التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

سورة التّكوير

* س ١ : ما هو فضل سورة التّكوير؟!

الجواب / تقدّم في سورة عبس وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعاذه الله من الفضيحة يوم القيامة حين تنشر صحيفته ، وينظر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آمن ، ومن قرأها على أرمد العين أو مطروفها (١) أبرأها بإذن الله عزوجل» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧)) [سورة التّكوير : ١ ـ ٧]؟!

الجواب / قال أبو ذرّ الغفاري (رحمه‌الله) : كنت آخذا بيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن نتماشى [جميعا] ، فما زلنا ننظر إلى الشمس حتى غابت ، فقلت : يا رسول الله ، أين تغيب؟ قال : «في السماء ، ثم ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع إلى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش ، فتخرّ ساجدة ، فتسجد معها الملائكة الموكلون بها ، ثم تقول : يا رب من أين تأمرني أن أطلع ، أمن مغربي أم من مطلعي؟ فذلك قوله عزوجل : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي

__________________

(١) العين المطروفة : التي أصابتها طرفة ، وهي نقطة حمراء من الدم تحدث في العين من ضربة وغيرها. «أقرب الموارد : ج ١ ، ص ٧٠٤».

(٢) البرهان : ج ٩ ، ص ١٨٦.

٣٤١

لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(١) يعني بذلك صنع الربّ العزيز في ملكه ، العليم بخلقه».

قال : «فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف ، أو قصره في الشتاء ، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع ـ قال : ـ فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه ثم ينطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها».

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وكأني بها قد حبست مقدار ثلاث ليال ، ثم لا تكسى ضوءا ، وتؤمر أن تطلع من مغربها ، فذلك قوله عزوجل : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) والقمر كذلك من مطلعه ومجراه في أفق السماء ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة ، ويسجد تحت العرش ، ثم يأتيه جبرئيل بالحلة من نور الكرسي ، فذلك قوله عزوجل : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً)(٢)».

قال أبو ذر (رحمه‌الله) : ثمّ أعتزلت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلينا المغرب (٣).

وقال علي بن إبراهيم : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ، قال : تصير سوداء مظلمة (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) قال : يذهب ضوؤها (وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) ، قال : تسير ، كما قال الله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ)(٤) ، قوله تعالى : (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) قال : الإبل تعطل إذا مات الخلق ، فلا

__________________

(١) يس : ٣٨.

(٢) يونس : ٥.

(٣) التوحيد : ص ٢٨٠ ، ح ٧.

(٤) النمل : ٨٨.

٣٤٢

يكون من يحلبها ، قوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ)(١) ، قال : تتحول البحار التي حول الدنيا كلها نيرانا (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) ، قال : من الحور العين (٢).

ثم قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) ، قال : «أما أهل الجنة فزوجوا الخيرات الحسان ، وأما أهل النار فمع كل إنسان منهم شيطان» قرنت نفوس الكافرين والمنافقين بالشياطين ، فهم قرناؤهم (٣).

وقال ابن عباس ، في قوله تعالى : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) ، قال : ما من مؤمن يوم القيامة إلا إذا قطع الصراط ، زوجه الله على باب الجنة أربع نسوة من نساء الدنيا وسبعين ألف حورية من حور الجنّة ، إلا علي بن أبي طالب عليه‌السلام فإنه زوج البتول فاطمة في الدنيا وهو زوجها في الجنة ، ليست له زوجة في الجنة غيرها من نساء الدنيا ، لكن له في الجنان سبعون ألف حوراء ، لكل حوراء سبعون ألف خادم» (٤).

__________________

(١) أقول : قبل هذه الآية ذكر تعالى قوله : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ). فالحيوانات التي تراها تبتعد فرارا الواحدة عن الأخرى خوفا من الإيذاء والبطش ، ستراها وقد جمت في محفل واحد ، وكل منها لا يلتفت إلى ما حوله ، لما سيصاب به من رهبة وأهوال ذلك اليوم الخطير ، وسيفقد أثر كلّ خوف من أي مخلوق ، لأنّ الخوف من الخالق الحق قد حان وقته على الجميع. ونقول : إذا اضمحلت كل خصائص الوحشية للحيوانات غير الأليفة نتيجة لأهوال يوم القيامة ، فما سيكون مصير الإنسان حينئذ؟!

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٧.

(٤) المناقب : ج ٣ ، ص ٣٢٤.

