التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

تنفقونه في سبيل الله (١).

ثم قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا) ، قال : «هي الزلزلة» وقال ابن عباس : فتّت فتا (٢).

وقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل تدرون ما تفسير هذه الآية : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا)؟ قال : إذا كان يوم القيامة تقاد جهنم بسبعين ألف زمام بيد سبعين ألف ملك ، فتشرد شردة لو لا أن الله تعالى حبسها لأحرقت السماوات والأرض» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) قال : اسم الملك واحد ، ومعناه جمع (٤).

وقال الحسين بن علي بن فضّال : سألت الرضا عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) فقال : «إن الله عزوجل لا يوصف بالمجيء والذهاب ، تعالى الله عن الانتقال ، إنما يعني بذلك وجاء أمر ربك والملك صفا صفا» (٥).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤)) [سورة الفجر : ٢٣ ـ ٢٤]؟!

الجواب / ١ ـ جاء في (تحفة الإخوان) : بحذف الإسناد ، عن أبي سعيد الخدري ، وسلمان الفارسي ، قال : لما نزلت هذه الآية تغير وجه رسول

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٠.

(٣) الأمالي : ج ١ ، ص ٣٤٦.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٠.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٢٥ ، ح ١٩.

٤٠١

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعرف ذلك من وجهه حتى اشتدّ على الصحابة وعظم عليهم ما رأوا من حاله ، فانطلق بعضهم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقالوا : يا علي ، لقد حدث أمر رأيناه في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : فأتى علي عليه‌السلام فاحتضنه من خلفه وقبّل ما بين عاتقيه ، ثم قال : «يا نبي الله ، بأبي [أنت] وأمّي ، ما الذي حدث عندك اليوم؟».

قال : «جاء جبرئيل ، فأقرأني (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ). فقلت : وكيف يجاء بها؟ قال : يؤمر بجهنم فتقاد بسبعين ألف زمام ، لكل زمام سبعون ألف ملك ، في يد كل ملك مقرعة من حديد ، فيقودونها بأزمّتها وسلاسلها ، ولها قوائم غلاظ شداد ، كل قائمة مسيرة ألف سنة من سنين الدنيا ، ولها ثلاثون ألف رأس ، في كل رأس ثلاثون ألف فم ، في كل فم ثلاثون ألف ناب ، كل ناب مثل جبل أحد ثلاثون ألف مرة ، كل فم له شفتان ، كل واحدة مثل أطباق الدنيا ، في كل شفة سلسلة يقودها سبعون ألف ملك ، كل ملك لو أمره الله أن يلتقم الدنيا كلها والسماوات كلها وما فيهن وما بينهن ، لهان ذلك عليه. فعند ذلك تفزع جهنم وتجزع وتقاد على خوف ، كل ذلك خوفا من الله تعالى ، ثم تقول : أقسمت عليكم يا ملائكة ربي ، هل تدرون ما يريد الله أن يفعل بي ، وهل أذنبت ذنبا حتى استوجبت منه العذاب؟ فيقولون كلهم : لا علم لنا يا جهنم. قال : فتقف وتشهق وتعلق وتضطرب ، وتشرد شردة لو تركت لأحرقت الجمع ، كل ذلك خوفا وفزعا من الله تعالى ، فيأتي النداء من قبل الله تعالى : مهلا مهلا يا جهنم ، لا بأس عليك ، ما خلقتك لشيء أعذبك به ، ولكني خلقتك عذابا ونقمة على من جحدني ، وأكل رزقي ، وعبد غيري ، وأنكر نعمتي ، واتخذ إلها من دوني. فتقول : يا سيدي ، أتأذن لي في السجود [والثناء عليك]؟ فيقول الله : افعلي يا جهنم ، فتسجد لله رب العالمين ، ثم ترفع رأسها بالتسبيح والثناء لله رب العالمين».

