التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) ، إلى قوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) وهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم‌السلام (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) ، الأول والثاني ومن تبعهما (كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ)(١) برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آخر السورة فيهما» (٢).

أقول : (رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) : إنّه ليس كشراب أهل الدنيا الشيطاني ، بما يحمل من خبث دافع إلى المعاصي والجنون ، بل هو شراب طاهر ذكي العقول ويدب النشاط والصفاء في شاربه. «والرحيق» ـ كما اعتبره أكثر المفسرين ـ : هو الشراب الخالص الذي لا يشوبه أيّ غشى أو تلوث. و «مختوم» : إشارة إلى أنّه أصلي ويحمل كل صفاته المميزة عن غيره من الأشربة ولا يجاريه شراب قط ، وهذا بحدّ ذاته تأكيد آخر على خلوص الشراب وطهارته.

وقال الطبرسي : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يصدأ القلب ، فإذا ذكرته بآلاء الله انجلى عنه» (٣).

وقال المفيد في (الاختصاص) : عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : «ما من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نكتة بيضاء ، فإن أذنب وثنى خرج من تلك النكتة سواد ، فإن تمادى في الذنوب اتسع ذلك السواد حتى يغطي البياض ، فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا ، وهو قول الله : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٤).

وقال الحسين بن فضال : سألت الرضا عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل :

__________________

(١) المطففين : ٢٩ ـ ٣٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٠.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٦٨٩.

(٤) الاختصاص : ص ٢٤٣.

٣٦١

(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) ، فقال : «إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عن عباده ، ولكنه يعني أنهم عن ثواب ربهم محجوبون» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن الله خلقنا من أعلى عليين ، وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه ، وخلق أبدانهم من دون ذلك ، فقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت مما خلقنا منه». ثم تلا قوله : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) إلى قوله : يشهده المقربون (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ). قال : «ماء إذا شربه المؤمن وجد رائحة المسك فيه» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من ترك الخمر لغير الله ، سقاه الله من الرحيق المختوم». قال : يابن رسول الله ، من تركه لغير الله؟ قال : «نعم ، صيانة لنفسه».

(وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) ، قال : فيما ذكرنا من الثواب الذي يطلبه المؤمنون (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) وهو مصدر سنّمه إذا رفعه ، لأنه أرفع شراب أهل الجنة ، أو لأنه يأتيهم من فوق.

قال : أشرف شراب أهل الجنة يأتيهم من عالي تسنيم ، وهي عين يشرب بها المقرّبون ، والمقرّبون : آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

يقول الله عزوجل : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)(٣) ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة وعلي بن أبي طالب وذرّياتهم تلحق بهم ، يقول الله عزوجل : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)(٤) ، والمقرّبون يشربون من تسنيم بحتا صرفا (٥) ، وسائر

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٢٥ ، ح ١٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١١.

(٣) الواقعة : ١٠ ـ ١١.

(٤) الطور : ٢١.

(٥) البحت والصرف : أي الخالص غير الممزوج.

٣٦٢

المؤمنين ممزوجا (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)) [سورة المطفّفين : ٢٩ ـ ٣٦]؟!

الجواب / قال ابن عباس ، في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) ، قال : ذلك [هو] الحارث بن قيس وأناس معه ، كانوا إذا مرّ بهم علي عليه‌السلام ، قالوا : انظروا إلى هذا الرجل الذي اصطفاه محمد ، واختاره من أهل بيته! فكانوا يسخرون ويضحكون ، فإذا كان يوم القيامة فتح بين الجنّة والنار باب ، وعلي عليه‌السلام يومئذ على الأرائك متكىء ، ويقول لهم : «هلمّ لكم» فإذا جاءوا سد بينهم الباب ، فهو كذلك يسخر منهم ويضحك ، وهو قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)(٢).

وقال مجاهد ، [في] قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) ، قال : إن نفرا من قريش كانوا يقعدون بفناء الكعبة ، فيتغامزون بأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسخرون منهم ، فمر بهم يوما علي عليه‌السلام في نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضحكوا منهم وتغامزوا عليهم ، وقالوا : هذا أخو محمد ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) ، فإذا كان يوم القيامة أدخل علي عليه‌السلام ومن كان معه

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١١.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٨٠ ، ح ١٤.

٣٦٣

الجنّة ، فأشرفوا على هؤلاء الكفار ، ونظروا إليهم ، فسخروا وضحكوا عليهم ، وذلك قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)(١).

وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «إذا كان يوم القيامة أخرجت أريكتان [من الجنّة] ، فبسطتا على شفير جهنم ، ثم يجيء علي عليه‌السلام حتى يقعد عليهما ، فإذا قعد ضحك ، وإذا ضحك انقلبت جهنم فصار عاليها سافلها ، ثم يخرجان فيوقفان بين يديه فيقولان : يا أمير المؤمنين ، يا وصي رسول الله ، ألا ترحمنا ، ألا تشفع لنا عند ربك؟ قال : فيضحك منهما ، ثم يقوم فتدخل الأريكتان ، ويعادان إلى موضعهما ، فذلك قوله عزوجل : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)(٢).

وقال علي بن إبراهيم القمّي : [قال الصادق عليه‌السلام] : ثمّ وصف المجرمين الذين يستهزئون بالمؤمنين منهم ، ويضحكون منهم ، ويتغامزون عليهم ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) ـ إلى قوله ـ (فَكِهِينَ) ، قال : يسخرون (وَإِذا رَأَوْهُمْ) يعني المؤمنين (قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ) فقال الله : (وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ) ثم قال الله : (فَالْيَوْمَ) يعني يوم القيامة (الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ) يعني هل جوزي الكفار (ما كانُوا يَفْعَلُونَ)(٣).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٨١ ، ح ١٥.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٨١ ، ح ١٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٢.

٣٦٤

سورة الانشقاق

* س ١ : ما هو فضل سورة الانشقاق؟!

الجواب / تقدم فضلها في سورة الانفطار.

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعاذه الله تعالى أن يعطى كتابه من وراء ظهره ، وإن كتبت وعلّقت على المتعسرة بولدها ، أو قرئت عليها ، وضعت من ساعتها» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : «إذا علّقت على المطلوقة وضعت ، ويحرص الواضع لها أن ينزعها عن المطلوقة سريعا لئلا يخرج جميع ما في بطنها ، وتعليقها على الدابة يحفظها عن الآفات ، وإذا كتبت على حائط المنزل أمن من جميع الهوام» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ

__________________

(١) خواص القرآن : ص ١٣ «مخطوط».

(٢) خواص القرآن : ص ١٣ «مخطوط».

٣٦٥

إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)) [سورة الانشقاق : ١ ـ ٢٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) قال : يوم القيامة (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) أي أطاعت ربّها (وَحُقَّتْ) ، وحق لها أن تطيع ربها (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ) ، قال : تمد الأرض فتنشق ، فيخرج الناس منها : (وَتَخَلَّتْ) ، أي تخلت من الناس (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) يعني تقدّم خيرا أو شرا (فَمُلاقِيهِ) ما قدّم من خير أو شر (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) : «فهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسود بن هلال المخزومي ، وهو من بني مخزوم. قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) فهو أخوه الأسود بن عبد الأسود بن هلال المخزومي ، قتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر».

قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً). الثبور : الويل (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) يقول : ظن أن لن يرجع بعدما يموت (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) ، الشفق : الحمرة بعد غروب الشمس (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) يقول : إذا ساق كل شيء خلق إلى حيث يهلكون بها (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) إذا اجتمع (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) ، يقول : حالا بعد حال ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، ولا تخطئون طريقهم ، شبرا بشبر وذراعا بذراع ، وباعا بباع ، حتى إن كان من قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه» ، قال : قالوا :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٢.

٣٦٦

اليهود والنصارى تعني ، يا رسول الله؟ قال : «فمن أعني! لتنقض عرى الإسلام عروة عروة ، فيكون أول ما تنقضون من دينكم الأمانة ، وآخره الصلاة» (١).

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يحاسب المؤمن أعطاه كتابه بيمينه ، وحاسبه فيما بينه وبينه ، فيقول : عبدي فعلت كذا وكذا ، وعملت كذا وكذا؟ فيقول : نعم يا رب ، قد فعلت ذلك ، فيقول : قد غفرتها لك وأبدلتها حسنات. فيقول الناس : سبحان الله أما كان لهذا العبد ولا سيئة واحدة! وهو قول الله عزوجل : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً)(٢).

قلت : أي أهل؟ قال : «أهله في الدنيا هم أهله في الجنة ، إذا كانوا مؤمنين ، وإذا أراد الله بعبد شرا حاسبه على رؤوس الناس وبكّته (٣) ، وأعطاه كتابه بشماله ، وهو قول الله عزوجل : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً).

