التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

١
٢

٣

٤

سورة الشّورى

* س ١ : ما هو فضل سورة الشورى؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ (حم عسق) بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالثلج ، أو كالشمس ، حتى يقف بين يدي الله عزوجل ، فيقول : عبدي أدمت قراءة (حم عسق) ولم تدر ما ثوابها؟ أما لو دريت ما هي وما ثوابها؟ لما مللت قراءتها ، ولكن سأجزيك جزاءك ، أدخلوه الجنّة وله فيها قصر من ياقوتة حمراء ، أبوابها وشرفها ودرجها منها ، يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، وله حوراء من الحور العين ، وألف جارية وألف غلام من الولدان المخلّدين ، الذين وصفهم الله عزوجل (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة صلّت عليه الملائكة ، وترحموا عليه بعد موته ؛ ومن كتبها بماء المطر ، وسحق بذلك الماء كحلا ، واكتحل به من بعينه بياض قلعه ، وزال عنه كل ما كان عارضا في عينه من الآلام بإذن الله تعالى (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها وعلّقها عليه أمن من الناس ، ومن شربها في سفر أمن (٣).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٣.

(٢) البرهان : ج ٨ ، ص ٤٨١ ـ ٤٨٢.

(٣) البرهان : ج ٨ ، ص ٤٨١ ـ ٤٨٢.

٥

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(حم (١) عسق) (٢) [سورة الشورى : ١ ـ ٢]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : «... ، وأمّا (حم عسق) فمعناه الحليم المثيب العالم السميع القادر القويّ (١).

وقال علي بن إبراهيم : هو حرف من اسم الله الأعظم المقطوع ، يؤلفه الرسول أو الإمام ، فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعا الله به أجاب ، ثم قال : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : (حم عسق) عدد سنيّ القائم ، و (ق)(٣) : جبل محيط بالدنيا من زمرّد أخضر ، وخضرة السماء من ذلك الجبل ، وعلم كل شيء في (عسق)(٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : (حم) حتم ، و (عين) عذاب ، و (سين) سنون كسنيّ يوسف عليه‌السلام ، و (قاف) قذف [وخسف] ومسخ يكون في آخر الزمان بالسفياني وأصحابه ، وناس من كلب ثلاثون ألف يخرجون معه ، وذلك حين يخرج القائم عليه‌السلام بمكّة ، وهو مهديّ هذه الأمة (٥).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (٤) [سورة الشورى : ٣ ـ ٤]؟!

الجواب / أقول : بعد الحروب المقطعة تتحدث الآية الكريمة عن

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٧.

(٣) سورة ق : ١.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٧.

(٥) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٤٢ ، ح ٣.

٦

الوحي ، فتقول : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

«كذلك إشارة إلى محتوى السورة ومضامينها.

ومصدر الوحي واحد ، وهو علم الله وقدرته ، ومحتوى الوحي في الأصول والخطوط العريضة واحد أيضا بالنسبة لجميع الأنبياء والرسالات ، بالرغم من أن هناك خصوصيات بين دعوة نبي وآخر بحسب حاجة الزمان والمسيرة التكاملية للبشر (١).

وضروري أن نشير إلى أنّ الآيات التي أشارت إلى عدة صفات سبقت من صفات الله الكمالية ، لكل منها دور في قضية الوحي بشكل معين ، ومن ضمنها الصفتان اللتان نقرؤهما في هذه الآية : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

فعزته تعالى وقدرته المطلقة تقتضي سيطرته على الوحي ومحتواه العظيم. وحكمته تستوجب أن يكون الوحي الإلهي حكيما متناسقا مع حاجات الإنسان التكاملية في جميع الأمور والشؤون.

وتعبير «الوحي دليل على استمرار الوحي منذ خلق الله آدم عليه‌السلام حتى عصر النبي الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن الفعل المضارع يفيد الاستمرار.

قوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ). إن مالكيته تعالى لما في السماء والأرض تستوجب ألّا يكون غريبا عن مخلوقاته وما يؤول إليه مصيرها ، بل يقوم بتدبير أمورها وحاجاتها عن طريق الوحي ، وهذه هي إحدى الصفات.

