التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

وقال علي بن إبراهيم : في معنى السورة ، قوله : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ، قال : الكوثر : نهر في الجنة أعطاه الله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عوضا عن ابنه إبراهيم. قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد وفيه عمرو بن العاص والحكم بن أبي العاص ، فقال عمرو : يا أبا الأبتر ، وكان الرجل في الجاهلية إذا لم يكن له ولد سمي أبتر ، ثم قال عمرو : إني لأشنأ محمدا ، أي أبغضه. فأنزل الله على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ) أي مبغضك عمرو بن العاص : (هُوَ الْأَبْتَرُ) يعني لا دين له ولا نسب (١).

وقال الحسن بن علي بن محمد بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام : «[ولقد] قال عمرو بن العاص على منبر مصر : محي من كتاب الله ألف حرف ، وحرف منه ألف حرف ، وأعطيت مائتي ألف درهم على أن أمحو (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) فقالوا : لا يجوز ذلك. [قلت] : فكيف جاز ذلك لهم ، ولم يجز لي؟ فبلغ ذلك معاوية ، فكتب إليه : قد بلغني ما قلت على منبر مصر ، ولست هناك» (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٤٥.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٦٩ ، ح ٤٢.

٥٠١
٥٠٢

تفسير سورة

الكافرون ـ النصر

المسد

رقم السورة

ـ ١٠٩ ـ ١١٠ ـ ١١١ ـ

٥٠٣
٥٠٤

سورة الكافرون

* س ١ : ما هو فضل سورة الكافرون؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ إذا أوى إلى فراشه (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) كتب الله عزوجل له براءة من الشرك» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) في فريضة من الفرائض غفر له ولوالديه وما ولد ، وإن كان شقيا محي من ديوان الأشقياء ، وأثبت في ديوان السعداء ، وأحياه الله تعالى سعيدا ، وأماته شهيدا ، وبعثه شهيدا» (٢).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعطاه الله تعالى من الأجر كأنما قرأ ربع القرآن ، وتباعدت عنه مؤذية الشيطان ، ونجّاه الله تعالى من فزع يوم القيامة ، ومن قرأها عند منامه ، لم يتعرض إليه شيء في منامه ، فعلموها صبيانكم عند النوم ، ومن قرأها عند طلوع الشمس عشر مرات ، ودعا بما أراد من الدنيا والآخرة استجاب الله له ما لم يكن معصية يفعلها» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا قلت : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) فقل : يا أيها الكافرون وإذا قلت : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) ، فقل : أعبد الله وحده ، وإذا

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٥٨ ، ح ٢٣.

(٢) ثواب الأعمال : ص ١٢٧.

(٣) خواص القرآن.

٥٠٥

قلت : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) فقل : ربي الله ، وديني الإسلام» (١).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)) [سورة الكافرون : ١ ـ ٦]؟!

الجواب / قال محمد بن أبي عمير : سأل أبو شاكر أبا جعفر الأحول ، عن قول الله عزوجل : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) فهل يتكلم الحكيم بمثل هذا القول ويكرّره مرة بعد مرة؟ فلم يكن عند أبي جعفر الأحول في ذلك جواب ، فدخل المدينة ، فسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : «كان سبب نزولها وتكرارها أن قريشا قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تعبد آلهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة ، وتعبد آلهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة ، فأجابهم الله بمثل ما قالوا ، فقال فيما قالوا : تعبد آلهتنا سنة : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) ، وفيما قالوا : نعبد إلهك سنة : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) وفيما قالوا : تعبد آلهتنا سنة : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) وفيما قالوا : نعبد إلهك سنة : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). قال : فرجع أبو جعفر الأحول إلى أبي شاكر فأخبره بذلك ، فقال أبو شاكر : هذا حملته الإبل من الحجاز ، وكان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا فرغ من قراءتها يقول : «ديني الإسلام» ثلاثا (٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٨٤٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٤٥.