قلت : أيّ أهل؟ قال : «أهله في الدنيا».

قلت : قوله تعالى : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ)؟ قال : «ظن أنه لن يرجع» (٤).

وقال أبو عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام : «أتي جبرئيل عليه‌السلام إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٢.

(٢) قال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ محاسب معذّب ، فقال له قائل : يا رسول الله ، فأين قول الله عزوجل : (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً)؟ قال : ذاك العرض» يعني التّصفّح. (معاني الأخبار : ص ٢٦٢ ، ح ١). وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هو عليّ وشيعته يؤتون كتبهم بأيمانهم». (تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٨٢ ، ح ١).

(٣) بكّته : غلبه بالحجة ، وقرّعه وعنّفه.

(٤) الزهد : ج ٩٢ ، ص ٢٤٦.

٣٦٧

فأخذ بيده فأخرجه إلى البقيع ، فانتهى إلى قبر ، فصوّت بصاحبه ، فقال : قم بإذن الله ، قال : فخرج منه رجل مبيض الوجه يمسح التّراب عن وجهه ، وهو يقول : الحمد لله والله أكبر ، فقال [جبرئيل] : عد بإذن الله ، ثم انتهى به إلى قبر آخر ، فصوّت بصاحبه ، وقال له : قم بإذن الله ، فخرج منه رجل مسودّ الوجه ، وهو يقول : وا حسرتاه ، واثبوراه ، ثم قال [له جبرئيل] : عد بإذن الله تعالى ، ثم قال : يا محمد ، هكذا يحشرون يوم القيامة ، المؤمنون يقولون هذا القول ، وهؤلاء يقولون ما ترى» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلى) يرجع بعد الموت (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) وهو الذي يظهر بعد مغيب الشمس ، وهو قسم وجوابه : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ)(٢) أي مذهبا بعد مذهب (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) أي بما تعي صدورهم (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ، أي لا يمن عليهم (٣).

__________________

(١) الزهد : ج ٩٤ ، ص ٢٥٣.

(٢) قال أبو جعفر عليه‌السلام لزرارة ، في قوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) : «يا زرارة ، أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقا عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان»؟ (الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٣ ، ح ١٧). وقال الصادق عليه‌السلام ـ في معنى الآية ـ سنن من كان قبلكم من الأولين وأحوالهم. (مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٧٠١). وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أي لتسلكن سبيل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء». (الاحتجاج : ص ٢٤٨).

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٣.

٣٦٨

تفسير سورة

البروج ـ الطارق

الأعلى

رقم السورة

ـ ٨٥ ـ ٨٦ ـ ٨٧ ـ

٣٦٩
٣٧٠

سورة البروج

* س ١ : ما هو فضل سورة البروج؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) في فريضة ، فإنها سورة الأنبياء ، كان محشره وموقفه مع النبيّين والمرسلين والصالحين» (١) :

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعطاه الله من الأجر بعدد كلّ من اجتمع في جمعة وكلّ من اجتمع يوم عرفة عشر حسنات ، وقراءتها تنجّي من المخاوف والشدائد» (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأها كان له أجر عظيم ، وأمن من المخاوف والشدائد» (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «ما علقت على مفطوم إلا سهل الله فطامه ، ومن قرأها على فراشه كان في أمان الله إلى أن يصبح» (٤).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١)) [سورة البروج : ١]؟!

الجواب / قال الأصبغ بن نباتة : سمعت ابن عباس يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ذكر الله عزوجل عبادة ، وذكري عبادة ، وذكر علي عبادة ، وذكر

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٢.

(٢) خواص القرآن : ص ٥٨ «مخطوط».

(٣) خواص القرآن : ص ٥٨ «مخطوط».

(٤) خواص القرآن : ص ١٣ «مخطوط».

٣٧١

الأئمة من ولده عبادة ، والذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية ، إن وصيي لأفضل الأوصياء ، وإنه لحجة الله على عباده ، وخليفته على خلقه ، ومن ولده الأئمة الهداة بعدي ، بهم يحبس الله العذاب عن أهل الأرض ، وبهم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وبهم يمسك الجبال أن تميد بهم ، وبهم يسقي خلقه الغيث ، وبهم يخرج النبات ، أولئك أولياء الله حقا وخلفاؤه صدقا ، عدتهم عدة الشهور ، وهي اثنا عشر شهرا ، وعدتهم عدة نقباء موسى ابن عمران عليه‌السلام. ثم تلا هذه الآية : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ).