قال ابن عباس (رضي الله عنه) : لو سمع أحد من سكان السماوات

٤٠٢

والأرضين زفرة من زفراتها لصعقوا وماتوا أجمعين ، وذابوا كما يذوب الرصاص والنحاس في النار ، فتقوم تمشي على قوائمها ، ولها زفير وشهيق ، وتخطر كما يخطر البعير الهائج ، وترمي من أفواهها ومناخرها شررا كالقصر كأنه جمالة صفر ، فتغشي الخلق ظلمة دخانها حتى لم يبق أحد ينظر إلى أحد من شدة الظلام ، إلا من جعل الله له نورا من صالح عمله ، فيضيء له تلك الظلمة ، فتقودها الزبانية الغلاظ الشداد لا يعصون الله فيما أمرهم [ويفعلون ما يؤمرون] حتى إذا نظرت الخلائق إليها تزفر وتشهق وتفور تكاد تميز من الغيظ ، ثم تقرب أنيابها إلى بعض ، وترمى بشرر عدد نجوم السماء ، كل شرارة بقدر السحابة العظيمة ، فتطير منها الأفئدة ، وترجف منها القلوب ، وتذهل الألباب ، وتحسر الأبصار ، وترتعد الفرائص.

ثم تزفر الثانية ، فلم يبق قطرة في عين مخلوق إلا وانهملت وانسكبت ، فتبلغ القلوب الحناجر من الكرب ، ويشتد الفزع ، ثم تزفر الثالثة فلو كان كل نبي عمل عمل سبعين نبيا لظن أنه مواقعها ، ولم يجد عنها مصرفا ، فلم يبق حينئذ نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا ولي منتجب إلا وجثا على ركبتيه ، وبلغت نفسه تراقيه ، ثم يعرض لها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول : مالي ومالك ـ يا محمد ـ فقد حرّم الله لحمك علي ، فلا يبقى يومئذ أحد إلا قال : نفسي نفسي ، إلا نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه يقول : «أمتي أمتي ، وعدك وعدك يا من لا يخلف الميعاد» (١).

٢ ـ أقول : نعم فحينما يرى المذنب كل تلك الحوادث تهتز فرائصه ويتزلزل رعبا ، فيستيقظ من غفلته ويعيش حالة الهم والغمّ ، ويتحسر على كل لحظة مرّت من حياته بعدما يرى ما قدّمت يداه ، ولكن. هل للحسرة حينها من فائدة عليه؟! وكم سيتمنى المذنب لو تسنح له الفرصة ثانية للرجوع إلى الدنيا وإصلاح ما أفسد ، ولكنّه سيرى أبواب العودة مغلقة ، ولا من مخرج! ... ويودّ التوبة ... وهل للتوبة من معنى بعد غلق أبوابها؟! ويريد أن

__________________

(١) تحفة الأخوان : ص ١١١ «مخطوط».

٤٠٣

يعمل صالحا .. ولكن أين؟ فقد طويت صحائف الأعمال ، ويومها يوم حساب بلا عمل! ... وعندها ... يصرخ بملأ كيانه : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي). وفي قولته نكتة لطيفة ، فهو لا يقول قدّمت لأخرتي بل «لحياتي» ، وكأنّ المعنى الحقيقي للحياة لا يتجسد إلأ في الآخرة. كما أشارت لهذه الآية (٦٤) من سورة العنكبوت : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) نعم ، ففي دنياهم : يسرقون أموال اليتامى ، لو يطعموا المساكين ، يأخذون من إلارث أكثر ممّا يستحقون ويحبون المال حبّا جمّا ... وفي أخراهم ، يقول كلّ منهم : يا ليتني قدّمت لحياتي الحقيقية الباقية ... ولكنّ التمني ليس أكثر من رأس مال المفلسين.

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦)) [سورة الفجر : ٢٥ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال معروف بن خرّبوذ : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : «يابن خربوذ ، أتدري ما تأويل هذه الآية (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ)؟ قلت : لا. قال : «ذلك الثاني ، لا يعذب الله يوم القيامة عذابه أحد» (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)) [سورة الفجر : ٢٧ ـ ٣٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : إذا حضر المؤمن الوفاة ، نادى مناد من عند الله : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) بولاية علي (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً)(٢) المطمئنة بولاية علي مرضية بالثواب ، (فَادْخُلِي فِي عِبادِي

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٩٥ ، ح ٥.

(٢) وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يعني الحسين بن علي عليه‌السلام». (تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٢).