٥٠٦

سورة النّصر

* س ١ : ما هو فضل سورة النّصر؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) في نافلة أو فريضة ، نصره الله على جميع أعدائه ، وجاء يوم القيامة ومعه كتاب ينطق ، قد أخرجه الله من جوف قبره فيه أمان من حرّ جهنم ومن النار ، ومن زفير جهنم ، فلا يمر على شيء يوم القيامة إلا بشره وأخبره بكل خير حتى يدخل الجنة ، ويفتح له في الدنيا من أسباب الخير ما لم يتمنّ ولم يخطر على قلبه» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعطي من الأجر كمن شهد مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتح مكة ، ومن قرأها في صلاة وصلى بها بعد الحمد ، قبلت صلاته منه أحسن قبول» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)) [سورة النّصر : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : حديث فتح مكة : لما صالح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قريشا ، عام الحديبية ، كان في أشراطهم أنه من أحب أن يدخل في

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٧.

(٢) خواص القرآن.

٥٠٧

عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدخل فيه ، فدخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودخلت بنو بكر في عقد قريش ، وكان بين القبيلتين شر قديم. ثم وقعت فيما بعد بين بني بكر وخزاعة مقاتلة ، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا. وكان ممن أعان بني بكر على خزاعة بنفسه ، عكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو. فركب عمرو بن سالم الخزاعي ، حتى قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ، وكان ذلك مما هاج فتح مكة ، فوقف عليه وهو في المسجد ، بين ظهراني القوم ، فقال :

لا هم إني ناشد محمدا

حلف أبينا ، وأبيه ، الأتلدا (١)

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وقتلونا ركعا وسجدا

فقال رسول الله : حسبك يا عمرو. ثم قام فدخل دار ميمونة ، وقال : اسكبي لي ماء. فجعل يغتسل ، وهو يقول : لا نصرت إن لم أنصر بني كعب ، وهم رهط عمرو بن سالم. ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي ، في نفر من خزاعة ، حتى قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبروه بما أصيب منهم ، ومظاهرة قريش بني بكر عليهم. ثم انصرفوا راجعين إلى مكة ، وقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للناس : كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة ، وسيلقى بديل بن ورقاء. فلقوا أبا سفيان بعسفان ، وقد بعثته قريش إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليشدد العقد. فلما لقي أبو سفيان بديلا قال : من أين أقبلت يا بديل؟ قال : سرت في هذا الساحل ، وفي بطن هذا الوادي. قال : ما أتيت محمدا؟ قال : لا.

فلما راح بديل إلى مكة ، قال أبو سفيان : لئن كان جاء من المدينة ، لقد علف بها النوى. فعمد إلى مبرك ناقته ، وأخذ من بعرها ففته ، فرأى فيه

__________________

(١) الناشد : الطالب ، والمذكر. والأتلد : القديم.

٥٠٨

النوى. فقال : أحلف بالله تعالى ، لقد جاء بديل محمدا! ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد احقن دم قومك. وأجر بين قريش ، وزدنا في المدة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أغدرتم يا أبا سفيان؟ قال : لا. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فنحن على ما كنا عليه. فخرج فلقي أبا بكر ، فقال : أجر بين قريش. قال : ويحك وأحد يجير على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ثم لقي عمر بن الخطاب ، فقال له مثل ذلك. ثم خرج فدخل على أم حبيبة ، فذهب ليجلس على الفراش ، فأهوت إلى الفراش فطوته. فقال : يا بنية! أرغبت بهذا الفراش عني؟ فقالت : نعم هذا فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما كنت لتجلس عليه ، وأنت رجس مشرك. ثم خرج فدخل على فاطمة عليها‌السلام ، فقال : يا بنت سيد العرب ، تجيرين بين قريش ، وتزيدين في المدة ، فتكونين أكرم سيدة في الناس؟ فقالت : جواري جوار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس؟ قالت : والله ما بلغ ابناي أن يجيرا بين الناس! وما يجير على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد. فقال : يا أبا الحسن! إني أرى الأمور قد اشتدت علي ، فانصحني. فقال علي عليه‌السلام : إنك شيخ قريش ، فقم على باب المسجد ، وأجر بين قريش ، ثم الحق بأرضك. قال : وترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال : لا والله ما أظن ذلك ، ولكن لا أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد فقال : يا أيها الناس! إني قد أجرت بين قريش. ثم ركب بعيره فانطلق ، فما يغني عنا ما قلت. قال : لا والله ما وجدت غير ذلك. قال : فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجهاز لحرب مكة وأمر الناس بالتهيئة ، وقال : اللهم خذ العيون ، والأخبار عن قريش ، حتى نبغتها في بلادها. وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخبر من السماء ، فبعث عليا عليه‌السلام والزبير حتى أخذا كتابه من المرأة ، وقد مضت هذه القصة في سورة الممتحنة. ثم استخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا ذر الغفاري وخرج عامدا إلى مكة ، لعشر مضين من شهر رمضان ، سنة ثمان ، في عشرة آلاف