__________________

(١) بالرغم من الكلام الكثير للمفسرين حول المشار إليه في اسم الإشارة «كذلك لكن يظهر أنّ المشار إليه هو نفس هذه الآيات النازلة على النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذا يكون مفهوم الآية : إن الوحي هو بهذا الشكل الذي أنزله الله عليك وعلى الأنبياء السابقين ، وقد استخدم اسم الإشارة البعيد بالرغم من قرب المشار إليه ، وذلك للتعظيم والاحترام.

٧

أما «العليّ و «العظيم اللذان هما صفة له (سبحانه وتعالى) في هذه الآيات ، فهما يشيران إلى عدم حاجته لأي طاعة أو عبودية من عباده ، وإنّما قام تعالى بتدبير أمر العباد عن طريق الوحي من أجل أن ينعم على عباده.

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥) [سورة الشورى : ٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) ، قال : للمؤمنين من الشيعة التوّابين خاصّة ، ولفظ الآية عام ومعناه خاص (١).

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ) : «أي يتصدعن (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (٦) [سورة الشورى : ٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : أخبار من الله تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يعني الكفار الذين اتخذوا الأصنام آلهة ووجهوا عبادتهم إليها. وجعلوهم أولياء لهم وأنصارا من دونه. وإنما قال (مِنْ دُونِهِ) لأن من اتخذ وليا بأمر الله لم يتخذه من دون الله. وقوله (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) أي حافظ عليهم أعمالهم وحفيظ عليها بأنه لا يعزب عنه شيء منها ، وأنه قد كتبها في

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٨.

٨

اللوح المحفوظ مظاهرة في الحجة عليهم وما هو أقرب إلى إفهامهم إذا تصوروها مكتوبة لهم وعليهم. وقوله (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) معناه إنك لم توكل بحفظ أعمالهم ، فلا يظن ظان هذا ، فإنه ظن فاسد وإنما بعثك الله نذيرا لهم وداعيا إلى الحق ومبينا لهم سبيل الرشاد ، وقيل : معناه إنك لم توكل عليهم أي تمنعهم من الكفر بالله ، لأنه قد يكفر من لا يتهيأ له منعه من كفره بقتله (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٨) [سورة الشورى : ٧ ـ ٨]؟!

الجواب / قال جعفر بن محمد الصوفيّ : سألت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام ، فقلت له : يابن رسول الله ، لم سمي النبيّ الأمي ـ وذكر الحديث إلى أن قال فيه ـ : «وإنما سمي الأمي لأنه من أهل مكة ، ومكة من أمهات القرى ، وذلك قول الله تعالى في كتابه : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها)(٢).

وقال علي بن إبراهيم : أم القرى مكة ، سميت أم القرى لأنها أول بقعة خلقها الله من الأرض ، لقوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً)(٣).

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ١٤٤.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٢٤٥ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٨ ، والآية من سورة آل عمران : ٩٦.

٩

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لما بلغ أمير المؤمنين عليه‌السلام أمر معاوية وأنه في مائة ألف ، قال : من أي القوم؟ قالوا : من أهل الشام. قال عليه‌السلام : لا تقولوا من أهل الشام ، ولكن قولوا من أهل الشؤم ، هم من أبناء مضر لعنوا على لسان داود ، فجعل الله منهم القردة والخنازير.

ثم كتب عليه‌السلام إلى معاوية : لا تقتل الناس بيني وبينك ، ولكن هلمّ إلى المبارزة ، فإن أنا قتلتك فإلى النار أنت ، وتستريح الناس منك ومن ضلالتك ، وإن قتلتني فأنا إلى الجنة ، ويغمد عنك السيف الذي لا يسعني غمده حتى أرد مكرك وخديعتك وبدعتك ، وأنا الذي ذكر الله اسمي في التوراة والإنجيل بمؤازرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنا أول من بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت الشجرة ، في قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)(١).

فلما قرأ معاوية كتابه وعنده جلساؤه ، قالوا : والله لقد أنصفك. فقال معاوية : والله ما أنصفني ، والله لأرمينّه بمائة ألف سيف من أهل الشام من قبل أن يصل إليّ ، والله ما أنا من رجاله ، ولقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : والله يا عليّ ، لو بارزك أهل المشرق والمغرب لتقتلهم أجمعين. فقال له رجل من القوم : فما يحملك يا معاوية ، على قتال من تعلم وتخبر فيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما تخبر! وما أنت ونحن في قتاله إلا على ضلالة. فقال معاوية : إنما هذا بلاغ من الله ورسالاته ، والله ما أستطيع أنا وأصحابي رد ذلك ، حتى يكون ما هو كائن.