٤٠٤

وَادْخُلِي جَنَّتِي) فلا يكون له همّة إلا اللّحوق بالنداء (١). وقال سدير الصيرفي : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، جعلت فداك ، يا بن رسول الله ، هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال : «لا والله ، إنه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك ، فيقول [له] ملك الموت : يا ولي الله ، لا تجزع ، فو الذي بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك ، افتح عينيك فانظر ، قال : ويمثل له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين ، وفاطمة الزهراء ، والحسن ، والحسين ، والأئمة من ذريتهم عليهم‌السلام ، فيقال له : هذا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم‌السلام رفقاؤك. قال : فيفتح عينيه ، فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة ، فيقول : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) ، إلى محمد وأهل بيته (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً) بالولاية (مَرْضِيَّةً) بالثواب (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) يعني محمدا وأهل بيته (وَادْخُلِي جَنَّتِي) فما شيء أحب إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي» (٢). وقال داود بن فرقد : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم ، فإنها سورة الحسين بن علي ، وارغبوا فيها رحمكم الله» فقال له أبو أسامة وكان حاضر المجلس : كيف صارت هذه السورة للحسين عليه‌السلام خاصة؟ فقال : «ألا تسمع إلى قوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) إنما يعني الحسين بن علي عليهما‌السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة وأصحابه من آل محمد (صلوات الله عليهم) الراضون عن الله يوم القيامة وهو راض عنهم ، وهذه السورة [نزلت] في الحسين بن علي عليهما‌السلام وشيعته ، وشيعة آل محمد خاصة ، من أدمن قراءة الفجر كان مع الحسين عليه‌السلام في درجته في الجنّة ، إن الله عزيز حكيم» (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٢.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ١٢٧ ، ح ٢.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٩٦ ، ح ٨.

٤٠٥
٤٠٦

سورة البلد

* س ١ : ما هو فضل سورة البلد؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من كان قراءته في فريضة (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) كان في الدنيا معروفا أنه من الصالحين ، وكان في الآخرة معروفا أن له من الله مكانا ، وكان يوم القيامة من رفقاء النبيين والشهداء والصالحين» (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأها نجّاه الله تعالى يوم القيامة من صعوبة العقبة ، ومن كتبها وعلقها على مولود أمن من كل آفة ومن بكاء الأطفال ، ونجاه الله من أم الصبيان (٢)» (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «إذا علقت على الطفل أمن من النقص ، وإذا سعط من مائها أيضا برىء مما يؤلم الخياشيم ، ونشأ نشوءا صالحا» (٤).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٣.

(٢) وهي ريح تعرض لهم. «مجمع البحرين : ج ١ ، ص ٢٦٠».

(٣) البرهان : ج ١٠ ، ص ٢٧٨.

(٤) خواص القرآن : ص ١٤ «مخطوط».

٤٠٧

النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)) [سورة البلد : ١ ـ ٢٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ)(١) ، [والبلد مكة] (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ)(٢) ، قال : كانت قريش لا يستحلون أن يظلموا أحدا في هذا البلد ، ويستحلون ظلمك فيه (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ)(٣) ، قال : آدم وما ولد من الأنبياء والأوصياء (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ)(٤) ، قال : منتصبا ، ولم يخلق مثله شيء (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) قال : اللبد : المجتمع (٥).

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) ، قال : «هو عمرو بن عبدودّ حين عرض عليه علي بن أبي طالب عليه‌السلام الإسلام يوم الخندق ، وقال : فأين ما أنفقت فيكم مالا لبدا؟

__________________

(١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) [الواقعة : ٧٥] : «كان أهل الجاهلية يحلفون بها ، فقال الله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) ، قال : عظّم أمر من يحلف بها ، قال : وكانت الجاهلية يعظّمون المحرّم ولا يقسمون به ولا بشهر رجب ، ولا يعرضون فيهما لمن كان فيهما ذاهبا أو جائيا ، وإن كان قد قتل أباه ، ولا لشيء [يخرج] من الحرم ، دابة أو شاة أو بعير أو غير ذلك ، فقال الله عزوجل : [لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) ، قال : فبلغ من جهلهم أنهم استحلوا قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وعظّموا أيام الشهر حيث يقسمون به فيفون». (الكافي : ج ٧ ، ص ٤٥٠ ، ح ٤).

(٢) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٩٨ ، ح ٢).

(٣) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «علي وما ولد». (نفس المصدر).

(٤) قال الحسن عليه‌السلام : «لا أعلم خليقة تكابد من الأمر ما يكابد الإنسان ، يكابد مضائق الدنيا وشدائد الآخرة». (ربيع : ج ٣ ، ص ٣٩٤).

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٢.