ثم قال : «أتقدر ـ يابن عباس أن الله يقسم بالسماء ذات البروج ، ويعني به السماء وبروجها؟».

قلت : يا رسول الله ، فما ذاك ، قال : «أما السماء فأنا ، وأما البروج فالأئمة بعدي ، أولهم علي وآخرهم المهدي» (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣)) [سورة البروج : ٢ ـ ٣]؟!

الجواب / قال أحدهما عليهما‌السلام ، في قول الله : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)(٢) : «فذلك يوم القيامة ، وهو اليوم الموعود» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة ، والموعود : يوم القيامة» (٤).

وسأل الأبرش الكلبيّ أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما قيل لك»؟. فقال : قالوا : الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة.

__________________

(١) الاختصاص : المفيد ، ص ٢٢٣.

(٢) هود : ١٠٣.

(٣) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ١٥٩ ، ح ٦٥.

(٤) معاني الأخبار : ص ٢٩٩ ، ح ٦.

٣٧٢

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «ليس كما قيل لك : الشاهد يوم عرفة ، والمشهود : يوم القيامة ، أما تقرأ القرآن؟ قال الله عزوجل : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) : «النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام» (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)) [سورة البروج : ٤ ـ ٨]؟!

الجواب / أقول : «الأخدود» هو الشق العظيم في الأرض ، أو الخندق ... وهو في الآية إشارة إلى تلك الخنادق التي ملأها الكفار نارا ليردعوا فيها المؤمنين بالتنازل عن إيمانهم والرجوع إلى ما كانوا عليه من كفر وضلال.

ولكن ... متى حدث ذلك؟ في أيّ قوم؟ وهل حدث مرة واحدة أم لمرات؟ في منطقة أم مناطق؟ جرى بين المفسرين والمؤرخين مخاض طويل بخصوص الإجابة عن هذه الأسئلة. والمشهور :

قال علي بن إبراهيم : كان سببهم أن الذي هيج الحبشة على غزوة اليمن ذا نواس ، وهو آخر ملك من حمير ، تهوّد واجتمعت معه حمير على اليهودية ، وسمى نفسه يوسف ، وأقام على ذلك حينا من الدهر ، ثم أخبر أن بنجران بقايا قوم على دين النصرانية ، وكانوا على دين عيسى [وعلى] حكم الإنجيل ،

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٩٩ ، ح ٥.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٢ ، ح ٦٩.

٣٧٣

ورأس ذلك [الدين] عبد الله بن بريا (١) ، فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية ويدخلهم فيها ، فسار حتى قدم نجران ، فجمع من كان بها على دين النصرانية ، ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها ، فأبوا عليه ، فجادلهم وعرض عليهم وحرص الحرص كله فأبوا عليه ، وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها ، فاختاروا القتل ، فخدّ لهم أخدودا ، وجمع فيه الحطب ، وأشعل فيه النار ، فمنهم من أحرق بالنار ، ومنهم من قتل بالسيف ، ومثل بهم كل مثلة ، فبلغ عدد من قتل وأحرق بالنار عشرين ألفا ، وأفلت رجل منهم يدعى دوس ذو علبان على فرس له ، [و] ركضه (٢) واتبعوه حتى أعجزهم في الرمل ورجع ذو نواس إلى ضيعة من (٣) جنوده ، فقال الله عزوجل : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) إلى قوله تعالى : (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(٤).

وعن ابن بابويه في (الغيبة) : بإسناده ، عن أبي رافع ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث طويل ـ قال : «ملك مهرويه بن بخت نصر ست عشرة سنة وعشرين يوما ، وأخذ عند ذلك دانيال وحفر له جبا في الأرض ، وطرح فيه دانيال عليه‌السلام وأصحابه وشيعته من المؤمنين ، فألقى عليهم النيران ، فلما رأى أن النيران ليست تضرّ بهم ولا تقربهم ، استودعهم الجب وفيه الأسد والسباع ، وعذّبهم بكل لون من العذاب حتى خلصهم الله عزوجل منه ، وهم الذين ذكرهم الله في كتابه ، فقال عزوجل : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ)(٥).

__________________

(١) في «ج» : بربا ، وفي تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ١٢٢ ، والكامل في التاريخ : ج ١ ، ص ٤٢٩ : عبد الله بن الثامر.