٥٠٩

من المسلمين ، ونحو من أربعمائة فارس ، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد ، وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وعبد الله بن المغيرة ، قد لقيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنيث العقاب ، فيما بين مكة والمدينة ، فالتمسا الدخول عليه ، فلم يأذن لهما. فكلمته أم سلمة فيهما ، فقالت : يا رسول الله! ابن عمك وابن عمتك ، وصهرك. قال : لا حاجة لي فيهما. أما ابن عمي فهتك عرضي. وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال. فلما خرج الخبر إليهما بذلك ، ومع أبي سفيان بني له فقال : والله ليأذنن لي ، أو لآخذن بيد بني هذا ، ثم لنذهبن في الأرض ، حتى نموت عطشا وجوعا. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رق لهما ، فأذن لهما ، فدخلا عليه فأسلما. فلما نزل رسول الله (مر الظهران) وقد غمت الأخبار عن قريش ، فلا يأتيهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خبر ، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء ، يتجسسون الأخبار ، وقد قال العباس ليلتئذ : يا سوء صباح قريش! والله لئن بغتها رسول الله في بلادها ، فدخل مكة عنوة ، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر! فخرج على بغلة رسول الله ، وقال : أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابا ، أو صاحب لبن ، أو داخلا يدخل مكة ، فنخبرهم بمكان رسول الله ، فيأتونه فيستأمنونه. قال العباس فو الله إني لأطوف في الأراك ، ألتمس ما خرجت له ، إذ سمعت صوت أبي سفيان ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء ، وسمعت أبا سفيان يقول : والله ما رأيت كالليلة قط نيرانا. فقال بديل : هذه نيران خزاعة ، فقال أبو سفيان : خزاعة ألأم من ذلك. قال : فعرفت صوته ، فقلت : يا أبا حنظلة يعني أبا سفيان ، فقال : أبو الفضل؟ فقلت : نعم. قال : لبيك فداك أبي وأمي ، ما وراك؟ فقلت : هذا رسول الله وراءك قد جاء بما لا قبل لكم به ، بعشرة آلاف من المسلمين! قال : فما تأمرني؟ فقلت : تركب عجز هذه البغلة ، فأستأمن لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فو الله لئن

٥١٠

ظفر بك ليضربن عنقك. فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله ، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين ، قالوا : هذا عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بغلة رسول الله ، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب ، فقال يعني عمر : يا أبا سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ، ولا عقد. ثم اشتد نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة ، وسبقت عمر بما يسبق به الدابة البطيئة ، الرجل البطيء. فدخل عمر فقال : يا رسول الله! هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه ، بغير عهد ، ولا عقد ، فدعني أضرب عنقه. فقلت : يا رسول الله إني قد أجرته ، ثم إني جلست إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخذت برأسه وقلت : والله لا يناجيه اليوم أحد دوني. فلما أكثر فيه عمر قلت : مهلا يا عمر! فو الله ما يصنع هذا الرجل إلا أنه رجل من آل بني عبد مناف ، ولو كان من عدي بن كعب ، ما قلت هذا. قال : مهلا يا عباس! فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذهب فقد أمناه حتى تغدو به علي في الغداة. قال : فلما أصبح غدوت به على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما رآه قال : ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ فقال : بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك! والله لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ، ويوم أحد. فقال : ويحك يا أبا سفيان! إشهد بشهادة الحق ، قبل أن يضرب عنقك. فتشهد. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعباس. انصرف يا عباس ، فاحبسه عند مضيق الوادي ، حتى تمر عليه جنود الله. قال : فحبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي. ومر عليه القبائل قبيلة قبيلة ، وهو يقول : من هؤلاء؟ وأقول : أسلم ، وجهينة ، وفلان ، حتى مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الكتيبة الخضراء من المهاجرين والأنصار. فقال : يا أبا الفضل! لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما! فقلت : ويحك إنها النبوة. فقال : نعم إذا. وجاء حكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأسلما

٥١١

وبايعاه. فلما بايعاه ، بعثهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين يديه إلى قريش ، يدعوانهم إلى الإسلام. وقال : من دخل دار أبي سفيان ، وهي بأعلى مكة ، فهو آمن ، ومن دخل دار حكيم ، وهي بأسفل مكة ، فهو آمن. ومن أغلق بابه وكف يده ، فهو آمن. ولما خرج أبو سفيان وحكيم من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عامدين إلى مكة ، بعث في أثرهما الزبير بن العوام ، وأمره على خيل المهاجرين ، وأمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون. وقال له : لا تبرح حتى آتيك. ثم دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة ، وضربت هناك خيمته ، وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار ، في مقدمته. وبعث خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضاعة وبني سليم ، وأمره أن يدخل أسفل مكة ، ويغرز رايته دون البيوت. وأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميعا أن يكفوا أيديهم ، ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، وأمرهم بقتل أربعة نفر : عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، والحويرث بن نفيل ، وابن خطل ، ومقبس بن ضبابة. وأمرهم بقتل قينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : اقتلوهم ، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة! فقتل علي عليه‌السلام الحويرث بن نفيل ، وإحدى القينتين وأفلتت الأخرى. وقتل مقبس بن ضبابة في السوق. وأدرك ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ، فاستبق إليه سعيد بن حريث ، وعمار بن ياسر ، فسبق سعيد عمارا ، فقتله. قال : وسعى أبو سفيان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخذ غرزه أي ركابه فقبله. ثم قال : بأبي أنت وأمي. أما تسمع ما يقول سعد؟ إنه يقول : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تسبى الحرمة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : أدركه فخذ الراية منه ، وكن أنت الذي يدخل بها ، وأدخلها إدخالا رفيقا. فأخذها علي عليه‌السلام ، وأدخلها كما أمر. ولما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة ، دخل صناديد قريش الكعبة ، وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم. وأتى رسول الله ، ووقف قائما على باب الكعبة ، فقال : لا إله إلا الله وحده وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا إن كل

٥١٢

مال أو مأثرة ودم تدعى ، فهو تحت قدمي هاتين ، إلا سدانة الكعبة ، وسقاية الحاج ، فإنهما مردودتان إلى أهليهما. ألا إن مكة محرمة بتحريم الله ، لم تحل لأحد كان قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، وهي محرمة إلى أن تقوم الساعة. لا يختلى خلاها ، ولا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد. ثم قال : ألا لبئس جيران النبي كنتم ، لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وآذيتم ، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني ، فاذهبوا فأنتم الطلقاء. فخرج القوم فكأنما أنشروا من القبور ، ودخلوا في الإسلام ، وكان الله سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة ، فكانوا له فيئا ، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء. وجاء ابن الزبعري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسلم وقال :

يا رسول الله إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور (١) إذ أباري الشيطان في سنن الغي ، ومن مال ميله مثبور (٢) آمن اللحم والعظام لربي ثم نفسي الشهيد أنت النذير وعن ابن مسعود قال : دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الفتح ، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما ، فجعل يطعنها بعود في يده ، ويقول : جاء الحق ، وما يبدىء الباطل وما يعيد ، جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. وعن ابن عباس قال : لما قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مكة ، أبى أن يدخل البيت ، وفيه الآلهة. فأمر بها فأخرجت صورة إبراهيم وإسماعيل عليه‌السلام ، وفي أيديهما الأزلام فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قاتلهم الله أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط»! (٣).

__________________

(١) رجل بور : هالك.

(٢) قوله أباري أي أجاري وأعارض. والسنن : وسط الطريق. ومثبور : هالك.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٦٨ ـ ٤٧٣.

٥١٣
٥١٤

سورة المسد

* س ١ : ما هو فضل سورة المسد؟!