قال : وبلغ ذلك ملك الروم ، وأخبر أن رجلين قد خرجا يطلبان الملك ، فسأل : من أين خرجا؟ فقيل له : رجل بالكوفة ورجل بالشام. قال : فلمن الملك الآن؟ قال : فأمر وزراءه ، وقال : تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي؟ فأتي برجلين من تجار الشام ، ورجلين من تجار مكة ، فسألهم عن صفتهما ، فوصفوهما له ، ثم قال لخزان بيوت خزائنه : أخرجوا

__________________

(١) الفتح : ١٨.

١٠

إلي الأصنام. فأخرجوها ، فنظر إليها ، فقال : الشاميّ ضالّ ، والكوفيّ هاد ، ثم كتب إلى معاوية : أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك ، وكتب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام : أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك ، فاسمع منهما ، ثم أنظر في الإنجيل كتابنا ، ثم أخبركما من أحق بهذا الأمر ؛ وخشي على ملكه ، فبعث معاوية بيزيد ابنه ، وبعث أمير المؤمنين الحسن ابنه عليه‌السلام.

فلما دخل يزيد على الملك ، أخذ بيده وقبلها ، ثم قبل رأسه ، ثم دخل الحسن بن علي عليه‌السلام ، فقال : الحمد لله الذي لم يجعلني يهوديا ، ولا نصرانيا ، ولا مجوسيّا ، ولا عابدا للشمس ولا للقمر ولا لصنم ولا لبقر ، وجعلني حنيفا مسلما ، ولم يجعلني من المشركين ، تبارك الله رب العرش العظيم ، ثم جلس ، لا يرفع بصره ، فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين أخرجهما ، ثم فرّق بينهما ، ثم بعث إلى يزيد فأحضره ، ثم أخرج من خزائنه ثلاث مائة وثلاثة عشرة صندوقا ، فيها تماثيل الأنبياء عليهم‌السلام ، وقد زينت بزينة كل نبي مرسل ، فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ، ثم عرض عليه صنما صنما فلا يعرف منها شيئا ، ولا يجيب عنها بشيء ، ثم سأله عن أرزاق الخلائق ، وعن أرواح المؤمنين ، أين تجتمع؟ وعن أرواح الكفار ، أين تكون إذا ماتوا؟ فلم يعرف من ذلك شيئا.

ثم دعا الملك الحسن بن علي عليه‌السلام ، فقال : إنّما بدأت بيزيد بن معاوية لكي يعلم أنك تعلم ما لا يعلم ، ويعلم أبوك ما لا يعلم أبوه ، فقد وصف لي أبوك وأبوه ، ونظرت في الإنجيل ، فرأيت فيه محمدا رسول الله ، والوزير عليا ، ونظرت في الأوصياء ، فرأيت فيها أباك وصي محمد رسول الله.

فقال له الحسن عليه‌السلام : سلني عما بدا لك مما تجده في الإنجيل ، وعما في التوراة ، وعما في القرآن ، أخبرك به ، إن شاء الله تعالى : فدعا الملك بالأصنام ، فأول صنم عرض عليه في صورة القمر ، فقال الحسن عليه‌السلام : هذه

١١

صفة آدم أبي البشر. ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس. فقال الحسن عليه‌السلام : هذه صفة حوّاء ، أم البشر. ثم عرض عليه آخر في صفة حسنة. فقال : هذه صفة شيث بن آدم عليه‌السلام ، وكان أول من بعث ، وبلغ [عمره] في الدنيا ألف سنة وأربعين عاما. ثم عرض عليه صنم آخر ، فقال : هذه صفة نوح صاحب السفينة ، وكان عمره ألفا وأربع مائة سنة ، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما. ثم عرض عليه صنم آخر ، فقال : هذه صفة إبراهيم عليه‌السلام ، عريض الصّدر ، طويل الجبهة. ثم عرض عليه صنم آخر ، فقال : هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب. ثم عرض عليه صنم آخر ، فقال : هذه صفة إسماعيل. ثم أخرج إليه صنم آخر ، فقال : هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق. ثم أخرج إليه صنم آخر ، فقال : هذه صفة موسى بن عمران ، وكان عمره مائتين وأربعين سنة ، وكان بينه وبين إبراهيم خمس مائة عام ، ثم أخرج إليه صنم آخر ، فقال : هذه صفة داود صاحب المحراب ، ثم أخرج إليه صنم آخر ، فقال : هذه صفة شعيب. ثم زكريا ، ثم يحيى ، ثم عيسى بن مريم روح الله وكلمته ، وكان عمره في الدنيا ثلاثة وثلاثين سنة ، ثم رفعه الله إلى السماء ، ويهبط إلى الأرض بدمشق ، وهو الذي يقتل الدجال.