٣٤٣

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)) [سورة التكوير : ٨ ـ ٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : [قال الصادق عليه‌السلام] : «كان العرب يقتلون البنات للغيرة ، فإذا كان يوم القيامة سئلت الموءودة : بأي ذنب قتلت وقطعت» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في معنى الآيتين ـ : «من قتل في مودتنا سئل قاتله عن قتله» (٢).

وقال عليه‌السلام في رواية أخرى : «نزلت في الحسين بن علي عليهما‌السلام» (٣).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤)) [سورة التّكوير : ١٠ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) : صحف الأعمال ، قوله تعالى : (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) ، قال : أبطلت (٤).

ثم قال : قال ابن عباس ، في قوله تعالى : (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) يريد أوقدت للكافرين ، والجحيم : النار العليا من جهنم ، والجحيم في كلام العرب : ما عظم من النار ، لقوله عزوجل : (ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ)(٥) يريد النار العظيمة (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) يريد قربت لأولياء الله من المتقين (٦).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٧.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٦٦ ، ح ٧.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٦٧ ، ح ١٠.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٧.

(٥) الصافات : ٩٧.

(٦) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٨.

٣٤٤

أقول : قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) ، فستحضر أعمال الإنسان كاملة ، ولا من محيص من العلم والإطلاع بها : في عالم الشهود والمشاهدة.

وقد ذكر القرآن هذه الحقيقة مرات عديدة في آيات مباركات ، منها .. الآية (٤٩) من سورة الكهف : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) ، والآية الأخيرة من سورة الزلزال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). فالآية إذن ... تبيّن مسألة (تجسم الأعمال) في يوم القيامة ، فأعمالنا التي نتصورها قد انتهت وفنت في عالمنا الدنيوي ، هي ليست كذلك ، فكل عمل قمنا به يتجسم بصورة ما ، ليحضر أمام أعيننا في عرصة المحشر الرهيبة.

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)) [سورة التّكوير : ١٥ ـ ٢٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) : أي أقسم بالخنس ، وهي اسم النجوم (الْجَوارِ الْكُنَّسِ) ، قال : النجوم تكنس بالنهار فلا تبين (١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «وهي خمسة أنجم : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والزهرة ، وعطارد» (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٨.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٤٦.

٣٤٥

وقالت أم هانىء : لقيت أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام ، فسألته عن هذه الآية (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ) ، قال : «الخنّس : إمام يخنس في زمانه عند انقطاع من علمه عند الناس سنة ستين ومائتين ، ثم يبدو كالشهاب الثاقب في ظلمة الليل ، فإن أدركت ذلك قرّت عينك» (١).

وسأل ابن الكواء الإمام علي عليه‌السلام ، عن قوله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ) ، قال عليه‌السلام : «إن الله لا يقسم بشيء من خلقه ، فأما قوله : (بِالْخُنَّسِ) فإنه ذكر قوما خنسوا علم الأوصياء ودعوا الناس إلى غير مودتهم ، ومعنى خنسوا : ستروا».

فقال له : (الْجَوارِ الْكُنَّسِ)؟ قال : «يعني الملائكة ، جرت بالعلم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكنسه عن الأوصياء من أهل بيته لا يعلم به أحد غيرهم ، ومعنى كنسه : رفعه وتوارى». قال : فقوله : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) [قال : «يعني ظلمة الليل ،] وهذا ضربه الله مثلا لمن ادعى الولاية لنفسه وعدل عن ولاة الأمر».

فقال : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ)؟ قال : «يعني بذلك الأوصياء ، يقول : إن علمهم أنور وأبين من الصبح إذا تنفس» (٢).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) ، قال : إذا أظلم (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) ، قال : إذا ارتفع ، وهذا كله قسم ، وجوابه : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) يعني ذا منزلة عظيمة عند الله (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) فهذا ما فضّل [الله] به نبيه ولم يعط أحدا من الأنبياء مثله (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٢٧٦ ، ح ٢٣.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٦٩ ، ح ١٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٨.

٣٤٦

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) ، قال : «يعني جبرئيل».

قلت : «مطاع ثم أمين؟ قال : «يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هو المطاع عند ربه ، الأمين يوم القيامة».

قلت : قوله تعالى : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ)؟ قال : «يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما هو بمجنون في نصبه أمير المؤمنين عليه‌السلام علما للناس».

ـ أقول : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قال في كلّ يوم من شعبان مرّة : أستغفر الله الذي لا إله لا هو الرحمن الرحيم الحي القيوم وأتوب إليه ، كتب في الأفق المبين» قال محمد بن أبي حمزة : قلت : وما الأفق المبين؟ قال : «قاع بين يدي العرش ، فيه أنهار تطّرد فيه من القدحان عدد النجوم» ـ (١).