الجواب / روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة لم يجمع الله بينه وبين أبي لهب ، ومن قرأها على الأمغاص التي في البطن ؛ سكنت بإذن الله تعالى ، ومن قرأها عند نومه حفظه الله» (١).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)) [سورة المسد : ١ ـ ٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) ، قال : أي خسرت ، لما اجتمع مع قريش في دار الندوة وبايعهم على قتل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان كثير المال ، فقال الله : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) عليه فتحرقه (وَامْرَأَتُهُ) ، قال : كانت أم جميل بنت صخر ، وكانت تنم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنقل أحاديثه إلى الكفار (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) أي احتطبت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فِي جِيدِها) أي في عنقها (حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) أي من نار ، وكان اسم أبي لهب عبد مناف ، فكنّاه الله عزوجل ، لأن منافا اسم صنم يعبدونه (٢).

__________________

(١) خواص القرآن : ص ١٦ «مخطوط».

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٤٨.

٥١٥
٥١٦

تفسير سورة

الإخلاص ـ الفلق

الناس

رقم السورة

ـ ١١٢ ـ ١١٣ ـ ١١٤ ـ

٥١٧
٥١٨

سورة الإخلاص

* س ١ : ما هو فضل سورة الإخلاص؟!

الجواب / أقول : الروايات في فضيلة هذه السورة أكثر من أن تستوعبها هذه السطور ، وسوف ننقل جزء يسير منها :

قال جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) مائة مرة حين يأخذ مضجعه ، غفر الله له ذنوب خمسين سنة» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من مضى به يوم واحد فصلى فيه بخمس صلوات ولم يقرأ فيها ب (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) قيل له : يا عبد الله ، لست من المصلين» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع أن يقرأ في دبر الفريضة ب (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فإن من قرأها جمع الله له خير الدنيا والآخرة ، وغفر له ولوالديه وما ولدا» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)) [سورة الإخلاص : ١ ـ ٤]؟!

الجواب / قال حماد بن عمرو النصيبي : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، فقال عليه‌السلام : «نسبة الله إلى خلقه ، أحدا صمدا أزليا صمديا لا ظل له يمسكه ، وهو يمسك الأشياء بأظلتها ، عارف بالمجهول ، معروف عند كل جاهل ، فردانيا ، لا خلقه فيه ، ولا هو في خلقه ، غير

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٥٤ ، ح ٤.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٥٥ ، ح ١٠.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٥٥ ، ح ١١.

٥١٩

محسوس ولا مجسوس لا تدركه الأبصار ، علا فقرب ، ودنا فبعد ، وعصي فغفر ، وأطيع فشكر ، لا تحويه أرضه ، ولا تقله سماواته ، حامل الأشياء بقدرته ، ديمومي أزلي ، لا ينسى ولا يلهو ، ولا يغلط ولا يلعب ، [و] لا لإرادته فصل ، وفصله جزاء ، وأمره واقع ، لم يلد فيورث ، ولم يولد فيشارك ، ولم يكن له كفوا أحد» (١).

وقال عبد العزيز بن المهتدي ، سألت الرضا عليه‌السلام عن التوحيد ، فقال : «كل من قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وآمن بها ، فقد عرف التوحيد». قال : قلت : كيف يقرؤها؟ قال : «كما يقرؤها الناس» وزاد فيه : «كذلك الله ربي ، كذلك الله ربي» (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام ، في قول الله تبارك وتعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) : «قل أي أظهر ما أوحينا إليك وبعثناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد ، وهو اسم مكنى مشار به إلى غائب ، فالهاء تنبيه على معنى ثابت ، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس ، كما أن قولك : هذا ، إشارة إلى الشاهد عند الحواس ، وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك فقالوا : هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار ، فأشر أنت ـ يا محمد ـ إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فالهاء تثبيت للثابت ، والواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس ، والله تعالى عن ذلك بل هو مدرك الأبصار ومبدع الحواس» (٣).

وقال الباقر عليه‌السلام : «[الله] معناه : المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته ، والإحاطة بكيفيته ، وتقول العرب : أله الرجل إذا تحير في الشيء فلم

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٧١ ، ح ٢.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٧٢ ، ح ٤.

(٣) التوحيد : ص ٨٨ ، ح ١.

٥٢٠