ثم عرضت عليه صنما صنما ، فيخبر باسم نبي نبي ، ثم عرض عليه الأوصياء والوزراء ، فكان يخبر باسم وصي وصي ، ووزير وزير. ثم عرض عليه أصنام بصفة الملوك. فقال الحسن عليه‌السلام : هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الزّبور ، ولا في القرآن ، فلعلها من صفة الملوك. فقال الملك : أشهد عليكم ، يا أهل بيت محمد ، أنكم قد أعطيتم علم الأولين والآخرين ، وعلم التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وصحف إبراهيم ، وألواح موسى.

ثم عرض عليه صنم بلوح ، فلما رآه الحسن بكى بكاء شديدا ، فقال له

١٢

الملك : ما يبكيك؟ فقال : هذه صفة جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيف اللحية ، عريض الصدر ، طويل العنق ، عريض الجبهة ، أقنى الأنف ، أفلج الأسنان ، حسن الوجه قطط الشعر ، طيب الريح ، حسن الكلام ، فصيح اللسان ، كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، بلغ عمره ثلاثا وستين سنة ، ولم يخلف بعده إلا خاتما مكتوب عليه : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وكان يتختم بيمينه ، وخلف سيف ذي الفقار ، وقضيبه ، وجبة صوف ، وكساء صوف ، وكان يتسرول به ، لم يقطعه ولم يخطه حتى لحق بالله ، فقال الملك : إنا نجد في الإنجيل أن يكون له ما يتصدق به على سبطيه ، فهل كان ذلك؟ فقال الحسن عليه‌السلام : قد كان ذلك. فقال الملك : فبقي لكم ذلك؟ فقال : لا ، فقال الملك : أول فتنة هذه الأمة غلبها أباكما ، وهما الأول والثاني ، على ملك نبيكم ، واختيار هذه الأمة على ذرية نبيهم ، منكم القائم بالحق ، والآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر.

قال : ثم سأل الملك الحسن بن علي عليه‌السلام عن سبعة أشياء خلقها ، لم تركض في رحم. فقال الحسن عليه‌السلام : أول هذه آدم ، ثم حواء ، ثم كبش إبراهيم ، ثم ناقة صالح ، ثم إبليس الملعون ، ثم الحية ، ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن.

قال : وسأله عن أرزاق الخلائق ، فقال الحسن عليه‌السلام : أرزاق الخلائق في السماء الرابعة ، منها ينزل بقدر ويبسط بقدر.

ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تكون إذا ماتوا؟ قال : تجمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة جمعة ، وهو عرش الله الأدنى ، منها يبسط الله الأرض ، وإليه يطويها ، ومنها المحشر ، ومنها استوى ربنا إلى السماء أي استولى على السماء والملائكة.

ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع؟ قال : تجتمع في وادي

١٣

حضرموت ، وراء مدينة اليمن ، ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب ، ويتبعهما بريحين شديدتين ، فيبعث الله عند صخرة بيت المقدس ، فيحشر أهل الجنة عن يمين الصخرة ، ويزلف المتقين وتصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الأرضين السابعة ، وفيها الفلق والسجين ، فتفرق الخلائق عند الصخرة ، فمن وجبت له الجنة دخلها ، ومن وجبت له النار دخلها ، وذلك قوله تعالى : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ).

فلمّا أخبر الحسن عليه‌السلام بصفة ما عرض عليه من الأصنام وتفسير ما سأله ؛ التفت الملك إلى يزيد بن معاوية ، فقال : أشعرت أن ذلك علم لا يعلمه إلا نبيّ مرسل أو وصي مؤازر ، قد أكرمه الله بمؤازرة نبيه أو عترة نبي مصطفى ، وغيره فقد طبع الله على قلبه ، وآثر دنياه على آخرته ، وهواه على دينه وهو من الظالمين؟ قال : فسكت يزيد وخمد.

