التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

الله ، وهو قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) الحق ، ولا يعلمون عظمة الله ، وشدة عقابه (لا يُقاتِلُونَكُمْ) معاشر المؤمنين (جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) أي ممتنعة حصينة. المعنى أنهم لا يبرزون لحربكم ، وإنما يقاتلونكم متحصنين بالقرى (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) أي : يرمونكم من وراء الجدران ، بالنبل والحجر. (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) أي عداوة بعضهم لبعض شديدة ، يعني أنهم ليسوا بمتفقي القلوب. وقيل : معناه قوتهم فيما بينهم شديدة ، فإذا لاقوكم جبنوا ، ويفزعون منكم بما قذف الله في قلوبهم من الرعب. (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) أي مجتمعين في الظاهر (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) أي مختلفة متفرقة. خذلهم الله باختلاف كلمتهم. وقيل : إنه عنى بذلك قلوب المنافقين ، وأهل الكتاب. (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) ما فيه الرشد مما فيه الغي ، وإنما كان قلوب من يعمل بخلاف العقل شتى ، لاختلاف دواعيهم وأهوائهم ، وداعي الحق واحد وهو العقل الذي يدعو إلى طاعة الله ، والإحسان في الفعل. (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً) أي مثلهم في اغترارهم بعددهم وبقوتهم وبقول المنافقين ، كمثل الذين من قبلهم ، يعني المشركين الذين قتلوا ببدر ، وذلك قبل غزاة بني النضير لستة أشهر. وقيل : إن (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً) هم بنو قينقاع. وذلك أنهم نقضوا العهد مرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بدر ، فأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخرجوا. وقال عبد الله بن أبي : لا تخرجوا فإني آتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأكلمه فيكم ، أو أدخل معكم الحصن. فكان هؤلاء أيضا في إرسال عبد الله بن أبي إليهم ، ثم ترك نصرتهم كأولئك. (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي عقوبة كفرهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.

ثم ضرب سبحانه لليهود والمنافقين مثلا فقال : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) أي مثل المنافقين في غرورهم لبني النضير ، وخذلانهم إياهم ، كمثل الشيطان (إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) وهو عابد بني إسرائيل ، عن ابن عباس قال : إنه كان في

٤١

بني إسرائيل عابد اسمه برصيصا ، عبد الله زمانا من الدهر ، حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ، ويعوذهم فيبرأون على يده ، وإنه أتي بامرأة في شرف قد جنت ، وكان لها إخوة فأتوه بها ، فكانت عنده. فلم يزل به الشيطان يزين له ، حتى وقع عليها ، فحملت. فلما استبان حملها قتلها ودفنها. فلما فعل ذلك ، ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها ، فأخبره بالذي فعل الراهب ، وأنه دفنها في مكان كذا. ثم أتى بقية إخوتها رجلا رجلا ، فذكر ذلك له ، فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول : والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئا يكبر علي ذكره! فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم ، فسار الملك والناس ، فاستنزلوه ، فأقر لهم بالذي فعل ، فأمر به فصلب. فلما رفع على خشبته ، تمثل له الشيطان فقال : أنا الذي ألقيتك في هذا ، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك ، أخلصك مما أنت فيه؟ قال : نعم. قال : اسجد لي سجدة واحدة. فقال : كيف أسجد لك ، وأنا على هذه الحالة؟ فقال : اكتفي منك بالإيماء. فأومى له بالسجود فكفر بالله ، وقتل الرجل. فهو قوله (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ). (فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) ضرب الله هذه القصة لبني النضير ، حين اغتروا بالمنافقين ، ثم تبرأوا منهم عند الشدة وأسلموهم. وقيل : أراد كمثل الشيطان يوم بدر ، إذ دعا إلى حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما رأى الملائكة ، رجع القهقري ، وقال : إني أخاف الله. وقيل : أراد بالشيطان والإنسان اسم الجنس لا المعهود ، فإن الشيطان أبدا يدعو الإنسان إلى الكفر ، ثم يتبرأ منه ، وقت الحاجة. وإنما يقول الشيطان : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) يوم القيامة. ثم ذكر سبحانه أنهما صارا إلى النار بقوله : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها) يعني عاقبة الفريقين الداعي والمدعو ، من الشيطان ، ومن أغواه من المنافقين واليهود ، أنهما معذبان في النار (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) أي وذلك جزاؤهم. ثم رجع إلى موعظة المؤمنين ، فقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ

