من ينتف لحيته ، ومنهم من يعض لحمه ، ومنهم من يحطم عظامه ، قال : فيقول : أما ترحموني؟ قال : فيقولون : يا شقيّ ، كيف نرحمك ولا يرحمك أرحم الراحمين! أفيؤذيك هذا؟ قال : فيقول : نعم ، أشد الأذى.
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٤.
(٢) الحاقة : ٣٢ ـ ٣٣.
(٣) الكافي : ج ٤ ، ص ٢٤٤ ، ح ١.
(٤) الدروع الواقية : ص ٥٨ «مخطوط».