قال : فأحسن الملك جائزة الحسن وأكرمه وقال له : ادع ربك حتى يرزقني دين نبيك ، فإن حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك ، فأظنّه شقاء مرديا وعذابا أليما.

قال : فرجع يزيد إلى معاوية ، وكتب إليه الملك كتابا : أنّ من آتاه الله العلم بعد نبيكم ، وحكم بالتوراة وما فيها ، والإنجيل وما فيه ، والزبور وما فيه ، والقرآن وما فيه ، فالحق والخلافة له. وكتب إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : أن الحق والخلافة لك ، وبيت النبوة فيك وفي ولدك ، فقاتل من قاتلك ، فإن من قاتلك يعذبه الله بيدك ثم يخلده نار جهنم ، فإن من قاتلك نجده عندنا في الإنجيل أن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وعليه لعنة أهل السماوات والأرضين (١).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٨.

١٤

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ، قال : لو شاء الله يجعلهم كلهم معصومين مثل الملائكة بلا طباع ، لقدر عليه ، (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ) لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقّهم (ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(١).

وقال جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، في قوله تعالى : (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) : «الرحمة : ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام (وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٨.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٤٢ ، ح ٤.

١٥

رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)(١٨) [سورة الشورى : ٩ ـ ١٨]؟!

الجواب / قال ابن شهر آشوب : من كتاب العلويّ البصري : أن جماعة من اليمن أتوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : نحن بقايا الملك المقدّم من آل نوح ، وكان لنبينا وصي اسمه سام ، وأخبر في كتابه : أنّ لكل نبي معجزة ، وله وصي يقوم مقامه ؛ فمن وصيك؟ فأشار بيده نحو علي عليه‌السلام ، فقالوا : يا محمد ، إن سألناه أن يرينا سام بن نوح ، فيفعل؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نعم ، بإذن الله وقال : «يا علي ، قم معهم إلى داخل المسجد فصل ركعتين ، واضرب برجلك الأرض عند المحراب.

فذهب عليّ ، وبأيديهم صحف ، إلى أن دخل محراب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم داخل المسجد ، فصلى ركعتين ، ثم قام فضرب برجله على الأرض فانشقّ الأرض وظهر لحد وتابوت ، فقام من التابوت شيخ يتلألأ وجهه مثل القمر ليلة البدر ، وينفض التراب من رأسه ، وله لحية إلى سرته ، وصلى على عليّ عليه‌السلام ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، سيد المرسلين ، وأنك علي وصي محمد ، سيد الوصيين ، أنا سام بن نوح ، فنشروا أولئك صحفهم ، فوجدوه كما وصفوه في الصحف ، ثم قالوا : نريد أن يقرأ من صحفه سورة ، فأخذ في قراءته حتى تمم السورة ، ثم سلم على علي ، ونام كما كان ، فانضمت الأرض ، وقالوا بأسرهم : إن الدين عند الله الإسلام. وآمنوا ، فأنزل الله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ

١٦

يُحْيِ الْمَوْتى) إلى قوله : (أُنِيبُ)(١).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) يعني وما اختلفتم فيه من المذاهب ، واخترتم لأنفسكم من الأديان ، فحكم ذلك كله إلى الله يوم القيامة.

وقوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) يعني النساء (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) يعني ذكورا وإناثا (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) يعني النسل الذي يكون من الذكور والإناث. ثم ردّ على من وصف الله فقال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(٢).

وكتب الرضا عليه‌السلام إلى عبد الله بن جندب : «أمّا بعد ، فإنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أمين الله في خلقه ، فلما قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنا أهل البيت ورثته ، فنحن أمناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا ، وأنساب العرب ، ومولد الإسلام ، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق ، وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق ، يردون موردنا ، ويدخلون مدخلنا ، ليس على ملّة الإسلام غيرنا وغيرهم.

نحن النجباء والنجاة ، ونحن أفراط الأنبياء ، ونحن أبناء الأوصياء ، ونحن المخصوصون في كتاب الله عزوجل ، ونحن أولى الناس بكتاب الله ، ونحن أولى الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن الذين شرع لنا دينه ، فقال في كتابه : (شَرَعَ لَكُمْ) يا آل محمد (مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) قد وصانا بما وصى به نوحا (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمد (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) فقد علمنا وبلغنا علم ما علمنا واستودعنا علمهم ، نحن ورثة أولي العزم من الرسل (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) يا آل محمد (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) وكونوا

__________________

(١) المناقب : ج ٢ ، ص ٣٣٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٣.