٤٢

آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) يعني ليوم القيامة. والمعنى : لينظر كل امرىء ما الذي قدمه لنفسه ، أعملا صالحا ينجيه ، أم سيئا يوبقه ويرديه ، فإنه وارد عليه. قال قتادة : إن ربكم قرب الساعة ، حتى جعلها كغد ، وأمركم بالتدبر والتفكر فيما قدمتم (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) إنما كرر الأمر بالتقوى ، لأن الأولى للتوبة عما مضى من الذنوب ، والثانية لاتقاء المعاصي في المستقبل. وقيل : إن الثانية تأكيد للأولى (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩)) [سورة الحشر : ١٩]؟!

الجواب / قال عبد العزيز بن مسلم : سألت الرضا علي بن موسى عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) (٢). فقال : «إن الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو ، وإنما ينسى ويسهو المخلوق المحدث ، ألا تسمعه عزوجل يقول : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (٣)؟ وإنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم ، كما قال عزوجل ؛ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ، وقوله عزوجل : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) (٤) أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا» (٥).

أقول : والنقطة الجديرة بالملاحظة أن القرآن الكريم يعلن هنا ـ بصراحة

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٤٣٥ ـ ٤٣٩.

(٢) التوبة : ٦٧.

(٣) مريم : ٦٤.

(٤) الأعراف : ٥١.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٢٥ ، ح ١٨.

٤٣

ـ أن الغفلة عن الله تسبب الغفلة عن الذات ، ودليل ذلك واضح أيضا ، لأن نسيان الله يؤدي إلى انغماس الإنسان في اللذات المادية ، والشهوات الحيوانية من جهة ، وينسى خالقه ، وبالتالي فهو يغفل عن ادخار ما ينبىء له في يوم القيامة.

كما أن نسيان الله مع نسيان الصفات القدسية له ، وله سبحانه الوجود المطلق والعالم اللامتناهي ، والغنى اللامحدود ... جميعه له سبحانه ، وكل ما هو غيره مرتبط به ، ومحتاج لذاته المقدسة ينسيه واقعيته وهويته الإنسانية ، وكذلك فإن الله قد يصور للإنسان أنه غني ومستقل وغير محتاج له (١) ...

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠)) [سورة الحشر : ٢٠]؟!

الجواب / قال الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : حدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلا هذه الآية : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحاب الجنة من أطاعني وسلم لعلي بن أبي طالب بعدي وأقر بولايته ، وأصحاب النار من سخط الولاية ونقض العهد وقاتله بعدي» (٢).

أقول : من الطبيعي أن هذا هو أحد المصاديق الواضحة لمفهوم الآية ، ولا يمثل عموميتها.

__________________

(١) الميزان : ج ١٩ ، ص ٢٥٣.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٨٠ ، ح ٢٢.

٤٤

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)) [سورة الحشر : ٢١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم عظم سبحانه حال القرآن فقال : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) تقديره لو كان الجبل مما ينزل عليه القرآن ، ويشعر به مع غلظه وجفاء طبعه ، وكبر جسمه ، لخشع لمنزله ، وتصدع من خشية الله ، تعظيما لشأنه ، فالإنسان أحق بهذا لو عقل الأحكام التي فيه. وقيل : معناه لو كان الكلام ببلاغته ، يصدع الجبل لكان هذا القرآن يصدعه. وقيل : إن المراد به ما يقتضيه الظاهر بدلالة قوله : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) وهذا وصف للكافر بالقسوة ، حيث لم يلن قلبه لمواعظ القرآن الذي لو نزل على جبل لتخشع. ويدل على أن هذا تمثيل قوله : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) أي ليتفكروا ويعتبروا (١).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤)) [سورة الحشر : ٢٢ ـ ٢٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (عالِمُ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٤٤٠.

٤٥

الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) : «عالم الغيب : ما لم يكن ، والشهادة : ما قد كان» (١).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) ، قال : القدوس : هو البريء من شوائب الآفات الموجبات للجهل ، قوله تعالى : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ) ، قال : يأمن أولياؤه من العذاب ، قوله تعالى : (الْمُهَيْمِنُ) أي الشاهد ، قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ) هو الذي يخلق الشيء لا من شيء (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢).