قلت : قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) قال : «وما هو تبارك وتعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغيبه بضنين عليه».

قلت : قوله تعالى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) قال : «يعني الكهنة الذين كانوا في قريش ، فنسب كلامهم إلى كلام الشياطين الذين كانوا معهم يتكلمون على ألسنتهم ، فقال : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) مثل أولئك».

قلت : قوله تعالى : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ)؟ قال : «أين تذهبون في علي عليه‌السلام ، يعني ولايته ، أين تفرون منها؟ (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) لمن أخذ الله ميثاقه على ولايته».

قلت : قوله تعالى : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ)؟ قال : «في طاعة علي عليه‌السلام والأئمة من بعده».

__________________

(١) الخصال : ص ٥٨٢ ، ح ٥.

٣٤٧

قلت : قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)؟ قال : «لأنّ المشيئة إلى الله تعالى لا إلى الناس» (١).

وقال ابن عباس ، في قوله عزوجل : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) ، قال : يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذو قوة عند ذي العرش مكين ، مطاع عند رضوان خازن الجنة وعند مالك خازن النار ، ثم أمين فيما استودعه [الله] إلى خلقه ، وأخوه علي أمير المؤمنين عليه‌السلام أمين أيضا فيما استودعه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أمّته (٢).

وقال أبو الحسن عليه‌السلام : «إن الله عزوجل جعل قلوب الأئمة موردا لإرادته ، فإذا شاء الله شيئا شاءوه ، وهو قوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)(٣).

وقال علي بن إبراهيم : قال ابن عباس ، في قوله تعالى : (رَبُّ الْعالَمِينَ) ، إن الله عزوجل خلق ثلاثمائة عالم وبضعة عشر عالما خلف قاف (٤) وخلف البحار السبعة ، لم يعصوا الله طرفة عين قطّ ، ولم يعرفوا آدم ولا ولده ، كلّ عالم منهم يزيد على ثلاثمائة وثلاثة عشر مثل آدم وما ولد ، فذلك قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)(٥).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٨.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٧٠ ، ح ١٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٩.

(٤) جاء في بعض التفاسير أن قافا جبل يحيط بالدنيا من ياقوته خضراء. (لسان العرب : ج ٩ ، ص ٢٩٣).

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٩.

٣٤٨

تفسير سورة

الانفطار ـ المطففين

الانشقاق

رقم السورة

ـ ٨٢ ـ ٨٣ ـ ٨٤ ـ

٣٤٩
٣٥٠

سورة الانفطار

* س ١ : ما هو فضل سورة الانفطار؟!

الجواب / قال الحسين بن أبي العلاء : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «من قرأ هاتين السورتين ، وجعلهما نصب عينه في صلاة الفريضة والنافلة : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)(١) لم يحجبه من الله حاجب ، ولم يحجزه من الله حاجز ، ولم يزل ينظر الله فينظر إليه حتى يفرغ من حساب الناس» (٢).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعاذه الله تعالى أن يفضحه حين تنشر صحيفته ، وستر عورته ، وأصلح له شأنه يوم القيامة ، ومن قرأها وهو مسجون أو مقيّد وعلّقها عليه ، سهّل الله خروجه ، وخلّصه مما هو فيه ومما يخافه أو يخاف عليه ، وأصلح حاله عاجلا بإذن الله تعالى» (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من قرأها عند نزول الغيث ، غفر الله له بكل قطرة تقطر ، وقراءتها على العين يقوّي نظرها ، ويزول الرّمد والغشاوة بقدرة الله» (٤).

__________________

(١) الانشقاق : ١.

(٢) ثواب الأعمال : ص ١٢١.

(٣) خواص القرآن : ص ١٢ «مخطوط».

(٤) نفس المصدر السابق.

٣٥١

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨)) [سورة الانفطار : ١ ـ ٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : هذا خطاب من الله تعالى للمكلفين من عباده ، وفيه تهديد ووعيد فإنه يقول (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) يعني انشقت ، فالانفطار انقطاع الشيء ، من الجهات مثل تفطر ، ومنه الفطير قطع العجين قبل بلوغه بما هو مناف لاستوائه ، فطره يفطره إذا أوجده بما هو لقطع ما يصد عنه ، والانفطار والانشقاق والانصداع واحد. وقوله (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) معناه إذا النجوم تساقطت وتواقعت ، فالانتثار تساقط الشيء من الجهات (١).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم ، قال الصادق عليه‌السلام : في قوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) ، قال : تتحول نيرانا (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) قال : تنشق فيخرج الناس منها (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) أي ما عملت من خير وشر ، ثم خاطب الناس (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) أي ليس فيك اعوجاج (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) ، قال : لو شاء ركبك على غير هذه الصورة (٢).