(٢) ركض الفرس برجله : استحثه للعدو. «أقرب الموارد : ج ١ ، ص ٤٢٨).

(٣) في طبعة : ضيعته في.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٣.

(٥) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٢٦٦ ، ح ٢٠.

٣٧٤

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنهم كانوا مجوس ، أهل كتاب ، وكانوا متمسكين بكتابهم ، فتناول ملكهم الخمرة فوقع على أخته ، وبعد أن أفاق ندم ، فأعلن حليّة زواج الأخت ، فلم يقبل الناس ، فهددهم فلم يقبلوا ، فخدّ لهم الأخدود ، وأوقد فيه النيران ، وعرض أهل مملكته على ذلك ، فمن أبى قذفه في النار ، ومن أجاب خلّى سبيله» (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩)) [سورة البروج : ٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : قوله (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له التصرف في السماوات والأرض ، لا اعتراض لأحد عليه (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي شاهد عليهم ، لم يخف عليه فعلهم بالمؤمنين ، فإنه يجازيهم ، وينتصف للمؤمنين منهم (٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠)) [سورة البروج : ١٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي ، في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي أحرقوهم ...» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أرسل علي عليه‌السلام إلى أسقف نجراني سأله عن أصحاب الأخدود ، فأخبره بشيء ، فقال عليه‌السلام : ليس كما ذكرت ، ولكن

__________________

(١) مجمع البيان : وعن الميزان في تفسير الآية.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣١٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٤.

٣٧٥

سأخبرك عنهم ، إن الله بعث رجلا حبشيا نبيا ، وهم حبشة ، فكذبوه ، فقاتلهم فقتلوا أصحابه ، وأسروه وأسروا أصحابه ، ثم بنوا له حيرا (١) ، ثم ملؤوه نارا ، ثم جمعوا الناس فقالوا : من كان على ديننا وأمرنا فليعتزل ، ومن كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار معه ، فجعل أصحابه يتهافتون في النار ، فجاءت امرأة معها صبيّ لها ابن شهر ، فلما هجمت على النار هابت ورقت على ابنها ، فناداها الصبي : لا تهابي وارميني ونفسك في النار ، فإن هذا والله في الله قليل ، فرمت بنفسها في النار وصبيها ، وكان ممن تكلم في المهد» (٢).

وقال ميثم التمّار : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وذكر أصحاب الأخدود ، فقال : «كانوا عشرة ، وعلى مثالهم عشرة يقتلون في هذا السوق» (٣).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥)) [سورة البروج : ١١ ـ ١٥]؟!

الجواب / قال صباح الأزرق : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قول الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) : «هو أمير المؤمنين عليه‌السلام وشيعته» (٤).

وقال علي بن إبراهيم القمي : قال ابن عباس : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) يريد

__________________

(١) الحير : شبه الحظيرة أو الحمى. «المعجم الوسيط : ج ١ ، ص ٢١١».

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٧٠٦.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٧٠٧.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٨٤ ، ح ٣.

٣٧٦

الذين صدقوا وآمنوا بالله عزوجل ووحدوه ، يريد لا إله إلا الله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يريد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت (ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) ، يريد فازوا بالجنة وأمنوا العقاب (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) يا محمد (لَشَدِيدٌ) إذا أخذ الجبابرة والظلمة والكفار ، كقوله في سورة هود : (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)(١).

(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) ، يريد الخلق ، ثم أماتهم ثم يعيدهم بعد الموت أيضا

(وَهُوَ الْغَفُورُ) يريد لأوليائه وأهل طاعته ، (الْوَدُودُ) كما يود أحدكم أخاه وصاحبه بالبشرى والمحبة (٢).

ثم قال علي بن إبراهيم ، وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قوله : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) فهو الله الكريم المجيد» (٣).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)) [سورة البروج : ١٦ ـ ٢١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) لا يعجزه شيء طلبه ، ولا يمتنع منه شيء أراده ... وقيل : لما يريد من الإبداء والإعادة. ثم ذكر سبحانه خبر الجموع الكافرة فقال : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) الذين تجندوا على أنبياء الله أي : هل بلغك أخبارهم. وقيل : أراد قد أتاك. ثم بين سبحانه أصحاب الجنود فقال : (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) والمعنى تذكر يا محمد حديثهم ، تذكر معتبر ، كيف كذبوا أنبياء الله ، وكيف نزل بهم العذاب ، وكيف صبر

__________________

(١) هود : ١٠٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٤.