٤٠٨

وكان أنفق مالا في الصدّ عن سبيل الله ، فقتله علي عليه‌السلام» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) : «يعني نعثل في قتله بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) يعني الذي جهّز به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جيش العسرة (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) قال : فساد كان في نفسه ، (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) ، يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَلِساناً) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَشَفَتَيْنِ) يعني الحسن والحسين عليهما‌السلام (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)(٢) إلى ولايتهما (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) يقول : ما أعلمك؟ وكل شيء في القرآن (وما أدراك) فهو ما أعلمك؟ (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمقربة قرباه (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) يعني أمير المؤمنين متربا بالعلم» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان السبب في تزويج رقية من عثمان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نادى في أصحابه : من جهز جيش العسرة وحفر بئر رومة (٤) وأنفق عليهما من ماله ، ضمنت له على الله بيتا في الجنّة ، فأنفق عثمان على الجيش والبئر ، فصار له البيت في الجنة ، فقال عثمان ابن عفان : [أنا] أنفق عليهما من مالي ، وتضمن لي البيت في الجنّة؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنفق ـ يا عثمان ـ عليهما ، وأنا الضامن [لك] على الله بيتا في الجنة ، فأنفق عثمان على الجيش والبئر ، فصار له البيت في ضمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فألقي في قلب عثمان أن يخطب رقية ، فخطبها من رسول الله ، فقال : إن رقية تقول لا تزوجك نفسها إلا بتسليم البيت الذي ضمنته لك [عند الله عزوجل] في الجنة إليها

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٢.

(٢) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نجد الخير ونجد الشرّ». (الكافي : ج ١ ، ص ١٢٤ ، ح ٤).

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٣.

(٤) وهي في عقيق المدينة. «معجم البلدان : ج ١ ، ص ٢٩٩».

٤٠٩

بصداقها ، وإني أبرأ من ضماني لك البيت في الجنة بتسليمه إليها ، إن ماتت رقية أو عاشت. فقال عثمان : أفعل ، يا رسول الله. فزوّجها إياه ، وأشهد في الوقت أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد برىء من ضمان البيت لعثمان ، وأن البيت لرقيّة دونه ، لا رجعة لعثمان على رسول الله في البيت ، عاشت رقية أو ماتت ، ثم إن رقيّة توفيت قبل أن تجتمع وعثمان» (١).

وقال أبان بن تغلب : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، جعلت فداك [قوله] : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)؟ «من أكرمه الله بولايتنا ، فقد جاز العقبة ، ونحن تلك العقبة التي من اقتحمها نجا».

قال : فسكت ، فقال : «هل أفيدك حرفا ، خير [لك] من الدنيا وما فيها؟». قلت : بلى جعلت فداك. قال : «قوله : (فَكُّ رَقَبَةٍ) ثم قال : «الناس كلهم عبيد النار غيرك وأصحابك ، فإن الله فك رقابكم من النار بولايتنا أهل البيت» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بنا تفك الرقاب ، وبمعرفتنا ، ونحن المطعمون في يوم الجوع وهو المسغبة» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من أطعم مؤمنا حتى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة ، لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، إلا الله رب العالمين». ثم قال : «من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان». ثم قرأ قول الله عزوجل : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ)(٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) : «إن فوق

__________________

(١) الهداية الكبرى : ص ٣٩.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٧ ، ح ٨٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٣.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ١٦١ ، ح ٦.

٤١٠

الصراط عقبة كؤودا ، طولها ثلاثة آلاف عام ، ألف عام هبوط ، وألف عام شوك وحسك وعقارب وحيات ، وألف عام صعود ، أنا أوّل من يقطع تلك العقبة ، وثاني من يقطع تلك العقبة علي بن أبي طالب» وقال بعد كلام : «لا يقطعها في غير مشقة إلا محمد وأهل بيته» الخبر (١).

وقال الباقر عليه‌السلام : «نحن العقبة التي من اقتحمها نجا». ثم [قال] : (فَكُّ رَقَبَةٍ) الناس كلهم عبيد النار ما خلا نحن وشيعتنا ، فك الله رقابهم من النار» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) ، قال : العقبة : الأئمّة ، من صعدها فك رقبته من النار (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) قال : لا يقيه من التّراب شيء (٣).

وقال ابن عباس ، في قوله تعالى : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) على فرائض الله عزوجل : (وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) فيما بينهم ، ولا يقبل هذا إلا من مؤمن (٤).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) قال : أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) قال : الذين خالفوا أمير المؤمنين عليه‌السلام (هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) وقال : أصحاب المشأمة : أعداء آل محمد (عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ) أي مطبقة (٥).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في حديث طويل ، يصف فيه أهل النار ـ : «ثم يعلق على كل غصن من الزقوم سبعون ألف رجل ، ما ينحني ولا ينكسر ، فتدخل النار من أدبارهم ، فتطلع على الأفئدة». وفي آخر الحديث : «وهي عليهم مؤصدة ، أي مطبقة» (٦).