__________________

(١) التبيان : ج ١٠ ، ص ٢٩٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٩.

٣٥٢

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (١٢) [سورة الانفطار : ٩ ـ ١٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي : قوله (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) : برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام ـ وفي رواية أخرى قال : أي بالولاية ، فالدين هو الولاية (١) ـ (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) قال : الملكان الموكّلان بالإنسان (كِراماً كاتِبِينَ) يكتبون الحسنات والسيئات (٢). [(يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ)].

وجاء في كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي : إن شخصا سأل الإمام الصادق عليه‌السلام عن علّة وضع الملائكة لتسجيل أعمال الإنسان في حين أن الله عزوجل عالم السر وأخفى؟ فقال الإمام عليه‌السلام : «استعبدهم بذلك ، وجعلهم شهودا على خلقه ، ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة ، وعن معصيته أشدّ انقباضا ، وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانهما فارعوى وكف ، فيقول ربي يراني ، وحفظتي عليّ بذلك تشهد ، وأن الله برأفته ولطفه وكلهم بعباده ، يذبّون عنهم مردة الشياطين ، وهوام الأرض ، وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله ، إلى أن يجيء أمر الله عزوجل» (٣).

وسؤال عبد الله بن موسى بن جعفر عليه‌السلام لأبيه عن الملكين .. هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله ، أو الحسنة؟

فقال الإمام عليه‌السلام : «ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟».

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٧٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٩.

(٣) نور الثقلين : ج ٥ ، ص ٥٢٢.

٣٥٣

قال : لا.

قال : «إن العبد همّ بالحسنة خرج نفسه طيّب الريح ، فيقول صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم فإنه قد همّ بالحسنة ، فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، فأثبتها له ، وإذا همّ بالسيئة خرج نفسه منتن الريح ، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين : قف فإنه قد همّ بالسيئة ، فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، وأثبتها عليه» (١).

وهناك روايات عديدة في ذكر الملكين لا مجال لذكرها ...

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)) [سورة الانفطار : ١٣ ـ ١٩]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله عزوجل : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) : «الأبرار نحن هم ، والفجّار هم عدوّنا» (٢).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم القمّي ، قوله : (يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ) : يوم المجازاة (٣).

٣ ـ أقول : قوله : (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) : إتيان الآية بصيغة زمان الحال تأكيد من كون هؤلاء يعيشون جهنم حتى في حياتهم الدنيا (الحالية) أيضا ... فحياتهم بحد ذاتها جهنما ، وقبورهم حفرة من حفر النيران (كما

__________________

(١) أصول الكافي : ج ٢ ، ص ٤٢٩ ، باب ٣.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٧١ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٩.

٣٥٤

ورد في الحديث الشريف ، وعليه فجهنم الدنيا ، وجهنم القبر والبرزخ وجهنم الآخرة ... كلها مهيأة لهم).

كما وتبيّن الآية أيضا : إنّ عذاب أهل جهنم عذاب دائم ليس له انقطاع ، ولا يغيب عنهم ولو للحظة واحدة.

٤ ـ قال علي بن إبراهيم : ثم قال تعظيما ليوم القيامة : (وَما أَدْراكَ) يا محمد (ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)(١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن الأمر يومئذ واليوم كله لله يا جابر ، إذا كان يوم القيامة بادت الحكام فلم يبق حاكم إلا الله» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : قال ابن عباس في قوله تعالى : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) : يريد الملك ، والقدرة ، والسلطان ، والعزّة ، والجبروت ، والجمال ، والبهاء ، والهيبة ، لله وحده لا شريك له» (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٩.

(٢) مجمع البيان : ج ١ ، ص ٦٨٣.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٠.

٣٥٥
٣٥٦

سورة المطفّفين

* س ١ : ما هو فضل سورة المطفّفين؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ في الفريضة : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) أعطاه الله الأمن يوم القيامة من النار ، ولم تره ولم يرها ، يمر على جسر جهنم ، ولا يحاسب يوم القيامة» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة سقاه الله تعالى من الرّحيق المختوم يوم القيامة ، وإن قرئت على مخزن حفظه الله من كل آفة» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٦) [سورة المطفّفين : ١ ـ ٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) قال : الذين يبخسون المكيال والميزان (٣).