وقال هشام بن الحكم ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها ، [الله] مما هو مشتق؟ قال : فقال لي : «يا هشام ، الله مشتق من أله ، والإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد ، أفهمت يا هشام؟» قال : فقلت : زدني.

فقال : «إن لله تسعة وتسعين اسما ، فلو كان الاسم هو المسمّى ، لكان كل اسم منها إلها ، ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره. يا هشام ، الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق ، أفهمت ـ يا هشام ـ فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا المتخذين مع الله عزوجل غيره؟» قلت : نعم ، قال : فقال : «نفعك الله وثبتك ، يا هشام» قال هشام : فو الله ما قهرني أحد في التوحيد حين قمت من مقامي هذا (٣).

وقال علي بن أبي طالب عليهم‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحد ، من أحصاها دخل الجنّة ، وهي : الله ،

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ١٤٦ ، ح ١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٠.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٦٨ ، ح ٢.

٤٦

الإله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العلي ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، البارىء ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحي ، الحكيم ، العليم ، الحكيم ، الحفيظ ، الحقّ ، الحسيب ، الحميد ، الخفي ، الرب ، الرحمن ، الرحيم ، الذارىء ، الرزاق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السّلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، السيد ، السبوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ، العدل ، العفو ، الغفور ، الغني ، الغياث ، القاطر ، الفرد ، الفتاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدوس ، القوي ، القريب ، القيوم ، القابض ، الباسط ، قاضي الحاجات ، المجيد ، المولى ، المنان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصور ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضّر ، الوتر ، النور ، الوهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفيّ ، الوكيل ، الوارث ، البر ، الباعث ، التواب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي» (١).

٣ ـ قال هشام بن الحكم : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن سبحان الله ، فقال : «أنفة لله» (٢).

وفي رواية أخرى : قال هشام بن سالم الجواليقيّ : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله عزوجل : (سُبْحانَ اللهِ) ما يعني به؟ قال : «تنزيهه» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا سلم أحدكم فليجهر بسلامه لا يقول : سلمت فلم يردوا علي ، ولعله يكون قد سلم ولم يسمعهم ، فإذا رد أحدكم فليجهر برده ولا يقول المسلم : سلمت فلم يردوا علي». ثم قال : «كان علي عليه‌السلام يقول : لا تغضبوا ولا تغضبوا ، افشوا السّلام ، وأطيبوا الكلام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام» ثم تلا عليهم قول الله عزوجل : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ) (٤).

__________________

(١) التوحيد : ص ١٩٤ ، ح ٨.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٩٢ ، ح ١٠.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٩٢ ، ح ١١.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٧١ ، ح ٧.

٤٧
٤٨

تفسير

سورة الممتحنة

رقم السورة ـ ٦٠ ـ

٤٩
٥٠

سورة الممتحنة

* س ١ : ما هو فضل سورة الممتحنة؟!

الجواب / قال علي بن الحسين عليه‌السلام : «من قرأ سورة الممتحنة في فرائضه ونوافله ، امتحن الله قلبه للإيمان ، ونوّر له بصره ، ولا يصيبه فقر أبدا ، ولا جنون في بدنه ولا في يده» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة صلّت عليه الملائكة واستغفرت له ، وإذا مات في يومه أو ليلته مات شهيدا ، وكان المؤمنون شفعاؤه يوم القيامة ، ومن كتبها وشربها ثلاثة أيام متوالية لم يبق له طحال (٢) ، وأمن من وجعه وزيادته ، وتعلق الرياح مدة حياته بإذن الله تعالى» (٣).

* س ٢ : ما هو سبب نزول ، قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٨.

(٢) الطحال : داء يصيب الطحال. «أقرب الموارد ـ طحل ـ ج ١ ، ص ٦٩٩».

(٣) خواص القرآن : ص ٩.

٥١

وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣)) [سورة الممتحنة : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، ولفظ الآية عامّ ، ومعناه خاص ، وكان سبب ذلك أن حاطب بن أبي بلتعة كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة ، وكان عياله بمكّة ، وكانت قريش تخاف أن يغزوهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصاروا إلى عيال حاطب ، وسألوهم أن يكتبوا إلى حاطب يسألونه عن خبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهل يريد أن يغزو مكة ، فكتبوا إلى حاطب يسألونه عن ذلك ، فكتب إليهم حاطب : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد ذلك ، ودفع الكتاب إلى امرأة تسمى صفيّة ، فوضعته في قرنها (١) ومرّت ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره بذلك.

فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليه‌السلام والزّبير بن العوام في طلبها فلحقاها ، فقال لها أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أين الكتاب؟» فقالت : ما معي شيء ، ففتّشاها فلم يجدا معها شيئا ، فقال الزبير : ما نرى معها شيئا ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «والله ما كذبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا كذب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جبرئيل عليه‌السلام ، ولا كذب جبرئيل على الله جل ثناؤه ، والله لتظهرن الكتاب أو لأوردن رأسك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقالت : تنحّيا حتى أخرجه ، فأخرجت الكتاب من قرونها ، فأخذه أمير المؤمنين عليه‌السلام وجاء به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا حاطب ما هذا؟» فقال حاطب : والله ـ يا رسول الله ـ ما نافقت ولا غيرت ولا بدلت ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقا ، ولكن أهلي وعيالي كتبوا إلي بحسن صنع قريش إليهم فأحببت أن أجازي قريشا بحسن معاشرتهم ، فأنزل الله جل ثناؤه على

__________________

(١) القرن : ذؤابة المرأة ، يقال : لها قرون طوال ، أي ذوائب ، والخصلة من الشعر. «أقرب الموارد ـ قرن ـ ج ٢ ، ص ٩٩٢».

٥٢

رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ـ إلى قوله تعالى ـ (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦)) [سورة الممتحنة : ٤ ـ ٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم ضرب سبحانه لهم إبراهيم مثلا في ترك موالاة الكفار ، فقال : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي اقتداء حسن (فِي إِبْراهِيمَ) خليل الله (وَالَّذِينَ مَعَهُ) ممن آمن به واتبعه. وقيل : الذين معه من الأنبياء ، (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ) الكفار (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) فلا نواليكم (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي وبراء من الأصنام التي تعبدونها. ويجوز أن يكون (مِمَّا) مصدرية ، فيكون المعنى : ومن عبادتكم الأصنام (كَفَرْنا بِكُمْ) أي يقولون لهم : جحدنا دينكم ، وأنكرنا معبودكم (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً) فلا يكون بيننا وبينكم موالاة في الدين (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) أي تصدقوا بوحدانية الله ، وإخلاص التوحيد والعبادة له. قال الفراء : يقول الله تعالى أفلا تأتسي يا حاطب بإبراهيم وقومه ، فتبرأ من أهلك كما

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦١.

٥٣

تبرأوا منهم أي : من قومهم الكفار (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) أي اقتدوا بإبراهيم في كل أموره إلا في هذا القول ، فلا تقتدوا فيه ، فإنه عليه‌السلام إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه بالإيمان. فلما تبين له أنه عدو لله ، تبرأ منه. قال الحسن : وإنما تبين له ذلك عند موت أبيه ، ولو لم يستثن ذلك ، لظن أنه يجوز الاستغفار للكفار مطلقا من غير موعدة بالإيمان منهم ، فنهوا أن يقتدوا به في هذا خاصة ، وقيل : كان آزر ينافق إبراهيم ، ويريه أنه مسلم ، ويعده إظهار الإسلام ، فيستغفر له ، ثم قال : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) إذا أراد عقابك ، ولا يمكنني دفع ذلك ، عنك (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) أي وكانوا يقولون ذلك (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) أي وإلى طاعتك رجعنا (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أي إلى حكمك المرجع وهذه حكاية لقول إبراهيم وقومه. ويحتمل أن يكون تعليما لعباده أن يقولوا ذلك ، فيفوضوا أمورهم إليه ، ويرجعون إليه بالتوبة (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (١) معناه : لا تعذبنا بأيديهم ، ولا ببلاء من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق لما أصابهم هذا البلاء. وقيل : معناه ولا تسلطهم علينا ، فيفتنونا عن دينك. وقيل : معناه ألطف بنا حتى نصبر على أذاهم ، ولا نتبعهم فنصير فتنة لهم. وقيل : معناه اعصمنا من موالاة الكفار ، فإنا إذا واليناهم ، ظنوا أنا صوبناهم. وقيل : معناه لا تخذلنا إذا حاربناهم ، فلو خذلتنا لقالوا : لو كان هؤلاء على الحق لما خذلوا. (وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا) ذنوبنا (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب و (الْحَكِيمُ) الذي لا يفعل إلا الحكمة والصواب. وفي هذا تعليم للمسلمين أن يدعوا بهذا الدعاء.