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٢ ، ص ١٥٥.

(٢) المناقب : ج ٢ ، ص ١٥٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٣.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٣.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٣.

(٦) الاختصاص : ص ٣٦٤.

٤١١
٤١٢

تفسير سورة

الشمس ـ الليل

الضحى

رقم السورة

ـ ٩١ ـ ٩٢ ـ ٩٣ ـ

٤١٣
٤١٤

سورة الشمس

* س ١ : ما هو فضل سورة الشمس؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من أكثر قراءة (وَالشَّمْسِ) و (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) و (وَالضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ) في يوم أو ليلة ، لم يبق شيء بحضرته إلا شهد له يوم القيامة ، حتى شعره وبشره ولحمه ودمه وعروقه وعصبه وعظامه ، وكل ما أقلّته الأرض معه ، ويقول الرب تبارك وتعالى : قبلت شهادتكم لعبدي ، وأجزتها له ، انطلقوا به إلى جناني حتى يتخير منها حيث ما أحبّ ، فأعطوه [إيّاها] من غير منّ ، ولكن رحمة مني وفضلا عليه ، وهنيئا لعبدي» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة ، فكأنّما تصدق على من طلعت عليه الشمس والقمر ، ومن كان قليل التوفيق فليدمن قراءتها ، فيوفقه الله تعالى أينما يتوجه ، وفيها زيادة حفظ وقبول عند جميع الناس ورفعه» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «يستحب لمن يكون قليل الرزق والتوفيق كثير الخسران والحسرات أن يدمن في قراءتها ، يصيب فيها زيادة وتوفيقا ، ومن شرب ماءها أسكن عنه الرجف بإذن الله تعالى» (٣).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٣.

(٢) خواص القرآن : ص ١٤ «مخطوط».

(٣) المصدر السابق نفسه.

٤١٥

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤) وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)) [سورة الشمس : ١ ـ ١٥]؟!

الجواب / قال سليمان الديلمي : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها)؟ قال : «الشمس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوضح للناس دينهم». قلت : (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها)؟ قال : «ذاك أمير المؤمنين عليه‌السلام ، تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قلت : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها)؟ قال : «ذاك الإمام من ذرية فاطمة نسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيجلي ظلام الجور والظلم ، فحكى الله سبحانه عنه ، فقال : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) يعني به القائم عليه‌السلام».

قلت : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها)؟ قال : «ذاك أئمة الجور ، الذين استبدوا بالأمور دون آل الرسول وجلسوا مجلسا كان آل الرسول أولى به منهم ، فغشوا دين الله بالجور والظّلم ، فحكى الله سبحانه فعلهم فقال : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها)(١).

وقال رسول الله عليه‌السلام : «مثلي فيكم مثل الشمس ، ومثل علي مثل القمر ، فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر» (٢).

وقال ابن عباس ، في قول الله عزوجل : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) ، قال : هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) ، قال : علي بن أبي طالب عليه‌السلام (وَالنَّهارِ

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٨٠٥ ، ح ٣.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٨٠٦ ، ح ٥.

٤١٦

إِذا جَلَّاها) ، [قال] : الحسن والحسين عليهما‌السلام (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) بنو أمية.

ثم قال ابن عباس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بعثني الله نبيا ، فأتيت بني أمية ، فقلت : يا بني أمية ، إني رسول الله إليكم ، قالوا : كذبت ، ما أنت برسول ، ثم أتيت بني هاشم ، فقلت : إني رسول الله إليكم ، فآمن بي علي بن أبي طالب سرا وجهرا ، وحماني أبو طالب جهرا ، وآمن بي سرا ، ثم بعث الله جبرئيل عليه‌السلام بلوائه ، فركزه في بني هاشم ، وبعث إبليس بلوائه فركزه في بني أمية ، فلا يزالون أعداءنا ، وشيعتهم أعداء شيعتنا إلى يوم القيامة» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : في قوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) : «الشمس أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وضحاها : قيام القائم عليه‌السلام ، لأن الله سبحانه قال : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)(٢) ، (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) الحسن والحسين عليهما‌السلام (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) هو قيام القائم عليه‌السلام (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) حبتر ودولته ، قد غشى عليه الحقّ».