وقال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «نزلت على نبيّ الله حين قدم المدينة ، وهم يومئذ أسوأ الناس كيلا ، فأحسنوا الكيل ، وأما الويل فبلغنا ـ والله أعلم ـ أنه بئر في جهنم» (٤).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٢.

(٢) خواص القرآن : ص ٥٧ «مخطوط».

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٠.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٠.

٣٥٧

ثم قال : قال ابن عباس ، في قوله تعالى : (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) ، قال : كانوا إذا اشتروا [لأنفسهم] يستوفون بمكيال راجح ، وإذا باعوا بخسوا المكيال والميزان ، فكان هذا فيهم فانتهوا (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) يعني الناقصين لخمسك يا محمد (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) ، أي إذا صاروا إلى حقوقهم من الغنائم يستوفون (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) ، أي إذا سألوهم خمس آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقصوهم.

وقوله تعالى : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(٢) بوصيك يا محمد ، وقوله تعالى : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(٣) ، قال : يعني تكذيبه بالقائم عليه‌السلام ، إذ يقول له : لسنا نعرفك ، ولست من ولد فاطمة عليها‌السلام ، كما قال المشركون لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٤).

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «قوله (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) أي أليس يوقنون أنهم مبعوثون؟» (٥).

وقال علي بن إبراهيم القمّي : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ) أي ألا يعلمون أنهم يحاسبون على ذلك يوم القيامة (٦).

أقول : قوله : (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) : أي يوم عظيم في عذابه ، حسابه وأهواله. (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٠.

(٢) المطففين : ١٠.

(٣) المطففين : ١٣.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٧١ ، ح ١.

(٥) الاحتجاج : ص ٢٥٠.

(٦) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٠.

٣٥٨

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠)) [سورة المطفّفين : ٧ ـ ١٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) : ما كتب الله لهم من العذاب لفي سجّين. ثمّ قال : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ) أي مكتوب (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) ، أي الملائكة الذين كتبوا عليهم (١).

ثم قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : «السجين : الأرض السابعة ، وعليّون : السماء السابعة» (٢).

أقول : وروي في روايات عديدة ، إنّ الأعمال التي لا تليق بالقرب منه جلّ شأنه تسقط في سجّين. كما نقل الأثر عن سيد البشر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا فإذا صعد بحسناته يقول الله عزوجل اجعلوها في سجين ، إنه ليس إياي أراد فيها!» (٣).

وقال أبو الحسن الماضي عليه‌السلام ـ عن الفجار ـ : «هم الذين فجروا في حق الأئمة واعتدوا عليهم» (٤).

وقال أبو سعيد المدائني : وسجّين : موضع في جهنّم ، وإنما سمّي به الكتاب مجازا تسمية الشيء باسم مجاوره ومحله ، أي كتاب أعمالهم في سجّين (٥).

أقول : وتأتي الآية التالية لتقول : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) : التكذيب الذي يوقع في ألوان من الذنوب ، ومنها التطفيف والظلم.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٠.

(٣) نور الثقلين : ج ٥ ، ص ٥٣٠ ، ح ١٩.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٣٦١ ، ح ٩١.

(٥) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٧٥ ، ح ٥.

٣٥٩

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)) [سورة المطفّفين : ١١ ـ ٢٨]؟!

الجواب / قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) ، قال : «هو فلان وفلان».

(وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) إلى قوله تعالى : (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) ، الأول والثاني (وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، وهو الأول والثاني ، كانا يكذبان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى قوله تعالى : (إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ) ، هما (ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)(١) يعنيهما ومن تبعهما (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ)(٢) أي الملائكة الذين يكتبون عليهم (إِنَ

__________________

(١) قال محمد بن الفضيل : قال أبو الحسن الماضي عليه‌السلام : «يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام». قلت تنزيل؟ ، قال : «نعم». (الكافي : ج ١ ، ص ٣٦١ ، ح ٩١).

(٢) قال أبو سعيد المدائني في قوله (كِتابٌ مَرْقُومٌ) أي : بالخير مرقوم ، بحب محمد وآل محمد عليهم‌السلام. (تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٧٥ ، ح ٥). وقال علي بن إبراهيم ، قوله : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) ، أي ما كتب لهم من الثواب. (تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١١). وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «السجّين : الأرض السابعة ، وعليون : السماء السابعة». (تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٠).

٣٦٠