٣٧٧

الأنبياء ، وكيف نصروا ، فاصبر ما صبر أولئك ، ليأتيك النصر كما أتاهم. وهذا من الإيجاز البديع ، والتلويح الفصيح الذي لا يقوم مقامه التصريح. (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني مشركي قريش (فِي تَكْذِيبٍ) لك وللقرآن قد أعرضوا عما يوجبه الاعتبار ، وأقبلوا على ما يوجبه الكفر والطغيان. (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) معناه أنهم في قبضة الله وسلطانه ، لا يفوتونه كالمحاصر المحاط به من جوانبه ، لا يمكنه الفوات والهرب ، وهذا من بلاغة القرآن (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) أي كريم ، لأنه كلام الرب ... أي ليس هو كما يقولون من أنه شعر ، أو كهانة وسحر ، بل هو قرآن كريم ، عظيم الكرم ، فيما يعطي من الخير ، جليل الخطر والقدر. وقيل : هو قرآن كريم لما يعطي من المعاني الجليلة ، والدلائل النفيسة ، ولأن جميعه حكم ، والحكم على ثلاثة أوجه لا رابع لها : معنى يعمل عليه فيما يخشى أو يتقي ، وموعظة تلين القلب للعمل بالحق ، وحجة تؤدي إلى تمييز الحق من الباطل في علم دين أو دنيا ، وعلم الدين أشرفهما ، وجميع ذلك موجود في القرآن (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)) [سورة البروج : ٢٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمّي : اللوح المحفوظ له طرفان : طرف على يمين العرش ، وطرف على جبهة إسرافيل ، فإذا تكلّم الربّ جلّ ذكره بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل ، فينظر في اللوح ، فيوحي بما في اللوح إلى جبرائيل عليه‌السلام (٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣١٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤١٤.

٣٧٨

سورة الطّارق

* س ١ : ما هو فضل سورة الطّارق؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من كانت قراءته في فرائضه (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) ، كانت له يوم القيامة عند الله جاه ومنزلة ، وكان من رفقاء المؤمنين وأصحابهم في الجنّة» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة كتب الله له عشر حسنات بعدد كلّ نجم في السماء ، ومن كتبها وغسلها بالماء ، وغسل بها الجراح لم ترم ، وإن قرئت على شيء حرسته وأمن صاحبه عليه» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من غسل بمائها الجراح سكنت ولم تقح ، ومن قرأها على شيء يشرب دواء يكون فيه الشفاء» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)) [سورة الطّارق : ١ ـ ١٧]؟!

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٢.

(٢) خواص القرآن : ص ١٣ «نحوه».

(٣) خواص القرآن : ص ١٣ «نحوه».

٣٧٩

الجواب / قال الضحاك بن مزاحم : سئل علي عليه‌السلام عن الطارق؟ ، قال : «هو أحسن نجم في السماء ، وليس تعرفه الناس ، وإنما سمي الطارق لأنه يطرق نوره سماء سماء إلى سبع سماوات ، ثم يطرق راجعا حتى يرجع إلى مكانه» (١).

وقال أبان بن تغلب : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه فرد عليه‌السلام ، وقال له : «مرحبا بك يا سعد» فقال له الرجل : بهذا الاسم سمتني أمي ، وما أقل من يعرفني به!

فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : «صدقت ، يا سعد المولى» فقال له الرجل : جعلت فداك ، بهذا كنت ألقب. فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا خير في اللقب ، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ)(٢) ، ما صنعك يا سعد؟». فقال : جعلت فداك ، أنا من [أهل] بيت ننظر في النجوم ، لا نقول إن باليمن أحدا أعلم بالنجوم منا.

فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : «فما زحل عندكم في النجوم؟». فقال اليماني : نجم نحس. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «مه ، لا تقولنّ هذا ، فإنه نجم أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو نجم الأوصياء عليهم‌السلام وهو النجم الثاقب الذي قال الله عزوجل في كتابه».

فقال [له] اليماني : فما يعني بالثاقب؟ قال : «إن مطلعه في السماء السابعة ، وإنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا ، فمن ثمّ سمّاه الله عزوجل النجم الثاقب» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) ، قال : «السماء في هذا الموضع : أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والطارق : الذي يطرق

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٥٧٧ ، ح ١.

(٢) الحجرات : ١١.

(٣) الخصال : ص ٤٨٩ ، ح ٦٨.

٣٨٠