وأما قوله : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) ، قال : «هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هو السماء الذي يسمو إليه الخلق في العلم». وقوله : (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) ، قال : «الأرض : الشيعة» (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) ، قال : «هو المؤمن المستور وهو على الحق» وقوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) ، قال : «عرفت الحق من الباطل ، فذلك قوله : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) ، قال : «قد أفلحت نفس زكاها الله (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) الله».

وقوله : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) ، قال : «ثمود : رهط من الشيعة ، فإن الله سبحانه يقول : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ)(٣) وهو السيف إذا قام القائم عليه‌السلام ، وقوله تعالى : (فَقالَ لَهُمْ

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٨٠٦ ، ح ٦.

(٢) طه : ٥٩.

(٣) فصلت : ١٧.

٤١٧

رَسُولُ اللهِ) [هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم]». (ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها) ، قال : «الناقة : الإمام الذي فهم عن الله [وفهم عن رسوله] ، وسقياها ، أي عنده مستقى العلم». (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) قال : «في الرجعة» (وَلا يَخافُ عُقْباها) ، قال : لا يخاف من مثلها إذا رجع» (١).

وقال علي بن إبراهيم : قوله : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) ، قال : خلقها وصورها ، وقوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) أي عرفها وألهمها ثم خيرها فاختارت (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بيّن لها ما تأتي وما تترك» (٣).

وقال علي بن إبراهيم القمي : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) يعني نفسه ، طهّرها (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) أي أغواها (٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) : «الطغيان حملها على التكذيب» (٥).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) : الذي عقر الناقة ، قوله : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) ، قال : أخذهم بغتة وغفلة بالليل (وَلا يَخافُ عُقْباها) ، قال : من بعد هؤلاء الذين أهلكناهم لا تخافوا (٦).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٨٠٣ ، ح ١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٤.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ١٢٤ ، ح ٣.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٤.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٤.

(٦) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٤.

٤١٨

سورة اللّيل

* س ١ : ما هو فضل سورة اللّيل؟!

الجواب / روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة أعطاه الله تعالى حتى يرضى ، وأزال عنه العسر ، ويسر له اليسر ، وأغناه من فضله ، ومن قرأها قبل أن ينام خمس عشرة مرة ، لم ير في منامه إلا ما يحبّ من الخير ، ولا يرى في منامه سوءا ، ومن صلّى بها في العشاء الآخرة كأنما صلّى بربع القرآن ، وقبلت صلاته» (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أدمن قراءتها أعطاه الله مناه حتى يرضى ، وزال عنه العسر ، وسهل الله له اليسر ، ومن قرأها عند النوم عشرين مرة ، لم ير في منامه إلا خيرا ، ولم ير سوءا أبدا ، ومن صلى بها العشاء الآخرة فكأنما قرأ القرآن كله ، وتقبل صلاته» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من قرأها خمس عشرة مرة ، لم ير ما يكره ، ونام بخير ، وآمنه الله تعالى ، ومن قرأها في أذن مغشيّ عليه أو مصروع ، أفاق من ساعته» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)) [سورة اللّيل : ١ ـ ٤]؟!

__________________

(١) خواص القرآن : ص ١٤ «مخطوط».

(٢) البرهان : ج ١٠ ، ص ٢٩٩.

(٣) خواص القرآن : ص ١٤ «نحوه».

٤١٩

الجواب / قال علي بن مهزيار ، قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : قول الله عزوجل : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) ، وقوله عزوجل : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى)(١) ، وما أشبه ذلك؟ فقال : «إنّ لله عزوجل أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه إن يقسموا إلا به عزوجل» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) : حين يغشى النهار ، وهو قسم. (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) إذا أضاء وأشرق (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) ، إنما يعني ، والذي خلق الذكر والأنثى ، قسم وجواب القسم (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) ، قال : منكم من يسعى في الخير ، ومنكم من يسعى في الشر (٣).

وقال محمد بن مسلم : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) ، قال : «الليل في هذا الموضع الثاني ، يغشى أمير المؤمنين عليه‌السلام في دولته التي جرت له عليه ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام يصبر في دولتهم حتى تنقضي».

قال : (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) ، قال : «النهار هو القائم عليه‌السلام منا أهل البيت ، إذا قام غلبت دولته دولة الباطل ، والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس ، وخاطب نبيه به ونحن ، فليس يعلمه غيرنا» (٤).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١)

__________________

(١) النجم : ١.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ، ص ٢٣٦ ، ح ١١٢٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٢٥.

٤٢٠