ثم أعاد سبحانه في ذكر الأسوة فقال : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ) أي في

__________________

(١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما كان من ولد آدم مؤمن إلا فقيرا ، ولا كافر إلا غنيا ، حتى جاء إبراهيم عليه‌السلام فقال : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) فصير الله في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة». (الكافي : ج ٢ ، ص ٢٠٢ ، ح ١).

٥٤

إبراهيم ومن آمن معه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي قدوة حسنة. وإنما أعاد ذكر الأسوة ، لأن الثاني منعقد بغير ما انعقد به الأول ، فإن الثاني فيه بيان أن الأسوة فيهم كان لرجاء ثواب الله ، وحسن المنقلب والأول فيه بيان أن الأسوة في المعاداة للكفار. وقوله : (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) بدل من قوله (لَكُمْ) ، وهو بدل البعض من الكل ، مثل قوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وفيه بيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله ، ويخاف عقاب الآخرة ، وهو قوله : (وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) وقيل : يرجو ثواب الله ، وما يعطيه من ذلك في اليوم الآخر. (وَمَنْ يَتَوَلَ) أي ومن يعرض عن هذا الاقتداء بإبراهيم ، والأنبياء ، والمؤمنين والذين معه ، فقد أخطأ حظ نفسه ، وذهب عما يعود نفعه إليه ، فحذفه لدلالة الكلام عليه وهو قوله : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي الغني عن ذلك ، المحمود في جميع أفعاله ، فلا يضره توليه ، ولكنه ضر نفسه (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧)) [سورة الممتحنة : ٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : «فإن الله أمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين بالبراءة من قومهم ما داموا كفارا».

وقوله تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ) (٢) الآية ، قطع الله عزّ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٤٤٨ ـ ٤٤٩.

(٢) الممتحنة : ٤.

٥٥

وجلّ ولاية المؤمنين [منهم] وأظهروا لهم العداوة فقال : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) فلما أسلم أهل مكة خالطهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وناكحوهم ، وتزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم حبيب بنت أبي سفيان بن حرب ، ثم قال : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ) إلى آخر الآيتين (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩)) [سورة الممتحنة : ٨ ـ ٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أي ليس ينهاكم الله عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على ترك القتال ، وبرهم ومعاملتهم بالعدل وهو قوله : (أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أي وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد. وقيل : إن المسلمين استأمروا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أن يبروا أقرباءهم من المشركين ، وذلك قبل أن يؤمروا بقتال جميع المشركين ، فنزلت هذه الآية ، وهي منسوخة بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وقيل : إنه عنى بالذين لم يقاتلوكم من آمن من أهل مكة ، ولم يهاجر ، وقيل : هي عامة في كل من كان بهذه الصفة. والذي عليه الإجماع أن بر الرجل من يشاء من أهل الحرب ، قرابة كان أو غير قرابة ، ليس بمحرم ، وإنما الخلاف في إعطائهم مال الزكاة والفطرة والكفارات. فلم يجوزه أصحابنا ، وفيه خلاف بين الفقهاء. وقوله : (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) في موضع جر بدل من الذين ، وهو بدل الاشتمال ، وتقديره :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٢.

٥٦

لا ينهاكم الله عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي العادلين. وقيل : يحب الذين يجعلون لقراباتهم قسطا مما في بيوتهم من المطعومات. ثم قال : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) من أهل مكة وغيرهم (وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أي منازلكم وأملاككم (وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ) أي عاونوا على ذلك وعاضدوهم ، وهم العوام والأتباع ، عاونوا رؤساءهم على الباطل (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) أي ينهاكم الله عن أن تولوهم ، وتوادوهم ، وتحبوهم. والمعنى : إن مكاتبتكم بينهم بإظهار سر المؤمنين ، موالاة لهم (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ) منكم أي يوالهم وينصرهم ، (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) يستحقون ذلك العذاب الأليم (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١)) [سورة الممتحنة : ١٠ ـ ١١]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) قال : إذا لحقت امرأة من المشركين بالمسلمين تمتحن بأن تحلف بالله أنه لم يحملها على اللحوق بالمسلمين بغضها لزوجها الكافر ، ولا حبّها لأحد من المسلمين ، وإنما حملها

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٤٥٠.

٥٧

على ذلك الإسلام ، فإذا حلفت على ذلك قبل إسلامها ، ثم قال الله عزوجل : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) يعني يرد المسلم على زوجها الكافر صداقها ثم يتزوجها المسلم ، وهو قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) (١).