١٧

على جماعة (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) من أشرك بولاية عليّ (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من ولاية علي ، إنّ (اللهُ) يا محمد (يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) من يجيبك إلى ولاية عليّ عليه‌السلام (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله عزوجل قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ولقد وصيناك بما وصينا به آدم ونوحا وإبراهيم والنبيين من قبلك (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من تولية (٢) علي بن أبي طالب عليه‌السلام. قال عليه‌السلام : «إن الله عزوجل أخذ ميثاق كل نبي ، وكل مؤمن ليؤمنن بمحمد وعلي ، وبكل نبي ، وبالولاية ، ثم قال لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)(٣) ، يعني آدم ونوحا وكل نبي بعده (٤).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) مخاطبة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمد (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) أي تعلموا الدين ، يعني التوحيد ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت ، والسنن والأحكام التي في الكتب ، والإقرار بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [أي لا تختلفوا فيه] (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من ذكر هذه الشرائع.

ثم قال : (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) أي يختار (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) وهم الأئمة الذين اجتباهم الله واختارهم ، قال : (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) قال : لم يتفرقوا بجهل ، ولكنهم تفرقوا لما جاءهم العلم وعرفوه ، وحسد بعضهم بعضا ، وبغى بعضهم على بعض ، لما رأوا من

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٧٤ ، ح ١.

(٢) في النسخ : من قول.

(٣) الأنعام : ٩٠.

(٤) مختصر بصائر الدرجات : ص ٦٣.

١٨

تفضيل أمير المؤمنين عليه‌السلام بأمر الله ، فتفرّقوا في المذاهب ، وأخذوا بالآراء والأهواء.

ثم قال عزوجل : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ، قال : لو لا أن الله قدّر ذلك أن يكون في التقدير الأول لقضي بينهم إذا اختلفوا ، وأهلكهم ولم ينظرهم ، ولكن آخرهم إلى أجل مسمى مقدر.

(وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) كناية عن الذين نقضوا أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال : (فَلِذلِكَ فَادْعُ) يعني هذه الأمور ، والذي تقدم ذكره ، وموالاة أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله تعالى : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) ، «الإمام (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) كناية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثم قال : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من ولاية علي عليه‌السلام (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) كناية عن علي عليه‌السلام (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) ، ثم قال : (فَلِذلِكَ فَادْعُ) يعن إلى ولاية علي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) فيه (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) إلى قوله : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(٢).

وقال الرضا عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) بولاية عليّ (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) يا محمد من ولاية عليّ ، هكذا في الكتاب مخطوطة (٣).

نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم : ثم قال عزوجل : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) أي يحتجون على الله بعد ما شاء [الله] أن يبعث إليهم الرّسل

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٣.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٦ ، ح ٣٢.

١٩

[والكتب] ، فبعث الله إليهم الرّسل والكتب فغيروا وبدلوا ، ثم يحتجون يوم القيامة على الله (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) أي باطلة (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ).

ثم قال عزوجل : (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) ، قال : الميزان : أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والدليل على ذلك قوله في سورة الرحمن : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ)(١) يعني الإمام.

وقوله تعالى : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) كناية عن القيامة فإنهم كانوا يقولون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقم لنا الساعة وائتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين ، قال الله : (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ) أي يخاصمون (٢).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (٢٠) [سورة الشورى : ١٩ ـ ٢٠]؟!

الجواب / قال الرضا عليه‌السلام : ـ في معنى بعض أسماء الله تعالى ـ : «وأما اللطيف فليس على قلّة وقضافة (٣) وصغر ، ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء والامتناع من أن يدرك ، كقولك للرجل : لطف عني هذا الأمر. ولطف فلان في مذهبه ، وقوله يخبرك : أنه غمض فبهر العقل ، وفات الطلب ، وعاد متعمقا

__________________

(١) الرحمن : ٧.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٤.

(٣) القضافة : قلة اللحم ، والقضيف : الدقيق العظم ، القليل اللحم. «لسان العرب ـ قضف ـ ج ٩ ، ص ٢٨٤.

٢٠