وقال الفضيل بن يسار : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن لامرأتي أختا عارفة على رأينا ، وليس على رأينا بالبصرة إلا قليل فأزوجها ممن لا يرى رأيها؟ فقال : «لا ، ولا نعمة ، إن الله عزوجل يقول : (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (٢).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «لا ينبغي نكاح أهل الكتاب» قلت : جعلت فداك ، وأين تحريمه؟ قال : «قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (٣).

وقال زرارة بن أعين : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (٤) ، فقال : «هذه منسوخة بقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (٥).

وقال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) ، يقول : «من كانت عنده امرأة كافرة يعني على غير ملّة الإسلام وهو على ملة الإسلام ، فليعرض عليها الإسلام ، فإن قبلت فهي امرأته ، وإلا فهي بريئة منه ، نهى الله أن يمسك بعصمها» (٦).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٢.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٤٩ ، ح ٦.

(٣) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٥٨ ، ح ٧.

(٤) المائدة : ٥.

(٥) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٥٨ ، ح ٨.

(٦) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٣.

٥٨

٣ ـ قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) يعني إذا لحقت امرأة من المسلمين بالكفار ، فعلى الكافر أن يرد على المسلم صداقها ، فإن لم يفعل الكافر وغنم المسلمون غنيمة أخذ منها قبل القسمة صداق المرأة اللاحقة بالكفار.

وقال في قوله تعالى : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) يقول : يلحقن بالكفار الذين لا عهد بينكم وبينهم ، فأصبتم غنيمة (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) قال : وكان سبب [نزول] ذلك أن عمر بن الخطاب كانت عنده فاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة ، فكرهت الهجرة معه ، وأقامت مع المشركين ، فنكحها معاوية بن أبي سفيان ، فأمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعطي عمر مثل صداقها (١).

وعن صالح بن سعيد وغيره من أصحاب يونس ، عن أصحابه ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، قال : قلت : رجل لحقت امرأته بالكفار ، وقد قال الله عزوجل : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) ما معنى العقوبة ها هنا؟ قال : «إن الذي ذهبت امرأته فعاقب على امرأة أخرى غيرها ـ يعني تزوجها ـ فإذا تزوج امرأة أخرى غيرها فعلى الإمام أن يعطيه مهر امرأته الذاهبة».

فسألته : فكيف صار المؤمنون يردّون على زوجها المهر بغير فعل منهم في ذهابها ، وعلى المؤمنين أن يردوا على زوجها ما أنفق عليها مما يصيب المؤمنون؟ قال : «يرد الإمام عليه ، أصابوا من الكفار أو لم يصيبوا ، لأن على الإمام أن يجبر صاحبه ـ وقيل : جماعة (٢) ـ من تحت يده ، وإن حضرت القسمة فله أن يسد كل نائبة تنوبه قبل القسمة ، وإن بقي بعد ذلك شيء قسمه

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٣.

(٢) التهذيب : ج ٦ ، ص ٣١٣ ، ح ٨٦٥.

٥٩

بينهم ، وإن لم يبق لهم شيء فلا شيء لهم» (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢)) [سورة الممتحنة : ١٢]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة بايع الرجال ، ثم جاء النساء يبايعنه ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) (٢) (يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فقالت هند : أما الولد فقد ربينا صغارا وقتلتهم كبارا ، وقالت أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل : يا رسول الله ، ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله به أن لا نعصيك فيه؟ فقال : لا تلطمن خدا ، ولا تخمشن وجها ، ولا تنتفن شعرا ، ولا تشققن جيبا ، ولا تسودن ثوبا ، ولا تدعين بويل ، فبايعهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا.

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٥١٧ ، ح ٦.

(٢) قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : «أن فاطمة بنت أسد أول امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة إلى المدينة على قدميها» «مناقب الخوارزمي : ص ١٩٦». وقال عليه‌السلام أيضا : «إن فاطمة بنت أسد أم علي عليه‌السلام كانت حادية عشرة ـ يعني في السابقة إلى الإسلام ـ وكانت بدريّة». ولما نزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) كانت فاطمة أول امرأة بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» ، (مقاتل الطالبيين : ج ٥). وقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «ودفنت بالرّوحاء مقابل حمام أبي قطيفة».

٦٠